إنشاء الجمهورية العربية الفلسطينية الديمقراطية ضرورة لحفظ السلم والآمن الدوليين

                                                     

                        طارق احمد السلطاني

إنشاء الجمهورية العربية الفلسطينية الديمقراطية ضرورة لحفظ السلم والآمن الدوليين

سعت بريطانيا منذ مستهل القرن العشرين ، وكانت تحتل مكان الصدارة بين الدول الاستعمارية ، إلى تشكيل جبهة استعمارية موحدة ، تضم كافة الدول المستعمرة ، وتعمل على تنسيق سياساتها وتخفيف حدة التنافس بينها والوقوف صفا واحداً في مقاومة التمدد الاستعماري الألماني الجديد فشرعت تقيم الاتصالات مع فرنسا وهولندة وبلجيكا وأسبانيا والبرتغال وايطاليا مما أسفر عن تشكيل حلقة دراسية تضم مشاهير مفكريها ومؤرخيها وعقدت سلسلة طويلة من الاجتماعات التي أسفرت عن تقرير هو زبدة الفكر الاستعماري وضع في عام 1907 ، وتوصل إلى نتائج خطيرة لعل أهمها أن الخطر الذي يهدد الاستعمار الغربي يكمن في البحر الأبيض المتوسط الذي يؤلف حلقة الاتصال بين الشرق والغرب والذي يقيم على سواحله الشرقية والجنوبية شعب واحد يتميز بكل مقومات التوحد والترابط وبما في أراضيه من كنوز وثروات ، تتيح لأهلها مجال التقدم والرقي في طريق الحضارة والثقافة ، وأوصى التقرير لمواجهة هذا الخطر ، بأن تعمل

الدول الاستعمارية على تجزئة هذه المنطقة والإبقاء على تفككها ، ومحاربة أي اتحاد يقوم بين أجزائها والسعي الدائب إلى تفسخها عمليا وفكريا وتاريخيا . واقترح (( كوسيلة عاجلة للعمل على فصل الجزئين الأفريقي والآسيوي من هذه المنطقة ، أحدهما عن الآخر ، وإقامة حاجز بشري ، قوي وغريب في نقطة التقاء الجزئين يمكن للاستعمار أن يستخدمه أداة في تحقيق أغراضه )) .
وهكذا نبتت الفكرة في أقامة إسرائيل عند الدول الاستعمارية ، وكانت الصهيونية وهي فلسفة سياسية تقوم على الادعاءات التاريخية الواهية وعلى الفكرة الدينية ، والتفوق العنصري ، والانعزالية الرجعية ، والفاشية العدوانية المنبثقة عن الآلام الدفينة ألوف السنين قد ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر ، أي قبل إعداد ذلك المخطط الاستعماري بسنوات قليلة وشرعت تعمل في سبيل تحقيق حلمها في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين لتكون نقطة الوثوب في طريق الإمبراطورية التي تمتد من النيل إلى الفرات ، فتلاقت الأهداف والمصالح ، وكانت فلسطين هي نقطة الالتقاء . وكان وعد بلفور تعبيره الأول .
وكانت الحرب الكونية الأولى قد نشبت على حدتها ، واستعر أوارها ، و ساور القلق ، نفوس الاستعماريين ، وحلفائهم الصهيونيين ، من احتمال انتصار ألمانيا فيها ، مما يقضي على آمال الفريقين كلها ، ويحطم مصالحهما وأهدافهما ، فتبين لهما ، أن السبيل الوحيد للنجاة من هذا الخطر الماثل ، والكارثة المهددة ، هو في إقحام أمريكا في هذا الصراع العالمي الجبار ، إلى جانب الدول الاستعمارية القديمة وحليفتها الصهيونية ، لضمان النصر على ألمانيا المتطفلة على السباق الاستعماري ، فاتجهت الجهود كلها
وانصرفت إلى غاية واحدة ، وهي حمل الولايات المتحدة على الاشتراك في الحرب . وهي جهود كان لها ثمرتها الناجحة في عام 1917 ، عندما أعلن الرئيس ولسون ، وهو الإنسان المثالي ، الذي خدعته الأضاليل الحرب على ألمانيا القيصرية .
حدثني جيرالد . كي . سميث ، وهو أمريكي كبير يصف نفسه بأنه قائد من قادة الحملة الصليبية لتحرير الولايات المتحدة من سيطرة الصهيونية عليها ويصفه آخرون وهم من أنصار الصهيونية طبعا ، أنه من غلاة دعاة اللاسامية ، بأنه قد حصل على وثائق في منتهى الأهمية تقيم الدليل على أن الصهيونية هي التي أرغمت أمريكا على خوض الحرب العالمية الأولى . وأن المخططات للمؤامرة هي التي استهدفت تحقيق هذا الغرض ، قد وُضعت في بيت ريفي متواضع يقع في ضواحي مدينة لندن ، كان وايزمن الزعيم الصهيوني ، يجتمع فيه إلى رجالات الحكومة البريطانية وفي مقدمتهم غراي وبلفور ، لوضع هذه المخططات ، وأضاف أنه سينشر هذه الوثائق التي ستحدث قنبلة مدوية في العالم لما تنطوي عليه في طياتها من أسرار مثيرة ، كما ينشر معها في الكتيب الذي يعتزم إصداره صورة البيت المذكور ، الذي أوفد مصورا خاصاً من رجاله لالتقاطها .
وهنا يقوم الترابط بين وعد بلفور ودخول أمريكا في الحرب العالمية الأولى لقد كان الوعد هو الثمن الذي قدمه الاستعمار العالمي ممثلا في بريطانيا إلى الصهيونية العالمية عندما تلاقيا في قضية فلسطين ، لحمل الولايات المتحدة على تأييده في حربه ضد ألمانيا المستعمرة المتطفلة . وقد لعب شخص بريطاني من أصل أرمني يدعى جيمس مالكولم الدور الأول في هذا الالتقاء ، ولما كان دور هذا الرجل ما زال مغمورا بالنسبة إلى الرأي العام
العربي والعالمي ، إذ أن الصهيونية تعمدت إبقاءه وراء الستار دون أن تسلط الأضواء عليه ، لسبب يجهله حتى هو نفسه ، كما سأورد بعد قليل ولما كنت قد حصلت أثناء زيارتي الأخيرة لأمريكا على صورة من وثيقة كتبها هذا الرجل نفسه ولم يُقدّر لها أن تنشر نشرا كافيا ، بسبب ما للصهيونية من سيطرة على وسائل النشر ، لا في أمريكا وحدها بل وفي العالم الغربي بأسره أيضا ، فقد آثرت أن أنقل بعض محتوياتها إلى القارئ العربي في هذا المجال ، مؤجلا نشرها بكاملها إلى فرصة أخرى .
ولكن قبل أن أبدأ بالحديث عن مالكولم هذا ورواية قصته أود قطعا لكل شك في صدق الرواية ، أن أشير إلى صموئيل لاندمان المؤرخ الصهيوني المعروف كان قد أشار إليه والى الدور البارز الذي قام به في مقالين تحت عنوان " التاريخ السري لوعد بلفور " نشرهما في مجلة "اليهودية العالمية" ( World Jewry ) الصادرة في لندن بتاريخ 22 شباط والأول من آذار عام 1953 ، ووصفه فيهما بأنه عضو الوفد الأرمني القومي الذي لعب دورا كبيرا لا يقدر بثمن في خدمة الحكومة البريطانية في الشؤون الشرقية كما اعترف فيهما بأهميته في إصدار وعد بلفور . ولاندمان هذا حجة في الشؤون الصهيونية فقد كان سكرتيرا خاصا لوايزمن ثم لسوكولوف الزعيم الصهيوني بين عامي 1915 و1918 أي في فترة صدور وعد بلفور كما كان سكرتيرا للمنظمة الصهيونية العالمية بين عامي 1917 و 1922 . وهو مؤلف كتابي " تاريخ الصهيونية " و " فلسطين البريطانية واليهود " .
كان أول ما ورد عن مالكولم هذا ، بصورة مكشوفة ، ولعله أخر ما ورد عنه أيضا ما ذكره كريستوفر سايكس في كتابه " دراستان في الفضيلة " الصادر في لندن عام 1953 ، أن السير مارك سايكس ( أحد الموقعين على
معاهدة سايكس – بيكو السرية في الحرب الأولى بين إنكلترا وفرنسا حول اقتسام البلاد العربية ) ، كان يجلس ذات يوم من أيام شهر تشرين الأول عام 1916 في مكتبة بوزارة الحرب البريطانية إذ كان أحد سكرتيريها عندما جاءه شخص يدعى مالكولم ، طالبا زيارته . وكانت أثار الألم والإنهاك تبدو على محيا السكرتير ، فسألها زائره عن السبب في اكتئابه ورد هذا بأن الأوضاع الحربية ليست على ما يرام ، وأن نهاية الحرب لا تبدو قريبة ، وأن الأمل الوحيد في ظفر الحلفاء ، هو في اشتراك أمريكا فيها على نطاق واسع ، وهو ما لا يعتقد بوجود أمل فيه نتيجة الأنباء الواردة إلى وزارة الحرب وكلها غير مشجع . وسأله الزائر الغريب عما إذا كانت هناك جهود جدية قد بذلت لإقناع أمريكا بالاشتراك في الحرب ، فرد بالنفي .
واغتنم الزائر الفرصة ، فأخذ يُحدث السير مارك عن اليهودية العالمية وأثرها وعن الحركة الصهيونية ... وعاد هذا الرجل الغريب بعد بضعة أيام واستؤنف الحديث حيث انقطع في المرة الماضية فذكر سايكس أن الصهيونية جاءت متأخرة ، وأن هذا الرأي ليس خاصا به ، بل هو رأي اللورد ميلنر أيضا ، الذي شاوره في الأمر ، والذي ذكر بأن الصهيونية حركة متطرفة لا يمكن القبول بها في الوقت الحاضر . وهنا شرع مالكولم يحدثه عن الصهيونية ونفوذها وما تستطيع عمله لإدخال أمريكا في الحرب إلى جانب الحلفاء . وذكر أن من أقرب مستشاري الرئيس الأمريكي ويلسون وأصدقائه إليه القاضي لويس برانديس ، وهو يهودي ، بل وصهيوني ، ويتولى مقعداً في المحكمة العليا . وأضاف أن ثمة ارتباطات وثيقة تربط ويلسون إلى برانديس ، لأن هذا القاضي ، كان قد أنقذ الرئيس
في شبابه من قضية قانونية أتهم فيها وأن الرئيس يشعر بأنه مدين له بحياته ومستقبله السياسي . وانتهى إلى القول بأن تبني بريطانيا للسياسة الصهيونية هو السبيل إلى الحصول على عطف أمريكا وتأييدها .
وأثار هذا الحديث سايكس ، فنقله إلى اللورد ميلنر ، الذي نقله بدوره إلى وزارة الحرب ( مجلس الوزراء المصغر ) . وأبدت الوزارة اهتماماً حذراً بالموضوع ، وأشارت بأجراء اتصالات بممثلي الحركة الصهيونية عن طريق مالكولم دون إغداق أية وعود . ورفض مالكولم أن يخطو خطوة واحدة دون أن يتلقى وعداً مبدئياً ينقله إلى الزعماء الصهيونيين بتأييد بريطانيا لادعاءاتهم في فلسطين . واعتذر سايكس بأن مثل هذا الوعد سيُغضب فرنسا ويثير مشاعرها ، فرد عليه مالكولم : " أن دخول أمريكا الحرب أهم من مشاعر فرنسا ، فإذا كنتم تريدون دخولها ، فعليكم أن تعدوا بفلسطين للصهيونيين " ، وهكذا تحول سايكس إلى الجانب الصهيوني .
ونقل سايكس القضية ثانية إلى اللورد ميلنر والى وزارة الحرب ، التي خولت سايكس البدء بالمحادثات . ووافق مالكولم على الوساطة ، ومضى يجتمع إلى زعماء الصهيونيين عن طريق صديقه ليوبولد غرينبرغ . وكان في الاجتماع وايزمن وغيره من الصهيونيين ، وأخيرا تم الاجتماع بين سوكولوف مندوبا عن وايزمن وبين سايكس . وتبودلت المذكرات الخطية ، وكان أول ما طلبه الصهيونيون الاعتراف بهم كمنظمة دولية ، وأن يسمح لهم بحرية الاتصال بالخارج ويمنحوا الامتيازات التي تمنح للحكومات عادة فوافق مجلس الوزراء على أن تتولى وزارتا الخارجية والحربية نقل الرسائل والبرقيات الصهيونية إلى الخارج بواسطة سفاراتها . ونقلت المنظمة الصهيونية في لندن إلى يهود أمريكا قرار الحكومة البريطانية بتحقيق أحلام الصهيونية في فلسطين .
هذا ما ذكره كريستوفر سايكس في كتابه ، وهو قريب للسير مارك ، ولا ريب في أنه عرف بقصة مالكولم هذا ، أو ببعض أجزائها ، أما القصة الحقيقية فتوجد في تلك الوثيقة التي أشرت إليها والمحفوظة في " الوثائق الصهيونية " ، والتي كتبها مالكولم بنفسه .
يقول مالكولم في مقدمة وثيقته " لإيضاح تاريخ وعد بلفور ، يبدو لي أن من الضروري أن أوضح لماذا غدت المشكلة اليهودية والأماني الصهيونية الرامية إلى التحرر الذاتي في فلسطين ، موضع اهتمامي ، وكيف قدر لي أن أقابل الدكتور وايزمن ، وأن أكون المسبب في المفاوضات التي أدت إلى نشر ذلك الوعد التاريخي عن البعث القومي اليهودي " .
ويتحدث مالكولم عن نفسه فيقول أنه ينتمي إلى أسرة أرمنية الأصل ، كانت تقيم في إيران منذ القرن السادس عشر . وكانت تعمل في الملاحة والتجارة في بوشهر ولها صلات وثيقة بالمصالح البريطانية في إيران وفي الإمارات العربية على الخليج وعلى المحيط الهندي ، وتقوم بتمثيل هذه المصالح بصور وأشكال شتى . وأضاف أن أسرته كانت تقوم بدور الممول للبعثات السياسية البريطانية عند شاه إيران أبان الحروب النابليونية . وأضاف أن زواج والديه تم على ظهر بارجة حربية بريطانية وأن اميرالها هو الذي قام بعقد الزواج . وقال أن عملاء أسرته في بغداد كانوا من اليهود ومن أسرة ساسون المشهورة التي جاءت في الأصل من أرمينيا ، وقد اضطر هؤلاء إلى الفرار من بغداد هرباً من ظلم واليها التركي ، فلجأوا إلى بيت مالكولم في بوشهر حيث أقاموا عدة أسابيع ، إلى أن ارتحلوا مع كنوزهم على أحدى البواخر إلى بومباي .
وأضاف مالكولم أن يهود جنوب إيران كانوا دائما يتطلعون إلى حماية
أسرته ، التي كانت تمثل السير موسى مونتفيوري ، وتتولى توزيع الهبات المالية التي يبعث بها على فقراء اليهود ، وقال أن معظم موظفي مكاتب أسرته كانوا من اليهود ، ولذا ، فقد كان من الطبيعي عندما ارتحل إلى إنكلترا في عام 1881 للدراسة في جامعة أكسفورد أن يقيم علاقات مع عدد من كبار اليهود .
وذكر أنه تعرف بهرتزل في فينا والقسطنطينية واستمع إلى ما يقوله عن أفكاره الصهيونية التي أهتم بها ، وأنه اجتمع في لندن بغولد شميت وغيره من اليهود البارزين وسمع منهم عن احتمال أقامة المستعمرات اليهودية في فلسطين والأرجنتين وكينيا .
وقال أنه قام 1915 بتأسيس الجمعية الروسية في لندن لتوثيق العلاقات بين بريطانيا وروسيا وأن هذه الجمعية غدت برئاسة المستر لوثر ( اللورد اولزواتر فيما بعد ) ، وله عدة نواب رئيس منهم ونستون تشرشل وأعضاء وزارة الحرب ، وكان بين أعضائها الدكتور هيرتز كبير الحاخامين وغرينبرغ رئيس تحرير " الجويش كرونيكل " .
وذكر أن قداسة كاثوليكوس الأرمن عينه في مستهل عام 1916 أحد الأعضاء الخمسة في الوفد الارمني القومي الذي عهد إليه بتولي مصالح الأرمن أبان الحرب وبعدها ، وقد عهد إليه الوفد بتمثيله في لندن ، بينما ظل بقية أعضاءه وبينهم بوغوص نوبار باشا في باريس .
وسهّل له منصبه الجديد الاتصال بدوائر الوزارة ووزارتي الخارجية والحربية ، وسفارات الحلفاء في لندن وبينها السفارة الفرنسية طبعا ، كما صار يكثر من زياراته لباريس للاجتماع بزملائه في الوفد هناك . وبعد أن يتحدث عن الدور المهم الذي لعبه في تجنيد الأرمن في جيوش الحلفاء في
الحرب ، قال أن أعماله هذه جعلته على اتصال بالسير مارك سايكس وكيل وزارة الحربية والمسيو جورج بيكو مستشار السفارة الفرنسية في لندن . ويتحدث بعد ذلك عن تلك المقابلة التي جرت له مع السير مارك والتي تشبه إلى حد ما ذكره كريستوفر ماركس ، ولكنني أرى أن اقتطع منها بعض الفقرات ... قال ... تحدثت إلى السير مارك ، في أن ثمة سبلاً لتحويل اليهود الأمريكيين إلى حلفاء ولحملهم على الشعور بأن انتصار الحلفاء سيكون مفيدا لليهودية العالمية ثم قلت له ... أنكم تسيرون في الطريق الخاطئ . فأثرياء اليهود الذين تعرفونهم وحاخاموهم الذين تقابلونهم ، ليسوا بالزعماء الحقيقيين للشعب اليهودي . أنكم تتغافلون عن نداء القومية . فهل سمعت بالحركة الصهيونية ؟ واعترف السير مارك بأنه لا يعرف شيئا عن الحركة ، فحدثته شيئا عنها ثم قلت في النهاية : " في وسعكم أن تكسبوا عواطف اليهود في كل مكان بطريقة واحدة ليس ألا وهي أن تحاولوا منحهم فلسطين وتأمين وصولهم إليها ، ومضى مالكولم يقول ... وذهل السير مارك واعترف لي أن قلته له شيء جديد للغاية . وينطوي على التأثير . وأضاف أنه سيتحدث ألي في موضوعه فيما بعد . وقد عاد فعلاً إلى هذا الحديث بعد يوم أو يومين . وقال أنه على جانب كبير من الأهمية ولكنه ينطوي على الكثير من العقبات الهائلة . ولم اعرف آنذاك طبيعة هذه العقبات ، ولكنني علمت فيما بعد أنها المعاهدة السرية المسماة بسايكس – بيكو والمعقودة مع فرنسا وروسيا . واقترحت عليه أن يبحث الموضوع مع اللورد ميلنر ، وهو عضو في وزارة الحرب ، اشتهر عنه اهتمامه الكبير بقضايا القوميات في أوربا التي يحتمل أن تثيرها الحرب . وقد وعد بذلك ووفى وعده ويستطرد مالكولم فيروي ما دار بينه وبين اللورد ميلنر ،ورأي
الأخير في الحركة القومية اليهودية ، وفي استحالة إصدار وعد بإعطاء فلسطين لليهود ويقول أنه أشار إليه بعد ذلك أي إلى ميلنر بما للقاضي برانديس من تأثير على الرئيس الأمريكي ويلسون . مما أثار اهتمام اللورد ووعد بالعودة إلى إثارة الموضوع مع وزارة الحرب . وبعد أن يستعرض مراحل المناقشات الطويلة التي دارت بينه وبين السير مارك ، وما أبدته الوزارة من ميل إلى الأخذ بالنظرية الصهيونية رغم تخوفها من إثارة الرأي العام المسيحي في العالم ، على الوعد بالبلاد المقدسة لليهود ، وما استخدمه مالكولم من ضغط ، مستعملا فيه سلاحه القوي بالتأثير على أمريكا لدخول الحرب ، وهي حاجة ملحة كانت بريطانيا تشعر بمساسها قال أن السير مارك قد نقل إليه أخيرا موافقة وزارة الحرب على اقتراحه وخوله البدء بالمفاوضات مع زعماء الصهيونية .
وتحدث بعد ذلك عن الخطوات التي اتبعها للاجتماع بالزعماء الصهيونيين وعن اجتماعه بكل من وايزمن وسوكولوف وغيرهما في منزل في طريق أديسون ، وما دار بينه وبين وايزمن من نقاش ، وما تلاه من اجتماع بين سايكس وسوكولوف أسفر عن إرسال برقية مستعجلة بالشيفرة إلى القاضي برانديس للعمل على أقناع الرئيس ويلسون بدخول الحرب .
واستمرت المفاوضات في مكتب السير مارك ، بعد أن تم الاتفاق ، واجتمع مالكولم بالفريق حداد باشا ممثل الشريف حسين في لندن ، بحضور ضابطين عربيين ونقل إليه ما تم الاتفاق عليه بين الزعماء الصهيونيين ووزارة الحرب البريطانية من وعد لليهود بفلسطين ، وذكر أنهم وافقوا على ذلك لما كانوا يعلقونه من أهمية على دخول أمريكا في الحرب وتعهدوا بأن لا يثير العرب أية اعتراضات على السياسة البريطانية المقررة
وأضاف أنه اجتمع بلورنس عدة مرات أثناء الحرب وإبان مؤتمر الصلح ووجده مؤيداً كل التأييد سياسة حكومته ، كما لم يلق أي اعتراض من الشريف فيصل .
ويصف بعد ذلك الاجتماع الذي عقد في بيت الدكتور غاستر في السابع من شباط عام 1917 بحضور السير مارك سايكس وهربرت صمويل ( اللورد صمويل فيما بعد ) عن البريطانيين والبارون روتشيلد ووايزمن وسوكولوف وتشيلنا وساكر من الزعماء الصهيونيين ، ثم يقول أن المفاوضات استمرت بين سايكس وسوكولوف وأنه ظل يواصل دور الوساطة ويساعده المستر فتز موريس الذي أفلح في استمالة الجنرال السير هنري ويلسون رئيس أركان الحرب الإمبراطورية والجنرال السير جورج ماكدونو مدير المخابرات العسكرية ويساعده الكولونيل غريبون لتأييد القضية الصهيونية .
ويتحدث مالكولم بعد ذلك عن اجتماعاته ببيكو الفرنسي وعن إقناعه بتأييد القضية ، والمسيو كوت وكيل وزارة الخارجية الفرنسية آنذاك ، ثم يقول اللورد اسكويث استقال من الوزارة فألفها المستر لوريد جورج ، وكان هذا التبدل في صالح القضية الصهيونية لأن هذا كان أكثر ميلاً إليها من سلفه بعد أن عمل سكرتيره فيليب كير ( الذي أصبح فيما بعد اللورد لوثيان ) على إقناعه بها .
ويتحدث بعد ذلك عن الرحلة التي قام بها مع سوكولوف إلى باريس حيث اجتمعا برجالات الحكومة الفرنسية وإقناعها بتأييد القضية الصهيونية ، ثم عن رحلة سوكولوف إلى روما ، حيث قابل قداسة البابا ، ووزير الخارجية الإيطالية .
ويمضي في قصته فيصل بها إلى ربيع عام 1917 عندما دخلت الولايات المتحدة الحرب ، وأصبح من المقرر إعلان وعد الحكومة البريطانية ، لولا أن عقبات غير منتظرة ، ولا متوقعة ، أدت إلى بعض التأجيل ، وفي مقدمتها إن اللورد مونتاغ ، وزير الهند ، وهو يهودي بريطاني ، كان يعارض في صدور الوعد معارضة شديدة .
واشتدت المعارضة بين يهود فرنسا وإنكلترا ، ويقول مالكولم أن السبب لم يكن ناجماً عن دوافع الولاء للبلاد التي يقيمون فيها بل عن دوافع الخوف من أن صدور الوعد قد يؤثر على أوضاع اليهود السياسية في البلدين . وقاد كلود مونتفيوري رئيس الاتحاد الإنكليزي اليهودي ، وداود اليكساندر رئيس مجلس الممثلين اليهود الحملة ، فنشرا مقالا في صحيفة التايمس اللندنية حملا فيها على نية الحكومة البريطانية .
ويمضي يقول : (( ولكنني تمكنت بمعونة رئيس تحرير التايمس المستر ويكهام ستيد ، الذي قضى سنوات طويلة في فينا تعرف أبانها على هرتزل وتفهم الحركة الصهيونية من معاكسة الحركة الجديدة الخطرة ، فنشرنا ردوداً على المقال كتبها الدكتور هرتز كبير الحاخامين واللورد روتشيلد والدكتور وايزمن )) .
وبعد أن يتحدث عن الصراع الطويل بين الفئة الصهيونية والجماعات المعادية لها من اليهود في إنكلترا ، وهي التي عملت على تأجيل صدور الوعد مدة طويلة على الرغم من كثرة أصدقاء الصهيونية بين أعضاء الوزارة وفي مقدمتهم ، كما يذكر ، لويد جورج وبلفور وميلنر وبارنز والجنرال سمطس ، وعلى الرغم من أصدقائهم من ذوي النفوذ وبينهم كما يذكر ، اللورد كرو واللورد سيسيل والسير هربرت صموئيل وفيليب كير
والبروفسور ويبستر ، والسير رونالد غراهام والكولونيل ماينرتز هاغن ومن رجال الصحافة ، وفي مقدمتهم المستر سكوت رئيس تحرير المانشستر غارديان وهيربرت سايدبوتوم المحرر العسكري للتايمس وغيرهما .
ويمضي فيقول أن الدكتور وايزمن وأصدقاءه أتموا وضع صيغة الوعد بطلب من السير مارك سايكس في صيف عام 1917 على النحو التالي :
(( تنظر حكومة جلالة الملك بعين العطف إلى أقامة وطن قومي في فلسطين للجنس اليهودي ، وستبذل أفضل جهودها لتسهيل بلوغ هذه الغاية على أن يفهم جلياً أنه لا يجوز عمل شيء قد يؤثر على الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين ولا الحقوق أو المركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلاد غيرها من الراضين تمام الرضا عن جنسيتهم ورعويتهم الحاليتين )) .
وابرق النص إلى القاضي برانديس في واشنطن لنوال موافقة الرئيس ويلسون عليه ، كما وافق عليه البارون دي روتشيلد ، ثم أُحيل إلى وزارة الحرب ليتولى بلفور توقيعه بوصفة وزيراً للخارجية ، فطرأت عليه بعض التعديلات كحذف القسم الأخير أي ( من الراضين تمام الرضا عن ... الخ ) كما اُستبدلت كلمة الجنس اليهودي بالشعب اليهودي .
وتقرر أرجاء صدور الوعد إلى أن تكون الأوضاع العسكرية في الشرق قد
تحسنت ، ثم يمضي مالكولم فيقول : (( وابلغني السير مارك في نهاية تشرين الأول أن مجلس الوزراء سيبحث في الوعد فوراً بسبب تحسن الوضع العسكري في فلسطين ، ثم طلب مني أن أنتظر في رواق وزارة الحرب واتفقنا على كلمة رمزية إذا قالها فهمت النتيجة ثم مضى إلى مجلس الوزراء ، وعندما خرج هتف بأعلى صوته : (( جاء المولود صبياً )) لأفهم أن القضية قد نجحت . وفهمت منه بعد ذلك ومن المستر اورمسبي غور
( اللورد هارليش ) ، أن بلفور ، وزير الخارجية شرح لزملائه في خمس دقائق ، وبطريقة مقنعة أهمية الوعد . وسرعان ما أيده ميلنر وسمطس ورئيس الوزراء نفسه ، وتوصل المجلس إلى قرار أجماعي في الموضوع . وعلمتُ أخيرا وبعد أسابيع وشهور طويلة من القلق ، أن البذرة التي زرعتها قد أنبتت الثمار ، وأن الحكومة قد غدت حليفة للصهيونية وصدر الوعد في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 ، وأصبح معروفا في التاريخ بـ (( وعد بلفور )) .
وبعد أن يسرد نص الوعد ، يمضي فيقول أن الحكومة البريطانية قد وفت بتعهدها ، ونفذت وعدها بمساعدة اليهود على الحصول على فلسطين ... ثم يقول : (( وعندما أتطلع ألان إلى الجهود الشاقة التي بذلتها ، أشعر بالسعادة حقا لأن العناية الإلهية شاءت أن تمنحني الفرصة لأضع كل علاقاتي الشخصية والرسمية كاملة وبلا مقابل تحت تصرف أصدقائي الصهيونيين . وهكذا تمكنت من أن أكون ذا نفع للشعب اليهودي في فترة تاريخية عظيمة. وكنت أعرف أنني في عملي هذا أخدم بريطانيا والعالم أجلَّ الخدمات )) . وبعد أن يطري وايزمن على شخصيته وجهوده يقول : ( لقد سمعت من
أوثق المصادر أن الدكتور وايزمن ، رغب أشد الرغبة في رؤية المستر
تشرشل عندما غدا رئيسا للوزراء في الحرب الثانية ، ولكن تشرشل ظل يسوف ويؤجل موعد المقابلة ، وعندما سأله أحدهم ، عن السبب في التأجيل قال (( أخشى أن يقنعني برأيه )) ) .
هذه قصة ماكولم ، الرجل الغريب ، الذي مات عام 1952 بعد أن بلغ الخامسة والثمانين من عمره ، والذي حاولت الصهيونية الإبقاء على جهوده في الحصول على وعد بلفور ، مغمورة على الأنظار ، فقد أصدر وايزمن كتابه (( التجربة والخطأ )) ، وكان موضوعه ، كيف حقق الصهيونيون حلمهم بإنشاء الدولة اليهودية ، ولم يشر فيه بقليل أو بكثير إلى جهود مالكولم هذا ، الذي كشف وثيقته ، مما آلم الرجل أشد الألم فبعث إلى رئيس تحرير جريدة (( الجويش كرونيكل )) الصهيونية بتاريخ الثامن من نيسان عام 1949 رسالة قال فيها : (( سيدي ، على الرغم من أن قصة خدماتي للصهيونية ، لم تعد سراً من الأسرار ، بل نشرت بوضوح في بعض الكتب وبينها الكتاب الأخير الذي صدر عن حياة لويد جورج ، كما نشر شيء عنها في صحيفتكم قبل بضع سنوات ... فقد تدهش إذا عرفت أن الدكتور وايزمن الذي اعترف نفسه بخدماتي في الرسالة التي وجهها ألي في الخامس من آذار عام 1941 ، والتي أبعث إليك بصورة شمسية عنها ، قد تجاهلني تمام التجاهل ، حتى أنه لم يذكر أسمي في كتابه )) .
وقد يعنيك أن تعرف أن عدداً من الأصدقاء اليهود وغير اليهود قد هتفوا لي بعد قراءتهم كتابه معربين عن دهشتهم ، وقالوا أن مثل هذا النكران للجميل من جانب الدكتور وايزمن يلحق أكبر الأذى بالجنس اليهودي ...
(( وفي وسعك استخدام الرسالة المرفقة المؤرخة عام 1941 ...
التوقيع ... جيمس مكدونلد
وهذا نص الرسالة المرفقة :
(( عزيزي مالكولم :
رداً على سؤالك ، قد يعنيك أن تسمع أنني كتبت قبل مدة إلى المستر لويد جورج منوهاً بمبادرتك النافعة ، والتي جاءت في وقتها المناسب في عام 1916 ، لتحقيق المفاوضات بيني وبين زملائي الصهيونيين من ناحية وبين السير مارك سايكس وغيره في موضوع فلسطين والتأييد الصهيوني لقضية الحلفاء في أمريكا وغيرها ، ولكنني لم استطع بالطبع أن أشير أشارة واسعة إلى الحقيقة الواقعة وهي أن المستر لويد جورج كان قد اعتزم في عام 1922 ، الاعتراف بخدماتك الثمينة في الحرب في هذا الموضوع وغيره . ولسوء الحظ ، نسي الموضوع كله ، ولكنه قد يعود إلى الذاكرة من جديد كما آمل ، لتنال ما تستحقه من اعتراف يليق بخدماتك .
التوقيع ... حاييم وايزمن )) .
ولم تنته خدمات هذا الرجل الغريب للصهيونية بصدور وعد بلفور بل ظل يخدمها طيلة حياته ، وأن كان بصورة سرية وخفية ، ففي عام 1936 ، كانت اللجنة الملكية البريطانية برئاسة اللورد بيل ، تعتزم المضي إلى فلسطين للتحقيق فيها بسبب الثورة الدامية التي نشبت فيها ، بعث الرجل بمذكرة أضافية بخط يده تقع في ثماني عشرة صفحة ، وضع في رأسها كلمة (شخصي وسري) Confidential & Private إلى اللورد ، ثم وزع نسخا منها وبصورة سرية أيضا على أعضاء اللجنة ، حاول فيها التأثير على اللورد وأعضاء لجنته لتبني البرنامج الصهيوني في فلسطين ، ولم تنشر هذه الوثيقة أيضا ، رغم ما فيها من حماسة في الدعوة للصهيونية ،ولا ريب في أن المرء يقف حائرا في تعليل هذا التجاهل للرجل ، ألا إذا أراد
تبني التفسير الأكثر بساطة ، وهو الميل الشائع عند الصهيونيين للتنكر للجميل ، وهو ميل ظهر جلياً منهم عندما قلبوا لبريطانيا – التي كان لها الفضل الأول والأخير في تحقيق آمالهم – ظهر المجن في حقبة الأربعين ، بعد أن عثروا في الولايات المتحدة على حليف أكثر قوة ، وأشد بأسا وأوسع نفوذا ، وألا إذا كان زعماء الصهيونية ... قد آثروا أن ينسبوا الفضل في صدور وعد بلفور إلى جهودهم هم ، دون غيرهم ، مما يعتبر تحريفا للتاريخ ، وهي شنشنة عُرفت عن أخزم ، إذ ليس أبرع من اليهود في تحريف التاريخ .
ولم يكن قصدي من إيراد كل ما أوردت الدفاع عن هذا الرجل ، وإنما أردت أن أبسط بعض الحقائق التي ما زالت غامضة بالنسبة إلى القارئ العربي من ناحية ، وأن أبين الطريقة التي التقت فيها الصهيونية بالاستعمار ، ثم كيف تم التآمر بينهما على إدخال أمريكا في الحرب الكونية الأولى ، وكيف نجح هذا التآمر ، على حساب فلسطين وشعب فلسطين من ناحية أخرى .
وانتصر الحلفاء في الحرب ، وعُقد مؤتمر الصلح في فرساي ، وتنكر الظافرون لوعودهم التي قطعوها للعرب ، ولعب النفوذ الصهيوني والمصالح الاستعمارية دورهما في فرض الانتداب على فلسطين ،وشرعت بريطانيا ، الدولة المنتدبة ، في تنفيذ البرنامج الاستعماري الذي تم وضعه كما أشرتُ سابقا في عام 1907 ، وفي تحقيق وعد بلفور ، تمهيدا لقيام الوطن القومي والدولة اليهودية . وناضل العرب في فلسطين نضال الأبطال طيلة ثلاثين عاما ، تظاهروا فيها وأضربوا وثاروا ، وواجهوا عدوين يفوقانهم قوة وتنظيما ، وبراعة في التوجيه ، ووفرة في الأعداد ، ومع ذلك
فلم تلن لهم قناة ولم يستكينوا وإنما واصلوا السير ، طريق الكفاح الوعر والمخضب بالدماء ومروا بمراحل شاقة لا أرى مجالا للحديث عنها في هذا البحث ، وإنما أتركها للبحوث التي عالجت وتعالج قضية فلسطين ، لكي أصل إلى مرحلتها الأخيرة ، الممثلة في إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين بعد أن حقق رسالته الاستعمارية ، في توطيد دعائم الوطن القومي ولم تبق ألا الخطوة الأخيرة في استكمال تنفيذ المخطط وهو قيام الدولة اليهودية ، وهي خطوة آثر البريطانيون أن يتركوا أمر تنفيذها إلى الأمم المتحدة التي خلفت عصبة الأمم ، وورثت عنها انتدابها على فلسطين .
ولكن قبل الوصول إلى هذه النقطة ، أُوثر أن أبين الدور الهائل الذي لعبته الصهيونية العالمية في الحرب الثانية ، والذي لا يقل شأنا عن دورها في الحرب الأولى ، مع اختلاف النتيجتين ، فلقد كانت هي التي دفعت كما سبق لي إيضاحه أمريكا إلى الحرب عام 1917 ، ولكنها هي التي دفعت بريطانيا هذه المرة إلى الحرب . وللتدليل على هذه الحقيقة أرى أن أورد ما يقوله المستر جيمس فورستال وزير دفاع أمريكا الذي قضى منتحراً في يومياته . فقد جاء في هذه اليوميات بتاريخ السابع والعشرين من كانون الأول عام 1945 ما نصه :
(( لعبت اليوم الغولف مع جو كنيدي ( والد الرئيس كنيدي ، وكان سفيراً لروزفلت في لندن في السنوات التي سبقت الحرب مباشرة ) . وسألته عن محادثاته مع روزفلت ونيفل تشمبرلين منذ عام 1938 . فذكر لي أن تشمبرلين كان يرى في عام 1938 أن بريطانيا لا تملك شيئا تستطيع أن تحارب به ألمانيا ، وأن ليس في وسعها أن تغامر بالحرب مع هتلر . وكان من رأي كنيدي أن هتلر سيحارب روسيا ، ولا يدخل في صراع مع إنكلترا
لو لم يحث بوليت ( وليام بوليت وكان سفيراً لأمريكا في فرنسا ) روزفلت في صيف عام 1939 على أن من الواجب مقاومة الألمان في بولندة ، ولو لم يكن هناك حثُّ دائم من جانب واشنطن لما خاضت بريطانيا وفرنسا الحرب من أجل بولندة . ولكن بوليت واصل القول لروزفلت بأن الألمان لن يحاربوا ، وأن كان كنيدي قد أكد له بأنهم سيحاربون ويجتاحون أوربا . وأضاف كنيدي بأن تشمبرلين قد أبلغه بأن أمريكا واليهودية العالمية هما اللتان أرغمتا إنكلترا على الحرب .
وأضاف أن روزفلت في حديثه الهاتفي إليه في صيف عام 1939 ، قد طلب إليه أن يشدد ضغطه الفولاذي على تشمبرلين . وكان رد كنيدي الدائم أن لا جدوى من مواصلة الضغط ألا إذا كان لدى بريطانيا بعض السلاح لتقاتل به ، ولكنها لا تملك مثل هذا السلاح )) .
وهكذا تغيرت الصورة في عام 1939 ، عن تلك التي كانت قائمة في عام 1917 . فلقد أصبحت بريطانيا هدف اليهودية العالمية وضغطها ، لإدخالها في الحرب ، لتحقق هدفها في فلسطين ، بعد أن كانت قد وطّدت أقدامها في أمريكا ، وأصبحت مسيطرة على شؤونها . وكان وعد بلفور ، ثمن المحاولة الأولى بينما كانت الدولة اليهودية ثمن المحاولة الثانية .
ولقد تقاضت الصهيونية الثمن كاملاً ، في مشروع التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة بعد أن أحالت بريطانيا القضية إليها . وقامت إسرائيل ، لا نتيجة حق طبيعي لشعب يهودي يقيم في فلسطين ، ولا ثمرة دوافع إنسانية أو تحررية كما يزعم خالقوها ومهووسوها ، وإنما ثمرة مؤامرة طويلة الأمد مرت بمراحل عدة تم نسجها بين الاستعمار والصهيونية بعد أن تلاقت أهدافهما . وثمرة عدوان وجد قوته وسلاحه عند الاستعمار العالمي
والاحتكارات العالمية .
وكان القصد من إنشائها أن تصبح قاعدة للاستعمار في هذا الجزء من العالم وأن تكون أداته المنفذة في الوطن العربي ، ليتخذ منها المكان الذي يستقر فيه نفوذه ، وتتوطد دعائم عدوانه ، وليستخدمها في مؤامراته ومناوراته ، وهذا ما أثبتته الحوادث التي وقعت في المنطقة العربية منذ ذلك الحين حتى اليوم ، وفي مقدمتها بالطبع العدوان الثلاثي على قناة السويس في عام 1956 .
وكانت الغاية من إنشائها كذلك ، أشغال العالم العربي ، وصرفه عن الجهود البناءة التي تستهدف رخاءه الاقتصادي وتحسين أحوال العيش فيه ، لما يبعثه القلق من وجودها في نفوس العرب من خوف يدعوهم إلى الاستعداد الدائم والآهبة للدفاع عن أنفسهم تجاه أي خطر عدواني قد يتعرضون له منها ، ولاسيما وأن أحلامها التوسعية في أقامة الإمبراطورية التي تمتد من النيل إلى الفرات تجعل منها خطرا عدوانيا رهيبا يضيع كل أمل في إيجاد الاستقرار في المنطقة . ولولا وجودها في قلب الوطن العربي ، لما اضطرت الدول العربية إلى إنفاق الجزء الأكبر من موازناتها السنوية في شؤون الدفاع والتسلح ، ولأستخدمت هذه الأموال في تحسين أحوال الشعب العربي وتعزيز اقتصاده ورفع مستواه . ولا ريب في إن إسرائيل ، تقيم بتصرفاتها كل يوم ، وبينها خطتها العدوانية الرامية إلى تحويل مجرى الأردن مثلا ، الدليل ، على صدقها في تنفيذ هذه الغاية التي توخاها الاستعمار من وجودها .
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ، ما يصدر عن زعماء إسرائيل وقادتها من تصريحات عدوانية ، تبينت لنا نواياها التوسعية ، فخريطة إسرائيل الكبرى
التي تحلم بإقامتها ، والتي تمتد من النيل إلى الفرات ، ماثلة في مدخل البرلمان الإسرائيلي الذي يُطلق عليه اسم (( الكنيست )) ، وقد ألقت غولدا مائير ، وزيرة خارجيتهم ، في اجتماع صهيوني عام عقد في فندق ((والدورف استوريا)) في نيويورك ، أبان الدورة الأخيرة للأمم المتحدة
- آنذاك - خطابا أعلنت فيه أن إسرائيل وضعت برنامجها لهجرة مليون يهودي أخر إليها قبل عام 1970 ، لكي يصبح عددهم فيها ثلاثة ملايين في طريق تحقيق الهدف النهائي وهو حشد يهود العالم فيها ، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مساحة الجزء الذي تحتله إسرائيل من فلسطين لا يمكن أن تستوعب هذه الأعداد الضخمة من البشر ، تبين لنا ما تبيته من نوايا توسعية تستهدف الوطن العرب كله ، وما تسيطر عليها من نزعات عسكرية مهووسة ، ترمي إلى تأمين طاقات العيش والعمل والغذاء والمأوى لهذا الجيش الجرار من المهاجرين .
وغدا وجود إسرائيل في قلب الوطن العربي أيضا ، ذريعة يستند إليها الاستعمار في دعم أعوانه وأنصاره ، للحيلولة دون مضي الركب العربي في طريقه السريع نحو التحرر الكامل والتقدم الحضاري والوحدة الكاملة ،
إذ كلما لاحت في الأفق العربي ، تباشير وثبة تقدمية تهدف إلى الخلاص من التبعية والرجعية ، عمد الاستعمار عن طريق دعاته إلى التهويل من خطر إسرائيل ووجودها ، واحتمال اغتنامها فرصة أي تصدع في الأوضاع العربية القائمة ، للعدوان والاغتصاب والتوسع ، فحقق وجودها والحالة هذه للاستعمار ما يريده من استبقاء أجزاء كبيرة من الوطن العربي تحت رحمة نفوذه عن طريق التهويل بخطرها ، وحال دون تحقيق المراحل الوحدوية الحتمية ، أواخر تحقيقها على أقل تقدير .
وحققت إسرائيل للاستعمار ما يريده أيضا من جعلها أداة يسخرها في تنفيذ مطامعه الرامية إلى جر الدول غير الملتزمة إلى ركابه وضمها إلى مشاريعه العسكرية وأحلافه ، وذلك بما تخلقه من جو متوتر يسود المنطقة العربية كلها ويستخدم ذريعة للضغط على الدول العربية والتأثير عليها لتصبح تحت وطأة خطرها ، وحاجتها إلى حماية نفسها منها ، خانعة للدول التي خلقت إسرائيل لهذه الغاية وغيرها من الغايات . كما استخدمها الاستعمار ، وسيلة لبسط نفوذه على الدول الأفريقية الجديدة والمتحررة عن طريق ما تقدمه لها من معونات اقتصادية يدرك كل ذي عقل ، أنها مستمدة من الدول الاستعمارية لهذه الغاية ، بالنظر إلى ما تعانيه هي نفسها من حاجة إلى العون الاقتصادي والمالي الذي لولاه لما كانت هناك إسرائيل منذ أمد طويل . وهكذا أصبحت الآلة التي سخرها الاستعمار الجديد ، للعودة إلى هذه البلاد التي تحررت من نوافذها بعد أن خرج من أبوابها .
وهكذا يتبين أن إسرائيل ، ليست مجرد مغتصب طغى على أرض عربية واحتلها ، لينشئ لنفسه دولة فيها ، بل أنها ، وهذا هو المهم ، أداة استعمارية يُقصد منها الإبقاء على النفوذ الاستعماري السياسي والعسكري والاقتصادي في هذا الجزء من العالم ، والحيلولة دون وحدته ، وظهوره مظهر القوة التي تقضي على كل ما تبقى للاستعمار من أثار ومعالم في الوطن العربي ، ولذا فأن حرية هذا الوطن لا يمكن أن تتحقق ، ما دامت هناك هذه الأداة الاستعمارية في قلب دنيا العرب .
* * *
منذ بداية عهد الانتداب البريطاني لفلسطين ، وفي ظل أقسى الظروف نشأت حركة الفدائيين ، لتقف في وجه كل الحلول السلبية التي قادتها
الزعامات الفلسطينية ، مستخدمة أسلوب المساومة والمهادنة والقبول بالحلول السلمية بديلا للكفاح المسلح لطرد المحتل البريطاني .
ولقد كانت أعمال المناضلين تجسيدا حياً للروح النضالية لشعب فلسطين . فقد قادت العمليات البطولية عام 1935 – 1936 ضد الاحتلال البريطاني وبرزت كرد حاسم لأعمال الإرهاب الوحشي التي قادتها المنظمات الإرهابية الصهيونية (( الارجون )) و(( الهجاناه )) و(( شتيرن )) . ففي الفترة ما بين 1936 و1948 قامت تلك المنظمات بشن غاراتها الإرهابية لحمل المواطنين العرب أصحاب الأرض الشرعيين على ترك قراهم ومدنهم ... وتمثلت هذه الغارات بعمليات نسف وتدمير للمنازل العربية والمحال التجارية وقتل العرب الآمنين ، وتصاعدت هذه الأعمال لتبلغ حد المذابح الجماعية ، كما حدث في قبية ودير ياسين وغيرها من القرى العربية . ورداً على هذه العمليات الإرهابية تكونت فرق الفدائيين ، وهي تشبه في تنظيمها فرق الدفاع المحلي ، معتمدة على التقسيم الجغرافي . ففي كل قرية أو مدينة فلسطينية تكونت جماعات المناضلين التي قادت المقاومة من شارع إلى شارع ، وردت على حرب المتفجرات التي شنتها العصابات الإرهابية على الأحياء العربية ، وعلى الرغم على الإمكانيات البسيطة وضعت التنسيق بين الفرق ، سجلت الأعمال الفدائية صفحات رائعة للبطولة في تاريخ المقاومة الفلسطينية .
لم تكن حركة الفدائيين تعتمد على أي مورد خارجي ... وبذلك فقدت حركة الفدائيين في تلك الحقبة عدة عناصر أهمها القدرة على التنظيم الجماهيري الشامل . فلقد تعددت الأحزاب والهيئات واللجان ، وطغت الزعامات العشائرية والطائفية والعائلية ، فأفقدت حركة النضال الوطني فاعلية
التنظيم الواحد ، مما أدى إلى تبعثر الجهود واعتماد الحركة الوطنية على الأعمال الفردية أو الجماعات الصغيرة التي قامت لتدافع عن نفسها ودخلت معركة المقاومة وهي لا تملك إمكانياتها في ظل ظروف غاية في القسوة واشد احتياجا إلى التكتل .
ولقد جابهت حركة الفدائيين عدوا غادرا تدرب رجاله خلال الحرب العالمية الثانية ، ومنح كافة الإمكانيات وساندته قوات الاحتلال ليكون وريثها بعد الجلاء . وعلى الرغم من هذه الظروف القاسية تمكن نضال الفدائيين من تأخير مخططات الصهيونيين عدة سنوات ، برهن خلالها عن الصلابة والمقدرة الفذة والصمود الفلسطيني فلقد جابهت حركة الفدائيين الاستعمار البريطاني متمثلا بجيوش الاحتلال وقوات الشرطة ، وجابهت الغدر الصهيوني متمثلا بمنظماته الإرهابية (( الهجاناه والارجون وشتيرن )) . ففي عام 1936 ، عام الثورة على الاحتلال ، قاد الفدائيون عدة عمليات ضد القوات العسكرية البريطانية المحتلة .
وفي عام 1947 بدأت حركة الفدائيين تمر في مرحلة عصيبة ، إذ كانت مطالبة بالصمود أمام حرب المتفجرات التي قادتها المنظمات الإرهابية الصهيونية ، بالرغم من الظروف القاسية التي تحيط بها ، وبالرغم من عوامل الضعف الداخلي في جبهة الفدائيين .
كما قامت حركة الفدائيين في 1947 و1948 للرد على استفزازات المنظمات الإرهابية الصهيونية ، نشأت في مدينة غزة في الفترة ما بين 1954 – 1956 انتفاضة ثانية للفدائيين ، بعدما شن جيش العصابات الصهيونية غارات غادرة على قطاع غزة ... ولم تكن الكرامة العربية قادرة على المزيد من الصمت ، فكان لا بد من تلقين العصابات درساً قاسياً.
ولقد قامت بعد عام 1958 عدة جماعات فدائية ، بعضها مرتبطة بحركة حزبية ، لم يكتب لها البقاء والاستمرار ولم تظهر على ساحة العمل الفدائي بالصورة الشاملة المطلوبة ... وقد تكون الظروف المحيطة بها هي السبب في ذلك ، وقد تكون العقائد وأسلوب العمل هي التي جمدت هذه الجماعات . وللحقيقة والتاريخ ، بدأت هذه الحركة بعد نكسة 5 حزيران ( يونيو ) 1967باعادة النظر بمخططاتها السابقة على الصعيد الفلسطيني ، وتقييم دورها في حركة المقاومة الفلسطينية الباسلة التي تقودها الجماهير في الضفة الغربية وقطاع غزة .
فظهرت في عام 1958 (( الجبهة العربية للوقوف ضد القوانين الإسرائيلية التي تصادر بها أراضي العرب .
وفي عام 1960 بدأت كتل جديدة من الشباب العربي في فلسطين بإنشاء منظمة سميت (( الأرض )) للمحافظة على الكيان العربي في فلسطين . ولقد أدت العلنية التي ظهرت عليها منظمة (( الأرض )) والتي تمثلت بطلب رسمي لسلطات الاحتلال بإنشاء حزب سياسي معارض – إلى تعرض هذه المنظمة لحملات اليهود الانتقامية حتى الاغتيال – بالإضافة إلى محاولات الاستغلال الإعلامي التي قامت بها أجهزة الإعلام الصهيونية في الغرب لإيهام الرأي العام الدولي بأن الأقلية العربية في فلسطين المحتلة قادرة على رفع صوتها ، وإصدار النشرات ، ولقد فندت قيادة منظمة الأرض هذه المزاعم بمذكرة أرسلتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة تشرح فيها الحياة البائسة التي تحياها الأقلية العربية في ظل الاحتلال الصهيوني . إلا أن طلائع ثورية لهذه المنظمة أدركت الطريق ، وآمنت بالكفاح المسلح فانشقت عن منظمة الأرض ، بعد أن واجهت منظمة (( الأرض )) حملات
الإرهاب والقمع الصهيوني والمراقبة الدائمة لكل أفرادها .
مع بداية العام السادس عشر للنكبة ، بدأت إرادة ثورية تظهر في الأفق إرادة منظمة تختلف عن غيرها ، فكرا وأسلوبا وعملا ، إرادة تريد صنع الثورة وتفجيرها بالكفاح المسلح ، وبسلسلة لا تنتهي من العمليات الفدائية المركزة والمستمرة .
وقائد هذه الثورة لم يكن بطلا أسطوريا ... ولا شخصية سياسية فذة ... ولا زعيما طائفيا أو عشائريا . لقد كان الشعب بكل اتجاهاته وفئاته وهو القائد والرائد ، ولقد تمثلت هذه الإرادة الثورية في تنظيم (( حركة التحرير الوطني الفلسطيني )) وجناحها العسكري (( العاصفة )) . وقد عبرت الحركة الفدائية مرحلة جديدة من تاريخها النضالي بمولد هذه الحركة مع بداية 1965 ، فلقد انتهجت أسلوبا جديدا بعيدا عن جميع الأساليب السلبية للمقاومة ، ولمواجهة الأمور بطريقة جذرية ، لذلك يمكن أن يقال أنها رائدة الثورة الفلسطينية .
والحقيقة أن تاريخ الحركات الإرهابية والنضال الفدائي في كافة مراحله لم يصطدم بعقبات وعثرات كتلك التي تقف في وجه الحركة الفدائية الفلسطينية ، فللمرة الأولى نرى شعبا قد فقد أرضه ، وأصبح يعيش في الخارج . كما نرى أجناسا غريبة من مختلف البقاع تجمعها حركة عنصرية واحدة تحتل الأرض بمساندة قوات الاحتلال القديم ... وتطرد الشعب بكامله خارج أرضه لتخلق أول دولة في التاريخ تقوم على الاغتصاب والدعم الدولي ... وتعترف الأمم المتحدة بها وتتركها تنفذ استراتيجيتها على المدى الطويل : فرض الأمر الواقع وإجبار العرب على القبول به ... وكان سبيلها في ذلك الضغط الدولي ، فإذا فشلت فيه فالقوة هي أسلوب متبع لفرض
(( الأمر الواقع )) .
ومع بداية 1965 ، فرضت الحقيقة المؤلمة نفسها ، وهي أن زمرة العصابات الصهيونية تحتاج إلى ثلاث سنوات من السلم والطمأنينة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية التي تتمثل في :
1 – تحقيق العمق البشري .
2 – أنتاج السلاح الذري الرادع .
ولقد خطط العدو على أساس تعمير النقب وإدخال ثلاثة ملايين عدو جديد على الأقل (( وأن تعمير النقب سيزيد من طاقة العدو الاقتصادية والعسكرية ، وسيتيح الفرصة للعدو كي يحفر ممراً مائياً يربط العقبة بسدود على البحر المتوسط ، وهذا ما يُفقد قناة السويس أهميتها وحيويتها كممر دولي )) .
أما امتلاك السلاح الذري لفرض الأمر الواقع ، فهو احتمال قيد البحث ، بل التنفيذ في إسرائيل ... بالإضافة إلى هذه الأوضاع الخطرة ، فأن الوضع السياسي والاجتماعي في الأمة العربية كان في غاية الحساسية فالإمبريالية
تقود الثورة المضادة في كل بقعة من الأرض العربية لتشتت القوى الوطنية ولتوقف المد الثوري حتى لا يكون في النهاية سنداً ودعما لمعركة تُحرر فيها أرض فلسطين ... وعلى الصعيد الفلسطيني كانت كل الدلائل تشير إلى فشل التنظيمات السياسية الفلسطينية وقياداتها في الخروج من مرحلة المقاومة السلسة إلى مرحلة الثورة المسلحة وأدائها العمل الفدائي ... في مثل هذه الظروف المعقدة ولدت هذه الحركة الجديدة التي تدعى (( فتح )) لترفع شعاراً واحداً هو (( الثورة حتى النصر )) .
ومع بداية عام 1968 تدخل مسيرة هذه الحركة الفدائية ، عامها الرابع
من الكفاح المسلح ... ويمكننا بقدر الإمكان تقييم هذه الحركة الفدائية . واعتقادنا أننا نقيّم بذلك الثورة الفلسطينية ، والحركة النضالية لشعب فلسطين .
إزاء هذا التصاعد والعمل المستمر للفدائيين ، ماذا لإسرائيل أن تفعل ؟
لقد تحدثت بعض الصحف الغربية بما يفيد أن إسرائيل سوف تشن حملات انتقامية على القرى العربية الآمنة ، الهدف منها إرهاب الفدائيين ... وأن فشلت في ذلك ، فقد يدفعها الأمر إلى ضرب القواعد التي يخرج منها الفدائيون ... وقد أصدرت العاصفة بيانا يقول : (( أن القيادة العامة لقوات العاصفة لتحذر العصابات الصهيونية من عمليات الاعتداء على السكان الآمنين ، وليعلم قادة هذه العصابات : - أن العاصفة سترد على التحدي بتحدٍ أعنف منه )) ... .
* * *
أما بالنسبة للتنظيمات الفلسطينية في المنفى ، فقد كانت هناك القيادة التقليدية ( الهيئة العربية العليا برئاسة أمين الحسيني في القاهرة ) . إلا أن مكانة هذه القيادة ضعفت وتضاءل شأنها لفشلها السابق في مجابهة الغزو الصهيوني والاحتلال البريطاني ، وقد أدت الآم النكبة والتشرد إلى جعل الشباب الفلسطيني المثقف الموجود في المنفى يفكر بالأساليب الثورية والعمل الفدائي في سبيل تحرير الأرض المحتلة ، فنشأت حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) – كما ذكر سابقا – وشكلت الحركة فروع سرية لها بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين في الأقطار العربية وخاصة في الأردن وللحركة جناح عسكري ( العاصفة ) ، وقد بدأت حركة فتح العمل الفدائي ضد الكيان الصهيوني في 1/ 1/ 1965 . وقد واجهتها - مشاكل عديدة - .
وفي عام 1964 تأسست منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري وقد تأسست المنظمة برعاية مؤتمر القمة العربي الأول ... وفي عام 1969 اندمجت حركة فتح مع منظمة التحرير الفلسطينية وصار السيد ياسر عرفات رئيسا للمنظمة . وبعد نكسة حزيران ( يونيو ) 1967 ظهرت إلى الوجود منظمات فدائية كثيرة ، بعضها انضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية ، وبعضها الأخر لم ينضم .
تزايد عدد العمليات الفدائية الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني ، وباركت الجماهير العربية العمل الفدائي . وقد أدت نكسة حزيران ( يونيو ) 1967 إلى اهتمام الأنظمة العربية ( مصر – الأردن – سوريا ) باسترجاع أراضيها التي احتلتها إسرائيل في عدوان حزيران ( يونيو ) ، وتسوية الصراع مع إسرائيل على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر في 22 / 11 / 1967 والذي ينص على انسحاب إسرائيل من أراضي احتلتها في عدوان حزيران ( يونيو ) وعلى اعتبار القضية الفلسطينية مجرد مشكلة لاجئين وليست قضية أرض فلسطينية مغتصبة ومن أجل الحصول على التسوية مع إسرائيل على أساس القرار 338 الصادر من مجلس الأمن بتاريخ 22 / 10 / 1973 المتضمن القرار 242 والبدء بمفاوضات من أجل الصلح .
لكن الكيان الصهيوني لم يتوقف عن ارتكاب أعمال العدوان والإرهاب بهدف تصفية القضية الفلسطينية ، وتصفية قادتها جسديا ، والقيام بشتى أنواع الإرهاب والعدوان ضد كل من يعلن الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية / الممثل الوحيد للشعب العربي الفلسطيني ، وضد كل من يقدم العون والمساعدة للمنظمة .
* * *
إن قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت رقم 181 في 29 / 11 / 1947 يفتقر إلى كل أساس قانوني وتاريخي وأخلاقي .
فلو اتخذت الأمم المتحدة موقفا حازما ، وهددت إسرائيل باتخاذ إجراءات وتدابير رادعة ، كإجراءات المنع والقمع الواردة في المادتين ( 41 ) و (42 ) من الفصل السابع للميثاق . لما جرأت إسرائيل على الاستمرار في تحدي قرارات وتوصيات الأمم المتحدة والتي بلغت بخصوص القضية الفلسطينية وحدها 262 قراراً للفترة ما بين أعوام 1947 – 1974 .
لكن إسرائيل كانت وما زالت تتلقى العون والتأييد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، وسكوتها عن كافة الأعمال العدوانية والإرهابية التي ترتكبها إسرائيل ضد الإنسانية جمعاء ... ؟ !
حتى أن هذه الأعمال الإرهابية الصهيونية / الإسرائيلية قد تحولت اليوم ضد شعب الولايات المتحدة الأمريكية وفي مواقع كثيرة . منها تفجير طائرة شركة بان امريكان سفرة 103 في 21 كانون أول ( ديسمبر ) 1988 والتي سقطت فوق قرية لوكربي باسكتلندة وراح ضحيتها 270 شخصاً منها 189 أمريكيا انتقاماً بسبب اجتماع السفير الأمريكي في تونس السيد روبرت بلترو مع منظمة التحرير الفلسطينية في الأول من كانون الأول ( ديسمبر ) 1988 في تونس .
بعد الخامس من حزيران ( يونيو ) 1967 اندمجت حركة (( فتح )) اندماجاً كلياً بالجماهير ، وانتقلت القيادة العليا لجناحها العسكري (العاصفة) إلى داخل الأرض المحتلة لتقود حركة المقاومة السلبية التي تمثلت في عمليات الإضراب التي قام بها الموظفون والتجار وعمال المواصلات وإغلاق المدارس ورفض البرامج التعليمية الإسرائيلية ... كما نظمت حركة المقاومة المسلحة ، والتي تحدثت عنها الكاتبة الأمريكية المعروفة السيدة (( ليونور إسرائيل )) في تحقيقاتها الصحفية ومما قالته :
(( لقد انتقلت القيادة العليا لمنظمة فتح قاعدتها إلى داخل المناطق المحتلة حيث يقوم ميدان عملياتها . ذلك أنه في كل ثورة يجب على القوى الثورية أن تعيش مع شعبها وتظل مع جماهيرها تقاسي ما يقاسيه الشعب ، وخلال ذلك عليها أن تقوم بعمليات تعبئة وتنظيم للشعب ... ومن هذه المناطق المحتلة أصبحت قواعد الفدائيين اليوم عديدة ومستقلة ، كل قاعدة منها تكفي نفسها ذاتياً لديها كوادرها الخاصة ، ومخازن الأسلحة والذخيرة السرية الخاصة بها ، وبرامجها لتوعية أفراد الشعب بطرق وأهداف حركة التحرير ، ولحثهم على المقاومة وتشجعهم على الصمود ، كما أن لكل منها مراكزه الخاصة بالتدريب وهي هذه القواعد المنتشرة اليوم في المناطق المحتلة بقسميها القديم والحديث : الضفة الغربية ، إسرائيل ، قطاع غزة )) ويبدو واضحا من عمليات المقاومة السلبية والمسلحة قدرة حركة الفتح على الالتحام بالجماهير ، ودراسة واقعها وطاقاتها وإمكانياتها ، كما تبدو قدرة هذه الحركة على تنظيم هذه الطاقات لتحقيق الهدف الأصلي ، وهو التحرير والتحامها بالجماهير بهذه الدرجة بنقلها من منظمة فدائية تشن حرب عصابات محدودة إلى حركة رائدة للثورة الفلسطينية ولحركة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الصهيوني ... والحركة الثورية الفلسطينية جزء لا يتجزأ من النضال العربي ضد الاحتلال ، ونضال الشعوب من أجل حريتها واستقلالها .
لقد استطاعت الثورة في عدة سنوات أن تجسم العدو أمام الجماهير ، وأن تبين الدول المساندة والمعادية لقضية فلسطين . وأن تحويل شعب فلسطين من (( لاجئين )) و (( نازحين )) إلى (( فدائيين )) و (( مناضلين )) و (( ثوار )) هو إحدى ثمار هذه الثورة !!
أن تواصل ارتكاب أعمال العدوان والإرهاب ضد العرب ، من قبل الكيان الصهيوني / الإسرائيلي ، هي جرائم ضد الإنسانية جمعاء .
الهدف منها تحطيم الوحدة التنظيمية ، والقيادة الواحدة ، والخطط السياسية السليمة ، بتكثيف حملات التضليل الإعلامي أمام الرأي العام العالمي منها : أن منظمة التحرير الفلسطينية هي منظمة إرهابية ، تسعى إلى تحطيم إسرائيل والقضاء عليها ، أو أنها مهددة بحرب إفناء وابادة من جانب العرب . فقد كشف العدوان الثلاثي ضد مصر عام 1956 ، عن أطماع الاستعمار والصهيونية في السيطرة على الأراضي العربية وسلب خيراتها ولتحقيق هذه الغاية لجئوا إلى الأعمال العدوانية المباشرة ، وشن حملات تضليل إعلامية ضد القيادات العربية الوطنية ، بقصد الإطاحة بها ، وإقامة عهد مشايع للاستعمار . فقد كان من الواضح لكل ذي عينين ... كيف وقف كل الشعب العربي ؟؟ مع شعب مصر وقيادتها آنذاك .
تواصل العدو الإسرائيلي ضد الأراضي العربية حتى مطلع سنة 2009 حيث قام الجيش الإسرائيلي بعمليات عسكرية في قطاع غزة سقط خلالها 1300 قتيل غالبيتهم من المدنيين و 5500 جريح . كما لحقت أضرار جسيمة للغاية بالمباني بما في ذلك البيوت السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد حسبما أكدت تقارير منظمات دولية بينها تقرير غولدستون .
كما اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 1860 / 2009 من الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة . كما طالب القرار الوقف الفوري لإطلاق النار الذي بدأت تشنه إسرائيل ضد قطاع غزة اعتباراً من 27 كانون الأول ( ديسمبر ) 2008 يعتبر الهجوم عملاً عدوانياً اقترفت فيه ابشع جرائم الحرب ضد المدنيين في قطاع غزة وقد أثبتت ذلك لجنة تقصي الحقائق برئاسة ريتشارد غولدستون حول وقوع جرائم حرب في الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وقد تبنى مجلس حقوق الإنسان – التابع للأمم المتحدة والذي يتخذ مقراً له في جنيف تقرير غولدستون بـ 25 صوت بنعم و 6 ضد بينما امتنعت 16 دولة على التصويت او لم تصوت مطلقاً .
ويمكن للمجلس إحالة التقرير الى مجلس الأمن والى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وحث ريتشارد غولدستون - القاضي الجنوب افريقي الحقوقي المرموق الذي ترأس التحقيق - الأمم المتحدة على إحالة كل من إسرائيل والمسلحين الفلسطينيين ( حماس ) الى المحكمة الجنائية الدولية اذا لم يجر الطرفان تحقيقات مستقلة كما يوصي التقرير .
ان استمرار الموقف دون التوصل إلى حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة يحمل خطر حرب واسعة النطاق من شانها تهديد السلم والأمن الدوليين .
ومن حبي للإنسانية وكرهي للظلم والاستبداد والتمييز بين الناس اقدم إلى المجتمع الدولي هذه الإفكار الإنسانية بالدرجة الأساس لإنهاء الصراع الإسرائيلي العربي احتراماً لحياة الإنسان وكرامته والفلسطينيون قوم أذكياء ذوو مقدرة وأقدام يطمحون دائماً إلى استقلال بلادهم . ولهم كل الحق في ان يحكموا أنفسهم بأنفسهم في مستقبل يعود بالخير على سواد الشعب الفلسطيني .
ومن هذه الأفكار ما يلي :
أولا : انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة والعودة إلى حدودها الواردة بقرار تقسيم فلسطين رقم 181 والصادر من الأمم المتحدة في 29/ 11 / 1947 والذي أنشأت بموجبه كما ينص على ما يلي : قررت الجمعية العامة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية . لقد أوصت الأمم المتحدة أن تكون حصة الدولة اليهودية من الأراضي 14 ألف كيلو متر مربع أو 56 % من مساحة فلسطين وللدولة العربية ( التي لن تقوم ) 11 ألف كيلو متر مربع أو 43 % من مساحة فلسطين و 1% منطقة دولية ( القدس وبيت لحم من الأماكن الدينية )

ثانياً : تنفيذ كافة توصيات الجمعية العامة وقرارات مجلس الأمن الصادرة بشأن النزاع العربي الإسرائيلي خاصة قراري مجلس الأمن رقم 242 / 1967 و 338 / 1973 .

ثالثاً : إعادة النظر بقرار الجمعية العامة رقم 194 الصادر في 11 كانون الأول ( ديسمبر ) 1948 فيما يتعلق في قرار تسوية المسائل المعلقة من قضية فلسطين وفي طليعتها قضايا الحدود والقدس وعودة اللاجئين .
بعد مرور ستين سنة على صدور هذا القرار تصبح قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين حالياً في سوريا ولبنان والأردن والعراق إلى نفس الأراضي الفلسطينية أمرا مستحيلاً لا يتقبله العقل البشري لان مساحة الأرض أصلا – كما وردت مساحتها في قرار التقسيم المذكور أعلاه – لا يمكنها أن تستوعب هذه الأعداد الهائلة من البشر . لان اكتظاظها بالناس وصغر مساحتها سيؤديان إلى زيادة عدد السكان وانعدام الخدمات وانتشار البطالة كالواقع المرير الذي يعيشه سكان غزة اليوم . لهذا يتوجب تعويض أصحاب الأملاك والعقارات تعويضاً كلياً .
* * * 

من الطبيعي انتقال الإنسان من بيت إلى بيت أخر او من مدينة إلى أخرى والتكيف مع السكن الجديد بعد مرور فترة من الزمن . كذلك بإمكان الحكومات شراء او استئجار أراضى لإنشاء مدن جديدة لإضافتها إلى بلدانها الأصلية . أن كانت هذه الأراضي مجاورة لحدودها او خارجها .
مثلما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بشراء لويزيانا من فرنسا سنة 1803 وشراء السكا Alaska من روسيا القيصرية سنة 1867 .

            

كما توجد بلدان تابعة وملحقة خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية كهاواي وبورتوريكو وجوام ومدواي وويك وبنما وساموا كما موضح بالخرائط المرفقة .

                               

وبحكم هذه البلدان هيئة تشريعية من مجلس نواب ومجلس شيوخ , ينتخب أعضاؤها انتخاباً مباشراً وحاكم يعينه رئيس الولايات المتحدة , ولهاواي مندوب يمثلها في الكونغرس الأمريكي .
* * *
ومن اجل احترام حرية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين وكرامتهم بالإمكان غلق كافة المخيمات الفلسطينية في سوريا والأردن ولبنان وغيرها وشراء او استئجار قطعة ارض لمدة 99 سنة قابلة للتجديد كأن تكون هذه الأرض شمال السودان بالقرب من الحدود المصرية قبالة البحر الأحمر بمساحة ما بين 12000 – 16000 كيلو متر مربع لإقامة مدينة باسم رام الله الجديدة تابعة للدولة الفلسطينية بصورة شرعية . لسكن كافة اللاجئين وتحويلهم من لاجئين الى مواطنين لهم كافة الحقوق في العمل والعيش بكرامة كما يضمن لهم الاستقلال السياسي والاقتصادي وسلامة الحدود بمعاهدة دولية .
كما موضح أدناه .

            


رابعاً : اعتماد قرار من مجلس الأمن من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يتضمن ما يلي :
1- تنفيذ إسرائيل كافة توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الصادرة بخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي .
2- إنشاء الجمهورية العربية الفلسطينية الديمقراطية على كافة الأراضي الواردة في قرار التقسيم الوارد ذكره أعلاه .
3- حل كافة المنظمات والحركات والفصائل الفلسطينية وانضمام قادتها وأعضائها إلى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني والمعترف بها عربياً وإسلاميا ودولياً .
4- انتقال كافة الأموال المنقولة وغير المنقولة – المدنية والعسكرية – العائدة إلى المنظمات الوارد ذكرها بالفقرة ( 3 ) الى منظمة التحرير الفلسطينية .
5- لا يحق لأية دولة إبقاء المنظمات الفلسطينية على أراضيها لأي سبب كان . ويعتبر كل من يأوي او يمول هذه المنظمات فوضوياً خارجا على القانون .
باتحاد الشعب الفلسطيني يستطيع أن يسير إلى الأمام قدماً .
قيام دولة فلسطين يعني القضاء على أعمال الإرهاب في العالم وتحقيق السلم والأمن الدوليين .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع