دلع المفتي
ما إن رأت الكمبيوتر في يدي، حتى ركضت وتسلّقت الكنبة وجلست على حضني ووضعت الكمبيوتر على حضنها، وراحت تكبس الأزرار. حاولت أن أبعدها.. أن ألهيها بأي لعبة.. أجذب نظرها الى التلفزيون، لكن لا مفر! فقد ظلت تنقر باصبعها الصغير على لوحة المفاتيح بحثاً عن شيء ما. تلك كانت ابنة أخي ذات السنتين، والتي كلما رأت جهاز كمبيوتر صرخت بأعلى صوتها: «كونكوتا».
ان حكاية الاطفال والكمبيوترات.. حكاية! فمعظم الأطفال، بعد سن السابعة، يعرفون خبايا الأجهزة الالكترونية وطرق التعامل مع أنظمة التشغيل المختلفة، أكثر منا نحن الكبار، واسألوا أي أبٍ أو ام عمّن علمهم على استعمال اجهزتهم الالكترونية وهواتفهم الذكية، وعمن يأتي لانقاذهم حين يصرخون أمام مشكلة تكنولوجية، فستجدون أن الجواب بالاجماع سيكون «أولادهم».
لكن المشكلة ليست في المعرفة، المشكلة أصبحت في الادمان، فلقد أثبتت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون بريطانيون، أن الأطفال في العصر الحالي أصبحوا مدمني «كمبيوتر»، وانا لا أتكلم هنا عن اطفال السابعة والعاشرة، بل عن اطفال السنتين والأربع، فأطفالنا اليوم يضعون أصابعهم على «الكيبورد» قبل ان يفتحوا عيونهم لرؤية العالم. وفي بريطانيا لجأ والدا طفلة في الرابعة الى أطباء متخصصين لعلاج ابنتهما بعد اكتشافهما أنها مدمنة بشدة على ممارسة الألعاب على «الآيباد» حتى إنها تعاني أعراضاً مماثلة لأعراض انسحاب المخدر عند أخذه منها.
ان ادمان الاطفال للتكنولوجيا أصبح ظاهرة خطيرة تهدد النمو الطبيعي لذهن الطفل وجسده، وتجعله منعزلا اجتماعيا، اذ تقول الدراسة إن كل سبعة من عشرة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين عامين وخمسة أعوام يمارسون الألعاب الالكترونية على الانترنت، بينما اثنان فقط من كل عشرة، يستطيعان السباحة أو لبس ملابسهما بلا مساعدة، وهذا في حد ذاته مصيبة! فأطفالنا وهم يتعلمون ويجيدون المهارات التكنولوجية، يفقدون المهارات الاجتماعية شيئاً فشيئاً.
مما لا شك فيه، ان الكمبيوتر والآيباد أجهزة تفاعلية رائعة للأطفال، تساهم كثيراً في تطوير ذكاء الطفل وقدراته الذهنية، لكن اعتماد الطفل عليها كليا، يجعله يعيش عزلة وجهلاً اجتماعياً خطيرا، عدا عن السمنة وثقل الحركة بسبب كثرة الجلوس أمام الشاشات. وعلى الأبوين الانتباه الى هذا الامر ومحاولة تفعيل دور الحوار المتبادل بين أفراد الأسرة، واشراك الطفل بمهام حياتية واقعية، بعيدا عن الاجهزة، وتحميله مسؤوليات اجتماعية، وان كانت بسيطة، لتحفيزه على المشاركة الوجدانية مع غيره. وعلينا ان نقدم للطفل بديلا مسليا وجذابا، وأن نعيد ترسيخ أهمية القراءة لتنمية قدرات الأطفال العقلية، وتشجيع الطفل على الرياضة واللعب الحركي لتنمية القدرات العضلية لديه.
أما ليلى ابنة أخي وقطعة من قلبي، فتربيتها ومحاولة ابعادها عن الاجهزة الالكترونية مسؤولية والديها، وبالنسبة إلي، فكل ما تطلبه يُجاب.. وان أرادت الــ «كونكوتا» فستحصل عليه، وان رغبت في أن أقلب لها قصة ليلى والذئب الى ليلى والكمبيوتر، فسأفعل وبكل سرور.
974 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع