علي محمد فخرو
بدلا من البكائيات لنطرح الأسئلة
نزلت كارثة انفجار مرفأ بيروت كالصاعقة على قلب كل عربى، خصوصا وأن هذا البلد العربى الجميل النشط، الحاضن لكل معذب مظلوم فى بلاد العرب، ما إن يخرج من محنة ويتعافى حتى يدخله القدر فى محنة أشد وأقسى، لكن البكائيات والمماحكات العبثية ليست هى الجواب على المآسى التراجيدية الكبرى.
الجواب هو طرح الأسئلة بشأن مسبباتها الحقيقية بدون غمغمة، وبشأن دروب الخروج منها والتهيئة الوقائية لمنع رجوعها ورجوع مثيلاتها.
أولا: الطبقة السياسية الطائفية الفاسدة التى يطالب المتظاهرون فى شوارع بيروت بنصب المشانق لإعدام كل أفرادها، انتخبها، وقواها بغفلته، وتعايش مع مفاسدها وابتذالاتها السياسية بصبر غريب، ورضى بعضه أن يكون من أزلامها المطيعين، انتخابا بعد انتخاب، وسنة بعد سنة، منذ الاستقلال وإلى يومنا، آباء وأجداد وأبناء غالبية المتظاهرين الذين يلوحون اليوم بقميص يوسف ويطالبون بمعاقبة هذا الذئب أو ذاك.
والسؤال الذى يجب أن يطرح بكل صراحة: فى الانتخابات المبكرة التى يطالب المتظاهرون بإجرائها، وحتى تحت قانون انتخاب معقول، هل ستصوت الأغلبية السكانية الناخبة لأصحاب الكفاءة والنزاهة والقيم الأخلاقية، ودون أى اعتبار لاسم الشخص واسم طائفته وعائلته، ودون أخذ توجيه من قس أو فقيه أو رئيس ميليشيا أو محطة تلفزيون مأجورة؟
وهل الانتخابات المبكرة والقانون الانتخابى الجديد سيتمكنان من تجاوز ثقافة فئوية طائفية دينية، منتمية إلى ضغوط الضيعة والقرية وسهرات العيلة والأقارب، فى مجتمع لا يريد أن يتجاوز ثرثرات التاريخ، وهلوسات الخوف من الآخر، وتفضيل الجزء على الكل، والاستكانة للهوية القزمة على حساب الهوية الكبرى الجامعة؟
ثلاثة أرباع القرن من الاستقلال وتلك الأسئلة تراوح مكانها، والإجابات تختفى وراء هذا القناع أو ذاك، وها أن البعض سيطرح نفس الأسئلة وسيحصل على نفس الأجوبة. هل أنها صراحة مؤلمة؟ فلتكن، ولكنها من كل إنسان عربى يحب ويعشق ويقدس لبنان العربى الرائع.
ثانيا: فى هذه اللحظة يقبع العراق ولبنان وسوريا والأردن وفلسطين فى فم الثعبان الاستعمارى الصهيونى، متدخلا أو محاصرا، أو مبتزا، أو حاقنا سم الجهاد التكفيرى الإرهابى اللابس بانتهازية قناعا مزيفا باسم دين الحق والقسط والميزان. الجميع يعانون الأمرين وينتظرهم مستقبل خطر عاصف. كل واحد مستفرد به ليواجه الأهوال لوحده.
والسؤال: ما الذى يمنع جبهة أو أكثر رسمية فى هذا القطر أو ذاك، أو يوقف مؤسسات مدنية سياسية فى هذا القطر أو ذاك من طرح مشروع فى شكل مجلس تضامنى ينتقل فى الحال إلى اقتصاد متكامل، وإلى موقف واحد منسق من مشروع صفقة القرن ومقاومته، وإلى توحيد الجهود لمحاربة الإرهابيين المجانين، وإلى تيار متقارب متعاضد فى الجامعة العربية والمحافل الدولية والإقليمية؟... إلخ من التعاون الوثيق الفاعل، بل والتوحيد حيث أمكن. جميعهم مهددون فى وحدة الوطن الجغرافية والإثنية، ويتعرضون لضغوط هائلة تستغلُ نقاط ضعفهم فى هذا المجال أو ذاك، وبالتالى فهم فى خندق الضحية الواحد. أليس هذا كاف ليخرج قادتهم من عادة الاكتفاء بالتفرج على سقوط الآخرين إلى حين مجيئ الدور عليهم، ثم «البكاء على ملك لم يحافظوا عليه كالرجال؟».
وبصراحة، فإن لبنان المحاصر، المنهك، المفجوع، يجب أن يكون جوابه على من يطالبونه بتبنى شعار الحياد المشبوه، الذى يرمى إلى عزله وتهيئته ليكون تابعا ذليلا للهيمنة الصهيونية، أن يكون جوابه بطرح مبادرة مشابهة تبعده عن الابتزازات التى جاءته من كل حدب وصوب والتى عانى منها الكثير.
يخطئ من يعتقد أن هذه الأسئلة تخص وضع لبنان وحده. إنها تخص وتنطبق على كل قطر عربى بدون استثناء. ويعجب الإنسان العربى من حالة اللامبالاة الذهنية المربكة التى تعيشها كل أقطار الوطن العربى تجاه نكبات هذه الأمة الكبرى التى تعيشها حاليا. لقد أصبحت تلك اللامبالاة مسلكا مخجلا يقربنا من حالات اليأس والانتحار الحضارى.
لن نخرج من الظلام الدامس إلى نور الحياة إلا من خلال أسئلة وأجوبة صريحة إلى أبعد الحدود، وإلى أعماق كيان الإنسان العربى، مهما كان ذلك قاسيا ومؤلما. إنه جزء من قدر هذا الجيل.
1075 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع