بدري نوئيل يوسف
حكاية حديدان والسعلوة
اليوم كانت جدتي سعيدة جدا، فقد جاء مبيض القدور لمحلتنا، وهو رجل يتجول في الازقة والطرقات وينادي بصوت عالي(بيّاض المويعين مْبَيضْ)، (جمع ماعون باللهجة الموصلية)، والقصد ادوات الطبخ من القدور وأواني صغيرة والمصافي والطاوات (جمع طاوة) أي المقلاة والصينية والطشت)، وأخذ مواعيننا النحاسية لكي يبضها وجدتي تثق بهذا الرجل كل الثقة، وبعد ان يعيدها مطلية نظيفة يستلم منها اجوره، هذا الرجل يقوم بجلي وتبييض الأواني النحاسية بواسطة مسحوق (النشادر) ومادة القلاي(القصدير)، هذه العملية تجدد الأواني المنزلية وتغطيها بطبقة برّاقة عازلة تمنع تفاعل النحاس مع الحوامض التي تؤدي إلى التسمم، علما أن جميع ادوات المطبخ المستعملة في المنزل بل في المنازل العراقية سابقا كلها كانت مصنوعة من الصفر (النحاس).
حدثتنا جدتي أن هذه الحكاية سمعتها من جدها يعني عمر الحكاية اكثر من خمسة وتسعون عاما.
قالت:كان يا ما كان على الله التكلان،كل من عنده ذنب يقول التوبة واستغفر الله، في قديم الزمان كان هنالك ثلاثة اخوة، الكبير اسمه (حديدان)، والأخ الوسط أسمه (كعيبان)، والصغير اسمه (نخيلان) .
كان بيت حديدان من حديد، وبيت كعيبان مبني من كعيب ، و بيت نخيلان مبني من نخالة، وهذه البيوت كانت مبنية في الصحراء، بعيدة عن المدينة لا يوجد حارس عليها، ولهذا كان اصحابها يغلقون الابواب من قدوم الليل حتى الصباح. في يوم من ايام الشتاء طلعت السعلوة ( الداميي) بالليل تتجول، وتبحث عن اكل لها ولأولادها، شاهدت بيت نخيلان وطرقت الباب أجاب نخيلان: من الطارق وماذا تريد؟
أجابت: انا السعلوة افتح الباب جئت حتى اكلك.
أجاب نخيلان: اذهبي وابتعدي عني ما عندي أكل وليس لك عندي شيء.
تعصبت السعلوة وغضبت كثيرا ونفخت على بيت نخيلان نفخة واحدة طار البيت، وأصبح غير موجود، لأنه كان مبني من النخالة الخفيفة ومسكت نخيلان وقطعته قطع صغيرة واكلته وأخذت جزء منه لأولادها.
وفي الليلة التالية جاءت السعلوة لبيت كعيبان وطرقت الباب أجاب كعيبان من أنتِ وماذا تريدين ؟
أجابت السعلوة بصوتها الغليظ الذي يخافه الجميع: انا السعلوة افتح الباب جئت لأكلك .
أجاب كعيبان: اذهبي وابتعدي عني ما عندي اكل وليس لك عندي شيء.
غضبت وتعصبت السعلوة وركلت باب المنزل بقوة تهدم المنزل لأنه كان مبني من كعيب خفيفة وأمسكت كعيبان وقطعته قطع صغيرة وأكلته وأخذت جزء منه لأولادها.
وفي احدى الليالي جاءت الى بيت حديدان وطرقت الباب لم يرد عليها، صرخت بصوت عالي:حديدان، حديدان افتح الباب جئت لأكلك ، لم يرد حديدان، تعصبت وغضبت السعلوة، وبدأت بالتهديد والوعيد لكي يخاف، وأنها جاءت لتأكله وتصرخ: افتح الباب وإلا سأهدم المنزل على رأسك.
رد عليها حديدان: أنتِ يا سعلوة انا بيتي من حديد ولا تقدرين تحركيه من مكانه .
حاولت السعلوة كسر الباب لم تقدر، وحاولت، وحاولت فتح الباب حتى جرحت يداها، وجرى الدم منها فلم تقدر.
تركت منزل حديدان وذهبت الى الاسكافي حتى يخيط الجروح في يداها، ثم رجعت لبيتها تعبانة، وظلت تراقب حديدان وتتربص له وتنتظر الفرصة السانحة لها حتى تأكله.
في احد الايام ذهب حديدان لحافة النهر مكان فيه اشجار، حتى يرفه على نفسه لأنه كان مقهور وحزين، عرفت السعلوة أنه خرج من بيته فتبعته ولحقت اثار قدميه، عرف حديدان أنها تتبعه فخاف كثيرا وبدأ يفتش عن مكان يختفي فيه، عثر عند حافة النهر على بطيخة كبيرة، حفرها ودخل بداخلها، لكن اذنتاه بقيت خارج البطيخة،
شاهدت السعلوة حديدان وهو يدخل داخل البطيخة، فرحت كثيرا وتقربت منه، وأمسكت اذنتاه وبدأت تغني:
(شردان ... بردان.. كنا اذان حديدان)، بعدها كسرت البطيخة وأخرجت حديدان وأمسكته وشدته بالحبل وحملته على ظهرها، وذهبت الى منزلها فرحانة سعيدة بصيدها حديدان، دخلت المنزل وقالت لأبنتها (شرنته): بنتي احرقي التنور وحضريه حتى نشوي حديدان، وأنا سأذهب الى الحداد لكي يحد اسناني حتى اكل و اتهنا بحديدان.
خرجت السعلوة من المنزل وبدأ حديدان بالغناء حتى يستطيع ان يخدع ( شرنته)، وكان صوته عذب، سمعت شرنته صوت حديدان وتعجب منه وأعجبها صوته كثيرا، قال له: صوتك جميل جدا غني لي اكثر.
فجاوبها حديدان: تعالي فكي الحبل وسوف تشاهدين كيف اغني احلى من هذا الغناء وارقص؟
صدقت شرنته بكلامه، فكت الحبل عن حديدان، وبدأ يغني وشرنته تضع الاخشاب بالتنور وتشعله، أصبح التنور حار، غافل حديدان شرنته وحملها ورماها داخل التنور، وبدأت تحترق وتركها وهرب قبل عودة امها السعلوة .
وصل حديدان منزله وصعد فوق السطح، رجعت السعلوة لمنزلها اشتمت رائحة لحم مشوي، توقعت ان بنتها شوت حديدان بالتنور فبدأت تأكل من لحم أبنتها حتى شبعت، تذكرت السعلوة أبنتها، وبدأت تناديها:شرنته، شرنته، لا جواب ولا من يرد عليها، فتشت منزلها لم تجد أي احد في غرف المنزل، لكنها عثرت على ملابس ابنتها قرب التنور محروقة، عرفت ان هي اكلت لحم بنتها، مزقت ملابسها من الغضب وصرخت وضربت نفسها ونتفت شعر رأسها، واتجهت مسرعة الى بيت حديدان، شاهدته واقف فوق السطح يغني: شرنته، برنته اكالي لحم بنتا، على رغيف الحنطة. وظل يضحك ويستهزئ عليها، حتى انفجرت وماتت من الحزن .
كنا عدكم وجينا، لو كان البيت قريب كان جبنا لكم قصب زبيب .
حكاية من تراث الموصل الشعبي
- نبات الكعيب :ما يعرف بالحرشف البري او الخرفيش او شوك الدمن او شوكة مريم او شوك الجمل ، ويستخدم من النبات الازهار والبذور والسيقان للطب الشعبي.
2153 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع