المُلا عثمان الموصلِيّ والذكرى المئوية لرحيله- الجزء الرابع

                                                     

               الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
                   أستاذ متمرس/ جامعة الموصل

                                

المُلا عثمان الموصلِيّ والذكرى المئوية لرحيله- الجزء الرابع

من ألحان المُلا عثمان الموصلِيّ التي حملت صفة العالمية أغنية (البنت الشلبيَّة)، وهي الأغنية التوأم للأغنية التراثية العراقية )يا عذولي لا تلمني فالهوى قتّال). وتُصنَّف هذه الأغنية من ضمن أهم مئة أغنية في العالم العربي، وقد فازت بجائزة أجمل أغنية في إحدى دورات مهرجان البحر المتوسط.

لقد سافر الموصلِيّ إلى بيروت سنة 1906 بناءا على طلب من السلطان عبد الحميد الثاني في إسطنبول، وأقام فيها ثلاثة أشهر، وبقي في بلاد الشام لغاية سنة 1913. فمكث في الشام وحلب قرابة اثنى عشر عاما، وترك هناك بصمات كبيرة وآثار فنية نفيسة لا تزال تتغنى بها الأجيال، مثل أغنية (قدك المياس يا عمري) و (البنت الشلبيَّة) و (أه يا حلو يا مسلِّيني) و (عالروزانا) وغيرها.

إن لحن أغنية (البنت الشلبيَّة) معروف في تركيا، وأشهر من غناه المغنية التركية Deniz Seki تحت عنوان (Böyle Gelmiş Böyle Gider) أي (هذه هي الطريقة التي يمر بها بولي).

لقد انتشر هذا اللحن عالميا في العديد من البلدان وتغنوا به في لغات مختلفة، وبعد قرابة ثلاثة عقود من وفاة المُلا عثمان، ظهر هذا اللحن في الهند. ويذكر (سلامة عبد الحميد) في مدونته بتاريخ 15 ديسمبر 2010 أن أغنية (البنت الشلبيَّة) التي غنتها فيروز مقتبسة أصلا من لحن هندي مطابق عام 1959.

ويؤكد ذلك أيضا الكاتب العراقي المعروف (زيد خلدون جميل) ويذكر أن أغنية (البنت الشلبيَّة) قد اُقتبست من قبل أحد المغنيين الهنود ثم غنتها فيروز.

ويضيف (زيد خلدون جميل): (ومما هو جدير بالذكر أن أشهر أغاني فيروز، "زوروني كل سنة مرة" و "البنت الشلبيَّة" كانتا في الحقيقة من تلحين الموسيقار العراقي العظيم عثمان الموصلِيّ). ويضيف قائلا: (ولم تكشف فيروز أبدا عن مصدر هاتين الأغنيتين وكأنهما من تلحين الأخوين رحباني. والغريب في الأمر أنه عندما غنت فيروز هاتين الأغنيتين، وكان نجاحها في العراق هائلا، لم يذكر أحد الملحن الحقيقي لهما!).

لقد أثير جدل واسع حول أصل لحن (البنت الشلبيَّة)، وقد نطق عَاصِي الرَّحبانِيّ (1923-1986) واعترف صراحة أن أصل اللحن حلبي، وأنه قد قام بإجراء إضافة طفيفة عليه. وبسبب كون اللحن على مقام نهاوند فيصبح من السهل تطوير وإعادة استعمال اللحن في أغان مختلفة بطابع مختلف قليلا، وهو ما أدّى إلى انتشار نسخ من الأغنية في العديد من البلدان.

ونتيجة للجدل المثار حول أغنية (البنت الشلبيَّة)، فقد أفرد برنامج (صباح العربية) حلقة خاصة عن الشكوك حول أصلها:

https://www.youtube.com/watch?v=_t_tBUKLt4A

لأغنية (البنت الشلبيَّة) حضور متجدد في المحافل الفنية، ففي الأمسية الغنائية التي أحياها بطل مسلسل (حريم السلطان) (خالد أرغنش) والمعروف بدور (السلطان سليمان) على مسرح البحرين الوطني في إطار الأمسية التي نظمتها هيئة الثقافة والآثار ضمن مهرجان ربيع الثقافة بنسخته الـ11 سنة 2016، أبهر أرغنش الجمهور ليقدم لهم في نهاية الحفل الذي استمر لساعتين أغنية (البنت الشلبيَّة) باللغة العربية، ليختم بها حفله، بعد أن غنى هذه الأغنية باللغة التركية في بداية الحفل.

تُعدُّ أغنية (البنت الشلبيَّة) من التراث السوري واللبناني والفلسطيني، وقد اشتهرت بعد أن غناها صباح فخري وفيروز، وفي مصر ينسبها البعض إلى سيد درويش.

هذه الأغنية من مقام النهاوند، حيث يستطيع العازف أن يتعامل معه بمرونة دون الخروج من أصل اللحن، كما نلاحظ في النموذج الرائع والذي تقدمه الفنانة الفلسطينية الدكتورة دلال أبو آمنةDalal Abu Amneh برفقة الفرقة الموسيقية بقيادة د. تيسير حداد.

لقد غنى أغنية (البنت الشلبيَّة) العديد من الفنانين مثل فيروز وصباح فخري ورامي ماردني ومي نصر وآخرون. وغناها الفنان العراقي إلهام المدفعي، وغنتها الفنانة اللبنانية ريمة نقّاش، كما غنت الفنانة الإيرانية الشهيرة كوكوش (Gougoush) هذه الأغنية عام 1978 في بغداد. وعزف لحنها الشجي مارسيل خليفة والموسيقار العالمي رون جودوين Ron Goodwin وفرقته والفرقة العالمية Taksim bouzouki وفرق أجنبية عالمية أخرى.

    

أغنية (الروزانا):

ومن الألحان الشهيرة للمُلا عثمان الموصلِي في سوريا ولبنان أغنية (الروزانا) والتي اشتهرت بها فيروز أيضا وغناها كذلك صباح فخري وآخرون.

إن أغنية (الروزانا) هي أغنية عراقية موصلية للشاعر الدفتردار عبد الله راقم أفندي الموصلِيّ (1853-1891م)، ومن ألحان صديقه المُلا عثمان الموصلِيّ، كما أكد ذلك بشكل واضح المؤرخ العراقي الأستاذ الدكتور سيار كوكب علي الجميل.
تُعد أغنية (الروزانا) من الأغاني التراثية الجميلة التي اشتهرت في بلاد الشام ولبنان وفلسطين، وقد أرخ لها الشاعر والكاتب العراقي عبد الكريم العلّاف (1894-1969)، حيث ذكر أنه في أواخر الحرب العالمية الأولى، ظهرت هذه الأغنية في مدينة الموصل، ولرقة نغمها وحسن معانيها التي لا تخلو من عواطف الحب انتقلت إلى حلب ومنها إلى بلاد الشام ولبنان وفلسطين.

و (الروزانا) هي عبارة عن (كوة صغيرة: فتحة كانت تُبني في البيوت القديمة) وكانت موجودة في البيوت العراقية؛ وفي بغداد يسمونها (رازونه).

ويحكي عبد الكريم العلّاف قصة هذه الأغنية قائلا: في مدينة الموصل الحدباء، كانت هناك فتاة مخطوبة لأحد أقربائها، وكانا يتحدثان ويتبادلان الأحاديث من خلال (روزانا) موجودة بين دار الخطيب ودار الخطيبة. ولما علمت أم الفتاة أن أبنتها تتحادث مع خطيبها بواسطة تلك روزانا، قامت بإغلاقها، وجرى حوار بينهما:

قالت الأم : علروزنا الروزنا ... كل البلا بـيها

فأجابت الفتاة:
علروزنا الروزنا ... كل الهنــــا بيـها
وأشعمِلت الروزنا ... قمتي ســديتها؟!

لقد انتشرت هذه الكلمات من خلال هذه المحاورة بين الأم وابنتها حول الروزنــا، وكان قُراء المقام والمطربين في الموصل يؤدونها في مجالس الطرب، ثم أصبحت كأغنية أو بستة بعدما كتب كلماتها شاعر موصلي مرموق من أصدقاء المُلا عثمان الموصلِيّ الذي صاغ ألحانها.

ومن الموصل انتقلت هذه الأغنية إلى حلب ومنها إلى بلاد الشام ولبنان وفلسطين، وقد تغيرت بعض كلماتها وأضيفت كلمات أخرى لها بتواتر الأجيال.

لقد نُسجت العديد من الروايات حول أغنية (الروزانا) لتأكيد عائدتها إلى بلاد الشام أو لبنان أو فلسطين، وقسم من تلك الروايات يستند على المقطع الذي يقول: (يا رايحين لحلب قلبي معاكم راح). ونقول أن الشواهد التاريخية تؤكد أن حلب هي توأم الموصل، وهناك علاقات تاريخية وثيقة بين المدينتين منذ أيام الدولة الحمدانية وما قبلها، وكانت التجارة بين المدينتين عامرة، وقد ورد ذكر حلب في عدد من الأغاني الموصلية.

لقد فنَّد الكاتب العراقي والمؤرخ المعروف الأستاذ الدكتور سيّار الجميل جميع الروايات حول أصل أغنية (الروزانا). وفي 11 مايو 2019 نشرت جريدة الزمان اللندنية مقالة عنوانها (سيّار الجميل يكشف معلومات تاريخية مهمة في محاضرة بلندن عن شاعر عراقي مغمور). فبعد سنوات من البحث والتمحيص اكتشف الدكتور الجميل أن كاتب أغنية (الروزانا) هو الشاعر الدفتردار عبد الله راقم أفندي الموصلِي (1853-1891م)، والدفتردار هو أكبر منصب للشؤون المالية في الدولة العثمانية، وكان راقم أفندي بمنصب رئيس الدائرة السنية المرتبطة مباشرة بالباب العالي.

لقد كان راقم أفندي صديقا للمُلا عثمان الموصلِي (1854-1923م)، وقد كتب قصيدة (الروزانا) وأعطاها إلى صديقه الضرير المُلا عثمان الموصلِيّ فلحنها بإيقاع الجورجينا العراقي فنالت شهرة واسعة.

لقد نشر الأستاذ الدكتور سيّار الجميل نص أغنية (الروزانا) كما وردت في ديوان صاحبها الشاعر الموصلِي عبد الله راقم افندي، وهي مكتوبة باللهجة العامية الموصلية، انظر الصفحة 133 من ديوان عبد الله راقم افندي:

عالروزنا عالروزنا كل الهنا فيها ... وش عملت الروزانا الله يجازيها
يا رايحين لحلب قلبي معاكم راح ... يا محملين الرطب تحت الرطب تفاح
كلمن وليفه معو وانا وليفي راح ... يا رب نسمة هوا ترد الولف ليّا
لاطلع عا باب الجسر واحدو مع الحادي ... واقول يا مرحبة نسّم هوى بلادي
يا رب يغيب القمر لأقضي انا مرادي ... وتكون ليلة عمر، والسرج مطفية

و (باب الجسر) معروف جيدا في الموصل ويقع بجوار الجسر العتيق حاليا، و (السرج) هي أداة الإنارة في ذلك الوقت.

لقد جرت بعض التبديلات على الكلمات الأصلية، فتغيرت كلمة " الرطب " العراقية إلى كلمة "العنب"، وتغير " وش عملت الروزنا" إلى " شو عملت الروزنا"، وتحولت " قلبي" إلى " حبي"، وتبدلت "عا باب الجسر " إلى "عا راس الجبل "، وتغيرت "واحدو مع الحادي" إلى "واشرف على الوادي" .. و تبدلت " ليلة عمر" بـ " ليلة عتم".. الخ.

https://www.youtube.com/watch?v=Fgabx8YPVTg

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

504 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع