مهند العزاوي*
الصين والحدود الحمراء
يعاني الشرق الأوسط من تداعيات جائحة كورنا ، وارتفاع مؤشرات الإصابة بالمرض ، وتطور الحروب الافقية الإقليمية في مسارح الحرب المركبة شبه النظامية ، في كل من سوريا وشمال العراق وليبيا واليمن ، فضلا عن غياب التأثير الدولي وترك المنطقة تغرق بالفوضى المسلح ، وقد تداولت مؤخرا مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من وسائل الإعلام ، مقتطفات من مسودة اتفاق طويلة الأمد بين الصين وايران ، وأشارت مواقع المعارضة الايرانية الى شمول هذه الاتفاقية نواحي عسكرية استراتيجية ، ومنح تسهيلات عسكرية ، مما يترك تساؤلات حول مستقبل المنطقة سياسيا واقتصاديا .
الاتفاق الصيني الإيراني
كتب "إيغور سوبوتين" في "نيزافيسيمايا غازيتا"،[1] حول اتفاقية للتعاون الشامل قيد الإعداد بين طهران وبكين. حيث اثارت المعاهدة، التي تحمل عنوان "خطة تعاون شاملة بين إيران والصين" لـ 25 عاما ، التي لا تزال قيد الإعداد، جدلاً حول جدواها، وقد أثار رفض وزارة الخارجية الإيرانية الكشف عن محتوى الوثيقة شكوكا حولها، وشائعات حول استعداد طهران لمنح بكين مواردها الطبيعية بلا ثمن، بل والموافقة على ظهور قوات صينية على الأراضي الإيرانية .
واشار عدد من الخبراء الى ان الاتفاقية المزعم تحريرها بمثابة جزرة إيرانية الى الصين، بعد تراجع التبادل التجاري بنسبة 30% عن العام السابق. والآن يلعب الوباء دوره، فقد انخفض التبادل التجاري في الربع الأول بنسبة 30% أخرى ، وبنفس الوقت هي محاولة إيرانية للتراجع خطوة للخلف امام الولايات المتحدة، من خلال منح الصين وجود عسكري مطل على الخليج في جزيرة "كيش" وقد نفت ايران ذلك ، ومن المحتمل في حالة تحرير الاتفاق سيكون هناك تداعيات دولية قد تطلق شرارة حرب عالمية، او تدخل امريكي مباشر يحرم الصين من نفط العراق وايران .
ويشير الحراك السياسي الإيراني المباشر وغير المباشر الى عمق الازمة التي تعيشها طهران ، ومحاولاتها لكسر الطوق الدولي المفروض عليها ، لاسيما ان العملة الإيرانية قد بلغت مستوى متدني غير مسبوق على اثر العقوبات الامريكية ، وقد بلغ سعر الدولار في السوق الحرة 21 ألفا و30 تومان، بواقع 210 آلاف ريال مقابل الدولار الواحد، مما يثقل كاهل الحكومة الإيرانية اقتصاديا واجتماعيا، وحاولت ايران استخدام أدوات الضغط شبه العسكرية عبر وكلائها في العراق ولبنان وسوريا واليمن لكسر الطوق وتصدير الازمة ، ولم تفلح في جر الولايات المتحدة او إسرائيل الى حرب بالوكالة مع القوى الوكيلة
اتفاق على الرف
كان العراق قد ابرم اتفاقية طويلة الاجل مع الصين في عهد رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي , وقد نشرت اندبندنت العربية مقال لمحمد ناجي في يناير [2]2020 ، الاتفاق تحوم شبهات حوله كمشروع إيراني لكسر الحصار وزعماء الميلشيات يصرون على وضعه وتنفيذه، وتؤيد خطة حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي لتنفيذ اتفاقية اقتصادية غامضة مع الصين، لاسيما في توقيت يشهد إطباقاً أميركياً يكاد أن يكون محكماً على الاقتصاد الإيراني، على خلفية ملف طهران النووي، ولم تفٌعل الاتفاقية في ظل التظاهرات ومسار تبديل الحكومة، ولم يبدي رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي اهتماما بالاتفاقية ، ويفكر في الربط الاقتصادي الاستراتيجي للعراق بالولايات المتحدة حسب تصريحاته .
وبدون شك ان الصين تعتمد بشكل كبير على النفط العراقي، فضلا عن اعتباره سوق مثالي لبضائعها المختلفة ، ولكن تزايد التوتر بين إيران والولايات المتحدة ودول اوروبا والمخاوف الدولية من مشروعها العملاق طريق الحرير ، سيجعل الصين حذرة في اتخاذ أي خطوة في مجال الاتفاق مع ايران
سيادة العالم
في خطاب عام ٢٠١٧ للرئيس الحالي للصين "شي جين بينج" حيث قال فيه علنيا (أن الصين لن تتخلى عن سيادة العالم من الآن فصاعدا) [3]كما و عبر عن نيته نشر وتشجيع النموذج الاقتصادي الصيني حول الكرة الأرضية بتركيز على الدول النامية. فقال حرفيا: (( أتى أوان أن تأخذ الصين سيادة العالم و تقدم مساهمات أكبر للجنس البشري)) وقد مكن النمو الاقتصادي المهول الصين من التحول من دولة فقيرة إلى ثاني أكبر ناتج قومي في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية ، والأولى عالميا في الصادرات ، وقد وقعت الصين، في 27 ابريل 2019 اتفاقات تتجاوز قيمتها 64 مليار دولار في قمة "مبادرة الحزام والطريق" والتي تعرف أيضاً باسم "طريق الحرير الجديد"، المشروع الصيني العملاق الذي تريد بكين به تسويق المبادرة التي ستجعلها محوراً للعلاقات الاقتصادية العالمية، ويعرف المشروع رسمياً باسم "الحزام والطريق"، وهو مبادرة صينية طموحة كشف النقاب عنها في 2013، لإعادة إحياء طريق الحرير التاريخي، وتهدف إلى ربط الصين بالعالم، عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها مع أسيا وأوروبا، ليكون أكبر مشروع في تاريخ البشرية، ويشمل بناء مرافئ وطرقات وسككاً حديدية ومناطق صناعية.
مشروع يغير قواعد اللعبة
يمنح المشروع الصين تفوقا عالميا في التجارة والاقتصاد والهيمنة على شريان النقل العالمي ، وكذلك اكتساح السوق، وفي حالة اكمال المشروع ، فانه سيحقق تحول فعلي على الخارطة الجيواقتصادية للعالم والشرق الأوسط ، وكما يبدوا من الصورة أعلاه ان المحورين البري والبحري المزعم استكماله ، سيغير قواعد اللعبة الاقتصادية في الشرق الأوسط ، ومنها المتعلق بالنقل البحري ، حيث ان النقل البري يعطي تفوق بري صيني اورواسيوي 50% ، مما قد يؤثر سلبا على خدمات النقل البحري التجارية التقليدية ، وينعكس على استخدام السفن التجارية والموانئ والطواقم البشرية العاملة في هذا المجال ، وتخطيه دول فاعلة في تعتمد اقتصاداتها على التاجرة البحرية ،فضلا عن هيمنة العمالة الصينية اذ بلغت 80% من المشروع .
ويتخطى طريق الحرير البحري الممر العالمي الثاني مضيق باب المندب وفقا للطريق الحديث ، كما في أعلاه ، وهذا يحرم الموانئ العربية والإيرانية المحاذية من منافع الوفرة التجارية العالمية ، والتبادل البحري التجاري الإقليمي، بغض النظر عن الاتفاقيات الثنائية ، وقد لا يؤثر كثيرا على الموانئ الإيرانية في حالة التخطيط لعسكرة الخليج ، نظرا للوفرة البحرية الساحلية لديها باتجاه بحر العرب وقزوين
ولعل الغاية من المشروع وانشاء طرق ملاحة ونقل بضائع بعيدة عن هيمنة البحرية الأمريكية هو السبب الاستراتيجي الأول والأهم للصين، فان ٧٥٪ تقريبا من اقتصاد الصين يعتمد على نقل البضائع بطرق تسيطر عليها البحرية الأمريكية، وهذا يجعل الولايات المتحدة شريك للصين، ومع هيمنت الصين التجارية و الاقتصادية على العالم، تظل قوتها العسكرية ضعيفة نسبة لأمريكا، و اكيد القوة العسكرية تمنح التفوق والسيادة المطلقة .
خلاصة
في حالة عقدت الصين اتفاقية طويلة الأمد مع ايران ، وحصلت على تسهيلات عسكرية في الخليج ، فان من المرجح ان تتطور التفاعلات السياسية الدولية الى احداث دراماتيكية ، وربما اندلاع حرب ، لان الاتفاق المزعم يغير قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية ، فضلا عن احياء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ، وقد لا تكون الحروب بالوكالة فعالة، ومن المحتمل ان يتوقف مشروع طريق الحرير في ظل التداعيات الاقتصادية العالمية ، واتهام الصين بالتقاعس عن معالجة وباء كوفيد19، وفي حال تم التوغل الصيني في الحدود الحمراء والهيمنة على نفط الشرق الاوسط ، فمن المحتمل ان تندلع حربا يصعب التكهن بنتائجها .
*خبير استراتيجي
الأحد، 12 تموز، 2020
[1] . روسيا اليوم يتهمون الصين بالرغبة في استعمار إيران- 10-7-2020
[2] . اندبندنت العربية، شبهات حوله كمشروع إيراني لكسر الحصار وزعماء ميلشيات يصرون على وضعه وتنفيذه، يناير 2020
[3] . الصين، طريق الحرير الجديد، و الحرب الباردة المرتقبة، أغسطس 2019
969 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع