عبــاس العــلوي
بحث تأريخي :
الكوت / ارض مباركة جمعت في ثناياها الانسان والحضارة والجمال
الكوت مفردة هندية الأصل تعني القلعة او الحصن / وقد تكون فارسية مشتقة من [ الكوه ] أي القرية الزراعية / وفي اصطلاح العراقيين :
المأوى او السكن المشيد من القصب والبواري على حافة النهر من الطين واللبن لجماعة الفلاحين يحيطه سياج خارجي لحفظ المواشي / اكد هذا المعنى الأب انستاس الكرملي بقوله :
الكوت بلغة اسفل العراق / البيت المبني بهيئة القلعة او دونه تحصينا يُتخذ ملجأ عند الحاجة ولايُطلق عليه هذه المسمى إلا إذا كان قريبا من الماء [ نهرا او بحرا او مستنقعا او غيره ]
قال المؤرخون :
الكوت : لفظة توارثها العراقيون عن البابليين والكلدانيين والآشوريين / كانت في الآصل [ كوث ] وهي من امبراطورية بابل ورد ذكرها في توراة العهد القديم < سفر الملوك الثاني >في تسميتها حصل اشكال مابين المستشرقين / منهم من نسبها الى العمارة واطلق عليها[ كوت العمارة ] لقربها من مدينة العمارة التي تأسست حديثا في الحكم العثماني / وآخر نسبها الى الأمارة وسمّاها [ كوت الامارة ] نسبة لأمارة ربيعة القريبة من الكوت [ الحالية ] والمشكلة في اصلها تكمن بعدم وجود ما يقابل حرف العين في اللغة الإنجليزية بين كلمتي الأمارة والعمارة!
وفي إيضاح اكثر : ذكر الشيخ كاظم الدجيلي في مجلة المقتطف عام 1917
الأمارة : جمع امير / هم رؤوساء عشائر ربيعة / نسبت الكوت لهم لأنهم اول من سكنها / وقد يتوهم البعض فيضيف الى العمارة البلدة الواقعة مابينها وبين البصرة / لم تعرف " كوت الأمارة " إلا مؤخرا في عهد القائمقام علي افندي ترضية لعشيرة الأمارة المقيمة في المنطقة .
أما " كوت العمارة " : هناك رأيان في اصل التسمية
الأول : نسبة الى عمارة بن الوليد عامل ابي جعفر المنصور بداية الحكم العباسي وقد اطلق على هذا الجزء من النهر .
الثاني : نسبة الى الحكومة العثمانية التي أنشأت في عام 1860 [ عمارة ] ابنية في الموضع الذي بُنيت عليه الكوت الحالية لتكون مركزا رسميا للعشائر الساكنة في تلك المنطقة فسُمّي النهر الذي أسست على اوله [ العمارة ] بنهر العمارة .
تأريخياً تضاربت الروايات عن بداية تأسيس الكوت / منهم من قال : ان سبع بن خميس احد شيوخ الميّاح شيد قلعة من الآجر في هذا الموضع عام 1812 م فكانت قلعته نواة لنهضتها العمرانية / دُعيت فيما بعد [ كوت سبع ] وهو اسم لازال يطلقه بعض المتقدمين في السن وهذا الرأي يذهب اليه المؤرخ عبد الرزاق الحسني / بينما عادل البكري مؤرخ الكوت ينفي ذلك بقوله : ان الكوت كانت موجودة من منتصف القرن السابع عشر واسمها آنذاك " العمارة " ثم أنشئ كوت في تلك العمارة سميت ب [ كوت العمارة ] وبعد ان أصبحت مشهورة صارت تسمى بالكوت / ثم يُضيف : وبالقطع لم يكن سبع بن خميس المؤسس لها لأن اسمها ورد في المصادر التأريخية قبل عام 1812
وهناك طرف آخر من المؤرخين يرى ان العامل السياسي كان له دور في تأسيس الكوت / اذ كان مركز الحكومة في زمن العثمانيين في [ بدرَه ] كثير التعرض لغزوات الإيرانيين فكان من الضروري ان يبحثوا عن مكان آخر اكثر أمناً ليكون مركزاً لهم / فوقع الاختيار على الكوت لأن عشيرة بني لام القوية تجمعت في موقع تفرع نهر الغراف فأنشأوا فيها عمارة حكومية !
الكوت وريثة مدينة واسط الإسلامية الشهيرة / قال المؤرخون :
سُميت بهذا الاسم نسبة إلى مدينة واسط التاريخية التي بناها الحجاج بن يوسف الثقفي على عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان بعد ان واجهته مشاكل عديدة خلال إدارته لولايتي الكوفة والبصرة / أما سبب هذه التسمية يعود إلى أن أرضها كانت ارض قصب لذا اطلق عليها واسط القصب / وقيل : سميت واسط لان موقعها يتوسط بين الكوفة والبصرة / اختلف االروايات في تاريخ بناء واسط والأرجح أن الحجاج بدأ بالبناء سنة 81 هجري / بشطرين يفصلهما نهر دجلة / في قسمها الشرقي استحدث مدينته الجديدة قبالة " كسكر " البلدة الساسانية القديمة / وفي الشطر الغربي بنى فيه دار الامارة والجامع وسوقا عامرة لمختلف الحرف امتدت من القصر حتى شاطئ دجلة شرقا والى درب الخرازين جنوباً وأحاطهما بسور عظيم وخندق وفرغ من البناء سنة 86 هجري .
اشاد المؤرخون بهذه المدينة العريقة / قال ياقوت الحموي في معجمه
[ رأيت انا واسطاً مراراً فوجدتها بلدة عظيمة ذات رساتيق وقرى كثيرة وبساتين ونخل يفوق الحصر وكان الرخص فيها موجودا ] اما ابو شجاع فقد انشد في وصفها قائلاً :
يارب يوم مرّ بي في واسط / جمع المسرّة ليله ونهاره
مع اغيد خنث الدلال مهفهف / قد كاد يقطع خصره زناره
وقميص دجلة بالنسيم مفرّك / كسر تُجرّ ذيوله اقطاره
الكوت الجميلة وريثة واسط / ارض مباركة تفاعل فيها التاريخ والجغرافيا والجمال وفيض العلم والمعرفة وكما قال شاعرها المهدي المشعشعي الواسطي:
مدينتنا ارض العراق بواسط / مدينة اهل العلم والفضل والعمل
تأريخ عريق/ جمع في ثنايـاه الأرض والنهر والأنسـان والمنـاخ والحضـارة !
قديما ً اشتهرت بمدارسها التي نشرت العلم والمعرفة منها : مدرسة خطلبرس / المدرسة البرانية / المدرسة الشرابية / مدرسة الغزنوي / مدرسة تقي الدين الواسطي وأخرى غيرها
ومن كبار علمائها : عالم اللغة المعروف [ نفطويه ] / ومؤسس الطريقة الرفاعية الفقيه احمد بن علي الرفاعي المتوفى سنة 578 هجري / والقاسم بن القاسم الواسطي المتوفى سنة 626 هجري وعشرات غيرهم ممن نبغ بالعلم والأدب والفقه والحديث والتأريخ .
لانستطيع في هذه العُجالة الخوض في شواخصها التأريخية الماثلة للعيان حاليا كأطلال واسط التي تقع شمال المدينة / وبناية النجمي او العجمي في بعض المصادر < 11 ميلا غرب النعمانية > ذات الشكل الهندسي الجميل بارتفاع 12 مترا / والتلول الأثرية منها : تل النعمان / وتل سابس / وتل الآخي الذي يعود الى الزمن الفرثي فضلاً عن جامع الكوت الكبير الذي تأسس في
عام 1863 م .
جغرافيتها : جمعت المفردات كلها من جبال ووديان وسهول وانهار وصحارى وبساتين وسدود مائية ومعادن نفيسة وبحيرات نفط عملاقة وكنوز اثرية تختزن اسرار الحضارات العراقية
الأرض الطيبة التي ضمت رفاة شاعرنا الخالد < المتنبي > شبه جزيرة جميلة احتضنها دجلة الخير من جهاتها الثلاث / جعلهـا عامرة بغابات النخيل الرائعة والطبيعة الساحرة مرشحة أن تكون من أفضل المنتجعـات السياحية في العـالم فيمـا لو امتدت لها يد الأعمـار / وبما أنها ارض مباركة رفدت العراق بأفضل أنواع القمح والشعير والرز والسمسم والتمور ناهيك عن ثروة الجبس والملح وماعداها كثير .
فرخ البط عوّام!
الكوت كانت ومازالت مدينة الشعر والعلم والادب والفن والفكر والابداع / أنجبت رجالاً افذاذ ساهموا في بناء الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية للعراق المعاصر في العلوم الاسلامية : إسماعيل محمد الحسيني < فقيه وخطيب ومربي > / قاسم شبر < فقيه واديب وداعية إسلامي > .
في السياسة : محمد الحبيب أمير عشائر ربيعة [ وزير وعضو برلمان ومجلس الأعيان في العهد الملكي ] / علي الشبوط < عضو البرلمان العراقي في العهد الملكي > .
في الموسيقى : نصير شمة
تربويون متميزون : عبد الستار كاظم < مشرف تربوي> / الدكتور محي الدين هلال < باحث علمي في مناهج وزارة التربية > / إبراهيم الشبوط < مربي >
رجال قانون : سعيد الهمّاشي / تقي الوزان / ناجي الراضي
رياضيون : طارق نعمان / مناضل جاسم الحسن
أطباء كبار : الدكتور نزار الشابندر < وكيل وزارة > / الدكتور معمر خالد الشابندر < جراح أعصاب > الدكتور هادي ياسر الخشان < جراح > / الدكتور فاضل السعيدي / الدكتور نزيه الدباغ
مؤرخون : عادل البكري
موهوبون : عادل شعلان
المسرح والتلفزيون : فخرية عبد الكريم < زينب > سيدة المسرح العراقي / سامي قفطان / امل طه / مناضل داود < مخرج مسرحي > .
تشكيليون كبار : ميران السعدي < نحات وتشكيلي > .
في الشعر والادب والفكر : الدكتور خليل إبراهيم العطية < اديب وعالم لغة وتراثي كبير> / الدكتور مؤيد عبد الستار < اديب وكاتب سياسي > / راضي الطباطبائي < شاعر > / عدوية توفيق < شاعرة > / غالب الشابندر < مفكر وكاتب موسوعي > / غازي ثجيل < شاعر شعبي > / الشاعر زاهد محمد زهدي < صاحب رائعة غيده وحمد وقصيدة هربزي كرد وعرب > / شمران الياسري < أبو كاطع > اديب واعلامي سياسي .
أخيرا : الدكتور جليل العطية / شيخ التراثيين العراقيين وعملاق الأدب السياسي الساخر / موسوعة متنقلة ذات أطياف متعددة حملت في خزانتها الفكر والأدب والتاريخ والتراث والنكته السياسية الساخرة وهموم الصحافة في العراق والمنافي / العطية < المقيم في باريس حاليا > يعتبر الحلقة الأخيرة من سلسلة التراثيين الكبار الذين اغنوا المكتبة الإسلامية والعربية بنفائس التحف في 20 كتابا / تأثر في منهجية البحث والتحقيق بمدرسة الأب انستاس الكرملي وتلميذه كوركيس عواد وهما من مفاخر العراق في القرن العشرين .
من طرائف الكوت [ نكتة جميلة ] بعثها لي مشكورا كاتبنا المبدع مؤيد عبد الستار
يحكى ان قائمقام الوالي العثماني في مدينة الكوت / اضطر الى الهرب بعد خسارة الدولة العثمانية العظمى / فركب سيارة نقل عامة ــ باص ــ تنقله الى بغداد / وما ان جلس واكتمل عدد الركاب حتى جاء محصل الأجور < گلكول > ليجمع الاجرة من الركاب / فطلب من الوالي الأجرة / والمعروف ان الوالي في حياته لم يكن يدفع لأحد اجراً على أي عمل / إنما اعتاد على أخذ ما يريد دون مقابل ولما ألح عليه كَلكول بطلب الاجرة / ناوله المبلغ محتقراً نفسه ولسان حاله يقول :
طاح حظك والي / گلكول ياخذ منك خاوة !
988 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع