د.محمد عياش الكبيسي
مؤتمر اعادة اعمار العراق في الكويت
رعت دولة الكويت في الأيام القليلة الماضية مؤتمراً يهدف إلى إعادة إعمار العراق، وقد تمخّض المؤتمر عن جمع ثلاثين مليار دولار تقدّم للعراق على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية، ومشاريع استثمارية، والنسبة الأقل كانت على شكل منح محدودة، للمساهمة بإعادة الإعمار.
رعاية الكويت مثل هذا المؤتمر تحمل دلالات إيجابية، تعزز من روح الأخوة العربية والإسلامية، وعلاقات الجوار التي تضررت كثيراً بعد الغزو العراقي وتداعياته الخطيرة.
كما أن عدد المشاركين والمساهمين يعكس -بغض النظر عن مستوى المشاركة والمساهمة- رغبة إقليمية ودولية لرؤية العراق مستقراً وآمناً ومعافى من آثار الفوضى التي باتت تشكل تهديداً أمنياً مباشراً على دول المنطقة، ولكثير من دول العالم.
ربما كانت حكومة العبادي تُمنّي نفسها بالحصول على رقم أكبر، لكن كثيراً من المراقبين يرون أن انخفاض المساهمات مع تحديد مساراتها وطريقة صرفها يعود بالأساس إلى أزمة الثقة تجاه حكومة العبادي، لكونها الحكومة الأكثر فساداً في المنطقة، إذا استثنينا بالطبع حكومة المالكي التي حطّمت كل الأرقام القياسية حتى أصبحت حكومة العبادي بالقياس عليها كأنها تمثل مرحلة مقبولة للتقليل من ظاهرة الفساد!
الحقيقة التي ينبغي أن لا تغيب عن المشاركين والمساهمين أن الثلاثين مليار هذه لا تشكل شيئاً بالنسبة للواردات العراقية التي تزيد على الواردات الكويتية نفسها، وأن المشكلة العراقية ليست مشكلة مالية، بقدر ما هي مشكلة سياسية، فالتنافس المفتوح على سرقة المال العام وصل حداً غير مسبوق، وكلّ بحسب منصبه وإمكانياته وعلاقاته -إلا ما رحم ربك-، ومن ثم فهذه الأموال المجموعة من هنا وهناك قد تجد طريقها بيسر وسهولة إلى جيوب هؤلاء الفاسدين.
والحقيقة الأخرى أن الدولة العراقية بشكلها الحالي لا يمكن أن تمثل عنصر استقرار للمنطقة -حتى لو تحسّن وضعها المالي- وذلك لاعتبارات كثيرة من أهمها أن الدولة محكومة بميليشيات مسلحة تستند في قرارها إلى مرجعيات مختلفة، ليست لها علاقة بأجهزة الدولة، مما يعني أن هذه الميليشيات قادرة على إحراج الحكومة ولي ذراعها متى شاءت، ولا ننسى في هذا المجال قصّة المخطوفين القطريين، فكان الأجدر بالنسبة للدول المانحة أن تشترط حلّ هذه الميليشيات، وحصر السلاح بيد الأجهزة الرسمية، كما في كل دول العالم، وعدم الالتفاف على هذا المبدأ بإعطاء الغطاء القانوني الرسمي لأية جهة مسلحة خارج المؤسسة العسكرية الرسمية، لأن هذه ستكون جريمة أشنع وأخطر على المستويين الداخل والخارجي.
وينبغي التنبّه أيضاً إلى أن المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية نفسها لا يمكن أن تكون عامل استقرار، إلا بعد أن تكون عراقية بمعنى الكلمة، تمثل العراق دولة وشعباً، وليست حكراً على مكوّن دون آخر، إذ إن شعور المكونات الأخرى بالظلم قد يدفعها للتصرّف بطريقة تهدد الاستقرار، وتعيد دوامة العنف والعنف المضاد.
أعتقد أن أمام الدول المانحة فرصة لا بأس بها للضغط باتجاه تحقيق الاستقرار، وتجنيب المنطقة قدراً كبيراً من الضرر والشرر المتطاير من ذلك الأتون الذي أوقدته التجاذبات الدولية والإقليمية والنزاعات العرقية والطائفية.
689 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع