وفيق السامرائي
مع أن الحراك الشعبي العراقي قد انتشر نتيجة احتقان، فالوقائع تشير إلى وجود أياد خفية كانت تسرب معلومات، وتقدم إيحاءات عن مؤامرات تحاك، ووجود قوات تتشكل تحت اسم «الجيش العراقي الحر»، وضرورة القيام بعمليات وقائية واستباقية.
وفي المقابل توجد ملاحظات وعناصر انتباه وترقب كثيرة وحساسة، وربما لعبت أجهزة وأطراف دولية على وقع الأحداث. فمخابرات محلية وإقليمية وشرقية كانت لها أدوار مختلفة. ولا يعني هذا توجيه اتهام تآمري لطرفي الأزمة، بل إن الطرفين وقعا ضمن نطاق تسريبات من أطراف ثالثة، وغالبا ما يكون التسريب من جهة ذات صفة خاصة، نفسية أو مخابرات أو صاحبة مصالح.
الشيء الإيجابي في الوضع العراقي، هو وجود حرص لدى طرفي «الأزمة» على تجنب التصعيد، يعكس تطورا إيجابيا يدل على مستوى معقول من الفهم. ويدل على أخذ العبرة من المحنة السورية الكبرى، التي تسببت في تدمير هائل للبنى التحتية، قد لا تستطيع سوريا بمواردها المحدودة معالجته خلال جيل كامل على الأقل. وكان على النظام الركون إلى العقل وتسليم الحكم بضمانات عربية ودولية وتسجيل سابقة إيجابية تحسب له لا عليه. أما الشعب، فله الحق في عدم توقع انحدار النظام إلى المستوى الذي حدث تمسكا بمعادلات خاطئة في الحكم.
كثيرة هي النقاط التي ينبغي التركيز عليها في التوعية والنصيحة، فالمجتمع الدولي أصبح عاجزا عن اتخاذ قرارات موحدة تسمح باستخدام القوة بسلطة مجلس الأمن. فدولة المخابرات الروسية لم تعد قابلة للترويض، وقد لا تقبل بأي ثمن لا يتوازن مع طموحات استراتيجية لا يمكن القبول بها. والسياسة الأميركية ضعيفة ومرتبكة، والسياسة الإيرانية خارج السيطرة، والمواقف العربية ممزقة، والمتفاعلون من العرب يواجهون ضغوطا ومعوقات كثيرة، وحدود النار والدم بات تحجيمها أكثر صعوبة، وكبح نزعات العنف فقد قدرة المناورة والتأثير على المستويات الميدانية المنظمة والفردية، والخسائر البشرية والمادية فاقت كل التصورات، وأطراف الأزمة داخليا وخارجيا مندفعة باتجاهات تزداد تباعدا.
الوضع العراقي إذا ما انزلق، سيكون أكثر خطورة من الوضع السوري، بحكم اختلاف المعادلات. فالنسب السكانية في العراق غيرها في سوريا، وحدود العراق مفتوحة، مقارنة بحدود سوريا شبه المغلقة «نسبيا»، والعرب منشغلون في وضع سوري دخلت عليه تعقيدات مؤثرة، أطالت المدة المتوقعة للحسم المنتظر للثورة، ولجار العراق الشرقي سلطة التأثير القوي حتى خارج نطاق التعاون مع الحكومة، فالسلاح المعني لا يزال منتشرا خارج سيطرة الحكومة، والولاءات تزداد امتدادا خارج أفق مؤسسات الدولة، وما حدث في لبنان من إضعاف لمنظمة أمل لمصلحة حزب الله في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، أقل تأثيرا مما يجري على الساحة العراقية. فالحزب المهيمن على السلطة ليس هو الخيط الأقوى للمصالح الإيرانية في العراق، فهناك ظهور لتنظيمات حزبية مسلحة تصعب السيطرة عليها، حتى من قبل أجهزة الدولة وقواتها.
وإذا كانت المعطيات وعناصر التأثير هذه قد أعطت عبرة لقوى الحراك في الحرص على سلمية التوجه حتى الآن، فإن الطرف الآخر - والمقصود به الدولة - لا بد أنه أدرك الفهم الاستراتيجي الإقليمي، وتأثيره المباشر على سير الصراع، حتى لو كان خارج نطاق الجوار المباشر الغربي والجنوبي. فعناصر التأثير ليست في حاجة ملحة إلى جوار مباشر لتحقيق برامجها، ورغم أن الجوار مفيد في حسابات التواصل اللوجستي، فهناك من هو مستعد لتقديم قدر كبير من التسهيلات، فشبكة المصالح اتسعت بعد 2003. وهامش الديمقراطية أتاح فرصا للتواصل، ضمنها الدستور أم لم يضمنها، التزمت بها الأطراف أم تخطتها، فلا فرق على الوضع العملي.
الرغبة الراجحة في تفادي العنف، وجنوح الناس إلى الخيارات الهادئة، وبقاء الأشياء تحت السيطرة حتى الآن، والعقلانية والوحدوية في الطروحات، لا يمكن ضمان استمراريتها، خصوصا إذا ما فهمت وفق منطق القوة والضعف، طبقا لرؤى وحسابات الطرفين. فالالتباس في فهم الحالة يقود إلى صعوبات قابلة لتطور سلبي خطير. والوضع السوري لا يمكن أن يمتد إلى ما لا نهاية، فتآكل النظام مستمر بشدة، والقتال في دمشق، والمفاجآت لغير مصلحة النظام قائمة. لذلك، لا بد أن يلتقي العراقيون على تفاهم معقول ومنصف، ويفترض بأجهزة المخابرات عدم التدخل، على الأقل، طالما بقيت الحالة معقولة وهادئة عراقيا، ومحسوبة ومراقبة دوليا.
995 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع