ابراهيم الولي*
العراق إلى أين !
مقدمة:
تداولت وسائل الإعلام ما نشرته جريدة نيويورك تايمز يوم 16/2/2011 مقتطفات من وثيقة سرية كانت قد وقع عليها الرئيس الأمريكي الرابع والاربعين للولايات المتحدة الأمريكية باراك حسين أوباما في 12/8/2010.
اسم الوثيقة الرمزي PSD-11 أي Presidential Study Directive 11، تضمنت الوثيقة هذه ما يُسمى بعقيدة أوباما حول الشرق الأوسط بل والدول العربية والإسلامية كافةً.
جدير بالذكر، أن هذه العقيدة قد شاركت في صياغتها وزيرة الخارجية السيدة هيلاري كلينتون وثلة من أعضاء الكونغرس الديموقراطيين.
يقول الرئيس أوباما في تبرير الإفتاء بعقيدته هذه، أن الشرق الأوسط والدول العربية عموما تتخبط في فوضى اربكت بلاده وكلفتها ترليونات من الدولارات دون فوائد محسوسة، فهو يرى أن بلاده ستستغني عن نفط الشرق الأوسط ،. اعتمادا على ما سيوفره لها الوقود الصخري في المستقبل القريب - علما بأن ذلك لم يتحقق إلى اليوم - كما يعتقد بأن تركيز دول عديدة في دولتين سنية وشيعية ، يقصد تركيا وايران سيسهل التعامل مع اثنتين بدل من 14 دولة أو تزيد. وأن من شأن هذا الإنشغال بمشاكلها تشتت انتباه بلاده جيوسياسيا عما يشغل باله من أمر الصين التي ما تفتأ تسبب لأمن بلاده القومي ، سواء في بحر الصين والمحيط الهادي ومن غيرها من منغصات ليس أقلها مشروع طريق الحرير الصيني الجديد، فضلا عن التقدم التكنولوجي المتسارع للصين بما تملك من مقومات الجيوبولتك ؛ بقعة أرض واسعة بأنهارها وتضاريسها وبحارها ، وديموغرافية مخيفة جاوزت البليون نسمة، إلى ثروات زراعية ومعدنية. وفوق كل هذا تاريخ امبراطوري هو الأقدم في عالمنا، فضلا عن نظام شيوعي مركزي صارم في النظرية ، واقتصاد سوق ينافس عتاة الرأسماليين ويقضّ مضاجعهم في التطبيق.
تلك هي أرضية العولمة التي أفتى بها الإقتصاد الرأسمالي واقتنصها الأقتصاد الصيني ليكيّفها إلى غير ما يسعى إليه المنظّر الإقتصادي الغربي في الأصل.
تقوم عقيدة الرئيس أوباما للشرق الأوسط الكبير على أساس التخلص من تبعات ما يجري في الشرق الأوسط الحالي من تخبط سياسي ومن تبعاته الإقتصادية على بلاده. فإنه يرى في الخريطة السياسية للمنطقة اسهابا في عدد الدول المتناثرة في المنطقة، إذ قد يكون من المناسب اختزال اثني عشرة منها إلى خمس فحسب، أو حتى لا يكون ذلك حلا للتزاحم والإرتباك هذا بان يصار في رأيه إلى معالجة جذور المشكلة بالرجوع إلى الدولة الدينية
Theocracy State بل وحتى للدولة المذهبية .... Sectarian فكيف يكون ذلك !
ترى العقيدة فيما يبدو اختصار العديد من تلك الدول بحسب مذاهبها الإسلامية – ومعذرة
اذ أذكر هذا- انما يقترح إعطاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية إدارة شؤون الشيعة في العراق وسوريا ولبنان وربما مناطق أخرى. وأن تصار شؤون وإدارة السنة والجماعة إلى الجمهورية التركية بإعتبار وجود حزب العدالة والتنمية التركي في السلطة وهو المتناغم مع احزاب اسلامية سنية في الوطن العربي ، فتكون تركيا مسؤولة عن إدارة الدول السنية كمصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر وربما لأبعد من ذلك.، و بهذا يكون قد حقق توازن سني-شيعي في المنطقة او حتى ابعد منها .
تعيد خلفية هذه العقيدة إلى الأذهان ما سبق لفلاسفة وساسة أمريكان من مخططات لهذا الجزء من بلادنا،أي بلاد العرب.
ففي الجانب الفلسفي أجد في خرائط *برناردلويس التي فتت فيها الدول العربية الإثني وعشرين إلى مناطق مذهبية حينا ،وعرقية أخرى، وهو القائل ( أن شعوب الشرق الأوسط عدوانية لا تصلح لإدارة نفسها وعلينا نحن الغرب عامةً والأمريكان بخاصة أن نحتلهم ونعيد تقسيم دولهم إلى وحدات غير قابلة للعيش ونعضّد اسرائيل ونقوي موقفها لأنها المصدّ من الفوضى ، وإنما يكون ذلك بتغيير ثقافتهم الدينية). وبرناردلويس كان يعتقد بأن فرنسا وبريطانيا اخطأتا حين طبقتا سايكس بيكو في المائة سنة الماضية ، ولهذا يجب إعادة النظر فيها كما يوضح هو في خرائطه.
وإذا ما نظرنا إلى فلسفات صاموئيل هتنغتون و فرانسس فوكوياما، الأول في ( صراع الحضارات) والثاني في ( نهاية التاريخ والإنسان الأخير) هؤلاء الفلاسفة كما الساسة الآخرون، يصرون على النظر على شعوب الشرق الأوسط ودوله بنظرة فوقية لا تليق بها معتبرين تلك الدول وكأنها لا تستحق التمتع بما وهبها الله من كرامات وثروات، هي الأحق
بها!
وإذا ما أضفت إلى هذه الخلفية لعقيدة الرئيس، أوباما ما يفتي به برجنسكي وكسنجر، فأني أجد في ما قال الأول في كتابه (بين عصرين) (أن اشتعال حروب الأديان والطوائف وهيمنة رجال الدين تُلزم إعادة النظر في حدود معاهدتي فرساي وسايكس-بيكو ). أما الثاني فيردد القول ( أن منطقة الشرق الأوسط تضم جميع الأديان السماوية، فالتعامل معها يلزم أن يكون من خلال الأديان، أي أن اللعب على وتر الدين سيخدم حتما الصهيونية العالمية).
رأي:
ما دفعني إلى الكتابة عن هذه العقيدة، التي ربما ظن البعض أنها طُويت منذ عقد من الزمان. أو هكذا تبدو، إنما هو الإعتقاد بأنها تجيء حصيلة سياسات وفلسفات نادى بها رجال فكر في الولايات المتحدة بل وفي غيرها ممن يدورون في فلكها لرسم ستراتيجيات ترسم للعالم حدودا واشكالا للدول بما يتماشى والمصالح الغربية عموما. ولهذا ارى أن هذه العقيدة التي نودي بها بشئ من الاستحياء قبل عقدٍ من قبل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما ووزيرة خارجيته السيدة هيلاري كلينتون ،والتي فضحت بعض أوجهها مراسلاتها البرقية الرمزية التي كشف عنها الجمهوريون أيام إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. فهي أي هذه العقيدة قد دخلت في سبات وليس إلى إهمال، وستظل في نظري خريطة طريق للآتين من الرؤساء يسيرون على هديها لأنها تمثل في واقع الأمر جوهاً صاغه قبلهم ساسة وفلاسفة ذوو بصيرة ، وهي إلى ذلك تمثل جوهر نظرية جيو سياسية كونية تعود المؤسسة الأمريكية إلى ايقاظها حينا لتكون عصا لمن عصى من الشعوب، وأخرى لتحقيق متطلبات الأمن القومي التي ليس لها حدود ترضي طموحها.
صحيح أن الرئيس أوباما لم يعد رئيساً – وإن كان ذا حظوة وسطوة نسبية على حزبه الديموقراطي بدلالة تولي الرئاسة الرئيس جوزيف بايدن نائبه السابق وزميله في الحزب- ولقد طوى عقيدته ، لكني أرى كما غيري من المحللين أن الدولتين اللتين ارتأتا اناطة إدارة المسلمين بحسب مذاهبهم لهما؛الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية تركيا اللتان تأملان باحياء ماضيهما الإمبراطوري، قد تلقفتا مغزى عقيدة اوباما وهما اللتان عرف لهما تاريخ من العدوان والإحتلال على العراق خاصة وعلى دول عربية أخرى عامة، قد بدأتا بالفعل بالتمدد هنا وهناك بدبلوماسية ناعمة تارةً وخشنة أخرى. فيجري ذلك في ظل نوع من التغافل من جانب الغرب علامة على عدم اعتراض واضح في الأمر.
فإذا كان المقصود بهذه العقيدة تقسيم العالم العربي المسلم إلى سنة وشيعة ليذهب الأولون إلى سلطة تركيا فتكون قد أحيت ما يقرب من الإمبراطورية العثمانية ،خصوصاً وهي قد ضمت الآن الدول الناطقة بالتركية إلى جانبها في منظومة الدول التركية لتكون أمة واحدة ؛أذربيجان وكازخستان وقرغيستان وتركمستان ،أما الآخرون أعني المسلمون الشيعة فسيعيدون لإيران الإمبراطورية الفارسية.
هكذا أرى وقع عقيدة الرئيس أوباما لو تحققت على أرض الواقع ، ومن يدري لعلها ستظل خريطة طريق للقادمين على حكم الولايات المتحدة من الديموقراطيين خصوصاً.
عن الإمبراطوريات:**
الإمبراطوريات عبارة عن بقعة أرض ممتدة من الأرض وتضاريسها يحكمها حاكم واحد يسمى امبراطور وهو باللاتينية Imperator والأمثلة في التاريخ عديدة، يشار دوماً إلى قيامها و سقوطها، فالإمبراطوريات دائما ما تكون نوعاً من الإستعمار والإحتلال وهكذا تحور اسمها إلى الإمبريالية Imperialism فكانت الإمبراطورية الرومانية*** المقدسة 800—1806م
والبريطانية في حكم الملكة فيكتوريا 1877، والفارسية 220-55- ق.م ثم تلتها لغاية 1925م حين أصبح اسمها ايران بدل فارس ، والعثمانية في 1512 سليم الاول لغاية 1922م،
و الهابسبورغ 1437 -1806م ،وكانت امبراطوريات صينية وكورية وروسية وفرنسية وبرتغالية. كما أن للعرب نصيب من الإمبراطوريات تمثلت بالأموية 661-705م والعباسية 750-1258م.
إنما أردت بهذا السرد الموجز أن أذكّر بأن الإمبراطوريات تولد وتندثر ، فلا معنى للتفكير بإحيائها من جديد في تجارب تقوم على التجربة والخطأ في السياسة ، تلك التي ربما لجأ لها المخطط السياسي لمعالجة افرازات الفوضى الخلاقة التي عمّت العراق والمنطقة العربية جراء سياسات الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش ووزيرة خارجيته الآنسة كونداليزا رايس، والتي ثبت خطلها وضررها على الجميع. فهل كان في تنظير الرئيس أوباما لعقيدته ربما محاولة إصلاح تلك التجربة اللاخلاقة ! فهذا الإسم يليق بها.
رجاء:
السيد الرئيس أوباما، مع احترامي، ومعذرةً اذ أذكّر بما يمكن أن يتحقق على أرض الواقع، لو أن عقيدتكم حول الشرق الأوسط الكبير كتب لها التبشير والتطبيق من جديد، هل يمكن أن يكون قد فاتكم ما يكون مستقبل دولتين كبيرتين- بل امبراطوريتين- ايران وتركيا بكونهما- لو تحقق الأمر- دولاً اسلامية احادية المذهب ، من صراعات مستمرة كما كان لهما ذلك عبر التاريخ، فالأمبراطوريات لا تقف عند حد في منافستها لامثالها. وهل نتصور ما سيقع من تغيير ديموغرافي في منطقتي نفوذ الدولتين حين تطرد السنة من نفوذ إيران مقابل طرد الشيعة من نفوذ تركيا!
سأتصور أن هجرة جماعية اجبارية ستقضي على كل استقرار في الشرق الاوسط، فاللعب عى وتر الطائفية في الشرق الأوسط انما هو خط أحمر حقيقي وليس وهمياً ، وفي التاريخ لنا دروس حتى مما وقع في اوروبا من حروب مهلكة اساسها طائفي كاثوليكي- بورتستانتي مثلاً. ولكن ألا ترون أن شعوب المنطقة تتعايش بسلام وود مع بعضها خصوصا بين المسلمين سنة وشيعة فهم يعبد ون رباً واحدا ولهم في كتاب الله القرآن سنة ودستور وهم جميعا يؤمنون بالرسل كلهم وآخرهم نبي الله محمد “صلعم” ولقد كان الدين الإسلامي بإجتهادات رجاله ، عنصر جذب للمسلمين لا عنصر طرد، وما كان يقع من اذكاء عناصر فتنة بين الفئتين بين الحين والآخر، إنما كان يقع بكل تأكيد تحت ضغط وتوجيه من خارج حدود دولهما. وأخيرا كيف يمكن التسامح والدعوة لقيام دول بامبراطوريات دينية بعدما عمل النظام العالمي على التوجه إلى الدولة المدنية التي تحترم الأديان دون أن تمس مدنيتها وما حققت للبشرية من تقدم عجزت غيرها عن انجازه.
الخاتمة:
أنا لا أدعي بأني أتيت بشيء جديد لا يعرفه الناس في منطقتنا، ولكن الذي حملني للكتابة عن هذه المخططات الخطيرة ، هو تواتر الأصرار على تطبيقها أو ما يشبهها، ربما بدبلوماسية ناعمة يُنفذ بعضها البنك الدولي ومراكز الفكر والموجهة نحو تأطير وتنفيذ تلك الأفكار بإسلوب رسمه شومسكي في ستراتيجياته العشر للسيطرة على الشعوب وتنفيذ ما يخطط لها، من تلك: الألهاء وافتعال الأزمات واقتراح الحلول والتدرج والتأجيل واستحسان الرداءة وجلد الذات إلخ..
وفوق هذا فإني أجد في فلسفة الألمانية.****… Hannah Arendt. (قولها باستهوان
الشر
Banality of Evil ) خير تطبيق لما يخطط لتمريره على حساب الإضرار بالشعوب .
والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين
*سفير عراقي سابق
———————————
* للمؤلف ، اسقاطات السياسات الدولية على الشرق الأوسط (خرائط لويس)
طبعتي عمان و بغداد 2015
**Oxford Concise Dictionary 0f politics
Jain Mclean& Alistair Mcmillan,Oxford University Press
World History , Philip Parker ***
Penguin Co. London
**** 50 Philosophy Classics
Tom Butler Bowdon
Nicholas Brealey Publishing House
1064 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع