الكاتب ( فؤاد ربيع ) يوثق مأساة وطن في (غابة البلوط )

                                             

                          علي المسعود

الكاتب ( فؤاد ربيع ) يوثق مأساة وطن في (غابة البلوط )

أنهيت من قراءة كتاب ( غابة البلوط ) للكاتب ( فؤاد ربيع ) الصادر عن دار الصواف للنشر في بابل وهو كتابه الثالث و الكتاب مرفق بالمقدمة التي كتبها الاستاذ اسعد محمد علي النجار. في البداية لابد لي الحديث عن الفرق بين القصة والرواية , القصة تختلف عن الرواية في امور كثيرة القصة تتناول حادثة واحدة من حوادث الحياة يكون بطلها واحدا او اثنين وزمنها قصير اما الرواية فتتحدث عن فترة زمنية طويلة قد تكون اجيالا وابطالها متعددون في حين القصة يجب ان تكون مكثفة ولا يعني انها مختصرة , مع انهما يتشابهان في امور كثيرة لكن الاختلاف بين القصة والرواية في التركيب الفني من جهة والناحية التعبيرية لكلٍ منهما من جهة أخرى. القصة تتحدث عن جزئية او حدث محدد زمانيا ومكانيا من حياة شخص او عدة اشخاص. بينما تمتد الرواية لفترة طويلة من الزمن وقد تشمل حياة شخص او اشخاص باكملها وربما امتدت الى اكثر من جيل. وتحمل الرواية في طياتها مجمل الاحداث و التطورات والتغيرات التي تستجد خلال دورة حياتها. تتميز الرواية بانها اطول من القصة. ولذلك غالبا ما تعالج الرواية عدة مسائل و افكار لتكون منها حشدا من القرائن والاستشهادات والادلة التي يمكن ان تخدم الفكرة الاساسية للرواية بينما تكتفي القصة بتكثيف فكرة واحدة و محددة في حدث او حادثة ما. كما ان الرمزية تأخذ مساحة اكبر في القصة منها في الرواية ولا يمكن اعتبار ان اوجه الاختلاف بين القصةوالرواية قطعية حيث تبقى الحدود بينهما عائمة وغير مرسمة .

(غابة البلوط ) رواية تتناول سيرة حياة ناس لفترة زمنية تمتد لاكثر من خمس و ثلاثين عاما

قسمت الرواية الى أجزاء وكل جزء محصورة بمرحلة أو فترة زمنية من حياة العراقيين ,في الجزء الاول من رواية (غابة البلوط ) والمعنون ( حافة الموت ) الرواي هو الشاهد وهو الذي ينقلك الى الحرب و اجواءها بواسطة العسكري العائد من اجازته متوجها صوب الموت و يقصد وحدته العسكرية في الجبهة في قاطع من قواطع الجيش الشعبي ويدخلنا الكاتب ( فؤاد ربيع ) في لجة الحرب التي دائما وقودها الناس الفقراء و البسطاء بعد اجباره من قبل الرفيق الحزبي في منطقته ليجنده في قاطع لجيش شعبي , ينقل لنا السارد اجواء الوحدة العسكرية المرابطة في الجبهة و خبايا مايحدث فيها, وكشف لنا الكاتب الجوانب الانسانية اوالانهزامية ولحظات الضغف والقوة و في نفس الوقت كشف لنا ذاته الرافضة للحرب حين يصرح لنا انه لايحب القتل ( كيف لي ان اقتل , والقتل محرم شرعأ ) , ثم يكشف لناموقفا حين يقص علينا كيف استقبلته زوجة أحد اقاربه واعطته مسدسا لغرض القيام بعمل بطولي وهو اغتيال الديكتاتور صدام حسين خلال زيارته للمدينة و بذالك ينقذ الناس و البشرية من شروره وظلمه كما انها فرصة سوف تدخله التاريخ سواءا نجح أو فشل ؟؟ , ولكنه ضعف و اخبرها انهم اصغر من يقوموا بمثل هذا الحدث الكبير. من الشخوص التي يكشفها لنا الكاتب تموذج عبد النبي النموذج الانتهازي وهو الوصولي الذي كان يرتدي ملابس الحرس القومي و يعتقل بحجة انهم شيوعيين وهو يلبس الان ملابس الجيش الشعبي ويعمل على ملاحقة الكبار و الصغار في تجنيدهم ثم سوقهم الى الموت او الجبهة , وقد اطلق عليه تسمية فرس النبي و الذي يصبح فيما بعد من ضمن مجموعة ( فدائي صدام ) ويننتهي به المطاف في نهاية الرواية وبعد التغير ( بعد 2003 ) زعميا لعصابة للقتل و التسليب ويودع في السجن,بالمقابل هناك شخصية عبد الهادي الطيب ومعاناته وعوزه المادي وخوفه وقلقه بسبب حالة زوجته الصحية والتي تبين سلامتها من مرض السل المشكوك به, وكم هوممتن من مساعدته له في ارساله للدكتور صديق الراوي او بطل الرواية ,والذي اكد له سلامتها من المرض فقط تحتاج الى مقويات و تغدية سليمة, وفي نهاية الرواية يستشهد عبد الهادي دفاعا عن الوطن وعن زينب الطفلة ذات الاربعة أعوام التي سقطت من السيارة عند هروب اهلها من الدواعش الذين استباحوا مدينتهم ( تلعفر). في رواية ( غابة البلوط ) هناك توثيق لسيرة مدينة وحوادث جرت للكثير من الناس الذين عاصرناهم و كنا نجهل مصائرهم تحت سلطة النظام الديكتاتوري, ومثال على ذالك عندما ورد الكاتب ( فؤاد ربيع ) ذكرأحد اقرباءه الذي اختفى في سجون دوائرالامن العامة وظلت زوجته الاجنبية تسال عنه و في النهاية اجبروها على مغادرة البلاد و في الحقيقة هذا الانسان ( والذي هو اقرباء الراوي و السارد وهو الكاتب نفسه ) هو الدكتور عادل ربيع الذي غيبته سجون النظام السابق وزوجته الروسية تتيانة ربيع التي غادرت العراق وسوف نعرف مصيره في سياق السرد ومن خلال من احد طلاب الراوي والذي انتسب الى احدى الاجهزة الامنية والذي سوف يفجعنا بخبر اعدام الدكتور ( عادل ربيع ) في السجن بعد قيام السجناء باضراب أحتجاجا على سوء معاملتهم و سوء التغذية و قد اختير الدكتور الشهيد ( عادل ربيع ) من قبل زملاه كي يمثلهم في التفاوض مع ادارة السجن واعدم من قبل ضابط السجن في داخل السجن و في غرفة الضابط, وفي الليل تم نقل البقية من السجناء الذين قاموا بالاضراب في باصات ويتم اعدامهم جماعيا. وأهالي الحلة كانوا يعرفون الدكتور ( عادل ربيع) و زوجته الذين كانت عيادتهم ملجا للفقراء وحسنا فعل الكاتب في استذكار هذا الانسان الخلوق و الرائع الساكن في الوجدان . وبيقى السؤال الذي يؤرق الراوي أو الشاهد في رواية ( غابة البلوط) :

متى تنهي تلك الحرب المعلونة ويعم السلام و الامان .؟

وبعد ان تنتهي تلك الحرب الملعونة يدخلنا الديكتاتورفي مغامرة مجنونة وهي احتلال الكويت و ما تلاها من احداث الانتفاضة والتي رافقتها المزيد من سفك الدماء والقتل والسجن , ثم جاءت مرحلة وبداية فصل جديد وهو فصل الحصار ويصفه الكاتب بانه فصل الجوع و الاذلال و ويوضح له صديقه عبد الهادي كيف يعيش في تلك الفترة ( ابيع نصف الحصة الغذائية في اول الشهر ونحاول ان نكتفي بالنصف الباقي و المبلغ نستفيد منه للطبيب و الملابس ). ولايخفى الكاتب الذي أتخذ الراوي لسان حالة وجعه و مرارته حين تكون مسحة الحزن هي الصفة الغالبة على شخصية السارد ( أتعلمون سبب حزني ؟ إني اتساءل لما كل هذه المعاناة وكيف أكون سعيدا وارى الذين حولي يسقطونمن أجل لقمة عيش ). ويرافق تلك الفترة عمليات سرقة و سلب و نهب. في مرحلة او محطة اخرى من محطات الخيبة و الاحزان العراقية وهي فترة دخول القوات الامريكية وهنا تاخذ الحكاية في الرواية رؤية اخرى أو مسارا اخر. حاول الكاتب ( فؤاد ربيع ) بابداع ان يعطي اهمية في تناول اهم المشاكل و المعاناة التي عاشها شريحة واسعة من العراقيين و في اصعب المراحل التي مرت على العراقيين لذلك عمل ان يسكب المخزون في الذاكرة من الاحداث بكل تفاصيلها و الشخصيات, وصياغتها في قوالب قصصية , تبرز بشكل خاص مثبطات ومحبطات وخيبات واحزان الواقع الفعلي , او الوطن والاوطان , التي تعمل على تدمير الانسان داخلياً , في محاصرته بالاحباطات المتكررة , في ابتكار وسائل لاذلال وترهيب الانسان, النفاق والزيف والغش والانتهازية الوصولية , او التباهي الفارغ والخاوي والمتهرئ , في واقعنا الاليم المحبط . في مائة و اثنين و عشرين صفحة وفي ثلاث اقسام وكل قسم يؤرخ مرحلة من مراحل التي على العراقيين .

في القسم الثالث يسرد فيها الاحداث بعد التاسع من نيسان من عام 2003 في وقت دخول القوات الامريكية الى العراق ومارافقها من سلب ونهب للمؤسسات الحكومية وحتى ممتلكات الدولة لم تسلم من السرقة وكذالك المدارس ومن هنا بدأت عملية بناء عش الفساد لهذا البلد المدمر وقنوات التلفاز تعرض صورا لسرقة المتحف العراقي و الاثار العراقية وعلى مرأى ومسع من القوات الامريكية!!!

ولكن الامال العريضة بالمستقبل والتفاؤل بان الاتي هو الافضل بعد زوال الديكتاتوروأجهزته القمعية قد أجهضت وان احلام الحصة التموينية و التي ستكون من خمسة عشر مادة كانت أمال تبخرت وسط ركام الموت و السيارات المفخخة والاحتراب الطائفي والسياسين الفاسدين وصعود طبقة من الفاسدين ومسلسل الموت المجاني وكذالك شاع مصطلح مثلث الموت والذي يقع على اطراف بغداد وسيادة الفكر الظلامي وقتل الناس الابرياء وتفجير الاسواق وسط التكبير والصلوات هذا الفكر التكفيري الذي سرق الكثيرين من الحالمين بحياة امنة. اللافت ان الكاتب ( فؤاد ربيع ) يجيد التقاط موضوعه، ويعمل فيه على مهل، وتبدو لي ان الرواية مكتوبة ومعاد كتابتها أكثر من مرة لتصبح بعد ذلك رواية فنية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى. بالنسبة الى اسلوب السرد كان اسلوب بسيط مبني على تداخل صوت الكاتب مع صوت البطل ,لابد من القول عند الانتهاء من الرواية تشعر انك تقف امام عمل ابداعي بحق يحمل بصمات فكرية وثقافية متعددة الجوانب,ومن ميادين الحياة والواقع بشكل واضح , لذا فأن الرواية تحمل نكهة ابداعية وخلفيات تقف وراءها الكثير من الخزين و الموروث المعرفي للكاتب ( فؤاد ربيع ).
في النهاية هذا العمل الادبي هو اضافة الى المكتبة الادبية العربية وعلامة متميزة في المشهد الثقافي العراقي لانها لايعلن فقط ميلاد ( فؤاد ربيع ) ككاتب بل ان الرواية انها قد حجزت لها مكانا في مكتبة الرواية العربية كما انها تؤرخ لمرحلة حساسة من تاريخ العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي من ثمانينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.

الكاتب

علي المسعود

المملكة المتحدة

هامش :العبارات المحصورة بين الاقواس مأخوذة بين الرواية

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

757 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع