عبدالوهاب بدرخان
خيار الكاظمي بالعراق في مسار صعب وواعد
مع رئيس الوزراء الجديد يفتح العراق صفحة غير مسبوقة، منذ سقوط النظام السابق، ذاك أن مصطفى الكاظمي لا ينتمي إلى أي حزب عقائدي ديني، كما كان أسلافه إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، فهؤلاء جميعاً جاؤوا من «حزب الدعوة» باستثناء الأخير الذي بدأ عمله السياسي في «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية». وإذ تميّز الحزبان بعلاقة وثيقة مع إيران لم يكن لرجالاتهما أن يحيدوا عن خطّها، رغم اضطرارهم للتكيّف مع الحاجة إلى الولايات المتحدة والتعامل معها، بل وساهم في تسهيل مهمتهم ذلك «التوافق الضمني» الأميركي - الإيراني على «تقاسم النفوذ» في العراق. لكن الانسحاب الأميركي عام 2011 أتاح لطهران أن تضاعف ذلك النفوذ فتحوّل إلى هيمنة كاملة على الدولة العراقية.
جاء الكاظمي إلى المنصب بموافقة إيران وأحزابها، ولو اضطراراً وعلى مضض. ما حتّم هذا التغيير كان فشل الحكومات السابقة، باستثناء حكومة العبادي التي لم يُتح لها أن تكمل نهجها. وقد أدى الفشل إلى أزمة داخلية متفاقمة، بجانبيها السياسي والاقتصادي، معطوفة إلى جملة تطوّرات أهمها الانتفاضة الشعبية العارمة في المناطق الشيعية تحديداً، واغتيال الجنرال قاسم سليماني، وتصاعد التوتر بين القوات الأميركية وفصائل «الحشد الشعبي». ثم إن اشتداد حدّة الصراعات على المكاسب والمصالح بين الأحزاب الشيعية نفسها ألزما طهران بقبول خيار الكاظمي الذي تعتبره «رجل أميركا»، لكنه لم يظهر لها أي عداء طوال عمله كمدير للمخابرات خلال الأعوام الأربعة الماضية، ويبدو أنها تجاهلت اتهام بعض الفصائل له بـ «التواطؤ» في عملية اغتيال سليماني.
يوصف الكاظمي، من جانب القريبين منه، بأنه «عراقي أولاً وأخيراً»، وبالتالي فإنه يعتبر قربه من واشنطن وعدم عدائه لإيران عاملين يؤهلانه لتطبيق مبدأ «تحييد العراق وعدم السماح بأن يكون ساحة صراعات وتصفية حسابات دولية (أميركية – إيرانية)»، وهو أمر ما كان لأي رئيس وزراء ذي هوى إيراني أن يفعله. وبمقدار استعداد أميركا لتسهيل مهمة الكاظمي بتقليص عدد قواتها وإعادة هندسة العلاقة بين الدولتين، خلال الحوار الاستراتيجي المتوقّع قريباً، بمقدار ما تتوقّع واشنطن منه -وكذلك من طهران- أن يقوما بجهد مماثل لتصبح العلاقة بين الدولتين، ومن دون «دويلة» تفرضها فصائل مسلّحة وأحزاب على حكومة بغداد. وفي هذا المجال حرص الكاظمي لحظة تكليفه بتشكيل الحكومة على الجهر بتمسّكه بـ «سيادة الدولة»، وبرفض أي سلاح خارج قواتها المسلحة.
شكّل ذلك إنذاراً مبكراً لفصائل «الحشد» بأن المرحلة المقبلة لن تسمح لها بأن تصول وتجول كما تعوّدت. أما الإنذار الآخر للفصائل وسواها فهو إصرار الكاظمي على إجراء انتخابات مبكّرة بهدف تصحيح التمثيل في مجلس النواب والتصالح مع الشارع الغاضب. لكن تيارات الانتفاضة عبّرت عن رفضها للتركيبة الحكومية التي نالت أخيراً ثقة المجلس، وبديهي أنها جاءت ثمرة توافقات لا تعكس تماماً خيارات الكاظمي الذي لم يشأ أن تكون بداية عمله تصادمية، لكنه يراهن على الممارسة لإظهار الفارق مع الحكومات السابقة أولاً في مجال الأمن، وأيضاً في ضبط الإنفاق الحكومي والتصدّي للأزمة الاقتصادية. ورغم أن الوزراء اختيروا بتوافق مع الأحزاب، فإن الحكومة ستكون تحت الاختبار لمعرفة ما إذا كانت ستنجح في عدم تحوّل ميزانيات إلى تمويل شبه مباشر للأحزاب وبالتالي للميليشيات.
1036 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع