الفريق الركن(م)محمد نجم الدين النقشبندي
ماهي الاستراتيجية؟ وكيف ينبغي تدريسها في القرن 21؟
المقدمة
هناك أربعة أسباب على الأقل لدراسة استراتيجية الدولة للحفاظ على أمنها.
أولاً، الاستراتيجية هي موضوع ذو أهمية تاريخية كبيرة. تساعد الاستراتيجيات التي وضعها السياسيون والقادة العسكريون على تحديد مصير الأمم.
ثانياً، يجد الكثير من الناس الاستراتيجية مثيرة للاهتمام. في مكتبات بوردرز وبارنز أند نوبل (هذه مكاتب عالمية مشهورة بعدد الكتب والمصادر فيها)، يحتوي القسم الخاص بالحرب أكبر عدد من الكتب، وعلى الرغم من أن العديد من هذه الكتب هي مذكرات أو وصف للعمليات، فإن البعض منها يحتوي على مناقشات حول الاستراتيجية أيضًا.
ثالثًا، يمكن تطبيق الكتابات التقليدية حول الاستراتيجية على الحقول الأخرى. على سبيل المثال، منح صن تزو وكلاوزفيتز حياة جديدة للاستراتيجيين للعمل كمستشارين في إدارة الأعمال.
أخيراً، يمكن للدراسة المنهجية للاستراتيجية أن تزيد من احتمال النجاح في تصميم استراتيجيات جديدة تمكن أمة ما من تحقيق أهدافها الأمنية في عالم دائم التغير. في الواقع، على القادة الالتزام بتوظيف الاستراتيجية بحيث يتم استخدام القوة بطرق أخلاقية وفعالة سياسياً. بدون استراتيجية، يمكن للحرب أن تتدهور إلى دمار لا معنى له ولا رحمة.
في حين أنها تعمد التعرف على التاريخ الاستراتيجي، وفي حين أن الشركات والمؤسسات الأخرى قد تستفيد من التفكير الاستراتيجي، إلا أن السبب الأكثر أهمية لفهم الاستراتيجية هو حماية أمن الدولة. هذا هو السبب الأساسي لدراسة الاستراتيجية التي هي مجال كليات الاركان وكليات الحرب وكليات الدفاع الوطني التي تقوم بتعليم الضباط العسكريين الاقدمين (وفي كليات الدفاع الوطني بعض وكلاء الوزارات ومدراء العامون في دوائر الحكومة من المدنيين). بسبب أهمية تثقيف القادة العسكريين بالتفكير الاستراتيجي، ومن الضروري من وقت لآخر تقييم تدريس الاستراتيجية.
أصبح جانب كبير من هذا المقال جزءاً من النقاش العام جدا الدائر في الولايات المتحدة في عام 2009، ومستمر حتى اليوم. يدور النقاش حول كيف ينبغي ان تُدَّرَسْ الاستراتيجية في نظام التعليم العسكري المهني. زُعِمَ أن بداية النقاش كانت حول أوجه القصور في الاستراتيجية في حربي العراق وأفغانستان، أو ما وصفه بعض النقاد بفشل في الاستراتيجية والقيادة الاستراتيجية. أدت هذه الادعاءات في وقت لاحق ببعض أعضاء البرلمان لتحويل انتباههم خصيصا لنظام التعليم العسكري المهني هذا هو المكان الذي من المفترض أن يتعلم القادة العسكريون مهاراتهم في صياغة وتنفيذ الاستراتيجية. لذا فإن السؤال الذي يبرز: هو هل هناك شيء خاطئ في نظام التعليم العسكري المهني؟
ماذا بصدد نظام التعليم في المؤسسات العسكرية الوسطى والعليا في بلدنا والبلدان العربية؟
تركز احدى الاطروحات بشكل واضح على العلاقة بين تعريف الاستراتيجية (تعريفنا للاستراتيجية) (والسؤال عن "ما هي الاستراتيجية؟") وطريقة تصميمنا لاحقا لمناهج تدريس المفاهيم والمهارات على أساس النموذج المهيمن على كيفية تعريفنا للاستراتيجية. ويكمن سؤال واحد مهم منفرد في صميم هذا المقال بأكمله: هل يمكن ان نُدَرِسْ ليس فقط فهم الاستراتيجية بل/ القدرة على اعداد الاستراتيجية (أي صياغتها)؟ وبعبارة أخرى، هل يمكننا فعلاً اعداد الدارسين لصياغة وتنفيذ استراتيجية بشكل أفضل، وإذا كان الأمر كذلك، كيف؟
الجواب على هذا السؤال من وجهة نظري ليس صعباً للغاية، وإن كان عاديا إلى حد ما: هناك دائما الوقت للقيام بذلك. وكما يرى العديد من الباحثين، بل هو أيضا آن الأوان لنا كمجتمع ان نرتقي باهتماماتنا المتماثلة إزاء ما تم تدريسه في المعاهد والكليات التابعة لمؤسسات التدريب والتعليم العسكري في بلدنا، أو ما لا يتم، وكيف يتم تدريسه في المؤسسات المدنية لوزارة التعليم العالي لدينا. هناك قدر قليل من الشك حول الرغبة في توعية المواطنين. يبرز سببين من حيث الموضوع الذي نتناوله هنا، والحاجة إلى استراتيجية سليمة. أولا الجمهور هو لاعب رئيسي في العمليات الديمقراطية التي تجري صياغة وتنفيذ الاستراتيجية فيها على حد سواء. وثانياً، تضم الجمهور المَعينْ" التجمع" الذي سينبثق منه القادة السياسيون في المستقبل" أي القيادة المدنية التي ستقوم بممارسة السيطرة الأولية على صياغة وتنفيذ الاستراتيجية. لذلك، فإنه ليست مجرد الاستراتيجيين العسكريين ومعرفتهم ومهاراتهم التي يجب علينا الاهتمام بها، بل هناك حاجة ماسة للاهتمام بالاستراتيجيين المدنيين أيضا. فان الأسئلة المتعلقة بتدريس الاستراتيجية ـــــ لماذا ينبغي علينا دراستها، ماذا ينبغي علينا أن نُعَلِّمْ، وكيف ينبغي لنا أن نُعَلِّمَها ــــ أنها قد تتحمل أكثر مباشرة على نظام التعليم في مؤسساتنا العسكرية. لكن الإجابة ستحتاج الى تطبيق أكثر على نطاق واسع عبر مجموعة واسعة من مجتمعنا اليوم. ويمكن عندئذ فقط أن نتوقع كيف نخلق كفاءة استراتيجية، وليس فقط في الظروف الحالية بل بطريقة مستدامة لفترة طويلة في القرن 21. إنني أطمح من مساهمتي في هذا المقال ان أحث القراء على المناقشة والحوار على مستوى المجتمع بنطاق واسع.
التفكير الاستراتيجي
في عالم اليوم، وبالتأكيد في عالم الغد ايضا سيكون الطلب لا يقل من حيث التفكير الاستراتيجي عما كان عليه في الماضي. فاحداث (داعش) تنظيم دولة اسلامية في العراق والشام في عام 2014 وما قبلها الحروب (العراقية- الايرانية، وعاصفة الصحراء، وعملية حرية العراق)، والحصار الاقتصادي ...ألخ بمثابة تذكير مؤلم لأننا لم نصل الى استراتيجية سليمة لتفاديها اوعلى الأقل تفادي مشاكلها، بل كلفتنا الكثير من الدم والمال وخراب البني التحتية والبنى الشخصية التي يصعب معالجتها بوقت قصير. نعم أصبح العالم كله بشكل عام أكثر، وليس أقل تعقيدا. وظهر العديد من التهديدات والتحديات، وعدد قليل منها ينبثق من الدول الإقليمية، ومن لاعبين غير دوليين من الداخل والخارج. اليوم، الصراع العرقي يهدد استقرار الدول والتطهير العرقي يتحدى مُثُلَ الانسانية الأساسية. تقوض عصابات المخدرات والجريمة المنظمة داخل الدول أوعبر الدول والعناصر الخادمة لها وسرقة المال العام والفساد الحكومات يهدد اقتصاديات الدول. ان تهريب البشر هو إهانة للقيم الأخلاقية وينتهك إلاحساس لما يجب أن تمثل النظام ما بعد الحرب الباردة. يتحدى التدهور البيئي صحة المواطنين والتقدم الاقتصادي في المستقبل. كما ان التدهور في التعليم وكثرة البطالة وضياع القطاع الخاص يؤثر سلباً على الدول في الجانب الاقتصادي. هذه ليست سوى عدد قليل من التحديات والمشاكل التي تدل على عدم وجود رؤيا وتفكير استراتيجي في الدول التي يجب التصدي لها، وهذا ما يحفزني على ما أرغب في دراسة الاستراتيجية في القرن /21.
هناك، أيضا، بعض التحديات التي ينبغي مواجهتها، فإن لم تكن المواجهة بعناية، فمن المرجح أن تشكل خطراً لا يمكن تصورها بالنسبة لدول المنطقة، وغيرها في جميع أنحاء العالم. من بين أكثرها بروزاً هي تلك الناجمة عن الانفجار التكنولوجي والدراية التكنولوجية. يمكن أن تعرض الهجمات السيبرانية على شبكات الإنترنت القضايا السياسية والعسكرية، والبنى التحتية الاقتصادية الوطنية، مع التطبيقات العالمية للسلامة ورفاهية الشعوب للخطر. تزايد توافر التقنيات البيولوجية والكيميائية والإشعاعية، والنووية، التي إذا حصل عليها الإرهابيين، أو ربما حتى الأفراد الحاقدة، يمكن أن تهدد بقاء الشعوب والمجتمعات. هذه التحديات هي حقيقية والمطلوب اليوم، وفي المستقبل، اعطاءعناية فائقة و تفكير منهجي لمواجهتها إذا أردنا أن نمنع مزيدا من الكوارث. وسيتطلب ذلك منا بناء الشراكة اقليمياً وحتى خارج المنطقة، على حد سواء مع الحكومات و الأفراد الذين لديهم الاستعداد للمساهمة في جهودنا لاعادة بناء المدن المدمرة والبنى التحتية الهالكة ومؤسساتنا التربوية والتعليمية والصحية...ألخ. وسوف يتطلب الحد من أعداد أولئك الذين يتعاونون مع أو يتجاهلون بعلم مع الذين يقومون مع سبق إلاصرار على إلحاق الضرر بنا. وزيادة أعداد الحكومات التي لديها الاستعداد للمساعدة والأفراد الذين لديهم الاستعداد للاستثمار باموالهم من أجل تحسين بلدنا. وباختصار، فإن تحديات اليوم وغدا ستتطلب استراتيجيات مصممة تصميما جيدا فيما إذا أردنا أن نكون ناجحين في الحفاظ على قيمنا ومؤسساتنا وامننا وشعبنا.
بالإضافة إلى المشكلات، بشكل عام، فان الكليات والجامعات الحكومية والتي تعود للقطاع الخاص أيضاً لا تـَـعِدْ استراتيجيين. حتى في مؤسساتنا التعليمية العسكرية العليا، فان دراسة الاستراتيجية في كثير من الأحيان يؤول إلى دراسة الجوانب التاريخية عن عدد قليل من المفكرين الاستراتيجيين الكبار، إلى جانب دراسة عمليات الأمن الوطني (كلاهما ضروريان، ولكن غير كافيين) بدلا من تحليل ما يلزم ليكون استراتيجي سليم. ومع ذلك، فإن القدرة على التفكير استراتيجيا هو بالضبط نوعية من شأنها أن تكون هناك حاجة القادة إليها إذا أرادوا التعامل بنجاح مع مشاكل المستقبل.
الاستراتيجية- هي فعالية ذهنية (فكرية)
الاستراتيجية كلمة تأتي من الكلمات اليونانية "استراتيجيا" (البراعة) و "الستراتيجوس" (جنرال أو زعيم) . وتاريخيا، ارتبط مصطلح الاستراتيجية بالفعاليات العسكرية. لقد كان الاب الروحي للدراسات الاستراتيجية الحديثة اللواء الالماني "الميجر جنرال" كارل فون كلاوزفيتز، الذي عَرَّفَ الاستراتيجية بأنها "استخدام الاشتباك لغرض الحرب." ادعى المشير هيلموت كارل برنارد غراف فون مولتكه بأن الاستراتيجية كانت " التكييف العملي للوسائل التي وضِعَتْ تحت تصرف القائد لتحقيق هدف معين." واضعا تركيز أقل على المعارك، انتقد السير هنري باسيل ليدل هارت كلاوزفيتز، معتبرا أن تركيز كلاوزفيتز منصب" على المعارك وتشير إلى أن المعارك كانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق نهايات استراتيجية." وهكذا، عَرَّفَ ليدل هارت الاستراتيجية بأنها " فن توزيع وتطبيق الوسائل العسكرية لتحقيق غايات سياسية." ويشير تعريف ليدل هارت الى طائفة أوسع بعض الشيء من الوسائل العسكرية، وبشكل واضح يؤكد أن الأهداف السياسية هي الغايات التي يجب اتباعها من قبل الوسائل العسكرية. بالطبع، أدلى كلاوزفيتز أخيراً بقوله المأثور الشهير "الحرب ليست مجرد عمل من أعمال السياسة، بل أداة سياسية حقيقية، واستمرار النشاط السياسي بوسائل أخرى."
على نحو متزايد في القرن 20، قام طلاب الاستراتيجية بتوسيع التعريف الى ما وراء مجال الفعالية العسكرية، وتطبيق المصطلح بانتظام في مجالات أخرى مثل الأعمال التجارية، والسياسية، والسياسة الخارجية والأمن...ألخ. في حين أن قاموس ميريام ــــ وبستر، أعطى اهتمامه الجزئي للاستخدامات السابقة للكلمة في سياق عسكري، ويوفر أول تعريف لها "علم وفن استخدام القوى السياسية، والاقتصادية، والنفسية، والعسكرية للامة أو مجموعة من الامم لتحمل أقصى قدر من الدعم للسياسات المعتمدة في السلم والحرب " ويبسط ولكن يوسع فهم الاستراتيجية، ويزودها بنظرة حديثة، وفي تعريفه الثاني لها:" خطة أو أسلوب دقيق، وفن وضع أو استخدام خطط أو الحيل نحو الهدف." ان التعريفين أعلاه غاب فيهما الإشارة الى التكامل. في ابسط الشروط، فالاستراتيجية هي التطبيق المتكامل للوسائل المتاحة لإنجاز الغايات المنشودة. وينصب التركيز على متكامل. يغفل التعريف الأول هذه النقطة الهامة. أما التعريف الثاني، على الرغم انه اوسع مما مطلوب لكي يكون مفيدا، الا انه يؤكد على أن الاستراتيجية هي ببساطة خطة لعبة. لا يمكن اعتبار الاستخدام العشوائي أو العفوي للوسائل كاستراتيجية.
على المستوى السياسي أو العسكري الوطني، فالتعريف الأكثر فائدة للاستراتيجية هو التطبيق المتكامل لأدوات القدرة الوطنية (على سبيل المثال، السياسية / الدبلوماسية، والنفسية، والاقتصادية، والمعلوماتية، والعسكرية) في السعي لتحقيق مصالح وطنية. تُفْهَمْ الاستراتيجية على أنها تطبيق متكامل للوسائل المتاحة لتحقيق النهايات المنشودة، وبطبيعة الحال، لا تَحِدْ الاستراتيجية استخدام الوسائل المتاحة فقط. ويمكن أن تشمل استراتيجية متطورة الجهود التي تؤدي إلى تعزيز الوسائل.
وعلى الرغم من هذه البساطة الظاهرية، فالاستراتيجية هي مصطلح كثيرا ما يساء استخدامه. على سبيل المثال، خلال الحرب الباردة فان مجتمع الأمن والدفاع في الولايات المتحدة الامريكية غالبا ما كان يشير إلى استراتيجية الاحتواء. لا يمكن أن تكون الاستراتيجية إعادة صياغة بسيطة لهدف، مثل الاحتواء أو احتواء التهديد السوفييتي. للقيام بذلك يعني تجاهل حقيقة أنه يمكن أن يكون هناك سبل متعددة من التقرب لتحقيق هدف. ولا يمكن أن تقتصر الاستراتيجية بسهولة على فترة واحدة فقط. وهي ذات أفعال متعددة، وتدمج الوسائل المتاحة بعناية من أجل تحقيق الغايات المنشودة.
ليست الاستراتيجية بدقة فناً ولا علماً. بل، في بعض النواحي، تعني كلاهما. كفن، والقدرة على التفكير بشكل استراتيجي هي مهارة التي يمكن اكتسابها من خلال التجربة والملاحظة، والدراسة. كعلم، والتفكير بشكل استراتيجي يستلزم السعي المنهجي للمعرفة والتي تشمل، من بين أمور أخرى، الاعتراف وصياغة المشكلة، وجمع المعلومات، وصياغة واختبار/ تحليل الافتراضات البديلة. ومع ذلك، فالاستراتيجية هي نشاط ذهني (فكري) بشكل معروف ومحترم مسبقا. كما كان الحرب لكلاوزفيتز فان الاستراتيجية هي فعل بشري (هي المهارة). فهي تدور حول التأثير على السلوك. أي وضع خطة لعبة مصممة للدخول داخل حلقة صنع القرار للآخرين، وحملهم على فِعْلِ ما ربما كانوا يفعلون خلاف ذلك ـــ سواء في أروقة الحكومة، أو في مجلس الإدارة، أو في ساحة المعركة. لذلك كان لصن تزو، الذي كتب: ". . . للفوز بـ(100) انتصار في (100) معركة ليست قمة في المهارة. لإخضاع العدو دون قتال هي ذروة المهارات،" و" اِخضاع جيش العدو دون قتال تلك مهارة في حرب. اي القيام باحتلال مدنه دون الصولة عليهم وإسقاط دولته دون عمليات مطولة. "
اِنْعِكاسْا لفكر مماثل، لوحظ تو مو يكتب في وقت ما بين 619 و905 ميلادية: "هو بارع من يضع حَلُ للصعوبات قبل ظهورها. هو بارع في ايقاع الهزيمة بأعدائه والانتصار عليه قبل ان تتحقق التهديدات " تقريبا بعد ألف وخمسمائة عام، في مذكرة لنفسه، كتب ليدل هارت:" للتأثير على فكر رجل ما هو أكثر أهمية بكثير ولها ديمومة تأثير أكثر في الواقع من السيطرة على أجسادهم أو تنظيم أعمالهم ... "
ثنائيات زائفة
قامت وزارة الدفاع الامريكية بتعريف الاستراتيجية بأنها " فكرة حكيمة أو مجموعة من الأفكار لتوظيف أدوات القدرة الوطنية بطريقة متزامنة ومتكاملة لتحقيق أهداف الساحة" المسرح"، وطنية و/ أو متعددة الجنسيات." غابرييل مارسيلا، وستيفن فاووت وجدا هذا التعريف " انها ذات جاذبية بيروقراطية، وصحيحة سياسياً، وغير مجدية نسبياً." لأسباب مختلفة إلى حد ما، أود أن نوافق على ذلك. أولا، يرفع من شأن تعريف وزارة الدفاع الاستراتيجية ككيان متعال ــ هي فكرة من المرجح أن تحير بدلا من توضح فقط ما هو المقصود بالمصطلح. ثانيا، مع هذا أنني أجد نفسي في اتفاق تام مع استخدام وزارة الدفاع في كلمة متكاملة، واستخدام كلمة متزامنة قد توحي للبعض بأن الوسائل المتاحة يجب أن تستخدم بطريقة متزامنة أو في وقت واحد. تبعا للظروف، ولكن، مع ذلك، يمكن استعمال بعض الوسائل في وقت واحد في حين تأتي الاخريات بالتسلسل ــــ كما هو الحال في خطة لعبة في أية لعبة رياضة تقريباً. وأخيراً، فإن تعريف وزارة الدفاع يربط بطريقة خاطئة الاستراتيجية إلى " أدوات القدرة الوطنية"، محيلة استراتيجية فقط لتحقيق" أهداف " الساحة" المسرح والوطنية، و/أو متعددة الجنسيات." ان مثل هذا التعريف، بالطبع، يتفق مع ما كان يعتبر عموما أن تكون الاستراتيجية العظمى أو الاستراتيجية الوطنية. وبالنسبة للجيش، كانت النتيجة إنشاء جدار الفصل بين الاستراتيجية - ويفترض الاضطلاع بها من قبل كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين فقط - وما يسمى بفن العمليات، التي تتم على مستوى المسرح أو حملة للصراع.
اقترض الجيش الامريكي مصطلح فن العمليات من السوفييت لوصف تصور الحرب في مستوى الحملة / الساحة "المسرح". بالطبع فان فن العمليات ليس فناً، أو على الأقل ليس فقط فن، وهكذا فانه وصف ضعيف بالدرجة الاولى لما هو المقصود. تُعرِّفْ وزارة الدفاع الامريكية فن العمليات بأنه " تطبيق الخيال الخلاق من قبل القادة وهيئات الركن ــ المسندة بمهاراتهم ومعرفتهم وخبرتهم ــ لتصميم استراتيجيات وحملات وعمليات كبرى وتنظيم واستخدام القوات العسكرية. يدمج فن العمليات النهايات، والطرق، والوسائل عبر مستويات الحرب." والان هذا هو الكثير من البيروقراطية لوصف التفكير بشكل استراتيجي في المستوى العملياتي للحرب، حيث تحدد وزارة الدفاع الامريكية في وقت لاحق على النحو التالي:
(مستوى الحرب الذي يجري التخطيط وادارة الحملات والعمليات الكبرى والاستمرار لتحقيق أهداف استراتيجية ضمن" الساحات" المسارح أو مناطق العمليات الأخرى. تربط الفعاليات في هذا مستوى التعبية "التكتيك" والاستراتيجية من خلال تأسيس أهداف عملياتيه مطلوبة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وترتيب الأحداث لتحقيق الأهداف العملياتية والشروع في اعمال، وتطبيق الموارد لتحقيق واستدامة هذه الاحداث.)
وعلى نفس الغرار، أنشأت المؤسسة العسكرية جدار الفصل بين الاستراتيجية والتعبية "التكتيك"، وهذه الأخيرة تعتبر كفعالية يقوم بها مسؤولون في المستوى الادنى. كما هو الحال مع كلمة استراتيجية، فان كلمة التكتيك هي الاخرى لها تاريخ طويل، مشتقة من الكلمة اليونانية " taktika" للمفرد و"taktiko" في الجمع أو لائقا للترتيب. يقدم قاموس ميريام وبستر كأول تعريف للتكتيكات (التعبية): "علم وفن ترتيب ومناورة القوات في القتال "تضخيم تلك مع" الفن أو مهارة استخدام الوسائل المتاحة لتحقيق نهاية." في حين أن الأول يدفع لتأجيل الاستخدامات السابقة ذات العلاقة بالقوات العسكرية فقط، بينما الأخير يبدو غريباً بعض الشيء بما فيه الكفاية مثل الاستراتيجية. ناسف ـــ بثبات، حين تُعَرَّفْ وزارة الدفاع الامريكية التعبية بــ" استخدام وترتيب القوات بشكل مأمور في علاقتها ببعضها البعض،" وبالتالي إدانة أولئك الذين يعملون في المستوى التعبوي "التكتيكي" للحرب على تنفيذ السياقات واستخدام الفنون المصادق عليها ــ اثنين من المترادفات احداها تشير إلى فهم أفضل للتعبية. وبالتالي، نحن بقينا مع تعريف غير مجدٍ إلى حد كبير لطائفة كاملة من المهام التي يقوم بها القادة في المستوى ألأدنى، عند أخذ ظروف الحرب الحديثة بشكل خاص.
هذا، بطبيعة الحال، لا ينفي أن القادة في المستوى التعبوي في كثير من الأحيان عليهم مواجهة المشاكل التي هي قابلة للـ "هندسة" أو حلول جرى بنائها في التدريب المتكرر وتطبيق فنون (سياقات) مصادق عليها وسياقات تزيد بشكل كبير من احتمالات النجاح حالما تشتبك القوة العسكرية مع العدو. ومع ذلك، فإن المعركة الحديثة نادرا ما تشبه النماذج التقليدية، خاصة في عصر الحروب اللا متماثلة (Asymmetry Warfare). مع ثبات العوامل الأخرى لم يعد نادرا تمكن الخصوم من ضبط نقاط القوة والتحسس لنقاط الضعف. وبالتالي، ستزداد الحاجة لقادة تعبويين لممارسة ليس مجرد مهارات بديهية على أساس التعرف على الأنماط والاستجابة للسياقات لاستخدام الفنيات المعتمدة، بل أيضا تحاليل منطقية والاحكام التي تجلب لأخذ كافة الأدوات المتاحة تحت تصرف القائد من أجل تحقيق النجاح.
النقطة الجديرة بالاهتمام هنا، في الواقع، هي ان النجاح في كل مستوى من مستويات الفعالية العسكرية ـــــ الاستراتيجية أو العملياتية، أو المستويات الأدنى ــــ يتطلب من القادة في تلك المستويات ان يفكروا بشكل استراتيجي، وان يستخدموا الوسائل المتاحة بطريقة متكاملة لتحقيق الغايات المرغوبة. ربما الأهم من ذلك، أن هذه الوسائل ينبغي بل وغالبا ما تشمل على وسائل أكثر من تلك المهيئة للقوات العسكرية والاشتباك في القتال. على سبيل المثال، فان العمليات العسكرية دون مستوى الحملة أو " الساحة" المسرح غالبا ما تشمل العمل مع القادة المحليين وغيرهم لتأمين الاستخبارات وأمن القوة (نشاط سياسي)، قطع طرق الإمداد إلى الخصوم (نشاط اقتصادي)، وتنفيذ مشاريع محلية لتوفير المياه الصالحة للشرب أو لتسليم الغذاء للسكان المحليين (اقتصادي / نفسي)، و / أو استخدام المخادعة لتغيير عقلية الخصم (نفسي).
فك الارتباط بين كلمة استراتيجية وكلمة استراتيجي
ربما جزء من المشكلة التي نواجهها في المصطلحات هو نتيجة استخدام كلمة الاستراتيجية (Strategy) التي أصبحت استخدامها أكثر بروزا في المؤسسة العسكرية وكذلك في مجالات غير العسكرية من المسعى، وزادت في المراسلات استعمال كلمة الاستراتيجي. كجزء من استراتيجية الحلفاء لهزيمة ألمانيا النازية، فالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى أخذتا بـمصــــــطلح " القصف الاستراتيجي" “strategic bombing” الذي يهدف الى شل المجهود الحربي الالماني وإرادة القتال. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أنشأت الولايات المتحدة القيادة الجوية الاستراتيجية، وكانت مهمتها توجيه ضربة مهلكة للاتحاد السوفيتي أن قام الاخير بمهاجمة الولايات المتحدة أو حلفائها. وقد تم تحديد القاذفات والغواصات، والصواريخ الاستراتيجية التي تتمكن من إطلاق أسلحة الى مديات طويلة، مما يؤثر على احتمالات بقاء الأمة على الحياة. بجانب ذلك، كانت القوات التعبوية تلك ذات المديات الاقل، وعندما كانت تستخدم، لم يكن لها تأثير يذكر على بقاء الأمة على قيد الحياة. في مجال الأعمال التجارية، والصناعة، والتعليم، حيث المؤسسات التعليمية مُكَلَّفَةَ بوضع خطط التطوير الاستراتيجي بالتفصيل لكيفية تحقيق أهداف طويلة ــ الأجل. لسوء الحظ، فإن كلمة استراتيجية، ولا سيما من خلال استخدام العسكري السابق، في كثير من الأحيان قد جاء لكي تكون مرتبطة بـاستراتيجي المنبثقة عنها، ولقد جاءت للدلالة فقط ما تم في المساعي على المستوى الاستراتيجي لأغراض عسكرية أو تجارية، بدلا من أن يكون مفهوما في شروط خطة اللعبة. هناك نتيجة مؤذية واحدة وهي الاعتقاد بأن القادة الوطنيين فقط وربما بعض الضباط العسكريين الاقدمين هم الذين ينخرطون في الاستراتيجية دون غيرهم.
لغز السياسة"Policy" مقابل الاستراتيجية
من الشائع للتعامل وجوب اتباع الاستراتيجية للسياسة. على سبيل المثال، إذا كان سياسة الولايات المتحدة لدعم حل الدولتين للمشكلة الفلسطينية ـــ الإسرائيلية، فمن واجب القائمين على تنفيذ سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وضع استراتيجية لتلبية احتياجات السياسة. على نفس الغرار، إذا كانت سياسة الولايات المتحدة لدعم الحركات الديمقراطية في البلدان الأجنبية، عندئذ ستكون من مسؤولية المعنيين بتنفيذ تلك السياسة في مختلف مناطق وبلدان العالم وضع استراتيجيات لإنجاز المهمة. هذه هي السياسة كواضع للأهداف.
ومع ذلك، هناك طريقة أخرى للنظر الى السياسة، أي السياسة كوسيلة. على سبيل المثال، فإن سياسة الدولتين (دولة إسرائيلية وأخرى دولة فلسطينية) التي وضعتها حكومة الولايات المتحدة من المرجح أن تكون جزءاً من مجموعة أوسع من سياسات وأهداف أعظم. ويمكن أن تشمل غيرها من السياسات كتقييد تدفق الأسلحة إلى حماس، وتشجيع حقوق الإنسان ومزيد من الديمقراطية في المنطقة، وفتح حوار مع سوريا من أجل إيجاد أرضية مشتركة للتعاون، وتشجيع اللاعبين الخارجيين لدعم جهود الولايات المتحدة في المنطقة، الخ. آخذا كل ذلك مجتمعا بنظر الاعتبار، فان هذه السياسات هي بمثابة وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية الأوسع نطاقا. قد تشمل مثل هذه الاهداف تقليل احتمال الصراع، وزيادة الرفاهية العامة للمواطنين في المنطقة، والحد من احتمال أن تكون مشاكل المنطقة بمثابة أرض خصبة للإرهاب، وتحقيق الاستقرار في المنطقة لضمان التدفق المنتظم للنفط من المنطقة وزيادة الاستقرار في أسواق النفط العالمية، وتحسين التعاون العالمي بشأن المشاكل الشائكة التي تهدد المجتمع الدولي. وبالتالي فإن المجموع الكلي لهذه السياسات، في الواقع، هو (أو على الأقل ينبغي أن يكون) نتاج استراتيجية أعظم. في ظل هذه الظروف، يمكن للمرء أن يستنتج بشكل ملائم أن هذه السياسات تخدم الاستراتيجية. عندئذ فان الاستراتيجية تأتي أولا. ثم تتبعها سياسات كوسيلة لتحقيق التصميم الاستراتيجي للمرء.
هذا هو المهم أن يؤخذ في الاعتبار، لأنه عند الانتقال من استراتيجية عظمى أو وطنية للسياسات الى مستويات متعددة أدنى من الاستراتيجية العظمى، يجب على المرء أن يبقى على بينة من حقيقة أن السياسات في المستوى الأدنى ليست سوى وسيلة لإنجاز المهام على المستوى الوطني. علاوة على ذلك، هذا يعني أنها لا تزال بين مجموعة متنوعة من خيارات يمكن للحكومات أن تعتمدها لتحقيق النهايات المرغوبة. الخطر هو دائما في السماح لسياسات المستوى الأدنى، والتي تكون بمثابة وسيلة، لتصبح اهدافاً على المستوى الوطني. ربما كان الحال كذلك، على سبيل المثال، خلال الستينات والسبعينات في القرن الماضي، عند السعي إلى تحقيق هدف تعزيز أمن الأمة، خاضت الولايات المتحدة حربا طويلة في فيتنام من أجل منع تحقيق نمو الشيوعية في جميع أنحاء العالم. في الواقع، لسنوات عديدة اعتبرت فيتنام مصلحة وطنية حيوية ــ واحدة من أجلها سفك الشباب الأمريكيون دماءً كثيرة. بعد هزيمة القوات الفيتنامية الجنوبية من قبل الشمالية، لم تعد فيتنام مصلحة حيوية لأمريكا. كان لديهم سنوات عديدة لتحويل وسيلة الى نهاية في حد ذاتها، وفشلوا لإدراك ذلك، حتى إدارة الرئيس نيكسون، حيث كانت هناك وسائل أخرى لتعزيز أمن الأمة.
وهناك مشكلة أكثر تأثيراً بالسياسة مقابل الاستراتيجية مثل الجدل البيزنطي الدجاج من البيض او بالعكس، لا سيما فيما يتعلق بالاستراتيجية العسكرية، هي أن الفصل بين هذين المصطلحين يشير إلى أن هناك نوعين من قدرة النشاط قابلين للتميز بوضوح. في الواقع، حيث سياسة الأمن القومي هي المعنية، وإلى أن أدوات القدرة العسكرية هي التي تستخدم لتحقيقها (على سبيل المثال، العمليات السرية، وعرض القوة، انتشار القوات، ومجموعة واسعة من خيارات العمل المحتملة)، والأحكام من قبل صانعي السياسة يجب أن يصدر فقط بمشورة وثيقة مع المستشارين العسكريين. كما لوحظ في الرسالة التعبوية لكلاوزفيتز للجنرال موفلينك: " إن المهمة هي ... أساسا لمنع السياسة من مطالبة بالأشياء التي هي ضد طبيعة الحرب، وتجنب اهمال الادوات نتيجة ارتكاب الأخطاء في استخدامها. " والأهم من ذلك، فالذين يقومون بفعالية عسكرية نيابة عن الأهداف السياسية الموضوعة من قبل القادة الوطنيين يجب أن يدركوا جيدا نقاط القوة والضعف في كافة انواع أدوات القدرة الوطنية، حتى يتمكنوا من تقديم أفضل مشورة بصدد الأدوات الأخرى، وكيف ينبغي أن تستخدم وبأي طريقة وذلك لتحقيق أقصى قدر من الفائدة من الخيارات العسكرية التي قد يتم اختيارها.
لتوضيح هذه النقطة بشكل أفضل، خلال الأوقات العصيبة في أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي في أواخر 1970، طُلِبَ من معهد الدراسات الاستراتيجية في الجيش الأمريكي إجراء دراسة لدور الجيش في تلك المنطقة. عندما تم الانتهاء من الدراسة، أوصت الولايات المتحدة القيام بعدد من المبادرات السياسية / الدبلوماسية والاقتصادية بالتزامن مع الجهود التي أوصت بها الأفراد العسكريين. عندما تم ايجاز هذه الدراسة إلى مسؤول عسكري كبير، سأل ذلك المسؤول سبب حاجته للتعرف على المبادرات السياسية / الدبلوماسية والاقتصادية، طالما كانت مهمته أن يحيي( يأخذ تحية) وينفذ أية مهام عسكرية تم تعيينها له . ردا على ذلك، لاحظ فريق الإيجاز ان احتمال نجاح أي خيار عسكري محدد يتوقف على دقة انتخابه من الأدوات الأخرى للقدرة الوطنية والتنسيق معها. وبالتالي، كان عمل كبار القادة العسكريين هو ضمان أن القادة السياسيين في البلاد كانوا مدركين جيدا الحاجة إلى الاستراتيجية التي تكاملت مع الادوات الاخرى في خطة فعالة لتعزيز مصالح الولايات المتحدة في بلدان المنطقة.
عناصر التفكير الاستراتيجي
قبل بضع سنوات، قال كينيجي أوهماي (Kenichi Ohmae) في كتابه " العقل الاستراتيجي"" ان استراتيجيات الأعمال الناجحة هي ليست نتيجة تحليل دقيق بل حالة معينة للعقل." وتابع أن:
(في عقل الاستراتيجي، فالبصيرة وما يترتب على حملة للإنجاز. . . تغذي عملية التفكير التي هي في الأساس شيء إبداعي وبديهي بدلا من عقلاني. الاستراتيجيون لا يرفضون التحليل. في الواقع، إنهم بالكاد يتمكنون من دون ذلك. لكنهم يستخدمونها فقط لتحفيز العمليات الإبداعية، لاختبار الأفكار التي تنبثق، للعمل على تطبيقاتهم الاستراتيجية، أو لضمان التنفيذ الناجح لأفكار "وحشية" عالية ــ الاحتمال التي بخلاف ذلك لا يمكن تنفيذها بشكل ملائم.)
يمكن للمرء أن يستنتج من مثل هذا التصريح ان الاستراتيجيين يولدون، ولا يصنعون. الموضوع ليس كذلك، رَدَّ أوهماي، بالقول "هناك سبل يمكن للعقل الاستراتيجي ان يستنسخ أو محاكاته" مشبهاته"، من قبل الذين ربما يفتقرون إلى الموهبة الطبيعية للاستراتيجية. . . هناك بعض المفاهيم والأساليب التي تساعد أي شخص على تطوير هذا النوع من الذهنية التي تأتي بأفكار استراتيجية متفوقة. "
إذا كان أوهماي صحيحا، ما هي اذن هذه المفاهيم والاساليب التي، إذا تم تعليمها، يمكن أن تساعد في تطوير استراتيجيين جيدين؟ ما هي إذن تلك العناصر الشاملة التي تشكل اسلوبا سليما للتعامل مع المشكلة؟ ما هي المفاهيم التي ستدرب العقل على التفكير بعقلانية وبشكل منهجي خلال الممارسة، بل وتعمل على تحفيز العمليات الإبداعية، وبالتالي تؤدي إلى تطوير خطط لعبة مؤطرة ـــ بشكل جيد، والعناصر التي يمكن تطبيقها على جميع مستويات التفاعل البشري، سواء تلك التي تتعامل مع أزمة، أو مواجهة مباشرة، أو تشارك في التخطيط على المدى ـــ الطويل؟
أَوُّدْ أن أقترح سبع فئات واسعة من التحقيق:
1. تحديد الموقف،
2. تفاصيل الاهتمامات(المخاوف) والأهداف الخاصة بك/ وتلك التي تعود لخصمك (ولخصومك) / لمنافسك (لمنافسيك) الرئيسين، وتلك التي تعود الى اللاعبين المهمين الآخرين،
3. تحديد وتحليل خيارات ربما يمكن اتباعها، من حيث شروط عوامل مثل الكلف، والمخاطر، واحتمالات النجاح،
4. انتخاب خيارات وتحليل بدائل على ضوء خلافات محتملة،
5. اعادة النظر في الموقف والخيارات على ضوء تغير الأحداث،
6. تقويم الخيار وفقا لدرجة نجاحه في تحقيق نتائج مرغوبة، وأخيرا،
7. تعديل خيار أو استبداله. ان العمليات المقترحة هي عمليات منطقية ومنهجية، تتضمن تفكير متعدد الأبعاد، مما يحفز الإبداع. في دراسة لكل عنصر من العناصر، سأشير إلى تطوير الاستراتيجية على المستوى الوطني. ومع ذلك، فإن النموذج يمكن تطبيقه على جميع مستويات الفعالية.
الخاتمة
يمكن فهم الاستراتيجية على أفضل وجه باعتباره التطبيق المتكامل للوسائل المتاحة لتحقيق النهايات المرجوة. وعلى المستوى القومي، تشمل هذه الوسائل عادة مجموعة من الأدوات السياسية / الدبلوماسية، والمعلوماتية، والاقتصادية، والنفسية، والعسكرية. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى التفكير الاستراتيجي تتخلل جميع مستويات صنع القرار. الثنائيات الكاذبة، التي توحي بأن الاستراتيجية هي التي يتم اتخاذها في المستويات الأعلى من الحكومة أو الجيش والتكتيكات" التعبية"، هي ما تقوم به المستويات الدنيا، وهي ليست مضللة فحسب، بل هي أيضاً ذات نتائج عكسية. يجب تدريب الأفراد على التفكير الاستراتيجي على جميع المستويات. عندئذ فقط يمكنهم توظيف الوسائل المتاحة لهم بطرق تزيد احتمالية تحقيق النجاح.
ومن المضلل أيضًا الفصل الاصطناعي للسياسة والاستراتيجية. لا يمكن للسياسات التي تُفهم كأهداف أن تنجح دون وجود استراتيجية مناسبة للإنجاز. وبالمثل، فإن تجميع السياسات، التي تُفهم على أنها وسائل يتم التفكير فيها بشكل جيد ويجري تكاملها، تشكل استراتيجية.
المهمة الأساسية التي نواجهها هي تثقيف وتدريب الأفراد على التفكير الاستراتيجي في جميع مستويات المسعى "الصراع". لقد حدد هذا المقال تلك العناصر التي، إذا تم ممارستها بشكل متكرر، ستساعد في تدريب العقل على التفكير بطريقة منهجية وعقلانية وإبداعية، أي التفكير بشكل استراتيجي. هناك أولئك الذين يأتون بهذه الطرق بشكل طبيعي ولكن، كما هو الحال مع الفنانين والعلماء الجيدين، يتم تعليم معظمهم لمهنتهم. بينما نتطلع إلى المستقبل، ستكون الحاجة إلى التفكير الاستراتيجي والاستراتيجيين السّاميين أفضل. لذلك يجب علينا تطوير مجموعة قوية من أولئك الذين يستطيعون القيام بذلك، سواء كانوا يتعاملون مع أزمة، أو يتعاملون مع مواجهة فورية، أو يشاركون في تخطيط طويل الأجل.
---------------------
1. هاري جي. سوميرس، الابن، حول الاستراتيجية: حرب الفيتنام في السياق، كارليسلي، مجلة: معهد الدراسات الاستراتيجية، كلية حرب الولايات المتحدة الامريكية،1981، ص -1.
2. والتر دبليو. سكيت، القس، قاموس إختصاري موجز للغة الإنجليزية، نيويورك: جي. بي. أولاد بوتنام، ،1980، ص . 522
3. كارل فون كلاوزفيتز، عن الحرب، مايكل هيوارد وبيتر بارت، بريسينتون: مطبعة جامعة بريسنتون،1976، ص-177.
4. مقتبس من كتاب ب. ايج. ليدل هارت، الاستراتيجية، لندن، المملكة المتحدة: شركة فايبر وفايبر المحدودة،1967، ص-320.
5. كان ليدل هارت يدرك جيدًا التفاصيل الدقيقة لمعايير كلاوزفيتز في الاستراتيجية. وأشار إلى أن كلاوزفيتز اعترف بأن "هدف القتال ليس دمارًا دائمًا لقوات العدو"، و "يمكن تحقيق هدفه أيضًا في كثير من الأحيان دون حدوث القتال على الإطلاق". وكان نقده لكلاوزفيتز أن الجميع قبض على عبارات رنانة مثل "ليس لدينا سوى وسيلة واحدة في الحرب هي- المعركة"، "المعركة هي النشاط الوحيد في الحرب"، "قد نخفض كل نشاط عسكري في مجال الاستراتيجية إلى وحدة المعارك الفردية"، و "دعونا لا نسمع عن الجنرالات الذين يحتلون دون سفك الدماء". انظر ب. ايج، ليدل هارت،" شبح النابليون"، جنة جديدة، مطبعة جامعة يالي، 1935، ص-124-126..
6 . ليدل هارت، استراتيجية، ص- 321.
7. كلاوزفيتز، في الحرب، ص-87.
8. ميريام وبستر أون لاين، متاحة من www.merriam- webster.com/dictionary/strategy.
9. المصدر نفسه.
10. كلاوزفيتز، في الحرب، ص - 149.
11. صموئيل بي. كريفث، صان تسو: فن الحرب، نيويورك: مطبعة جامعة اوكسفورد،1963، ص -77.
12. المرجع نفسه، ص-79.
`3. المرجع نفسه، ص-79.
14. ب ايج. ليدل هارت، "أفكار حول القضايا الفلسفية، والسياسية، والعسكرية"June 7، 1932، أوراق ليدل هارت المجلد الثاني/20/1932، مقتبسة من قبل كريستوفر باسفورد، كلاوزفيتز بالإنجليزية: استقبال كلاوزفيتز في بريطانيا وامريكا،1815 -1945، نيويورك: مطبعة جامعة أكسفورد، 1994.
15. انظر المطبوعات المشتركة JP) 1-02)، قاموس وزارة الدفاع للمصطلحات العسكرية والمرتبطة، واشنطن العاصمة: رؤساء هيئة الأركان المشتركة، 12 نيسان 2001، بصيغته المعدلة حتى 17 أكتوبر 2008، ص- 525.
16. غابرييل مارسيلا وستيفن أو. فاووت " تدريس الاستراتيجية في القرن الواحد والعشرين"، مجلة قوات مشتركة، العدد 52، الربع الرابع 2009، ص- 60، الحاشية 2.
17. 02-1(JP)، ص - 525.
18. المرجع نفسه، متاح من www.dtic.mil/doctrine/dod_dictionary/
19. المرجع السابق، ص- 399.
20. سكيت، قاموس، ايتومولوجيكال، ص-539.
21. قاموس مريم – ويبستر اون لاين، متاحة من (www.merriam- webster.com/dictionary/tactics.).
22. (JP 1-02)، متاحة من ((www.dtic.mil/doctrine/dod_dictionary/..
23. ومن ناحية أخرى، إذا فهم المرء السياسة من حيث أحد التعاريف التي قدمها (Merriam-Webster) "كخطة شاملة رفيعة المستوى تشتمل على الأهداف العامة والإجراءات المقبولة، لا سيما بالنسبة لرئاسة الحكومة"، عندئذ على المستوى الوطني فان السياسة هي استراتيجية باسم آخر. لكن لسوء الحظ، فإن مصطلح السياسة نادراً ما يعكس درجة تكامل الوسائل المتاحة لتحقيق الغايات المرجوة التي يتم التعبير عنها من خلال مصطلح الاستراتيجية.
24. دانيال ج. هيوز، محرر، مولتكه على فن الحرب: كتابات مختارة، نيويورك: بالانتين بوكس، 1993، ص. 36.
25. كينيجي أوهماي، العقل الاستراتيجي: فن اليابانيين في الاعمال التجارية، نيويورك: ماك كرو – هيل، مشمول،1982، ص،4.
26. المصدر نفسه.
27. المصدر نفسه، ص، 5.
--------------
الگاردينيا: هيئة التحرير ترحب بسيادة الفريق الركن محمد نجم الدين النقشبندي القائد العسكري و المفكر العراقي الكبير ، سعداء بهذا التواجد ،نطلب من الباري أن يمنحه الصحة والعافية وطولة العمر لنرى منه الكثير فهو وأمثاله القادة والمفكرين ثروة وطنية بحق... من الله التوفيق.
1639 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع