ابراهيم الولي
مناطق النفوذ Spheres of Influence
مقدمة
كنت قد اعتدت على إعداد مقالات حول مفاهيم سياسية ودبلوماسية ؛ كالدولة والبراغماتية والسيادة والعقد الإجتماعي والجيوبولتك والعقل الجمعي وعن الزعزعة والمدينة الفاضلة ولعبة الأمم وعن الفوضى الخلاقة وعن الأمم المتحدة والفيتو وعن شومسكي وابن خلدون وغيرها... والآن وجدت مناسبا أن تكون مقالتي هذه ، وهي التاسعة عشرة في السلسة عن مناطق النفوذ أو المجال الحيوي ،أوكما سماها الفيلسوف الالماني فريدرك راتزل 1897: مساحة العيش Lebensraum .
في اعتقادي أن هذه النظرية أو الظاهرة عن مناطق النفوذ تقف وراء معظم الأحداث والتطورات السياسية والإقتصادية في عالم اليوم، بل ربما في ما قبله. فالأمم تجد نفسها مضطرة على السطو على أمم ضعيفة قريبة أو بعيدة عنها لتسد ما يعتريها من نقص في الغذاء أو مصادر الطاقة وما إلى ذلك من الإحتياجات الحياتية للأمة التي تعطي لنفسها الحق الحصري Exclusive Right لممارسة الهيمنة على أمة ضعيفة قسراً، أو ربما من خلال عقد اتفاقات غير متكافئة معها . ففي هذه الحالة الأخيرة يكون فرض منطقة نفوذ ما على أمة ضعيفة من خلال وكلاء تلك الأمة المُستغلَّة، أكانوا عسكريين أم مدنيين من رجال السلطة.
• عملت الدول الاستعمارية بهذه الظاهرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ،وهي وإن كانت غير قانونية إذا أخذنا بالقانون الدولي وأحكامه ،،سوى أن تلك الدول صارت تقنن لفعلها هذا بوساطة عقد اتفاقيات فيما بين عدة دول لتحديد منطقة نفوذ كل منها. وهكذا فعلت بريطانيا وألمانيا في عام 1885 حين أبرمتا اتفاقا برسم حدود كل منها في مناطق نفوذ في أقاليم خليج غينيا الأفريقي. والأمثلة على مناطق النفوذ كثيرة سأورد بعضها في هذه المقالة.
• جدير بالذكر أن ممارسة مناطق النفوذ لم تكن من اعمال الاستعمار ذلك لأن الأولى تتعلق بجزء أو أجزاء من البلد المستضعف ، وانما يكون الإستعمار بالإحتلال الكامل وبسلب الإرادة السياسية للدولة المستعَمرة.
يقودني الحديث عن مناطق النفوذ إلى تطبيقات لها في الحروب الجارية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وعند انشاء معاهدة شمال الأطلسي الناتو، وما تلاها من حلف وارسو. ولعل ما يجري الآن في أوكرانيا إنما هو وجه من أوجه المنافسة الشرسة من هذا الطرف أو ذاك على مناطق النفوذ.
الفلاسفة هم معلمو التشريعيين:
تدور الآن حرب ضروس في أوكرانيا، هكذا يسميها الغربيون أما الروس فيدعونها عملية حربية خاصة يقصدون أنها شُنت لتحقيق أهداف محددة ليس بينها ما يوحي بالرغبة بتطويرها إلى حرب رسمية لكي لا تنطبق عليها قوانين الحرب، فهي تكرر على لسان وزير خارجيتها لافروف، أن لانية لديها مطلقاً للجوء إلى الأسلحة النووية ، إلا إذا ما حاول الآخرون أختراق أمنها القومي داخل الإتحاد الروسي، ولو أن ذلك لم يمنع موسكو من التهديد الاستعراضي لتظهر بأن ترسانتها النووية على أهبة الإستعداد عند الضرورة القصوى فذلك للتذكير بين حين وآخر.
لماذا دخل الرئيس بوتين أوكرانيا !
عندما عنونت هذه المقالة بمناطق النفوذ ، فأنما أردت أن أقول بأن هذه النظرية أو الممارسة هي الدافع وراء كل انتهاك للسلم العالمي أو تعريض النظام الدولي لخطر التفكك.
فعندما تفكك الإتحاد السوفياتي عام 1991 على يد السيد غورباتشوف، ارتجَّ النظام الدولي في أوروبا وآسيا بوجه خاص، فقد تعرى الإتحاد السوفياتي ليلد الإتحاد الروسي الحالي، ففقد مناطق نفوذه في دول شرق أوروبا التي اصطفت إلى جانب الناتو ( منظمة معاهدة شمال الأطلسي) منفلتة من فلكها الذي كانت تدور فيه ، ومحوره موسكو سواء برغبة منها أو حتى بدونها. تلك الدول التي انضمت إلى الناتو بعد 1991 هي : دول البلطيق الثلاث: لاتيفيا، استونيا لتوانيا ، وغيرها، بولندا، وكرواتيا والمجر وألبانيا وبلغاريا ورومانيا ومونتنغرو ومكدونيا الشمالية وسلوفاكيا وسلوفينيا. جدير بالذكر أن عدد أعضاء الناتو حاليا قد بلغ 30 عضوا وهم ؛ دول أوروبا الغربية ، والولايات المتحدة وكندا من الضفة الغربية للمحيط الأطلسي. ومادمت أذكر أعضاء الناتو الآن، فلابد من إضافة أسماء الدول التي أعربت عن رغبتها في عضوية المعاهدة وهي ؛ أوكرانيا والبوسنة والهرسك وجورجيا. كما أن دولاً أخرى تدرس فكرة الانضمام ولكنها لم تقرر بعد وهي فنلندا والسويد، فقد قدمت الان كل من فنلندا و السويد رسميا طلب الانضمام الى الناتو ، الامر الذي استفز الروس الذين ردوا بدورهم على الفور باتخاذ قرار اقامة قواعد عسكرية جديدة على حدودهم الغربية لمجابهة الواقع الجيوبولتيكي الجديد الذي يجسده التمدد الاطلسي على حدودهم الغربية )،و تبقى كل من صربيا ومولدوفيا وايرلندا وكوسوفو على قائمة الانتظار .
حسناً، هذا اذن هو الموقف الذي أثار غضب روسيا الإتحادية من توجهات الناتو الجديدة ،لقد
كانت معاهدة حلف شمال الأطلسي، الناتو قد انشئت ، عام 1949 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حين أحس الغرب بأن حليفه الشيوعي في موسكو لا يؤتمن جانبه، وأن الحيطة تقضي بالحذر منه، فكان أن تداعت أثنتا عشرة دولة لتكون نواة المعاهدة، و هي ، الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا والدنمارك وآيسلندا وإيطاليا ولكسمبورغ والنرويج والبرتغال وهولندا. أما عن الإتحاد السوفياتي فقد بادر ، كرد فعل ، إلى إنشاء حلف في عام 1955 أسماه حلف معاهدة وارسو للصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة ، ضم دول اوروبا الشرقية وهي ، بولندا وجيكوسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا وبلاروسياوأوكرانيا ومولدوفا، فضلا عن دول البلطيق؛ لاتفيا واستونيا ولتوانيا، وقد انحل هذا الحلف عام 1991 عند انهيار الاتحاد السوفياتي.
فلاسفة الجيوبولتك: لكي نفهم أسباب ما يجري الآن على الساحة الدولية من تهديد حقيقي للسلم وللنظام الدوليين، أعود لمصداقية القول بأن الفلاسفة هم معلمو التشريعين في أي بلد. أما في الحالة الحاضرة فيهمنا ما يقول هؤلاء في الجيوبولتك الذي يسيّر ستراتيجيات الدول المتشابكة على الساحة الآن.
• في رأيي أن برجنسكي وكسنجر الأمريكيين يقابلهما ألكسندر دوغن الروسي هم اللاعبون الثلاثة بهذا الملعب الدولي، اعني لعبة الأمم ؛ يجاهر زبغنيو برجنسكي بنصح بلاده والغرب عموما بالإلتفات إلى منطقة أوراسيا التي تعني قطعة الأرض الواسعة للإتحاد السوفياتي الممتدة من سيبيريا شرقاً حتى جبال الكروات في شرق أوروبا غرباً، و منطقة و ممرات بحر القطب الشمالي شمالا ، فهو يرى أن أمن امريكا و الغرب القومي يستدعي السيطرة على هذا الجزء الحيوي من العالم ، وبالتالي لوقف تطور أو تمدد الدولة الروسية بمسمياتها المتقلبة.
• أما هنري كسنجر ، وهو الآخر فيلسوف سياسي منظّر ومنفذ في المحيط العالمي، فيقول أن على بلاده إعطاء الأولوية القصوى للصين وبحر الصين الجنوبي خشية من منافستها لتسّيد بلاده على المسرح الدولي سياسة وإقتصادا، و كذلك حفظا للتوازن الدولي للقوى بين الشرق والغرب ، فهو يدعو لهذا في كتابه، النظام العالمي ، فتراه يتغزل بالأمير مترنيخ وزير خارجية النمسا الأسبق ليرى فيه نموذجاً لخلق توازن أوروبي ناجح ، كما فعل في مؤتمر فيينا 1815 الذي انعقد بعد هزيمة نابليون.متمنيا مبادرة اوربا لتقليده .
• أما من الجانب الروسي، فهاكم فيلسوفا واستاذا في الجيوبولتك، هو الكسندر دوغن متحمسا في كل ما يقول أو يكتب حول الأورآسيوية Euroasianism والتي يعني بها استعادة روسيا الإتحادية لجميع ما فُقِدَ من جمهوريات اشتراكية ، سواء ماكان منها في أوروبا الشرقية أو ما في الجانب الآسيوي ، وهي أرمينيا وأذربيجان وكازاخستان وجورجيا وقرغيرستان ، وليس هذا فحسب فهو يرى أن يتوسع الأتحاد اليورآسيوي حتى يتحالف مع إيران الأمبراطورية والهند وحتى اليابان وإن كان لا يأبه للصين الشعبية ويقلل من شأنها، فهو يرى أن اليورراسياويه كعقل وضمير ستعيد لبلاده امبراطورية تتوسع بقدر مايسمح به الجيوبولتك وبقيادة قيصرية راشدة ،و يقول دوغن عن فترة حكم غورباتشوف للإتحاد السوفياتي من 1985-1991 بأنها سببت لبلاده أكبر وأسوء الهزائم التي وقعت على مشروع أوراسيا الذي يتحمس له كثيراً، وكذلك على بلاده التي أصابها السوء من تلك الفترة من الحكم.
• نفهم مما تقدم، أن الغرب، بوحي من فلاسفته يهدف إلى تقويض النفوذ الروسي حتى بعد أن أطاح بالإتحاد السوفياتي من قبل، فهو لهذا يغري الدول الاشتراكية السابقة خاصة باللجوء إلى حضن الناتو الذي تقضي المادة الخامسة من ميثاقه بإلتزام الأعضاء بالدفاع عن أي عضو قد يتعرض إلى عدوان، فهو بهذا يمنح الحماية لتلك الدول في وجه اي عدوان محتمل يقع عليها. ولهذا خلق الغرب من قضية أوكرانيا مثلا نراه يشجع دولاً جديدة لعضوية الناتو كما هو مبين في الفقرة السابقة. والغرب أي الناتو يقصد بتمدده شرقاً خلافا لما وعد زعماؤه بأن الناتو بعد 1991 ليس له نية التمدد شرقاً ولا بمتر واحد. وقد يكونوا قد صدّقوا هذا الوعد الذي لم يتحقق بالطبع. فقد عمل الناتو بجد منذ 2014 على تشجيع أوكرانيا بقيادة زيلنسكي ــ السياسي الهاوي الذي تعلم الرئاسة من هذه الحرب إذ ثبت في وجه روسيا بالثبات بشجاعة إلى جانب شعبه ــ على دخول أوكرانيا المجموعة الأوروبية ، ومن ثم إلى الناتو وقد شجعه على مجابهة بوتين بكل وسيلة بقصد إضعاف الإتحاد الروسي بل وانهاكه من خلال حروب محلية هنا وهناك بدءاً بأوكرانيا.
أما عن الجانب الروسي فقيادته تهتدي بفلسفة دوغن Aleksandre Dugin الداعي إلى إحياء الأورآسيوية بأبعادها المبينة سابقاً.. كما أن الرئيس بوتين أعلن مراراً عرضه على الناتو والغرب الدخول في اتفاقيات تضمن حدوداً دنيا للأمن القومي للطرفين، ولكن دون جدوى، حتى لقد وجد بوتين نفسه مطوقاً بالفعل بحزام يبدأ من البلطيق شمالاً ( من فنلندا مثلاً التي تقع بعض أراضيها او جزرها على بعد 25 كم عن مدينة سانت بيترسبرغ أهم مركز ثقافي وسياسي في البلاد التي كان اسمها( ليننغراد سابقاً) فتصور معي أيها القارئ كيف يكون قلق بوتين مبرراً… ويمتد الحزام إلى الجنوب فيكّمل الحلقة والطوق على الإتحاد الروسي. في تهديد جدي للامن القومي الروسي ،ويستمر الصراع والتهديدات المتقابلة وتكون أوكرانيا ، بصرف النظر عن نوايا سياسييها ، ضحية لصراع الكبار في حروب ، خشنة وناعمة بالوكالة.
• تلك هي في رأيي دواعي أزمة أوكرانيا التي قد تجر إلى أزمات أخرى وسيعاني العالم من اضطراب في الحياة الإقتصادية يعم الجميع ، ذلك لأن روسيا وأوكرانيا هما أهم مصدرين للحبوب فضلاً عن الطاقة، ليس لأوروبا وحسب ، بل وللعالم دون استثناء.
• إن ما يجري في العالم اليوم وما جرى قبل ذلك انما هو من اسقاطات نظرية مناطق النفوذ ، فدول العالم المختلفة، كبيرة أم صغيرة ، تظل بحاجة إلى مواد أولية لصناعاتها، ولمواد غذائية لأطعام شعوبها ، فهي غالب الأحيان تحاول التمدد على حساب غيرها، أكان جار أم بعيد عنها لتعوض ما ينقصها من تلك الحاجات ، وغالبا ما يكون هذا التدخل غير شرعي، لهذا سُميت النظرية بالمجال الحيوي، الذي يعني أن التمدد في أراضي الغير إنما دوافعه الحاجة لمتطلبات الحياة من غذاء أو غيره. والأمثلة كثيرة على مناطق النفوذ... ففي ألمانيا النازية كان التمدد في بولندا وجكوسلوفاكيا والنمسا سببه المبرر أن الشعب الألماني أحق بالموارد التي تنقصه، فهو يمد يده إلى ما في يد غيره ، وقد سماها الألمانLebensraum أي مساحة العيش وعندما امتدت يد مصر على السودان كان ذلك طلبا لإقليم نفوذ... وما وقع لمدينة برلين وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية التي احتلها الروس ، طلب الحلفاء تقسيم ألمانيا إلى مناطق نفوذ أربع لدول الحلفاء : أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا. وبما أن روسيا اصرت على بقاءها في مدينة برلين، فقد اضطر الحلفاء على اسعاف الألمان برحلات جوية يومية امتدت إلى سنين. وفي نهاية القرن 19 كان اتفاق بريطاني – روسي حول منطقة نفوذ في ايران واخر بين بريطانيا- فرنسا في تايلاند واتفاقية اخرى بريطانية-ألمانية حول مناطق النفوذ في خليج غينيا حيث تطل كل من لايبريا- ساحل العاج وغانا ونايجيريا والكاميرون وغابون.
وفي الصين قبل ثورتها- كانت الدول الكبرى تجبر حكامها على توقيع معاهدات غير متكافئة وعقود ايجار طويلة في خدمة استغلالها كمنطقة نفوذ.
أما في الشرق الأوسط فلابد للمتتبع أن يلاحظ كيف أن إيران خلقت لها مناطق نفوذ في العراق وسوريا ولبنان واليمن من خلال وكلائها في تلك الدول بما يجني على إيران فوائد اقتصادية وسياسة هي بحاجتها. وفي شمال أفريقيا من ليبيا إلى السودان تكون دول عديدة قد أخذت لها مكانا في مناطق نفوذ منها ايطاليا والولايات المتحدة وتركيا وروسيا.
*مناطق النفوذ وميزان القوى Balance of Power:
ميزان القوى الذي تحرص الدول المؤثرة في الساحة الدولية على الألتزام بإعتداله لمصلحتها حتى ليكون من اهداف ستراتيجياتها العليامحليا ودوليا. وميزان القوى يعني ان تموضع وسياسة أمة أو أمم متعددة لحماية نفسها من أمة أو مجموعة أمم اخرى، بجعل قوتها تتماهى مع قوة الطرف الآخر وذلك بطريقتين : إما باللجوء إلى زيادة درجة تسلحها، أو بتمدد المساحة للدولة ، وأما بالاعتماد على قوة دولة أو دول أخرى ، وتلك هي سياسة التحالفات.
• التوازن الدولي كان بعد الحرب العالمية الأولى يضم الحلفاء و هم ؛ بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية ضد تحالف ألمانيا والنمسا و هنغاريا وايطاليا ، فكان توازن ألماني- إيطالي. أما في الحرب العالمية الثانية فقد اصطفت إلى جانب ألمانيا كل من ايطاليا واليابان وسميت بالمحور . أما طرف الحلفاء المقابل فقد ضم الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين فكان توازن أمريكي-روسي وهنا بدأت القطبية الثنائية في الساحة الدولية، تلك التي استمرت حتى انهيار الإتحاد السوفياتي 1991 حين تسيّد القطب الواحد.
اذن فقد كان التوازن الدولي مستقراً على كفتي ميزان ؛؛ تحمل احداهما عالم اشتراكي يضم الاتحاد السوفياتي و دول حلف وارسو وغيرها ممن عمل بالاشتراكية مبدأً للحكم و للحياة ، اما الكفة الاخرى فقد حملت الدول التي تعمل و تؤمن بالاقتصاد الحر و اللبرالية عموما و دعيت بالرأسمالية . ظلت هاتان الكفتان من الميزان منشغلتان في جهد دؤب لاسقاط الكفة الاخرى من التوازن الدولي قدر ما استطاعت ، و الغالب في هذا الصراع من افلح منهما في ميل الميزان الى كفته في لعبة صفرية على الكفة الاخرى، فهذا ما كان من امر انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف .
صحيح ان الولايات المتحدة استعانت، تكتيكيا ، باوربا و قد انعشتها في نهاية الحرب العالمية الثانية بمشروع مارشال و غيره ،عدا ان ستراتيجية امريكية كبرى ربما ترى في الوحدة الاوربية
خصماً مستقبلياً لها ، ومن هنا راينا حماس امريكا لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي ، ولعلها ساعية الى تفكيكه ما استطاعت الى ذلك ، فهي لم و لن تكن متحمسة لتداوال العملة الموحدة ، اليورو ،فهي ترى في مجمل تلك الامور تهديداً ناعماً لامنها القومي .
لقد لفت اهتمامي تعليق لمفكر ايطالي يقول ؛ ان على الاوربيين ان يهادنوا روسيا و يحافظوا على موقفها الاوربي فهي في نهاية المطاف ربما كانت ذخرا و سنداً لكم في وجه النوايا الامريكية في المستقبل .) .
• أما عن التوازن عن بعد في العلاقات الدولية Offshore Balancing فهو في نظر الستراتجيين الأمريكان، عملية واقعية بأهداف محدودة فهي نظرية تعدد المحاور Multipolarity تمارسها دول عظمى وتعتبرها فرصة أكثر منها تحدياً. ففي عالم تعدد الأقطاب ينصح الاستاذان مارشماير ، و والت *… أمريكا بأن تنقل العبء عن كاهلها لآخرين ليتحملوا مسؤولية الحفاظ على التوازنات الإقليمية وتهدئة أو تلطيف المشاكل وحلها. ولتشجيع التعاون في عالم متعدد الأقطاب ، فإن على الدول العظمى أن ترسم حدوداً لمناطق نفوذها بغية عدم التدخل في مناطق الآخرين.
خاتمة:
تلك هي بعض مظاهر نظرية مناطق النفوذ التي هي في جوهرهااستغلال القوي للضعيف، وما يجري الآن في المنطقة العربية أمثلة واضحة على هذه الممارسة ، فأنت ترى في سياسات ايران وتركيا حيال العراق خاصة أمثلة صارخة لاستغلال مناطق النفوذ بأساليب ناعمة حيناً وخشنة أخرى.
وكذا هو الحال في سوريا ولبنان واليمن وفي ليبيا وفلسطين والسودان ومصر والصومال ، وليس الأمر مقتصرا على الجارتين ايران وتركيا، ذلك أن جميع الدول الكبرى تمارس هذا الحق الحصري في اقتطاع مناطق نفوذها من خلال اتفاقيات سياسية واقتصادية وربما عسكرية أحيانا، ولكنها بمجملها ليست متكافئة ،ولو أن مواطني هذه الدول عملوا بروح المواطنة الحقة و النزاهة وبالشفافية والحوكمة الرشيدة لما كان بإمكان أي دولة النفاذ لها من خلال مناطق النفوذ
والله من وراء القصد.
ابراهيم الولي
سفير عراقي سابق
————————————
* Encyclopedia Britannica
John Mearsheimer & Stephen M.Walt *
The Case for Offshore Balancing
948 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع