نحن نؤمن مثلما تؤمنون أنتم إن الإنسان الواعي لا يُلدغ من جحر مرتين, وندري مثلما تدرون إن الذئاب الضارية لا تهرول عبثاً في الليالي التي يكتمل فيها البدر, ونعلم علم اليقين إن تجارة الدين صارت هي التجارة الرائجة في زمن التردي, وإن وعاظ السلاطين ماانفكوا يجددون جلود أقنعتهم الزئبقية, ويتلونون بلون مداس السلطان, وهذا هو ديدنهم منذ اليوم الذي استل فيه يهوذا الاسخريوطي خنجره ليطعن سيدنا عيسى المسيح في خاصرته مقابل ثلاثين قطعة فضية مزيفة, وحتى ليلة البارحة عندما سمعنا بالفتوى التي تحرم التجاهر بكراهية الكنيست الإسرائيلي.
1
لكننا لم نكن نتوقع ونحن في العراق الذي بلغ فيه وعاظ السلاطين مبلغا عظيماً, عندما حصلوا على الميدالية الحنقبازية في النفاق والتكسب السياسي بجهودهم الذاتية, لم نكن نتوقع أن يتفوق عليهم وعاظ السلاطين في مصر بهذه البساطة, ولم نكن نتوقع إنهم سيزيحونهم عن منصات المداهنات الفجة في غضون بضعة أيام, ولسنا مغالين إذا قلنا إن وعاظ السلاطين في مصر بلغوا القمة في الاحتفالية الأخيرة المقامة تحت خيمة السيرك السياسي, عندما رفعوا مقام الرئيس محمد مرسي إلى منزلة الأنبياء والرسل والخلفاء, فتفوقوا على نظرائهم في العصر الأموي والعباسي والفاطمي والعثماني والسلجوقي والبويهي والمغولي والبترولي, واترك لكم الحكم عليهم وإبداء الرأي بما قالوه بعد التعرف على ما قاله بعضهم للرئيس محمد مرسي, أو ما قالوه عنه:
2
قال الدكتور راغب السرجاني: ((فوزُ مرسي آيةٌ من آيات الله, وزيارته للسعودية إسراءٌ, وعودته إلى مصر معراج)), وربما سيخبرنا السرجاني لاحقاً عن موعد نزول الوحي على القصر الرئاسي. . .
أما نائب الشورى محمد عبد الراضي, من حزب الحرية والعدالة, فقد شبه الرئيس مرسي بالرسول, حين قال تحت قبة مجلس الشورى: ((النبيُّ فتح مكة في رمضان, ومرسي فتح مصر في رمضان)), فسارع رئيس المجلس الدكتور أحمد فهمي إلى حذف كلمته من مضبطة المجلس, ولم يكن عبد الراضي مختلفا عن (الديب) الذي وصف الرئيس حسني المخلوع بالرسول, ووصف الشعب المصري بكفار قريش, وكأنما جفت ينابيع النعوت والأوصاف في معاجم النفاق, حتى تجاوز المنافقون على الذات الإلهية. .
ثم جاء عادل عبد المقصود عفيفي, رئيس حزب الأصالة ليصف الداعين للتظاهر والاعتصام (بالمُحرِّضين), وينعتهم (بقوى الشر الجبانة), التي تريد استفزاز القوى الإسلامية الشريفة, ووصف تحركاتهم بالانقلاب على (الشريعة), ونعت الثوار (بالكلاب), التي لن يضر عواؤها القافلة, وعفيفي هذا لمن لا يعرفه, هو لواء شرطة سابق من المقربين لرأس الفساد حبيب العادلي, لكنه انقلب رأسا على عقب بعد انهيار نظام حسني, ليتحول في يوم وليلة من اللواء عفيفي إلى الشيخ عفيفي, فأطلق لحيته, وكوى جبهته, وتسربل وتجلبب, وتعاون مع شقيقه التكفيري في تأسيس حزبه الإسلامي المتطرف ليتماشى مع الموضة السياسية الرائجة هذه الأيام.
3
ربما كان عفيفي أرحم بكثير من الشيخ هاشم إسلام, الذي أفتى بقتل المتظاهرين يوم 24 آب (أغسطس), بذريعة خروجهم على حد (الحرابة), فهم في نظره خوارج بالمواصفات الرقمية المعاصرة, في حين وصف الدكتور محمد رشاد أصحاب الرأي والفكر النهضوي الحر بأنهم يحملون في قلوبهم حقداً دفينا على الإسلام, وعداءً سافراً للإسلام والمسلمين يصل حد الكفر. .
ووضع (المحلاوي) نبراسا جديدا لمصر لتسير عليه مع الرئيس المنتخب إلى ما لا نهاية طوال مدة حكمه, فقال: ((إن انتقاد الرئيس ومعارضته حرامٌ, وطاعته فرضٌ مثل الصلاة, وواجبة كطاعة رسول الله, وحكم الإخوان هو حكم الله)). .
4
الحقيقة يا جماعة الخير إن الرئيس محمد مرسي يختلف تماما عن ما قاله هؤلاء كلهم, فالرجل من عامة الناس, وهو الرئيس المصري الأول الذي تسلق سلم الرئاسة من خارج حدود الثكنات العسكرية, يمارس حياته اليومية في منتهى البساطة والتواضع, ويتمتع بشخصية أكاديمية فيها الشيء الكثير من الصدق والعفة والنزاهة والشجاعة والوداعة واللطف, وله تاريخ مشرف في البرلمان المصري. .
http://www.youtube.com/watch?v=Saalv-TRkwo&feature=relmfu
لكننا نخشى من وقوعه لا قدر الله في منزلقين أثنين لا ثالث لهما, نخشى عليه من الانزلاق في منزلق الطائفية المقيتة في هذا الزمن المتأرجح, الذي كثرت فيه الدسائس والفتن, وتوسعت فيه دهاليزها المظلمة, وتصاعدت فيه لغة التحريض والشحن بين الفرق والمذاهب الإسلامية, آملين أن تكون أبواب مصر مفتوحة للناس كلهم على اختلاف قومياتهم ودياناتهم ومذاهبهم وألوانهم, وأن لا نسمع بمن يخبرنا بأن مصر أوصدت أبوابها بوجه العراقيين. .
اما المنزلق الثاني, وهو الأخطر, فإننا نخشى من تفجر ألغام وعاظ السلاطين في حقول النفاق بصواعق الذين أسبغوا على الرئيس صفات الأنبياء والأولياء والرسل, وطالبوا الشعب بإبداء فروض الطاعة والولاء المطلق. .
فمعارضة الحاكم والاحتجاج عليه حق مشروع أقرته الأصول والأعراف والشرائع, وأقرته العدالة الإنسانية وأحكامها الثابتة, فالذي يعارض الرئيس, ويحتج على الملك, ويتقاطع مع رأي السلطان, لا يعد من الخوارج, ولا يخرج من الملة, فالنقد والاعتراض والنصح والتوجيه وإبداء الرأي الصحيح من أخص صفات المواطن المخلص في ضوء ما ورد بالحديث الشريف (من رأي منكم منكراً).
http://www.youtube.com/watch?v=0kaIaUcLT-Y
وليعلم الدكتور راغب السرجاني, والنائب محمد عبد الراضي, والشيخ هاشم إسلام, ولواء الشرطة (الشيخ) عادل عفيفي والدكتور محمد رشاد والشيخ المحلاوي ومن كان على شاكلتهم من وعاظ السلاطين في العراق والخليج والديار العربية الأخرى إنهم تجاوزا الخطوط الحمر بنفاقهم الأغبر, وأهوائهم المتطرفة, وليعلموا مرة أخرى إن آفة الرأي الهوى, وإن رأس الحكمة مخافة الله, وإنَّ المنافقين هم الفاسقون. .
741 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع