د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
المخدرات.. الإرهاب الأخطر
لمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات 26 حزيران
يحتفل العالم في السادس والعشرين من حزيران (يونيو) من كل عام باليوم الدولي لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، تلبية لدعوة المنظمة العالمية للأمم المتحدة وتخليدا لذكرى توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات لسنة 1988، وإستذكارا لحجم المآسي والويلات والفواجع التي تخلفها المخدرات في مختلف مجتمعات العالم.
ولاشك أن وزارتي الداخلية والصحة أعدتا منهاجا إعلاميا بهذه المناسبة من خلال اللجنة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات، وبمشاركة جهات أخرى كالأعلام والأوقاف والتربية والتعليم العالي ومنظمات المجتمع المدني، إستذكارا للمناسبة ومشاركة لدول العالم والمنظمات الدولية المتخصصة إهتمامها بمكافحة الأثار المدمرة لهذه الآفة، ووضع المعالجات الجماعية للتصدي لها. وبلا شك فإن إستفحال مشكلة المخدرات في العراق خلال السنتين الأخيرتين يشكل واحدة من أكبر التحديات الأمنية والصحية والإجتماعية في العراق الجديد، والأمر يتطلب مزيدا من العمل المشترك لتنسيق الجهد الوطني في مكافحة المخدرات. وكان تشكيل (اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات) بالاساس تنفيذا للأتفاقية العربية لمكافحة المخدرات، وتوصيات مؤتمرات وزراء الداخلية والصحة العرب ونداءات الهيئة الدولية للمخدرات التابعة للأمم المتحدة، ليكون عملها مبرمجا وجادا وليس من باب الترف الأعلامي أو إسقاط الفرض.
من المعلوم أن الأحصاءات والتقارير الدولية تشير إلى أن ظاهرة المخدرات وتعاطيها قد تفشت في مختلف دول العالم، وباتت تتقدم أجندات إجتماعات رؤساء الدول والحكومات، والمنظمات الأقليمية، وتؤكد الأبحاث الصحية ما تخلفه المواد المخدرة من آثار ومشاكل ضارة مدمرة على المجتمعات سواء اجتماعياً أم اقتصادياً أم صحياً أم أمنيا.
وما زالت المخدرات تمثل أخطر التحديات التي تواجه المجتمع العربي بل والمجتمع الدولي بكامله، وبلغ الإنتاج العالمي من المخدرات معدلات قياسية، وتعترف الانتربول ان مايضبط في العالم (وبضمنه العراق) لا يشكل سوى 10% من الحجم الحقيقي لتداول المخدرات، وقد أخذت العصابات الدولية تزداد قوة وتمويلاً وتنظيماً، وامتدت أنشطتها عبر الدول والقارات حتى أصبحت جرائم المخدرات جرائم عابرة للحدود او جرائم بلا وطن كما تفرعت عنها جرائم خطيرة مثل (غسل الأموال) و(الجريمة المنظمة) و(تجارة الاسلحة) و (الفساد) ألخ..، كما أصبحت تجارة المخدرات أحد أبرز مصادر تمويل النشاطات الأرهابية في العالم. كما ثبت جنائيا ان المخدرات هي ابرز عوامل الدفع نحو اقتراف مختلف انواع الجرائم فالمدمن لا يتورع عن ارتكاب القتل او السرقة في سبيل الحصول على مبتغاه.
وعلى الصعيد المحلي، وخصوصا في ظل الأنفلات الأمني بعد الأحتلال، لم يعد الاتجار غير المشروع بالمخدرات شكلاً من أشكال الإجرام البسيط، الذي يمارسه بعض الأفراد داخل الدولة، بل أصبحنا نواجه اليوم عصابات محلية ودولية منظمة، تسعى بكل قواها لتهريب مختلف أنواع المخدرات والمؤثرات العقلية إلى بلادنا، مستغلين موقع العراق الجغرافي، فضلاً عن المحاولات الإجرامية لزراعة النباتات غير المشروعة على نطاق واسع وبالغ الخطورة في أماكن عديدة من العراق في ظل غياب الرقابة الرسمية.
وقد نبه المسؤولون بوزارة الداخلية في أكثر من مناسبة الى موضوع تسرب كميات كبيرة من المخدرات الى داخل العراق خلال السنوات الأخيرة من دول مجاورة (وتحديدا إيران) كما صرحت مصادر في الشرطة العراقية أن كميات كبيرة من المخدرات قد أدخلت الى العراق مع القادمين من إيران، مستغلين فوضى وتسيب الحدود، وعدم وجود ضوابط منظمة لدخول الأيرانيين الى العراق، مما كان له إنعكاس سلبي على الوضع الأمني في العراق، وبخاصة نشر وترويج المخدرات.
وقد أشارت الصحف العراقية أكثر من مرة إلى أن ظاهرة المتاجرة بالمخدرات وتعاطيها في العراق إنتشرت بشكلٍ لافت للنظر في السنوات الأخيرة الماضية، مما شكّل تحديا خطيراً جديداً أضيف إلي المخاطر التي واجهها ولم يزل المجتمع العراقي في ظل الاحتلال وما أعقب ذلك من غياب قانوني وأمني، مما يضع البلاد في أتون مستقبلٍ مجهول.في حين تبقي أصابع الاتهام موجهة إلي دول الجوار ممثلة بأجهزتها الأمنية والمخابراتية التي تعمل علي تغذية انتشار الظاهرة الخطيرة في المجتمع العراقي، لاسيما عن طريق تسريبها مع الوافدين إلي البلاد بشكلٍ عام، ولأسبابٍ تكمن وراءها أغراض سياسية ودوافع تخريبية وما زال استمرار تدفقها لمدن العراق مستمراً دون هوادة.
لقد كان ومازال للحالة الأمنية المتردية في ظل الأحتلال وبسببه، الدور الأهم في إستعادة تجار المخدرات الخارجيين والداخليين، سماسرة السموم، نشاطهم في التهريب ونقل المخدرات، وتيسيرها في السوق العراقية، في ظل قصور الأجهزة المعنية بمكافحة هذه الآفة الخطيرة، ومع ذلك فإن الأمل معقود على الجهات العراقية المختصة في أن تنهض بمسؤولياتها الوطنية للتصدي لهذه المشكلة الخطيرة.
كما لا ينكر أثر تعاظم سوق الطلب على المخدرات القادمة من ايران وافغانستان وتركيا في دول الخليج كسبب لتوريط كثير من العراقيين في المساهمة بتجارة تعبير المخدرات من الشرق باتجاه دول الخليج، نظرا لضئالة الطلب على المخدرات في الأسواق العراقية قياسا للدول الأخرى المجاورة.
على الرغم من ان ظاهرة المخدرات انتشرت في العراق بشكل خطير، إلى حد قيام بعض الأشخاص ببيعها علنا في شوارع بغداد، ولا يمكن مطلقا أن ننكر أدوارا (منظمة) لأجهزة أستخبارية خارجية (لاتريد الخير للعراق) في ترويج المخدرات في العراق لمختلف الأغراض والغايات. وبلا شك فإن هذا الموضوع الخطير ينبغي أن يأخذ درجة متقدمة في سلم أولويات المسؤولين في العراق، في هذه المرحلة الحساسة لضبط الحالة الأمنية في البلاد وفي المقدمة منها أمن الحدود.
مؤخرا أكد مصدر مسؤول في وزارة الصحةالعراقية تضاعف عدد حالات الإدمان الى أكثر من 20% حيث أثبتت أحدث احصائية للهيئة العليا لمكافحة المخدرات اكتشاف اكثر من 7 الاف حالة ادمان مختلفة، مشيرا الى ورود اكثر من 600 حالة ادمان الى مستشفى ابن رشد في بغداد و300 حالة الى العيادات الشعبية كما بلغ عدد قضايا مخدرات الأفيون والحشيشة التي وردت الى معهد الطب العدلي اكثر من 70 قضية و250 قضية ادمان على المؤثرات العقلية و 4000 قضية على الادمان على الكحول. وأكد المصدر المسؤول أن (مدينة كربلاء) إحتلت المرتبة الاولى في عدد المدمنين على المخدرات بسبب دخول المخدرات عن طريق بعض الزوار الايرانيين للعتبات المقدسة في المدينة، مؤكدا بان هذا العدد قابل للتضاعف بسبب عدم مراجعة العديد من المرضى المدمنين الى المستشفيات والمراكز الصحية.. مبينا بأن الوزارة استطاعت خلال الفترة الماضية القبض على عشرات المهربين للأفيون والحشيشة وحبوب الكبسلة حيث قدرت الكميات المضبوطة بعشرات الاطنان.. وإذا ماإعتمدنا حقيقة الأنتربول الدولي من أن مايكتشف من إدمان المخدرات لايشكل سوى 10% من الحجم الحقيقي ندرك خطورة الحالة في العراق وتشكيلها تحديا لايقل عن تحديات الإرهاب الوافد إن لم يكن أخطر منه.
المطلوب اليوم وضع برنامج وطني شامل محدد المراحل، مكثف الأتجاهات، مع تسمية الجهات المناط بها المسؤولية، يهدف الى تحصين شبابنا العراقي من آفة المخدرات التي إذا ماتم التهاون أزاءها وسمح لها بالأنتشار والتوسع، فأنها سوف تفتك بصميم المجتمع في حاضره ومستقبله. ولا يكفي الأقرار بخطورة الوضع أو تفاقم المشكلة او مجردالأقرار بأبعادها الخطيرة، او الأكتفاء بالتصريحات الاعلامية، بل لابد من أن تتولى كل جهة مسؤولياتها سواء من مؤسسات الدولة، أو المجتمع المدني، ومؤسسات الضبط الأجتماعي، والأجهزة الأمنية والقضائية والصحية للحد من تنامي مشكلة المخدرات في العراق في ظل الاحتلال. إن التصدي للمشكلة يحتاج إلى همة حقيقية وليس هبّة إعلامية عابرة من أجل أن يعود العراق كما كان من أنظف بلدان المنطقة والعالم من آفة المخدرات ولنحمي شبابنا من أخطر أنواع الإرهاب إرهاب المخدرات
888 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع