بسام شكري
كتاب معجم حكام العراق - الحلقة الاولى
الحمد لله والصلاة والسلام على من اصطفاه
وبعد فهذا معجم تاريخي مختصر يتناول التعريف بذكر من حكم العراق منذ الفتح الإسلامي حتى بداية الحكم الوطني سنة 1921 وقد ذكرتهم حسب التسلسل التاريخي , فبدأت بذكر ولاة ِ البصرة والكوفة منذ ان مُصرتا على عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ومن ولي بعده من أمر المسلمين مع التعريف بكل وال ٍ أو خليفة ٍ أو سلطان تعريفاً موجزاً يفي بالغرض ويعرّف بالحاكم مع بيان ما حدث على عهده من الأمور الاجتماعية والسياسية المهمة بأسلوب مختصر لئلا يتضاعف حجم الكتاب ويخرج عن الغرض الذي قصدته كما وضعت مقدمة مختصرة لكل دولة تعاقبت فيه على الحكم , توضح قوميتها وأسباب نهوضها وانقراضها مما يدخل في موضوع هذا المعجم وغايته وغرضه , ولقد كانت هذه الفكرة قد التمعت في خاطري منذ عهد بعيد لمعرفة التسلسل التاريخي لحكام هذا البلد الذي ابتلى بمختلف العناصر والأقوام والأمم والحكام والولاة والخلفاء الذين أمتحُن بهم في مختلف الظروف.
ولما استوت هذه الفكرة عندي وجدتها عملا ً طيبا ًوخدمة ً جليلة ً للمكتبة العربية يستفيد منها كل متعلم ومثقف وباحث لأنها معرفة ضرورية لكل من يريد الوقوف على تاريخ هذه البلاد ومن حكمها منذ أن أصبحت مسلمة حين افتتحها العرب إلى يومنا هذا ولكن وجدت إن الأمر قد التأث عليّ وظهرت لي فيه فجوات وكهوف تاريخية في ذكر من حكم البلاد حسب انتظامهم في سمط التاريخ كما وجدت غموضا ً وإبهاما ً في تاريخ بعض الحقب لطموس ِ آثارها وندرة تدوين ِ أخبارها فاستعنت بكل ِ ما أستطيع من أن أعثر عليه من مطبوعة ٍ ومخطوطة ٍ قديمة ٍ وحديثة حتى أستوى هذا المعجم كما يراه القارئ وكما أرجو له أن يكون في مقاربة الكمال , ولم أشأ ذكر الأمور المعروفة والأخبار المشهورة بل اقتصرت على ذكر أهم الأحداث التاريخية والاجتماعية المتصلة بنا وزينته بالصور المناسبة للأثار لتي تركها لنا الاسلاف من خلفاء وملوك وولاة واجداد مما نعتز به في تراثنا التاريخي والديني والقومي .
لقد مرّ العراق بحقبة من أصعب الحقب التاريخية منذ الغزو الأمريكي سنة 2003 وتم الغاء الدولة ومؤسساتها وبناء دولة تعتمد على فكرة التعددية والتفرقة بين مكونات المجتمع الواحد بدستور كتب بطريقة تفرق أهل العراق وتشرذمهم بحجة توفير الأجواء الديمقراطية لذا جاء هذا المعجم في الوقت المناسب ليعطي للجيل الحالي صورة عن تاريخه من خلال الدول والحكام الذين تناوبوا على حكم هذه الأرض المباركة الطيبة , وقد اخذت بالتسلسل التالي لعرض موضوعات الكتاب وهي : ولاة البصرة و ولاة الكوفة على عهد الخلفاء الراشدين – ولاة الكوفة الامويين – ولاة الكوفة الزبيريين – ولاة الكوفة الامويين بعد ذلك – نواب الحجاج – نواب يزيد بن المهلب – نواب عمر بن هبيرة الفزاري – الحكم العباسي – العهد البويهي في بغداد – خلفاء بني العباس في العهد البويهي – العهد السلجوقي في العراق – سلاطين السلاجقة في العراق – خلفاء بني العباس في العهد السلجوقي وما بعده – العهد الهلاكي - العهد الجلائري - العهد التركماني – العهد الصفوي – العهد العثماني الأول – حكومة بكر الصوباشي – الحكام الصفويين – العهد العثماني الثاني - عهد المماليك الاتراك – انتهاء حكم المماليك الاتراك – الاحتلال البريطاني للعراق وحكام الانكليز للعراق – الحكومة المؤقتة وانتخاب الأمير فيصل ملكا على العراق – الحكم الملكي للعراق . هذا أرجو مخلصا أن أكون قد وفقت إلى بعض الخدمة في مسار ثقافتنا وحلبة تاريخنا وأرجو أن ينصفه المؤرخون والمثقفون لان العصمة لله وحده، كما أود من الباحثين أرشادي إلى مواطن الخطأ والنقص فيه والله المستعان وبه التوفيق.
العراق قبيل الفتح الإسلامي
معنى كلمة عراق
للمؤرخين وعلماء اللغة أراء شتى في أصول معنى كلمة العراق فمنهم من يردها إلى أصول أعجمية ومنهم من يجعلها عربية الاصل لقبولها أداة التعريف (ال) ولورود ذكرها في الشعر العربي القديم ومنهم من تأرجح في نسبتها للعربية أو ألأعجمية كالفيروزأبادي وغيره من أصحاب المعاجم.
وعندنا أن العرق كلمة أعجمية هي بالبابلية (ايراه) بمعنى ساحل النهر أو الأرض المنخفضة ومن قواعد التعريب عندنا إن كل كلمة أعجمية تنتهي بهاء تقلب هاؤها عند التعريب إلى قاف أو كاف ومثل ذلك ابريه الفارسية وعربيتها أبريق وتاباه الفارسية وعربيتها طابوق (وهو اللبن المشوي)، وأما قلب الهمزة عينا وبالعكس فمن متعارف اللغويين عندنا والأمثلة كثيرة أنسه وعانسة وكلمة انات العبرية وتعني عانات (وهي التسمية بالعربية للمدينة التي تقع على نهر الفرات والتي تعنى مدينة عانه والتي تكتب عنه).
وقد أصبحت هذه اللفظة (عراق) بعد هذه التغييرات اللغوية المختلفة كما نلفظها اليوم وهي التي تعني الأرض المُعرضة للغرق ولا أشك في أن الكلمتين عرق وغرق بالمعجم من أم واحدة لان تقارب الحروف في كلمتين أو أكثر دليل على تقارب المعنى وهذا من البداءة المعلومة عند اللغويين وقد ذكرت كلمة عراق في الشعر الجاهلي كقول جابر بن حنين ألتغلبي:
أفي كل ما في العراق أتاوة وفي كل ما باح أمرؤ القيس مكس درهم
لقد ورد في الآثار العراقية القديمة التي اكتشفت في القرن التاسع عشر أن ديار العراق كانت تعرف قبل أكثر من ستة آلاف سنة باسم (اورو) أو ( أورا ) أو ( أوري ) وقد ذهب إلى هذا الرأي الأستاذ كلاي لاتري - الاثاري الامريكي - في محاضرة ألقاها في النادي العسكري في بغداد سنة 1923 والمنشورة في جريدة الأمل لصاحبها الشاعر معروف الرصافي ( العدد 27 في 1-12-1923 ) وقد جاء في تاريخ سومر وأكد لمؤلفه المستر كنك ص 14 أن هذه البلاد كانت تعرف في عهد السومريين باسم ( كي اوري ) او ( كي أورا ) . وقد قال المستر كنك: - يطلق المؤرخون على النصف الشمالي من بين النهرين اسم الجزيرة وعلى النصف الجنوبي العراق ومعناه الساحل، وأصل معنى هذه المفردة مشكوك في صحته ولعله يمثل لنا اسما قديما مفقودا.
كما أن المرحوم الأستاذ أنستاس ماري الكرملي راي أن هذه الكلمة (عراق) هي تعريب لكلمة
(ايراه) الفارسية والتي تعني عندهم الساحل لأنه يقع على ساحل الخليج العربي او ساحل شط العرب، ومن المحتمل ان الفرس القدماء نقلوا إلى لسانهم معنى كلمة أورو التي تفيد بين النهرين فقالوا أيراه وأرادوا بها ساحل البحر لان اور معناها ديار او بلاد في لغة الاكديين والاشوريين مثل مدينة أور في جنوب العراق ومدينة اوروك ومدينة اورنمو ومدينة اورشليم (مدينة سليمان – القدس) كما ذكر في كتاب تاريخ المدن الآشورية لمؤلفه أرنست. م بدج صفحة 39 المطبوع عام 1880م.
ومنهم من ذهب الى أن العراق تصحيف ( أورايكو ) فأور معناها ديار وايكو وتعني مجرى الماء ( كتاب ديانة بابل وأشور ص 100 – تأليف ثيوفلس ج بيبس المطبوع عام 1906 .) .
ويظهر مما تقدم ان كلمة أور او اوروي كانت شائعة الاستعمال في ديار العراق قبل شيوع كلمة شمر (سومر) وشنعار وقد ذهب الاستاذ موريس مسترو في تاريخه – حضارة بابل وأشور – الطبعة الثانية ص 3 في الحاشية الى ان كلمة شنعار هي شمر بعينها وتفيد معنى أرض وكما جاء في التوراة , حيث نفهم من النص ان لفظ شنعار مركب من حرفين عبريين ( شناي ) ومعناه اثنان و اهر او نهر وان الحرف ار ( بالألف الممدودة ) من اصل اشوري بابلي ( كتاب نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ص 17 لمؤلفه الاستاذ يوسف رزق الله غنيمة والمطبوع عام 1924 م ) .
وقد أطلق اليونان على هذه الديار لفظة ( ميسوبوتاميو ) أي بين النهرين ووردت في التوراة باسم أرام النهرين (س تك 24:10 ) ومعناها اراضي النهرين العالية وكان المصريون يسمون الطرف الشمالي من العراق نهرينا ( بتحريك الحروف الثلاثة الاولى ) والاشوريون يسمون نهري ( بتحريك الثلاثة الاولى ايضا ) ويريدون بذلك الاراضي الواقعة بين الفرات ودجلة ( قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورج يوسف المجلد الاول ص 80 المطبوع عام 1894 ) .
العراق , هذه اللفظة الرائعة والكلمة النبيلة لها في كل نفس هوى وفي كل قلب نزوع فطالما تغنينا بها صغارا وفخرنا بها كبارا وستبقى تجري في عروقنا ما عصفت فينا جذوة الحياة , العراق اربعة أحرف متلاحمة مؤتلفة قد تواشجت متحدة لتدل على أكرم وطن وأنبل وأشرف معنى خص بالنعيم والخصب والعزة والنبل والمنعة والقوة والعراق هذا الوطن العزيز من دنيا العرب وارض المسلمين كان منذ القدم مهوى الافئدة ومطمح النفوس ومطمع الانظار كما كان بغية المتغلب وصيد الفائز ونهزة الناهز وصارت أرض السواد محط الانظار لما لها من حضارة متجذرة وخيرات متعددة وموقع متميز يتحكم بالطرق المهمة في منطقة تحدها الجبال من الشمال وتترامى الصحراء الواسعة في الجنوب فكانت حدودا طبيعية له تعطيه مزيدا من القوة والمنعة .
سكنت بلاد الرافدين قبائل عربية كثيرة نزحت اليه لأسباب عديدة في أزمة متباعدة أو متلاحقة ربما كان القحط والجدب وسوء الحياة المعاشية الذي كان يصيب الجزيرة العربية في أحايين مختلفة السبب الاول والاهم في هجرة هذه القبائل، وقد كانت تعيش مع هذه القبائل من أجيال مختلفة وأقوام شتى من الفرس والروم والاراميين والاكراد وغيرهم ممن تحدروا من أصلاب سكان البلاد القدماء كالأشوريين والكلدان والسومريين والعيلاميين وسواهم , وان ثروة العراق وغناه ولطف جوه وحسن موقعه أغرى الشعوب به وأصطرع الاقوياء فيه واشتبكت الجيوش عليه.
وقد ذكر المؤرخون أن العراق منار الشرق وسرة الارض وقلب العالم القديم المتدفق بالحياة واليه تحدرت المياه وبه اتصلت النضارة والخصب وعنده راق الاعتدال ولطف الهواء فصفت امزجة اهله واحتدت خواطرهم وتدفقت مشاعرهم وقويت عقولهم فظهر منهم الدهاء والفطنة والذكاء.
لقد روى المسعودي في كتابه مروج الذهب أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) لما أراد الشخوص الى العراق حين بلغه ما عليه من الاعاجم من التجمع في بلادهم لحرب المسلمين سأل كعب الاحبار وكان هذا حكيما راوية وعالما إخباريا عن الامصار وأهلها والبلدان وطباعها، أجابه (يا أمير المؤمنين ان الله لما خلق الاشياء الحق بكل شيء شيء , قال العقل انا لاحق بالعراق فقال العلم وانا معك وقال المال انا لاحق بالشام فقالت الفتن وانا معك وقال الخصب انا لاحق بمصر فقال الذل وانا معك وقال الفقر انا لاحق بالحجاز فقالت القناعة وانا معك . وقد ذكر المؤرخون أن العراق منار الشرق وسرة الارض وقلب العالم المتدفق بالحياة، اليه تحدرت المياه وبه اتصلت النضارة والخصب وعنده راق الاعتدال ولطف الهواء فصفت أمزجة أهله واحتدت خواطرهم ورقت مشاعرهم وصفت نفوسهم وخلصت أذهانهم وقويع عقولهم فظهر منهم الدهاء والفطنة والذكاء.وهذا المسعودي مؤرخ العراق وشيخ العلماء يحن الى وطنه وقد نأت به الدار وشط المزار , يذكر ايام لهوه وملاعب صباه فتحس في اسلوبه نبض القلب الجريح وخفقة الجناح المهيض قال : (وأوسط الاقاليم الاقليم الذي ولدنا به , وأن كانت الايام أنات بيننا وبينه وساقت مسافتنا عنه وولدت في قلوبنا الحنين اليه اذ كان وطننا ومسقط رأسنا وهو اقليم بابل وقد كان هذا الاقليم عند ملوك الفرس جليلا وقدره عظيما وعنايتهم اليه مصروفه فكانوا يشتون بالعراق ويصيفون بالجبال ينتقلون في الفصول الى الصرود من الارض والحرور منها كما كان العرب في الاسلام كأبي دلف العجلي وغيره يشتون في الحرور وهو العراق ويصيفون في الصرود وهي الجبال وفي ذلك يقوم ابو دلف :-
وأني امرؤ كسروي الفعال أصيف الجبال واشتو العراقا
رأي أرنست هرتسفيلد في معنى كلمة عراق
للمستشرق الألماني أرنست هرتسفيلد رأي قيم في أصل كلمة العراق نشر في مجلة لغة العرب
(كانون الثاني 1927) وقد جاء فيه: -
الحرف (ق) (القاف) الذي يذيل بعض الكلمات العربية المنتقلة إليها من الفارسية قد ينوب عنه (ج) (الجيم) في بعض الأحيان وفي البهلوية لا تختتم الالفاظ بحرف علة بل بالكاف (ك) وكان يتلفظ بها في عهد الفتوحات العربية كما يتلفظ بالكاف التركية والمعروفة بصاغر كاف في عهدنا وفي مثل هذه الحالة كان ينطق بها جيما وفي بعض الأحيان كان يتلفظ بها كالحرف k الانكليزي وفي مثل هذه الحالة كانت تحول إلى القاف العربية. في الفارسية القديمة كما في اللغة البهلوية كلمتان: أبريك (بالباء المثلثة الفارسية) وتعني أعلى وكلمة أذريك وتعني الأدنى وكان أبناء العصر الساساني يلفظون الكلمة الأخيرة (أبريك) (بكاف فارسية في الآخر تشبه الجيم المصرية) ثم دخلت الكلمة في مصطلحات أسماء البلدان كما كان يقال قديما عن ديار نيسابور (بوشهر) أي البلاد العليا. ووجد في بعض النصوص الصغيرة التي عرفت في هذه الأزمان كلمة ولعل الكلمة اسم مكسو بحرفين وهما ( ا ك ) - والكاف فيها فارسية- وهذان الحرفان يقابلهما في الفارسية الحديثة الألف في الآخر فيقولون في كرم كرمال وفي سرد سردا وتلك الكلمة القابلة ابريك هي ايراك ومعناها البلاد السفلى وتعني الجنوب
كانت بلاد الرافدين قبيل الإسلام كما كانت بلاد الشام التي نقصد بها اليوم (سوريا وفلسطين ولبنان والأردن) موطنا للمنافسة العنيفة بين الفرس والروم فتارة تخضع هذه البلاد إلى للفرس وطورا للروم وربما استقلت فيها بعض القبائل العربية ولكنها كانت في الحقيقة خاضعة لنفوذ الفرس في العراق وللروم في الشام. ففي العراق قامت دولة المناذرة وفي الشام تأسست دولة بني غسان وربما ثارت بين هاتين الدولتين المعارك والغزوات. وقد سكنت بلاد الرافدين قبائل عربية كثيرة نزحت إليها لأسباب عديدة في أزمنة متباعدة أو متلاحقة وربما كان القحط والجدب وسوء الحياة المعيشية الذي كان يصيب الجزيرة العربية في أحايين مختلفة السبب الاول والاهم في هجرة هذه القبائل وقد كانت تعيش مع هذه القبائل العربية أشتات من أجيال مختلفة كالفرس والروم والآراميين والنبط والأكراد وغيرهم ممن تحدروا من أصلاب البلاد القدماء كالآشوريين والكلدان والسومريين والعيلامين وغيرهم.
ولما بدأت الفتوحات الإسلامية أرسل الخليفة الأول أبو بكر الصديق(رض) قائده المعروف خالد بن الوليد إلى العراق بالجيوش العربية فاستولى على بعض أرجائه وأنحائه الجنوبية مما يجاور أرض الجزيرة العربية وكان ذلك في العام الثاني عشر الهجري الموافق لسنة 632 الميلادية وذلك لان المثنى بن حارث الشيباني الذي كان يغير على أطراف المملكة الساسانية قرب الحيرة والقائد قحطبة السدوسي الذي كان يهاجم بمن معه من قبائل بكر من الجنوب – قد شجعا المسلمين من عرب الحجاز والجزيرة واليمن على قتال الفرس بعد ما جرى قتالهم وحروبهم في معركة (ذي قار) وغيرها.
وقد كان القائد العربي النسير بن ديسم (والديسم لغة ولد الكلبة من الذئب كالبغل ولد الفرس من الحمار) قد أكتسح أرض بغداد ومنطقة عقرقوف بضربات متلاحقة وغنم ما فيها من أموال التجار لان بغداد كانت سوقا تقام رأس كل شهر.
ولقد كان العرب قبل هذه المعارك يتحاشون قتال هذه المملكة العظيمة النفوذ الواسعة الأرجاء المهيبة الجانب القوية السلطان. ولكن الفتح الإسلامي لم يتم على عهد الخليفة الأول لانشغال المسلمين في حروب الردة وفي فتح بلاد الشام فلما كان عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) أرسل الجيوش المتتابعة إلى العراق وكان آخرها عقد لوائه لخال رسول الله (ص) سعد بن أبي وقاص سنة 14 للهجرة فكانت في أرجاء العراق حروب طاحنة ومعارك هائلة لم يشهد العرب والفرس ظهيرها من قبل حتى أن الفرس عبئوا لها كل ما يملكون من قوى مختلفة بعددها وعديدها ليناهضوا العدو الجديد المستضعف الذي لم يكن له شأن من قبل والذي جاء يبشر بدين جديد غريب عنهم ليطفأ نارهم ويغير دينهم ويشل عرشهم .
وقد أبلى المسلمون في هذه الحروب الطاحنة يدفعهم إلى ذلك أيمانهم الصادق وعزيمتهم المؤمنة ورغبتهم في نشر الدين وطمعهم بالشهادة في سبيل الله فظفروها على الفرس في معارك متتابعة حتى قوضوا حكمهم واستولوا على ملكهم ونشروا الدين فيهم.
ثم تقدم عياض بن غنم سنة 18 للهجرة الموافق 638 الميلادية بجيوش العرب من أبناء الحجاز واليمن نحو شمالي العراق يفتح البلاد صلحا وحربا حتى أستتب الأمر للمسلمين في بلاد الرافدين ودان القوم فيه بالديانة الإسلامية.
ومنذ ذلك الحين بدأ الحكم الإسلامي المحض في العراق فتولى الأمر ولاة حكموا في البصرة والكوفة والموصل وواسط (واسط الحجاج وهي اليوم بليدة قريبة من قضاء الحي) وغيرها من المدن يوطدون الحكم وينظمون الإدارة وينشرون الدين الجديد بحماس وإيمان وإخلاص. ولقد تأسست فيه دول كثيرة قام بعضها على أنقاض بعض وها هي ذرى أرض الرافدين من شماله حتى جنوبه ملئ بالأطلال والآثار التي تنبئ عن مدنية عريقة وحضارة عميقة وثقافة جليلة قد تعود على بدء ارتعاشه التأريخ في نفس الزمن كما مرت على أرضه الجيوش المختلفة منذ أقدم العصور حتى الأزمنة المتأخرة في عصرنا الحاضر وعانت فيه فيما بعد أقوام مختلفة وعناصر شتى وطوائف متباينة من عرب وفرس وأتراك وديلم وتركمان وسريان وزنج وكرج ومغول وهنود وغيرهم ولكنهم صهروا في مجتمع واحد هو المجتمع العراقي.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
896 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع