إرسال الطائرات العراقية بأسطوليها المدني والعسكري إلى إيران أثناء العدوان الأمريكي عام 2003 هل كان خطأ استراتيجيا و تقديريا, أم انه تم بناء على اتفاق رسمي , أم حكمت به الظروف أو الأعراف الاجتماعية والجغرافية أو الدينية ؟ كل هذه التساؤلات تثار بين الحين والأخر ولحد يومنا هذا لمعرفة مصير عشرات الطائرات العراقية التي ذهبت إلى إيران ولم تعد.
هذا الموضوع لم يأخذ حقه من البحث والاستقصاء والتحليل من قبل الباحثين والمحللين الاستراتيجيين وخبراء الطيران , علما انه موضوع حساس ويأخذ أبعاد أخلاقية ووطنية سنحاول جهد الإمكان وضع رؤيتنا كمراقبين على ماحدث.
الجانب الأخلاقي للموضوع سنبحثه من جانب أنساني وديني يتمثل بمفردة اسمها "الأمانة" تلك المفردة التي أبت حتى الجبال من حملها,كما جاء في القرآن الكريم اية72من سورة الأحزاب"آنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها" إلى أخر الآيات, لذلك فمفهوم الأمانة لايقتصر على الماديات فحسب وإنما يتناول أيضا الالتزامات المعنوية إذا هو التزام أخلاقي وأدبي وشجاع .
نعلم جيدا أن الاتفاقيات بين الدول تنطلق من مفهوم الثقة بالأخر وتأمين جانبه وهذا المعنى ليس ببعيدا عن مفهوم الديني والشرعي (الأمانة),ولكن في حالات شاذة كالاستعمار والغزو حيث يهيمن منطق القوة على منطق العقل (منطق شريعة الغاب) يحصل أن ينقض احد أطراف الاتفاقية التزاماته مع الأخر وينتهك حق ليس له ضاربا بعرض الحائط كل نصوص الاتفاقات والشرعية الدولية التي تحكمها , وهذا بالضبط مافعلته إيران مع العراق في قضية الطائرات من خيانة الأمانة وعدم الوفاء بالمحافظة عليها فقد تصرفت بها دون موافقة بل رفضت لحد الآن التفاوض بشأنها علما أن تاريخها القديم والحديث يزدهر بهذا السلوك الغير أخلاقي أو الحضاري الذي تنتهجه إيران مع كل دول الجوار وليس العراق وحده وما مسألة الجزر الامارتية ببعيدة عن هذا المشهد.
أما الجانب الوطني نبحث فيه بشقين الأول قرار القيادة العراقية بإصدارها الأوامر لإرسال الطائرات إلى إيران من رؤيتها بالمحافظة على أسطولها من الطائرات وأبعادها عن سماء المعركة كون السيادة الجوية هي للعدو بسبب الفارق التكنولوجي للسلاحين, وبسب ما في حينها تم أعطاء الأوامر بإرسال الطائرات العراقية إلى إيران , ولم يضع في اعتباره إن إيران وهي التي خرجت مهزومة من حرب الثماني سنوات انكمشت قواتها الجوية بفعل الدفاع الجـوى و الطيران العراقي و كان من البديهي إن تستولي على هذه الطائرات, و لكن القيــادة العراقية لم يكن لديها خيار أخر , كما انه تم بناءا على اتفـاق رسمي بين إيران و العراق على ان يودع العراق طائراته لدى إيران و لكن لم تلتزم إيران بالاتفاقية و سولت لها نفسها سرقتهـا استراتيجيا فالحفاظ على الطائرات بهذه الطريقة كان قرارا صائبا و لكن الخطأ في اختيار مكـــان إيداعها.
وكما قلنا سابقا لم يكن أمام العراق خيار أخر في ظل رفض جميع الـدول إيداع طائرات العراق لديها فوضعت القيادة أمام خيارين أحلاهما مر إما أن ترى طائراتها تتهاوى أمام التفوق العددي للقوات المتحالفة أو أن تغامر بأن تودعها لدى إيــــــران على أمل و لو ضعيف أن تستردها مرة أخرى وهذا للأسف لم يحدث ولم تحترم إيران العهد.
لكن هنالك سؤال دائما يخطر على بالى وهو لماذا لم يقوم العراق ولو بمحاولة واحدة ضد القطع البحرية الأمريكية (وهو موضوع ثاني يمكن البحث به لاحقا) ؟ وسؤال أخر هو لماذا لم يرسل العراق طائراته إلى الأردن مع العـلم أنهم يتمتعون بعلاقات جيده نوعا ما وكذلك أفضل واضمن للعراق والجــواب هو إن الأردن في هذا الوقت كان متأثرا بضغوط أمريكية كبيرة عليه , كما انه ضمنيا كان يعتبر ضمن التحالف الدولي الذي دخل الكويت وبالتالي كان سيكـون عبثا إرسال هذه الطائرات إلى الأردن لان حينها كانت الطائرات الأمريكية ستقدر على إسقاط هذه الطائرات نظرا لقربها أثناء الطيران من منطقة العمليات وإيران تعتبر هي ابعد نقطة عن ساحة العمليات في الكويت .
بعد انتهاء الحرب رفضت إيران إرجاع الطائرات بحجة أنها ستكون تعويض عن خسائرها في حرب الثماني سنوات و لكن لا يعلم الكثيرون ما هي أنواع و أعداد الطائرات التي توجد فى إيران بدقة و في هذا الموضوع اعرض عرضا شاملا لهذه الطائرات و إعدادها حسب أخر إحصائية وردت بكتاب رسمي من وزارة الخارجية العراقية وكما يلي:
(12)- طائرة ميج 23
(4)- طائرات ميج29
(4) - طائرات سوخوي 20
40)-) طائرة سوخوي 22
(24)- طائرة سوخوي 24
7 )-) طائرات سوخوي 25
(24) -طائرة ميراج
5 )- )طائرات فالكون
( 1 )-طائرة حيت ستار( نقل)
5 )-)طائرات بوينك ( نقل )
(15) - طائرة اليوشن 76 ( نقل)
2 )- )طائرة بوينج 747
1 )- )طائرة بوينج 707
2 )- )طائرة بوينج 737
ويكون أجمالي الطائرات 146 (طائرة!!!)
أما الشق الثاني من الجانب الوطني هو مسئولية القيادة العراقية الحالية باسترداد هذه الطائرات, حيث يرفض المسئولين العراقيين الحديث عن مصيرها في حين أعلنت إيران عن رفضها تسليم هذه الطائرات,وأعلنوا بكل وقاحة أنها جزء من تعويضات الحرب كما أسلفنا, ونسوا الاتفاق الموقع بين طارق عزيز وزير خارجية العراق آنذاك وهاشمي رافسنجاني الذي وافق على تسهيل المهمة.
ولم تطالب الحكومة الحالية لحد الآن الجانب الإيراني بفتح هذا الملف وإيجاد الحلول لها وهذا مايثير التساؤلات ؟ هل هي بسبب الهيمنة على الحكومة والبرلمان؟ أو هناك سبب أخر غير معلن؟ أن الواجب الوطني والشرعي يحتم على هذه الحكومة الأخذ بزمام المبادرة لوضع نهاية لهذا الملف واخذ حق الشعب العراقي لأنه مسئوليتها أمام هذا الشعب وأمام الله أولا وأخيرا.
727 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع