مؤيد عبد الستار
شاهنامة الفردوسي ومصادرها الكردية
الشاهنامة ملحمة تاريخية مشهورة نظمها الشاعر الكبير الفردوسي ،تتألف من 60 ألف بيت شعري. تروي تاريخ بلاد فارس وملوكها منذ الاساطير الاولى و وقائع المعارك الشهيرة مع الرومان والاغريق حتى سقوط الامبراطورية الساسانية في الفتح الاسلامي .
أمضى الفردوسي شطرا طويلا من حياته في نظم الملحمة وأكملها عام 1010 م في عهد السلطان محمود الغزنوي .
ترجمها الى العربية نثرا الفتح بن علي البنداري .
قارنها بالاصل وصححها واكمل ترجمتها وعلق عليها الدكتور عبد الوهاب عزام .
لاشك أن الفردوسي لم ينظم هذه الملحمة العظيمة من نسج خياله، وإنما استمد أحداثها ووقائعها وتاريخ ملوكها من الكتب والروايات والقصائد الشفهية المتواترة التي كانت شائعة في عصره فأعمل فكره فيها وأسبغ من بلاغته عليها،وبموهبته الشعرية صاغها شعرا ظل خالدا على مر الاجيال من بعده .
ما يدل على ذلك قوله في أول قصة بـيـژن ومنيـژة إنه : أرق ليلة فصاح بغلامه، فهيأ له مجلس الشراب ثم قال الغلام له : إن كنت لاتنام فأصغ الي حتى أقرأ عليك من الكتاب الفهلوي قصة تنظمها.وكان الغلام يقرأ وهو- الفردوسي - ينظم.
يتساءل عبد الوهاب عزام في المقدمة تعليقا على هذه الرواية بقوله : فهل نظم الفردوسي من كتاب فهلوي ؟ ينظر مدخل الشاهنامة ص69 .
وهناك أدله وشواهد عديدة وردت في الشاهنامة يفصح فيها الفردوسي عن اقتباسه من الكتب البهلوية واللغة البهلوية مثل قوله في مقدمة الشاهنامة إن صاحبه الذي حرضه على نظم الشاهنامة قال له :
كشاده زبان جوانيت هست / سخن كَـفـتن بهلوانيت هست
أنت شاب فصيح تتكلم اللغة البهلوية .
فما هي هذه الكتب واللغة البهلوية التي يجيدها الفردوسي ونظم ملحمته معتمدا عليها ؟
البهلوية لغة قوم اطلقت عليهم صفة البهلوان نسبة الى ملكهم بيلي Pelli أو بلادهم التي ذكرها الجغرافيون المسلمون باسم بلاد فهلة وهي الممتدة من شرق دجلة في وسط وجنوب العراق حتى كرمانشاه وعيلام ومناطق اخرى في ايران ، واشتهرت في العصر الحديث بتسمية الفيلي بسبب عدم وجود حرف الباء المثلثة في العربية ، مثلما تحولت بهلوي في مصر الى فهلوي.وهناك رأي سديد في اطلاق صفة بهلوان على سكان هضبة عيلام وبلاد الكرد الفيليين يعود الى قوتهم البدنية واجادتهم فنون القتال والمصارعة حتى أصبحت صفة بهلوان تطلق على من يجيد الالعاب الجمناستيكية والاكروباتيكية .
والفردوسي يسمي لغة أبطال ملحمته القدماء البهلوية ويذهب القزويني الى ان اللغة البهلوية كانت لغة جهات مختلفة في بلاد الفرس. ص 68 مدخل الشاهنامة .
من الضروري الاشارة الى ان بلاد فارس أو ايران أو بلاد الفرس كانت تطلق على جميع أرجاء الامبراطورية الفارسية من باب تسمية الكل باسم الجزء حتى أصبحت صفة لانحاء الامبراطورية وشعوبها المختلفة من كرد وترك وعرب وفرس وبلوش وغيرهم ،مثلما أصبح مصطلح الاتحاد السوفيتي يطلق على جميع جمهوريات الاتحاد المختلفة لغة وعرقا .
ويذكر الفردوسي اللغة البهلوية كلغة مستقلة الى جانب الفارسية والدرية ويقول عن قصص كليلة ودمنة،إن الكتاب كتب في عهد انوشيروان- هو كسرى انو شيروان ويسمى خسرو انوشيروان ايضا (مؤيد )- ولم يكن اذ ذاك خط الا الفهلوية، وبقي في الفهلوية حتى عصر المنصور العباسي فترجم الى العربية ، ثم ترجم الى الفارسية بأمر الملك الساماني نصر بن نوح .نفس المصدر ص 68
يعـرّف الفردوسي باللغة البهلوية ، ويشرح بعض كلماتها فيقول عن نهر دجلة إنه يسمى في البهلوية أروند :
أكَـر بهلواني نداني زمان / بتازي تو أروند را دجلة خوان .
وأسماء مثل نهر الوند والاروند ما زالت مستخدمة في الكردية في مناطق الكرد الفيليين مثل مندلي وخانقين التي لم تعرب وصمدت في وجه التغيير. ولقب الوند يطلق على العديد من العشائر الكردية مثل الهموند و ريزه وند .
وللفردوسي شعر رواه صاحب لباب الالباب يصرح فيه بأنه قرأ كثيرا من الفهلوية والعربية .
بسي رنج ديدم بس كَـفـته خواندم / زكفتار تازي و أز بهلواني .
أي : كم حملت نصبا ، وكم قرأت من العربية والبهلوانية . نفس المصدر ص 69
وهناك شواهد ودلائل كثيرة أخرى يذكرها المترجم عبد الوهاب عزام في مدخله لملحمة الشاهنامة للفردوسي ما يدل على ان الفردوسي اعتمد تاريخ بلاد عيلام المؤرخ باللغة البهلوية وروايات شعب بلاد عيلام وما جاء في آداب اللغة البهلوية والتي مازالت لغة الكرد الفيليين وأبناء الشعب الكردي في العراق وايران ولذلك يسهل قراءتها في ضوء اللغة السائدة حتى اليوم في أوساط الكرد ورحاب اللغة الكردية الحديثة. علما ان الفردوسي توفي عام 1020 م أي قبل الف عام بالتمام والكمال ومازالت ملحمته تقرأ وتفهم بسهولة من قبل الشعب الكردي.
* اعتمدنا في مراجعة الشاهنامة على النسخة العربية المصورة بالاوفسيت والمنشورة من قبل ايران وهي متوفرة على الانترنيت و النسخة الورقية المترجمة الى الانجليزية من قبل روبين ليفي Rouben Levy ، طهران 2006
1001 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع