علبة سجائر كافية ليتم تغيير كتاب السوق العسكري الصادر من دائرة تجنيد بعقوبة الثانية . كنت أريد وصديقي رعد أن نكون سوية في معسكر تدريب الحلة ، والسبب إننا عرفنا إن المعسكر المخصص لخريجي الجامعات المساقين للخدمة العسكرية كان في تلك الأنحاء بينما كنت أكره مدينتي التي لا أشعر بالإنتماء لها وهو شعور أخذ ينسحب على علاقتي بالوطن كله.
نصحني سيد ياسين بالذهاب معه الى مدينة الحلة حيث يقطن أقارب له في منطقة الهاشميات خريف العام 1998 لترتيب وضعي في معسكر التدريب بعد أن قرر صديقي رعد دفع البدل النقدي ، كان بيت السيد فاضل يقع شرق الحلة في وسط بساتين النخيل ، كانت ليلة طيبة في ضيافة السادة لكنها قلقة جداً بالنسبة لواحد مثلي لا يملك من المستقبل شيئاً في ظل النظام الدكتاتوري المجرم ، كنت أمني النفس بوساطة من أحد الضباط الكبار . وفي صبيحة اليوم التالي خرجت والسيد فاضل نسير في دروب القرية ومررنا بالفرقة الحزبية التابعة لحزب البعث العربي الاشتراكي ، لا ادري لماذا ورطنا السيد بدخول مبنى الفرقة ؟ المهم اننا دخلنا وكان السيد يرغب بالسلام على احد الرفاق المسؤولين وكانت بيده مسبحة سوداء (101) يستخدمها لذكر الله والتسبيح ، كانت في يدي واحدة وضعتها في جيب البنطلون لكن السيد أصر على إبقاء المسبحة تتراقص بين يديه وما أن دخلنا وألقينا التحية حتى صرخ الرفيق بوجه السيد بكلمات قاسية ونهره بشدة وطلب اليه عدم ابراز المسبحة احتراماً لقدسية وهيبة الفرقة الحزبية ! طبعاً السيد اسرع بوضعها في جيبه مع آيات الاعتذار وخرجنا على عجل ، وكانوا ذكروا لنا ضابطاً كبيراً ذهبنا اليه في حي الثورة في مدينة الحلة ، حيث فوجئنا بشقيق الضابط الكبير كان قد تزوج من أيام ويقيم مع أخيه ، وهو ضابط برتبة أدنى ، وطلب الي السيد أن أضع مبلغاً بيد الطفل الصغير للضابط الكبير . مازلت أذكر ذلك الكلب الذي يحتجزونه في الحديقة وكان ينبح بقوة . ولم تفلح محاولاتنا ولم أعثر على واسطة ودخلت المعسكر في شتاء ذلك العام ورأيت المصائب والمذلة بينما كان زملاء وزميلات ممن كنت أبيع لهم بحوث التخرج ينتظمون في دراسة الماجستير والدكتوراه .
أتذكر سيد فاضل ومسبحته السوداء بقوة هذه الأيام ، فقد ساءت أحوال البلاد على صعد شتى وما زال الإرهاب يضرب بعنف وتزداد المشاكل السياسية حدة والناس تعاني من تردي الخدمات دون حاجة لذكر التفاصيل .. ورغم كل تلك الأهوال والعذابات التي تحيق بالبلاد والعباد يخرج علينا بعض رؤساء الكتل ونواب في البرلمان ووزراء وشخصيات في لقاءاتهم وإجتماعاتهم وهم يطقطقون بالمسبحة ، وهي دلالة على أمرين . فإما إن تكون المشاكل هينة وستحل بسرعة . وإما إنهم غير مبالين بما يجري ولا يدركونه وهم في غفلة عن معاناة الشعب. وفي كل الإحوال فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة.
862 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع