د.نسرين مراد
في 25 يناير 2011 قام الشعب المصري بثورة أطاحت بالنظام السياسي الحاكم. تمتع النظام السابق بدكتاتورية الفرد والحزب الحاكم التقليدية.
على مدى عقود من الدكتاتورية شبه الفردية انتشر الفساد الإداري في الدولة والمجتمع بشكل بات يهدد مستقبل الدولة والمنطقة من حولها. توحدت جل فئات وشرائح الشعب المصري تحت راية التغيير. في ذهن قيادة كل فئة منها السيطرة على الحكم وتولّي زمام الأمور، ما أمكن، حال نجاح الثورة.
مع ظهور بوادر سقوط النظام كثرت الأصوات المنادية برأس ومفاصل السلطة. بات اللجوء لصناديق الاقتراع أمراً لا مفر منه للمساعدة في توزيع مناصب الحكم الشاغرة. قُبيل وأثناء الاقتراع تسابقت الأحزاب المتنافسة، تود أن تتبوأ مكان الصدارة بكل الوسائل.
من الوسائل والطرق المتاحة ما هو شرعي نبيل مقبول، ومنها ما يعتمد الطرق الماكرة والخبيثة. ضمرت الفئات المتنافسة أن تلجأ للأساليب الملتوية في حال فشلت الطرق النبيلة والشرعية المقبولة.
من تلك الطرق رفض نتائج صناديق الاقتراع، واللجوء إلى إثارة الضوضاء والفوضى والشغب لدى عامة الناس. ظهرت نتائج فرز الأصوات وطفت على السطح نتائج فاجأت كافة الأطراف، حتى التي فازت بها. نشأت معارضة فورية لتلك النتائج ضمت أطيافاً عريضة من القوى المناهضة للحكم الجديد. توحدت الأحزاب ضد المارد "الإسلامي" الجديد الذي ينهض من قمقمه بعد عقود من التهميش والإقصاء والإلغاء.
منذ بداية ثورة يوليو 1952 واجهت الحركات الإسلامية حملات منظمة وعشوائية مضادة. بات أمر عودتها لتصدُّر الواجهة السياسية في الدولة الحديثة يبدو من قبيل شبه المستحيل.
في أول ظهور له كأول رئيس مدني منتخب ألقى الدكتور محمد مرسي خطاباً غريباً من نوعه. أثار الخطاب موجة من الانتقادات والنظرات الساخرة المتهكمة، كونه خطاباً يمزج بين المنهجية السلفية والسياسة الحديثة واستراتيجية التوجه نحو المستقبل. شعبياً عاماً لاقى الخطاب أصداء واسعة أغلبها يميل للقبول به.
حاول الخطاب الرئاسي الجديد وضع الإصبع على أخطاء وقعت في تنفيذ خطط التنمية والحضور المصري في العالم.
لكنه لم يرق إلى مستوى طموحات الحالمين في تحقيق النهضة وسرعة التطبيق. يريد الرئيس أن يبدأ النهضة من الأساس والجذور بطريقة شبه مستحيلة التطبيق، وسرعة ظهور النتائج.
ثمة لا يمكن للرئيس الجديد أن يعزل نفسه عما جرى لمصر في مئات السنين، ويعزل نفسه عن العالم المعاصر من حوله، لتطبيق أسلوبه في التطوير والتحديث.
وجدت القوى المعارضة للحكم والمنافِسة له مقبضاً كبيراً تمسك به ضد النظام الجديد. طلبت منه التحوّل والتغيّر وتقديم التنازلات. ذلك ما أوقعه بين مطرقة المعارضة من جهة، وسندان الموالين الذين يطلبون المزيد من المناصب والصلاحيات والقوة في الحكم.
تعددت المطالب وتراكمت، وتسارعت عليه شروط التطبيق والتنفيذ. ذلك ما شلّ قدرته على المضي في التطبيق وجعله هدفاً سهلاً للمعارضة التي تزداد شراسة. وقف الرئيس وحده في ساحة المواجهة، بلا جيش ولا شرطة ولا عصا ولا جزرة يلوّح بهما.
لجأت جميع الأطراف إلى الشارع من جديد. الشارع ممتلئ بما هب ودب من الميالين لاستخدام قبضات أيديهم لتحقيق أهدافهم. يقف مع هؤلاء حشد إعلامي يستطيع تحريك الشارع لصالح الطرفين الخصمين بسهولة. بدأت المظاهرات المليونية الحاشدة من الطرفين.
حدث انقسام حاد ثمة متوقع في المجتمع المصري حديث العهد بالديمقراطية وأساليب تطبيقها. بدا لكل طرف أنه يستطيع الاستغناء عن صناديق الاقتراع بالتوجه إلى الشارع، الذي منه ينطلق الناخبون أصلاً!.
هذه طريقة أقرب إلى البلطجة والعربدة والسلب والنهب في محاولة الاستحواذ على مقام وإرادة الغير. قيادات الأحزاب السياسية، والدينية والقومية، ومهما ارتدت من ثياب للتمويه، مسؤولة عما ستؤول إليه الأمور. قبل فوات الأوان عليها أن تبدأ بالتراجع عن المضي في هذا المنزلق الخطير. عليها أن تتبع الأساليب الحضارية في التعامل مع بعضها ومع الواقع المرير الذي أوقعت أنفسها بأنفسها فيه.
1132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع