محمد حسين الداغستاني
مسؤولية الدولة والحركات السياسية في تعزيزالسلم الأهلي في العراق
يختار العديد من المراقبين والمحللين والمهتمين بالشأن العراقي الداخلي مفردة (مرحلة ما بعد داعش) للإشارة الى الوضع المرتقب في المسار السياسي والأجتماعي في البلاد وإحتمالات حصول تغييرات دراماتيكية حادة تعصف بحالة الهدوء النسبي السائدة في الوقت الراهن بعد أن يتم طوي صفحة مكافحة الإرهاب والصراع الدموي المسلح التي نجحت في تحقيق الإصطفاف السياسي والشعبي وخاصة في ما بين القوات الأمنية والحشد الشعبي والعشائري بمختلف مسمياته وبالدعم المباشر من قبل التحالف الدولي .
ومبعث القلق يكمن في الخشية من تفرغ الأطراف المسلحة وخاصة الأحزاب والكتل المتصارعة على الساحة الوطنية للبدء بتصفية الحسابات فيما بينها بعد (صفاء الجو )، والعمل على إزاحة الآخر أو توسيع مناطق النفوذ والهيمنة على مكامن الثروات الوطنية أو التفرد بالسلطة عن طريق إستخدام القدرات التسليحية التي إمتلكتها خلال صراعها مع داعش وبذلك ستكون الفرص سانحة تماماً لتدمير قيم التعايش والسلم الأهلي وتجاهل حق الآخر المختلف في العقيدة والثقافة والدين والمذهب مما يؤدي حتماً الى تهديد الاستقرار وحياة المواطنين في العيش الآمن .
قد يكون لهذا الطرح الكثير من الوجاهة والصحة وقد يتغلب وعي الأفراد والجماعات على المحاولات الهادفة الى جر العراقيين نحو حرب داخلية طاحنة تحرق الأخضر واليابس ، لكن الحقيقة أن الوضع الهش للاستقرار والتعايش والسلم الأهلي في العراق لا يرتبط بمرحلتي قبل أو بعد داعش وإنما هي حالة شاذة وجد العراقيون أنفسهم في أتونها منذ فترات طويلة بعد العام 2003 م بدوافع وأسباب مختلفة ساهمت في تفاقمها التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي العراقي ، وإثارة نوازع الطائفية المقيتة أو تأجيج مشاعر التعنصر أومبررات التمييز المختلفة أو السياسة الخاطئة التي مارستها الحكومات المتعاقبة في التعامل مع المواطنين العراقيين على أسس المساواة في الحقوق والواجبات وتغليب مصالح جهة على أخرى وممارسة الصمت على الخروقات التي تحصل ضد فئة معينة أو طائفة أو أقلية لا تملك سوى قوة وهيبة الدولة الغائبة في رد الإنتهاكات التي تتعرض لها بين آونة وأخرى لأسباب عديدة .
إن المراقب المنصف والمستقل والحيادي لا يجد مبررا واحدا يعطي الحق لأي طرف كان في توصيف المجتمع والتعامل اليومي مع المواطنين وفق درجات متفاوتة ، فالدستور لا يتعامل مع المواطن على أساس كونهم منقسمين الى مواطنين من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة الثانية ، وإنما ينظر الى الكل بعين المساواة ، كما إن القانون يجب أن يكون هو الفاصل بين النزاعات والتجاوزات وخنق الأصوات المعارضة ، وأن أية ممارسة لا ترتكز على هذه الأسس سوف تسهم بلا شك في إنتاج الإختلافات الجسيمة والتناقضات العميقة والحروب الأهلية التي تعصف بالأمان والاستقرار والسلم الأهلي .
وتشير الدراسات العلمية الحديثة وخاصة في ميدان علم الاجتماع السياسي وتجارب الشعوب تؤكد على أن السلم الأهلي والتعايش نتيجة حتمية للمساواة بين المواطنين في الفرص والعيش والثروة الوطنية ، وإعتماد الأسس الديمقراطية في التعامل ، ونبذ العنف لحسم الاختلافات في الرأي ، وإقرار حق كافة الأطراف بغض النظر عن إنتماءاتها القومية والدينية والطائفية في المشاركة في السلطة ، ونبذ سياسة الإقصاء والتهميش ، كل تلك العوامل وغيرها تشكل العوامل الأساسية لتوفير شروط الأمن الوطني وإشاعة السلام وتحفيز كل الطاقات البشرية وتوظيفها لتحقيق مجتمع الرفاه الاجتماعي والتنمية والتطور .
إننا كنا ولا نزال سواءً قبل مرحلة قبل داعش أو بعدها ، بحاجة ماسة الى إعادة النظر في مجمل ممارساتنا السياسية والوطنية ، وأن دماء وحياة ألوف العراقيين الذين قتلوا أو شردوا خارج الوطن أو أجبروا على العيش في مخيمات النزوج أو أدخلوا قسرا الى معسكرات الاعتقال والسجون بفعل غياب العدالة الاجتماعية و السياسة المنحرفة لمن إمتلك السطوة والسلطة والسلاح ، تدعوننا الى أن نطالب الدولة والحركات السياسية والأحزاب الكبيرة بالذات الى إستلهام قيم الواقعية والممكنات التي برهنت الوقائع على صحتها وخاصة في تجارب الأمم والشعوب والمجتمعات المستقرة ، وإشاعة ثقافة التنوع والتعددية لحماية مكونات النسيج الاجتماعي ، والعمل الجدي والدؤوب لمحاربة الفقر والبطالة ، وتوفير الحماية الاجتماعية ، وثقافة الحوار والسلم الأهلي والإجتماعي ، وتعزيز سلطة الدولة ومؤسساتها التنفيذية ، والحرص على إستقلالية القضاء ونبذ العنف وسياسة التصفيات السياسية بكل أشكالها لكبت الرأي الآخر والتضييق على الحريات وإشاعة الفساد على حساب معاناة الشعب وحجب حقوقه المشروعة في الحياة الحرة والمستقرة .
2257 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع