جزاك الله خيرا أيها الشيخ

                          
في مقالة نشرت له في جريدة «الشرق» كتب الشيخ الدكتور (عايض القرني) كلاما لم أجد هناك ما هو أشجع وأوضح منه، وليسمح لي أن أقتطع منه هذه الأسطر كنوع من الدرس البليغ، وهو يقول:

«كان علماء السلف يفرون من الشهرة فرارا ويزدرون أنفسهم ولا يرون أنفسهم أهلا للتصدر، فهذا إبراهيم النخعي كان إذا جلس إليه أربعة في المسجد قام وتركهم خوفا من الشهرة، وكان ابن مسعود يمنع الناس أن يمشوا خلفه ويقول: إنها فتنة للمتبوع وذلة للتابع، وكان ابن المبارك يغضب إذا قيل له بعد إيراده الحديث: ما رأيكم يا أبا عبد الرحمن؟ فيقول: ومن نحن حتى يكون لنا رأي، ومنهم من كان يقول: لو عرفتموني لحثوتم التراب على رأسي، إلى غير ذلك من أقوال وأفعال القوم في هضم النفس والتواضع ورؤية التقصير، أما نحن فتهافت على الشهرة وحب للتصدر وبحث عن عيوب الآخرين ونسيان لعيوبنا وارتياح لمن مدحنا وبغض لمن نصحنا؛ لأن نيّتنا مشوبة وإخلاصنا نادر وعبادتنا ضحلة، وكان السلف يفرّون من المنصب فرارا، ويرغمون على تولي القضاء فيهربون، ونحن نأتي المنصب عمدا ونلهث وراء القضاء ونتمزّق حتى نحصل على وظيفة ويهنئ بعضنا بعضا إذا أسند إليه عمل دنيوي لأن السلف عرفوا وأنكرنا وصفت سرائرهم وخلطنا وعرفوا الطريق والتبس علينا الأمر.

وكان السلف يخافون الفتيا، ويود أحدهم لو كفاه الآخر ويحذرون من المسائل ونحن نزدحم على باب الفتيا ونتسابق على الإجابة وكل منا يتمنى أن يجيب على السؤال قبل أخيه، لأن السلف فكروا في العواقب وتذكروا الوقوف يوم العرض الأكبر وخافوا يوم التغابن ونحن أردنا الظهور والتفوق على الأقران وجلب محبة العامة والحصول على عرض زائل من الدنيا.

وكان السلف يخفون أعمالهم ويسترون حسناتهم وينكرون كرامتهم ونحن أذعنا ما فعلنا ونشرنا جهودنا وأعلنا عن أعمالنا؛ لأن السلف عاملوا الفرد الصمد جلّ في علاه، وطلبوا رضاه وأرادوا ما عنده، ونحن أردنا أن نُحمد على ما فعلنا ونُشكر على ما صنعنا، لأن قلوبنا عند العامّة وحبنا للعاجلة ورغبتنا في الدنيا الفانية.. فرحماك يا رب» - انتهى .

هذا هو ما كنا نخاف منه وندعو إلى نبذه، على أي حال ليس لي من تعليق بعد هذا الكلام الصادق الصادر من القلب الذي ذكره الشيخ إلا أن أقول: جزاك الله أيها الشيخ الجليل خير الجزاء، على كشف صدرك للعراء، ونفضك ثوبك جهارا نهارا للقاصي والداني دون أن تجفل أو تتحرج، وكنت كمن يشعل الضوء الأحمر للمتزاحمين بالأرجل والمناكب للحصول على أكبر قدر من الشهرة و(البريستيج) في طريق المصالح الدنيوية الموسومة زورا وبهتانا بالحفاظ على حومة الدين.

يا ليتني (لو اغمض عيني وفتّحها) مثلما تقول المغنية المعتزلة (شادية)، وأجد المخصصات والمزايا والإذاعات والتلفزيونات كلها قطعت دفعة واحدة عن بعض المشايخ الذين أدمنوا (الاستعراض)، والذين يعيشون في حمأة الدعاية مثلما تعيش أسماك (الباركودا) في مياه البحار، أقول لا أدري كيف يكون حالهم لو أن ذلك كله انقطع فجأة في وجوههم، فكيف تكون أحوالهم أو ردود فعلهم يا ترى؟!

من دون شك أن بعضهم سوف يغمى عليه، وبعضهم سوف يلطم، وبعضهم في أحسن الأحوال سيتصالح معي، وقد يضع يده بيدي، ولا تسألوني بعدها إلى أين سوف أقوده وأذهب به.


  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

805 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع