الدكتور مهند العزاوي*
كورونا فايروس والتفكير خارج الصندوق
شرعتُ بكتابة هذا المقال البحثي ، وفقا لفلسفة التفكير (خارج الصندوق) ومتبعاً السياق الوصفي للوقائع وليس المنظور الطبي التخصصي ، بالاعتماد على مؤشرات الصندوق ، واسمح لنفسي بالخروج من نظرية القطيع الإعلامي والسياسي التي تشغل الفضاء الإعلامي ، ومواقع التواصل الاجتماعي بؤرة الاشاعات، والتفكير بعمق للوصول الى طرح معقول ومنطقي، قد يتفق ويختلف مع ما ذهب اليه الكثير من الباحثين منذ بدء الازمة ولحد الان، واعتقد من الخطأ طرح مصطلح (العمل او الاقتصاد او الحياة ما بعد كورونا) بل العمل مع كورونا لان الوباء مقدر له ان يستمر الى نهاية 2021 .
وأوقف فايروس كورونا (Corona Virus-covid 19 ) العالم عن الحركة والاعمال والتقارب والتفاعل الاجتماعي ، فضلا عن توقف الدوائر الحكومية عن العمل باستثناء خطوط الصف الأول من الطاقم الطبي والقوات المسلحة وبعض المؤسسات ذات العلاقة ، وكانت مدينة ” ووهان” الصينية البؤرة الأولى في العالم للوباء الذي تحول الى جائحة اصابت غالبية دول العالم ، وقد أوقع وفيات تصل 357.714 واصابات بلغت 5,803.785 وتعافي يقارب 50% [1]،
ويقبع الاقتصاد العالمي تحت ضغط هائل، أدى إلى فقدان الكثيرين لوظائفهم، ودفع الحكومات للعمل على توفير حزم اقتصادية لمساعدة أصحاب الأعمال، وللعمل على الحد من تفشي الفيروس، تم إغلاق جميع المطاعم والفنادق وشركات الطيران والسلاسل العملاقة والمحلات التجارية الصغيرة، حيث أمرت مدن وولايات ودول بأكملها، بإغلاق الشركات غير الضرورية وأوعزت الناس بالبقاء في منازلهم، وقدرت الأمم المتحدة أنه يمكن فقدان ما يصل إلى 25 مليون وظيفة في الاضطرابات الاقتصادية، أي أكثر مما حدث خلال الانهيار المالي العالمي عام 2008.[2]
واعلن صندوق النقد الدولي في19 مايو 2020 أن وباء كوفيد-19 يدفع بالاقتصاد العالمي في اتّجاه ركود عميق هذا العام ، متوقعا تراجع الناتج العالمي بنسبة 3% ، وبحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد سيكون بإمكان الاقتصاد العالمي تحقيق انتعاش بنسبة 5.8% في 2021 ، إذا تم احتواء الفيروس وعادت الحركة الاقتصادية إلى طبيعتها ، ولتقريب حجم الخسارة قال الصندوق “خسارة الاقتصاد العالمي توازي حجم اقتصادي ألمانيا واليابان”، وتوقّع التقرير انكماش الاقتصاد الأميركي بنسبة 5.9%، لكنه توقّع في الوقت ذاته تعافيه العام المقبل مع نمو نسبته 4.7%.[3]
نظرية المؤامرة
تعددت النظريات والأفكار والرؤى حول الوباء ، وكثيرا ذهب الى نظرية المؤامرة ، والبعض حاول التقليل منها ونشرت عشرات الفيديوهات والمؤتمرات الالكترونية التي اكدت ان هناك شي غير طبيعي قد حدث، وفي الحقيقة نحن فعلا نعيش المؤامرة ذاتها ، مؤامرة تستهدف الوجود البشري ، وفقا للمؤشرات والوقائع والحقائق ، في عالم سيطر عليه الأثرياء ، وأصحاب الشركات المتعددة الجنسيات ، وتجار المخدرات ،ورؤساء عصابات الجريمة المنظمة وقد اطلقت عليه ( العالم الموازي) ، وضمن هذا السياق لقد تراجعت الدول ودور الحكومات والتحديدات القانونية الملزمة ، لضمان سلامة المجتمعات والشعوب والاستدامة ، بالرغم ان تلك المصطلحات تتداول بكثرة علميا وتدريبيا واعلاميا ومؤسساتيا وفي الواقع هناك محددات تمنع تطبيقها.
العالم الموازي
الغزو التكنلوجي والذكاء الاصطناعي ((Artificial Intelligence ))
قبل ما نحلل حيثيات الوباء وكيفية انطلاقه وتأثيره والخيارات، لابد العودة الى ما قبل الوباء والبيئة الفاعلة اينذاك , وقد يهاجمني البعض من ممولي ودعاة ومروجي الغزو التكنلوجي والذكاء الاصطناعي ((Artificial Intelligence )) تحت مبرر مقاومي التغيير وضرورات التطور والتقدم العلمي ، ولكن ببساطة ان الغزو التكنلوجي الذي يقوده كارتل الشركات الالكترونية ، ووكلائها وتجارها وممثليها ، واعلامها الشائع ، هو (بمثابة عملية حربية ناعمة للتأثير والتغيير ، تستهدف المجتمعات والشعوب ، للتأثير على البنية التحتية المجتمعية وأنماط التفكير والاستهلاك والعمل والتفاعل الاسري والتفكير الابداعي، وتستبدل بذلك القدرة البشرية والفكرية والادراك والاحساس بالمتغيرات الى النمط الالكتروني من خلال المعالجة الحاسوبية والرقمية والروبوت .. الخ ، وبذلك يفقد الانسان سيطرته الذاتية وقدراته ومهاراته ، وتحوله الى رقاقة الالكترونية يسهل التحكم بها عن بعد ، مما يضر بالاستقرار المجتمعي والاستدامة الأمنية.
وبكل بساطة لم تقف هذه الشركات حد التعاملات الالكترونية التي شابها الاختراق والقرصنة وسرقة الأموال وتعدد الشركات والتجارة الوهمية، والتلاعب بالممتلكات والأصول ومنح القروض .. الخ من مخرجات العالم الموازي ، بل ذهبت الى ابعد من ذلك والتحول نحو السيطرة الكاملة على الانسان والمجتمعات.
وأشارت استطلاعات الراي تقرير نشره موقع ” بزنس إنسايدر” ووفقا لقناة الحرة وحسب ما نشرته صحيفة البيان الامارتية في 25 -5-2020 حول هل يسعى بيل غيتس إلى زرع شرائح إلكترونية من خلال لقاح كورونا؟[4] “بهدف زرع شرائح إلكترونية لتتبع الأفراد”، هكذا يرى 44 من الجمهوريين جهود قطب التكنولوجيا ومؤسس شركة “مايكروسوفت” بيل غيتس، لإيجاد لقاح لفيروس كورونا المستجد، ووفقا لقناة الحرة، فقد أشار تقرير نشره موقع بزنس إنسايدر إلى أن هذه الفرضية، التي تندرج تحت “نظريات المؤامرة”، اكتسبت رواجا بين العديد من المحافظين ومجموعات انتقدت جهود غيتس لإيجاد لقاح لكورونا. والغضب على بيل غيتس ليس حكرا على الأمريكيين، إذ أوقفت السلطات الأسترالية في ملبورن عشرات الأشخاص الذين تظاهروا ضد القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، فيما حمل البعض لافتات غاضبة على غيتس وتحمل شعارات “أوقفوا بيل غيتس!”. كما كانت قد رفعت شعارات مناهضة له في ألمانيا أيضا، واتهمه الكثير من الخبراء في العالم بنيته القيام بذلك فضلا عن وجود فيديوهات له في مواقع التواصل يروج لذلك ويحذر من وباء قد يصيب البشرية قبل سنوات من انتشار الوباء .
الفرضية ؟
ويطرح كل ما تقدم فرضية ( ما الذي يمنع “بيل غيتس” احد ابرز رموز العالم الموازي، من تنفيذ مشروعه في ترقيم البشر وزرع رقاقة الكترونية بالتزامن مع طرح اللقاح المضاد لكوفيد 19 ؟؟؟ ) والاجابة الواقعية وفقا للوقائع لا يوجد رادع او مانع ،لاسيما ان العالم ما بعد الوباء اصبح اكثر تقبلا للسياق الالكتروني بعد الحجر، ويشغل العالم الافتراضي بنسبة 85% ، وقد تطور عمل الشركات الالكترونية المساندة في ظل هذا المناخ ، لاسيما ان كان الطرح البديل الصحي المضاد للوباء، في ظل غياب الحوكمة الفاعلة على أداء وإنتاج الشركات المتعددة الجنسيات ذات الميزانيات المليارية المتحكمة باقتصادات دول كثيرة .
التحذير من حرب عالمية؟
روجت وسائل الاعلام العربية ومواقع التواصل الاجتماعي ولايزال ، لقاءات لثري عربي ، يحذر من كوارث عام 2020 وما ستؤول اليه الأمور ، وفرضية شن الولايات المتحدة حربا على الصين ، ودخول العالم في حرب عالمية ثالثة، وأزمات اقتصادية مركبة ، مستندا على تقارير لمراكز دراسات أمريكية ، كما تكلم عن أهمية التطور التكنلوجي وزرع الرقاقات العلمية البديلة للتسلسل العلمي المنهجي والدراسات التي يتلقها الفكر البشري ، وغياب الوظائف التقليدية وامور استشرافية كثيرة طرحت ضمن هذا السياق ؟؟؟؟
وحقيقة من وجهة نظري الشخصية التي تخالف هذا الطرح ، ان العالم فعلا في حرب عالمية ، يقودها العالم الموازي ضد العالم التقليدي ، ولو نظرنا الى البصمات الرقمية لضحايا الحروب المشتعلة منذ مطلع التسعينات ، وسيطرة الخصخصة والعولمة على الدولة القطرية ، تحت مسمى الاقتصاد الحر والقرية العالمية او بالغزو التغيير بالقوة كما حصل بالصومال والعراق او بالحروب الافقية التي تديرها دول إقليمية من خلال كيانات موازية ( مليشيات وتنظيمات مسلحة ) ، سنجد ان الأرقام مرتفعة وباهضه التكاليف على الإنسانية ، إضافة الى موجات الهجرة المليونية التي اجتاحت العالم ، ومستويات الفقر والبطالة ، وحصر المال العالمي بيد اثرياء العالم الموازي
كل تلك المؤشرات تؤكد ان العالم يرزح تحت نار حرب عالمية واسعة , وان التخويف من اندلاع حرب أمريكية صينية يتفوق فيها الصين ويسيطر على العالم لم يكن دقيقا ، لان القدرة الامريكية تفوق القدرة الصينية اضعافا ، والأدوات الامريكية والوسائل تفوق الحاجة الصينية للنفط المستورد من العراق وايران والشرق الأوسط ، فضلا عن التحكم المالي الأمريكي ، وعند العودة للتاريخ وسياق التعامل الأمريكي مع الازمات وتوظيفها بشكل يحاكي مصالحها ، وركوب موجات التحولات السياسية الخشنة والناعمة ، ومنح الرخص للوكلاء في إدارة ملفات معقدة في الشرق الأوسط وغيرها ، نجدها انها عوامل قوة أمريكية لا تحتكم عليها الصين ، فضلا عن التفوق العسكري وسيطرتها على الفضاء والانترنت .
ومن الملفت للنظر ان التحذير الاستشرافي لم يتناول انتشار فايروس كورنا كوفيد 19 في العالم ، انطلاقا من مدينة ووهان الصينية في ديسمبر 2019 ، الذي يقدر حجمه بقدر “حبة الرز” كما قال الدكتور “اديب الزعبي” مدير المركز العربي للخلايا الجذعية في الأردن ، وقال ان الفايروس مصنع لمهاجمة الانسان ، وذو طفرة جينية تخطت 800 عام ، وبعض غرامات الفايروس قد أوقفت العالم برمته ، ويقول من المحتمل انه السلاح الحديث المعتمد على الثورة التكنلوجية بديل القنابل الذرية والأسلحة , وهذا كلام خبير وليس نظرية مؤامرة
ويرزح العالم اليوم تحت تأثير الصدمة ، ووفقا لنظرية الصدمة فان التشويش هو الغالب والاتجاه الصحيح مفقود والفاعل غير معروف ، حتى يتسنى للفاعل رسم المسارات والتوجهات في عقل ما بعد الصدمة ، وفي علم إدارة الازمات لابد ان تتزامن مرحلة الحد من الخسائر مع التحليل وبيان المسبب ، وهذا لا يمنع ان نفكر بعمق لاسيما الصدمة قد حدثت وعلينا معرفة الفاعل والمستفيد من تجارة الوباء ، حتى يتسنى لنا اختيار المسلك الاصح للتعايش مع الوباء
خيارات التعامل مع الوباء
اتخذ العالم ثلاث خيارات للتعامل مع الجائحة ، ولكل خيار سلبيات وايجابيات ، وسوف لا اتطرق الى الأرقام والاحصائيات انما سأقوم باستعراض الخيارات بشكل سريع وضمن سياق وصفي ، كما يلي :
استراتيجية لمناعة الجماعية أو ما يعرف بـ “مناعة القطيع”، ؛ وتقومُ سياسة القطيع على مبدأ السماح للناس بارتياد الأماكن العامة والتفاعل فيما بينهم، من دون إغلاق المحلات التجارية أو المتنزهات والشواطئ، أي أن السلطات تسمحُ بانتشار العدوى على نطاق معين.
والهدف من هذه الاستراتيجية هو أن يصاب الناس ويتعافوا حتى يكتسبوا مناعة ذاتية، ، وبلا شك انه منظور قاصر لان الفايروس مصمم لمهاجمة الانسان والقضاء عليه ، ويمتلك خاصية الاخفاء والاختفاء حتى مهاجمة الانسان ، وكان هذا الخيار مكلفا ، وقد أوقع ضحايا كثيرة من وفيات واصابات ، ولم يحقق نتائج مرضية ، سواء كانت في سياق السلامة البشرية او الإنعاش الاقتصادي ، وكذلك القدرة الطبية في معالجة الوباء ، وأكدت البصمات الرقمية للضحايا ذلك ، في السويد والهند وروسيا والولايات المتحدة وإيطاليا والمملكة المتحدة وبعض الدول العربية .
استراتيجية “التباعد الاجتماعي والجسدي، واعتمد على تحديد ساعات الخروج من المنازل الا لقضاء الحاجات الضرورية ، والالتزام بالفحص، والاشعار بالإصابات ، والحجر الصحي، وإيقاف كافة المنافذ السياحية والتجوال والسفر، والتجمعات العمالية ، اتساقا بإجراءات العالم التي أوقفت الفعاليات المالية والاقتصادية والتعليمية .. الخ ، وقد قلل الخيار الثاني من حجم الإصابات وأرقام الوفيات ، ولكنه لم يقض على المرض ، نظرا لغياب اللقاح والعلاج معا ، وعدم جدوى الفحص الطبي حيث برزت حالات كثيرة أصيبت بالفايروس بعد الفحص او ظهور نتائج غير متطابقة وإصابة البعض مرتين بالمرض .
استراتيجية التعايش الحذر مع الوباء والوقاية الشخصية والمجتمعية ، الخيار الثالث الذي سيعمل على تطبيقه في العالم من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي وقرارات الدول الاوربية والعربية والإقليمية هو( استراتيجية التعايش الحذر) ويعتمد على تحمل المسؤولية الفردية والمجتمعية للوقاية من الوباء، بالتعاون مع السلطات والإرشادات ذات العلاقة ، وهذا الخيار لم يطبق وسيجري التعامل معه مطلع الشهر المقبل وكخيار تجريبي مراقب للتطورات ويعمل بسياق البارومتر الزئبقي
طبعا من الصعب انتهاج مسلك التفكير خارج الصندوق، نظرا للتيار المضاد له ، وقد تفقد وظيفتك او موقعك وتتعرض لمضايقات كثيرة عندما تطرح الأفكار غير التقليدية المعاكسة للتفكير التقليدي, ولكن العصف الذهني والتفكير خارج الصندوق تعطي الفرد والمؤسسة ومتخذ القرار نظرة أوسع وخيارات اكثر، ونتائج اكثر إيجابية من السياق التقليدي الجمعي
الخميس، 28 أيار، 2020
*مستشار استراتيجي واعلامي
956 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع