د يسر الغريسي حجازي
المستقبل الافتراضي
"يتشكل الوجود عندما يكون الإنسان نشطًا وسيعرف أنه يستطيع تغيير العالم، ويسمح بتعايش جيد بين أرواح العالم. إن الواقع الافتراضي سيسمح بالتعايش والمرونة، وأفضل اللقاءات في جميع أنحاء العالم. سيسمح ايضا بالاستمتاع، ولكن أيضًا بالبكاء معًا. ومع ذلك، فإن قيمة الواقع حقيقية وهي لا تقل أهمية عن الإمكانات الافتراضية. دعنا نعرف كيف نستفيد من هذا، لخلق سعادتنا وسعادة الآخرين".
ما هو مشروع "ميتا فيرس"؟ هل نحن أمام مستقبل جديد؟ ما الذي يحدث بالضبط وإلى أين نحن ذاهبون؟ بعد 17 عاما من انشاء الفيسبوك، قام مارك زوكربيرج، مدير الشركة بتغيير اسم شركته إلى "ميتا". بالنسبة له، لم يعد الفيسبوك قادرًا على تمثيل جميع الأنشطة البشرية، والميتا هي العلامة التجارية الجديدة لمنتج سيأسر خيال كل واحد منا. هل نحن على أعتاب الخيال العلمي والحقيقي، وهل هذه المغامرة تستحق العيش؟
ان الإمكانات الافتراضية، هي مصطلح فلسفي مشتق من مفهوم مدرسة ارسطو في العصور الوسطى. أعطى أرسطو هذا المصطلح، ثلاثة معاني في كتابه "الميتافيزيقيا". وتعني "افتراضي" و "ممكن" و "قوي" (روزاتي، 2009. "افتراضية الإنترنت").
انه مفهوم القوة، وهو الأكثر إثارة للاهتمام. يشرح ذلك أرسطو على أنه:"مبدأ الحركة أو التغيير يتم وضعه في كائن آخر أو في نفس الكائن، وفي نفس الوقت يتحول الي انسان اخر". ويؤكد أرسطو أن: "كل إنسان لديه رغبة طبيعية في المعرفة. والدليل على ذلك، يكمن في الشعور بالمتعة في تصورات الحواس".
والإنسان على عكس الحيوانات، يعرف كيف ينظم تجربته. كلما يستفيد، كلما أراد المزيد ويتم ذلك بدون قيود. الخبرة ليست علمًا بعد، لكن العلم والفن يأتيان من خلال التجربة.
ومن خلال العديد من التجارب المماثلة، يشكل العقل مفاهيم عامة ويصل إلى العلم.
بالنسبة للفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، لا يتعارض الافتراضي مع الواقعي الا مع ما هو حديث (ما هو الملموس). بينما الواقعي يعارض ما هو ممكن. والافتراضي هو ما يوجد بشكل محتمل وليس بطريقة ملموسة، لكنه يجري عن طريق التفعيل.
هذا الانغماس الجديد هو بلا شك، أحد أهم الخطوات التكنولوجية في القرن الحالي. وبالتالي، نحن على وشك السفر إلى مستقبل قريب جدًا. وسيحدث ذلك من الواقع، لدرجة أننا لن نكون قادرين على التمييز بين الحقيقي وغير الحقيقي.
وسيمنحنا التنقل في كل مكان، وفي نفس الوقت البقاء في المنزل. سيتم ذلك بمجرد استخدام خوذة بسماعة، لتبعثنا في جولة استكشافية الي العالم الافتراضي.
سيكون أقوى من الزوم والفيديو كفرنس وسيحدث ذلك، في المستقبل القريب جداً.
ما زلنا لا نعرف تفاصيله وفوائده وأضراره. يتحدث زوكربيرج عن الإنتاجية التعاونية، لكل من الطلاب والعاملين والباحثين. وبالتالي، سيكون من الممكن العمل والتعليم ضمن مجموعات عبر شاشات الكمبيوتر الافتراضية، وتنظيم الاجتماعات مع مشاهدة الأشخاص المجتمعين وقاعة المؤتمرين عن كثب، ومع ادق التفاصيل.
سيساعد ذلك في نقل إمكانات تعليمية ومرئية متقدمة جدًا، كما ستجعل هذه القوة من الممكن استكشاف وفهم الجغرافيا الحيوية، وعلم الأحياء التطوري، وكذلك توزيع الأنواع والأنظمة البيئية في الفضاء الجغرافي.
يمكننا المغادرة من المنزل والوصول إلى أفضل المكتبات في العالم، والقراءة من خلال تصفح الكتب التي تثير اهتماماتنا.
وبحسب زوكربيرغ، سيكون من الممكن زيارة الأصدقاء حتى لو كانوا في إجازة، ان كانوا على الجبل أو على شاطئ البحر مع الشعور بالحضور المشترك. سيكون من الممكن شرب القهوة والمشاركة في الألعاب والحفلات مع الأقارب والأصدقاء. ويوعدنا الميتا فيرس بتجارب غنية في المشاركة والتبادل الثقافي والاجتماعي، مع جودة خارقة للواقع الافتراضي. لا شك أن بيئتنا ستتغير، وكذلك معتقداتنا وطريقة تفكيرنا. العالم الرقمي بآلياته ينفتح علينا، وسنكون هؤلاء الخدم المستعبدين. ستتغير حياتنا كلها من خلاله، ولا سيما ظروفنا المعيشية التي يجب أن تصبح من حيث المبدأ أسهل وأقل توتراً. لكننا لا نعرف بالضبط كيف ستؤثر هذه التكنولوجيا المتقدمة على حياتنا؟ هل ستعمل على تحسينها أم على العكس تجعلها أكثر عرضة للخطر؟ إذا كانت هذه التكنولوجيا المتقدمة في خدمة راحة الإنسان والتطور التكنولوجي، فلا يوجد ما نخاف منه. وفي حالة استخدام هذه الأداة القوية للتضليل والخداع، فإنها لن تؤدي إلا إلى سوء حظ الناس، والصراعات المسلحة، والمجاعة، والإجرام. كما يأتي مع كل إمكانات التكنولوجية نشاط غير مشروع، مثل عمليات التجسس، وانتهاك حقوق الإنسان، وإلحاق الضرر المادي والبشري. غالبًا ما يسمح الواقع الافتراضي بانتحال هوية الآخرين، والكشف عن البيانات ونشر المعلومات.
بالنسبة لشركات تطوير البرمجيات، سيكون من السهل جمع البيانات البيو مترية من خلال وجوه المستخدمين للمتا فيرس.
يمكن التقاط التعبيرات وأنماط شبكية العين، وتحديد الأشخاص بسهولة شديدة. ناهيك عن أن خوذة الرأس المجهزة بسماعة، مزودة بكاميرات وميكروفونات يمكنها التقاط وتسجيل ما نراه وما نسمعه. هناك جانب آخر، وهو معرفة المجتمع، وتحليل أفعاله وطريقة تفكيره. كيف سيؤثر الذكاء الافتراضي على صحتنا العقلية؟ ماذا ستكون مخاوفنا في المستقبل؟
سيأخذ الرهاب جانبًا مؤلمًا، حيث يمكن للواقع الافتراضي أن يتداخل مع دماغ الإنسان ويسبب إدمان الدماغ. علي سبيل المثال، ألعاب الفيديو، لأن ظاهرة إدمان الواقع الافتراضي تشبه تعاطي المخدرات وارتباط غير المشروط لمستخدمين الميتا فيرس.
من الواضح أن الإدمان يمكن أن يولد اضطرابًا عقليًا، مثل الخوف ورهاب الخلاء والأماكن المغلقة، والانهيار العصبي. كلما تقدمت التكنولوجيا، كلما كان الدماغ البشري أكثر حساسية. ستكون المخاوف أكثر قوة، وستكون تهديدًا للبشر في جميع الأمور البيئية والاجتماعية. في الواقع، لقد تجاوز العالم الافتراضي واقعنا بكثير، وسيتم الآن تحفيز عواطفنا للتكيف مع هذه القوانين الجديدة للإمكانات الافتراضية المتقدمة.
852 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع