أزمتنا بين حكم القانون وغياب العدالة(1-2)
أ.د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
باحث بالشؤون القانونية والأمنية
سيادة القانون من المبادئ التي نادت بها الثورة الفرنسية، وتتفاخر الدول المتحضرة كافة، لاسيما الديمقراطية منها، بتبنيها لهذا المبدأ، كما يراه فقهاء القانون أساس العدالة. وبعض الفقهاء يسمونه "مبدأ الشرعية أو المشروعية " ويقصدون به خضوع المواطنين والدولة بكافة سلطاتها ومؤسساتها وإداراتها وموظفيها كافة من جميع المراتب للقانون المطبق في البلاد، دون أن يكون هناك امتياز لأي أحد أو استثناء من تطبيق حكم القانون عليه بسبب المنصب أو الدين أو الثروة وغير ذلك، أي بدون تمييز من خارج النص القانوني ذاته أو أن تعتبر إرادة الزعيم أو المسؤول الكبير فوق القانون. ويسميه البعض "سيادة حكم القانون " كمرادف لمبدأ المشروعية. وهناك من الفقهاء من يرى أن مفهوم سيادة حكم القانون أوسع وأشمل وأدق في التعبير من مفهوم المشروعية. يعتبر مبدأ المشروعية أو سيادة القانون الضمان الحيوي والأساسي لحقوق الأفراد وحرياتهم .. غير أنه لا يكفي النص في الدساتير والتشريعات على هذا المبدأ ، إذ يتعين أن تتحقق سيادة القانون واقعا وفعلا .. وإن سيادة القانون ليست ضمانا مطلوبا لحرية الفرد فحسب ، لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة في نفس الوقت تصريحات سفيرة الاتحاد الاوربي ببغداد وقد اعتبرت سفيرة الاتحاد الاوروبي في العراق جانا هيباسكوفا حركة الاحتجاجات الشعبية في العديد من المدن العراقية تعبيرا عن وجود مشكلة جدية وكبيرة، وقالت: "ان جميع المشاكل التي تعصف في المجتمع العراقي سببها الاساسي مشكلة سيادة القانون". مستدركة القول "الازمات التي تنشب بشكل دوري ليس مصدرها الاوضاع الاقتصادية او الامنية او الخلافات والتعارضات الدينية، بل انعدام سيادة القانون". وقالت "ان المفوضية الاوروبية بصدد تنظيم دورات تدريبية في مجال سيادة القانون وكيفية تعزيز هذا المفهوم في مؤسسات الدولة وفي اوساط المجتمع".
الأمم المتحدة وتعزيز سيادة القانون:
يدخل تعزيز سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي في صميم رسالة الأمم المتحدة. ويشكل ترسيخ دعائم احترام سيادة القانون عنصرا أساسيا في إحلال السلام الدائم بعد انتهاء النزاع، وحماية حقوق الإنسان على نحو فعال، وتحقيق التقدم والتنمية في المجال الاقتصادي بشكل مطرد. ومبدأ خضوع الجميع - بدءا بالفرد وانتهاء بالدولة نفسها - للمساءلة بموجب قوانين صادرة علنا، وتطبق على الجميع بالتساوي، ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل، هو مفهوم أساسي يرفد قسطا وافرا من أعمال الأمم المتحدة.
ويشمل مبدأ سيادة القانون المجسد في ميثاق الأمم المتحدة عناصر تتصل بإدارة العلاقات بين دولة وأخرى. وفي هذا الصدد، تضطلع أجهزة الأمم المتحدة الرئيسية، بما في ذلك الجمعية العامة ومجلس الأمن، بأدوار حيوية مستمدة من الميثاق وتتطلب العمل وفقا لأحكامه.
ومفهوم ’’سيادة القانون‘‘ يشير إلى مبدأ للحكم يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات والقطاعان العام والخاص، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولين أمام قوانين صادرة علنا، وتطبق على الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل، وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ويقتضي هذا المبدأ كذلك اتخاذ تدابير لكفالة الالتزام بمبادئ سيادة القانون، والمساواة أمام القانون، والمسؤولية أمام القانون، والعدل في تطبيق القانون، والفصل بين السلطات، والمشاركة في صنع القرار، واليقين القانوني، وتجنب التعسف، والشفافية الإجرائية والقانونية.
وتعمل الأمم المتحدة من أجل دعم وجود إطار تتحقق فيه سيادة القانون على الصعيد الوطني: سن دستور أو ما يعادله، بوصفه القانون الأسمى في البلد؛ ووضع إطار قانوني واضح ومتسق، مع كفالة تنفيذه؛ وبناء مؤسسات قوية تتولى شؤون العدل والحكم والأمن وحقوق الإنسان، تحظى بقدر واف من التنظيم والتمويل والتدريب والتجهيز؛ وإرساء عمليات العدالة الانتقالية وآلياتها؛ وإقامة مجتمع عام ومدني يساهم في تعزيز سيادة القانون وإخضاع الموظفين الحكوميين والمؤسسات العامة للمساءلة. فتلك هي المعايير والسياسات والمؤسسات والعمليات التي تشكل صلب المجتمع الذي ينعم في ظله الأفراد بالسلامة والأمان، وحيث تسوّى النزاعات بالطرق السلمية، وتتوافر سبل الانتصاف لجبر الضرر، ويخضع للمساءلة كل من ينتهك القانون، بما في ذلك الدولة.
مفهوم سيادة القانون في الفكر القانوني المقارنتعريف المفهوم: لا يمكن تعريف مفهوم سيادة القانون إلا بالتمييز بين تفسيرين له:
التفسير الاول :التفسير الشكلي:
ويتعلق بوجود القانون ذاته. وقد حدد فقهاء القانون شروط هذا التفسير لمفهوم سيادة القانون الشكلي بأنه النقيض للفوضى ،وحتى تتم سيادة القانون بمعناها الشكلي يجب أن تتوفر عدة شروط
أولا: وجود قانون مكتوب وقاعدة قانونية واضحة،
ثانيا: تطبيق هذا القانون من خلال عملية الرقابة وتفعيل القضاء والشرطة.
ثالثا: تقيد السلطات العامة وإلتزامها بإحترام والعمل بهذا القانون،
رابعا: أن يكون هذا القانون كما تفسره المحاكم هو مصدر صلاحيات السلطات والتقييدات المفروضة على المواطنين.
لقد كانت مشكله سيادة القانون مطروحة، قبل ستة قرون في أوربا ،على وجه أخر ،هو ليس ان يسود القانون او لا يسود، بل هل ثمة ضرورة لوجود القانون، أم تغنى عنه إرادة أو حكمة رجال الدين والأمراء والملوك، الذين يمثلون كلمه الله في الأرض.
الإستبداد بإسم القانون:
ثم من قال أن القانون يمثل قمة العدل والإنصاف. فالحكام الظلمة دائما يستندون إلى قوانين مكتوبة، فالنظام الاستبدادي هو أساسا نظام سياسي لا يلتزم بالنظام القانوني السائد في المجتمع، ويستند إلى قوته الباطشة، فهو دوله القوه المادية وخارج نطاق النظام القانوني.وهو ارتداد إلى الصورة التي ثارت من قبل وجود الدولة اى النظام القانوني في المجتمع، اى عدم وجود القانون فضلا عن سيادته.
التفسير الثاني : التفسير الجوهري:
وهو لا يتعلق بوجود القانون من عدم وجوده، بل بسيادة القانون داخل مجتمع منظم قانوناً، اى ان القانون في هذا التفسير للمفهوم موجود لكن تنقصه السيادة، ومضمون هذا التفسير يتعلق بالتزام الدولة ممثله في سلطاتها التشريعية والتنفيذية بالقانون. إذا هذا التفسير لمفهوم سيادة القانون لا يكتفي بوجود قانون ينص على قاعدة قانونية تحكم موضوعا معيناً، بل يتطلب فحص النص القانوني وكيفية تطبيقه وتقييمه وفق مبادئ ومعايير وقيم معينه هي:
أولا: ثبات القانون و تفسيره، يكون القانون و تفسيره ثابتين وأكيدين بقدر المستطاع
ثانيا: علانية القانون، أي نشر القانون بطريقة تضمن وصولة إلى معرفة وعلم إفراد المجتمع الذين سيسري عليهم أهمية كبيرة، وذلك حتى يتمكن إفراد المجتمع من تكييف سلوكهم وتصرفاتهم وفقا للقانون، وبنشر القانون في الجريدة الرسمية تصبح احكامة سارية بحق الجميع دون أن يقبل عدم العلم به عذرا يعفى من العقوبة
ثالثا: عدم جواز معاقبة إنسان بدون محاكمة عادلة، من جهاز قضائي مستقل غير خاضعة لتأثير إي سلطة أخرى، ولابد إن يتوافر في هذه المحاكمة كافة شروط المحاكمة العادلة
رابعا: المساواة بين جميع الأفراد إمام القانون دون تمييز ولا محاباة ولا تحيز،
خامساً: أن يكون القانون معبرا عن إرادة الشعب من خلال ممثليه.
أما ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 فيعرّف مفهوم سيادة القانون كالاتى : «يشير مفهوم سيادة القانون إلى مبدأ للحكم يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات والقطاعات العامة والخاصة، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولين أمام قوانين صادرة علناً، وتطبق على المجتمع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاءٍ مستقل وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان».
القانون والمشروعية:
يتصل مفهوم القانون بمفهوم المشروعية، الشكلية المتمثلة بإتفاق القانون مع القواعد الآمرة والناهية للنظام القانوني، والمشروعية الموضوعية ومعناها اتفاق القانون مع المصالح التي ينبغي ان تحميها القواعد القانونية. كما لابد للقانون أن يكون صادرا وفق قواعد الديمقراطية الحقة، ان يكون النظام القانوني متفقا مع ما يريده الناس ” يكون النظام القانوني متفقا مع غاية التطور الاجتماعي كما يحددها الإنسان ،الذى هو العامل الحاسم في التطور.
العدالة الإجتماعية:
إن العدل الإجتماعي شرط أساس من شروط سيادة القانون، فالظلم خلل إجتماعي كبير، والقانون ينبغي أن يحرر الناس من القهر الاجتماعي والسياسي لا أن يكون حاميا ومكرسا لذلك القهر.
الشريعة الإسلامية وحكم القانون:
تؤكد الشريعة الإسلامية على الإحتكام لمنهج الله :" القرآن الكريم: فيما ورد من صريح الأحكام. يقول تعالى{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ً}[الأحزاب: 36] ، ويقول تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }- [النساء: 59]،
وشددت الشريعة الإسلامية أن لا أحد يدعي أنه فوق القانون، ولا حتى الخليفة، ولقد عمل أبناء ذلك الجيل على نشر ثقافة المساواة أمام القانون. يتفق الفكر الاجتماعي الاسلامى مع التفسير الجوهري للمفهوم والمتعلق بالتزام الدولة ممثله في سلطاتها التشريعية والتنفيذية بالقانون ومعاييره، حيث تشير إليه كثير من النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم «إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
يتبع
1387 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع