رسائل ساخاروف دفاعاً عن الكرد و حقهم فى تقرير المصير

                                          

                                                  جودت هوشيار


" لا أصدقاء سوى الجبال ... التاريخ المأساوي للكرد " (1) عنوان كتاب شهير من تأليف هارفي موريس و جون بلوج ، تحوَّل الى مقولة شائعة على أقلام عدد كبيرمن المفكرين و المؤرخين و الكتاب و الأعلاميين المعنيين بالقضية الكردية فى شتى أنحاء العالم ، و هى مقولة صحيحة اذا كان المقصود بها عدم أسناد دولة عظمى أو أكثر لحق الشعب الكردى فى تأسيس دولته المستقلة أسوة بشعوب الأرض كبيرها و صغيرها ، أو عدم أعتماد الكرد كثيراً على العهود و المواثيق الدولية حول حق الأمم في تقرير مصيرها و بضمنها تلك التى اعترفت بحق الكرد فى تقرير مصيرهم على ارضهم التأريخية ، مثلما نصت عليه معاهدة " سيفر " (2) .

و لكن مصالح الدول الموقعة على المعاهدة أقتضت تجاهل القضية الكردية فى " معاهدة لوزان " (3) التى حلت محل " معاهدة سيفر " ا بضغط من تركيا الكمالية .
 ولكن مقولة " لا أصدقاء للكرد سوى الجبال " غير دقيقة ، اذا كان المقصود بها ، ان القضية الكردية لا تحظى بتأييد المجتمع الدولى ، ذلك لأن القضية الكردية حظيت طوال عدة عقود من الزمن و ما تزال تحظى بتأييد واسع النطاق في المحافل الدولية و تلقى مساندة قادة سياسيين و علماء و مفكرين وكتاب بارزين و أكاديميين مشهورين ، لعل فى مقدمتهم نصير الأمم المضطهدة و المدافع الأمين عن قضاياها وعن حقوق الأنسان في النصف الثاني من القرن العشرين العالم الروسي الشهير أندريه ساخاروف (1921- 1989 ) م
 
***
نبذة عن حياة و نضال ساخاروف
 ساخاروف احد ابرز علماء القرن العشرين و كان متخصصاً في مجال ( التحكم في التفاعلات الذرية ) و يرجع اليه الفضل في صنع أول قنبلة هيدروجينية سوفيتية وكسر الأحتكار الأميركي للسلاح النووي ، و لكن يعد أحتدام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة و الأتحاد السوفييتي ، كان من أوائل العلماء الذين أدركوا العواقب الوخيمة لسباق التسلح و أحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة لا تبقي و لا تذر. و أثبتت ازمة الكاريبي فى اكتوبر عام 1962 (4)، مدى خطورة السلاح النووي على مستقبل البشرية ، فأصبح من ألد أعداء الأستمرار فى صنعها و أستخدامها ، و لعب دورا كبيرأ فى التوصل الى أتفاق حظر اجراء التجارب النووية فوق سطح الأرض بين الولايات المتحدة و الأتحاد السوفييتي فى عام .1963 (5)
و فى السنوت التالية تزعم ساخاروف حركة الدفاع عن حقوق الأنسان أو ما تعرف بحركة ( المنشقين السوفييت ) و أكتسب شهرة عالمية و أحتل مكانة رفيعة كأبرز شخصية عالمية فى مجال الدفاع عن حقوق الأنسان فى كل مكان من كرتنا الأرضية .
 
و فى عام 1968كتب دراسة بعنوان " تأملات في موضوع التقدم والتعايش السلمي وحرية العقل" نشرت في الكثير من الدول يطالب فيها بمزيد من الحريات في الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى طرده من برامج الأبحاث النووية ، وعرّض أيضا الكثير من أقاربه وأصدقائه إلى مضايقات أمنية من جانب السلطات السوفيتية.
 
وفي عام 1970 تزعم " لجنة حقوق الانسان في موسكو". وفي عام 1975 ألف كتاب " عن البلد والعالم". وحاز في العام نفسه على جائزة نوبل للسلام.
 
كان ساخاروف دائب النشاط و تحظى مقالاته و نداءاته بأهتمام المجتمع الدولي و وسائل الأعلام و منظمات حقوق الأنسان.
 
و فى كانون الاول عام 1979 و كانون الثاني عام 1980 نشرعددا من البيانات في الصحف الغربية يندد فيها بالغزو السوفييتى لأفغانستان ، و اثر ذلك نفته السلطات السوفيتية في 22 كانون الثاني عام 1980 إلى مدينة " غوركي" و وضعته مع عائلته في الأقامة الجبرية و المراقبة بعد أنتقاداته للنظام الحاكم . وتم حرمانه من كل الجوائز والالقاب التي منحته الحكومة السوفيتية.
 
و مع بدء فترة "البيريسترويكا" في الاتحاد السوفيتي ، ألغى " غورباجوف " فى عام 1986 قرار النفى و عاد ساخاروف الى موسكو معززا مكرما ً بعد قضاء مدة 7 سنوات فى المنفى .
توفى أندريه ساخاروف مساء يوم 14 ديسمبر/كانون الاول عام 1989 على إثر نوبة قلبية بينما كان يقدم مشروعه للدستور الجديد في البرلمان الروسي ( الدوما ) .
 
يعمل في موسكو حاليا متحف ساخاروف ومركز اجتماعي يحمل اسمه. واطلق اسمه على شارع في موسكو وفي غيرها من مدن روسيا.
 
****
جائزة ساخاروف لحرية الفكر
 اسس البرلمان الاوروبي عام 1988 جائزة ( من أجل حرية الفكر ) تحمل إسم ساخاروف (Sakharov Prize for Freedom of Thought) ) وتمنح سنويا لقاء انجازات في الدفاع عن حقوق الانسان والحريات الاساسية واحترام القونين الدولية وتطوير الديمقراطية.
و من ابرز الحاصلين على جائزة الزعيم الأفريقي نلسون مانديلا والمناضلة الكردية المعروفة " ليلى زانا " و هي أشهر سيدة كردية في العالم و قد منحت لها هذه الجائزة فى عام 1975 تقديرا لنضالها الدؤوب في سبيل القضية الكردية .
 
بينما تقاسم جائزة سنة 2011 ـ خمسة ممثلين عما سمي بالربيع العربي هم أسماء محفوظ وأحمد الزبير السنوسي ورزان زيتونة وعلي فرزات و محمد البوعزيزي لمساهماتهم في إحداث " تغيرات تاريخية في العالم العربي "
 
***
 
ساخاروف و القضية الكردية
 فى واحدة من اصعب و أحلك و أدق الفترات التي مرت بها الحركة التحررية الكردية - حين تنكرت حكومة البعث لمضمون بيان آذار 1970 و شنت حربا ظالمة و شرسة ضد الشعب الكردى فى آذار 1974 و ما اعقب اتفاقية الجزائر المشؤومة فى آذار عام 1975من أحداث دراماتيكية . كان ساخاروف يتابع بأهتمام بالغ الوضع فى كردستان العراق و يوجه النداء تلو النداء الى المجتمع الدولى و بخاصة الي الأمين العام للأمم المتحدة و الي القادة السوفييت لوضع حد لحرب الأبادة الجماعية ضد الكرد المطالبين بحقوقهم المشروعة و حمايتهم من العدوان الصدامي الهمجي وأغاثة مئات الآلاف من العوائل المنكوبة .
يقول ساخاروف فى مذكراته :
 " الحدث المأساوى الآخر ، الذى حاولت التدخل فيه ، كان مصير الكرد . و كما هو معلوم فأن الكرد يشكلون فى العديد من دول الشرق الأوسط و آسيا جزءا كبيرا من السكان الأكثر فاعلية و نشاطا ً و فى كثير من الأحيان الشريحة الأكثر تعليماً و ثقافةً . و على مدى سنوات طويلة خاض الكرد نضالاً فعالاً من اجل -حقوقهم القومية و بضمنها حق تقرير المصير . و هذا النضال متواصل لحد الآن ( يقصد تأريخ كتابة المذكرات فى منتصف الثمانينات من القرن الماضى ) . و و ضع الكرد اليوم دراماتيكى خاصة فى ايران ، حيث يشن خمينى و أنصاره المتعصبين حملات قمع و قتل جماعى بالغة القسوة ضدهم .
بين عامى 1974 ، 1975 أثارت حملات الحكومة العراقية على كردستان- التى وصلت احيانا ًالى حد الأبادة الجماعية للكرد - قلقاً بالغاً. و قد وجهت فى خريف عام 1974 و ربيع عام 1975 ندائين الى الأمم المتحدة و المجتمع الدولى دفاعاً عن الكرد العراقيين تلقيت على أثرهما رسالة شكر و امتنان من زعيم الكرد الشهير مصطفى البارزانى . أنتهى (6 )
 
و فيما بلي نصوص رسائل ساخاروف الموجهة الى الأمم المتحدة و الى مؤتمر باريس مترجمة من اللغة الروسية .
 
الرسالة الأولى
 - السكرتير العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم
- المندوبون الى الجمعية العامة للأمم المتحدة
- السكرتير العام للحزب الشيوعى السوفييتى ليونيد بريجينيف
 
رسالة فى الدفاع عن كرد العراق
 الأخبار الواردة من العراق تثير ققلقاً بالغاً . و وفقاً لهذه الأخبار تشن القوات الحكومية مرة أخرى ، حرباً و حشية ضد الكرد العراقيين المناضلين من اجل حقوقهم القومية . وتستخدم القوات العراقية فى هجومها ، أسلحة حربية متطورة تلقتها من الخارج : الطائرات ، القنابل ، الدبابات ، النابالم ، ويشارك الطيارون الحربيون الأجانب في القتال ، أستناداً الى المعلومات المستقاة من الأقمار الأصطناعية التجسسية الأجنبية .. .تحترق قرى و سهول السليمانية و المناطق الكردية الأخرى ، مما أسفر عن مقتل الآلاف من النساء والأطفال. وأضطر سبعين ألف شخص إلى اللجوء إلى إيران. ان ما يجرى مأساة رهيبة لأمة بأكملها ، والتي تواجه أسلحة الإبادة والجوع.
 
لم تتخذ لحد الآن اية اجراءات رسمية لحماية كرد العراق. ، و لم تتحرك منظمة الأمم المتحدة ، رغم أن ميثاقها، يلزمها بالتحرك ضد جرائم الإبادة الجماعية.
لقد وجدت من الضروري أن أوجه اليكم هذه الرسالة ، و أنا أدرك أنها رسالة غير عادية وغير إجرائية.
ينبغي منع تكرار مأساة ( بيافرا ) ،التى وقعت في ظروف مماثلة .
 
في رأيي من الضروري للغاية قيام مجلس الأمن بأصدار قرار يتضمن ما يلي :
 
1. وقف فوري و أدانة للعمليات العسكرية التي تقوم بها الجيش العراقي ضد الكرد
2. أرسال قوات تابعة للامم المتحدة لضمان السلام في المنطقة
3. مطالبة البلدان التي تقدم المساعدات العسكرية للحكومة العراقية، باستدعاء فوري للطيارين و الخبراء العسكريين التابعين لها ، و التوقف عن تجهيز الأسلحة المستخدمة ضد الكرد.
 
تفضلوا بقبول فائق الاحترام،الأكاديمي أندريه ساخاروف
2 أكتوبر 1974
 
الرسالة الثانية
 
الامين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد كورت فالدهايم
 
دفاعا عن الأكراد العراقيين
 
من الكوارث الأنسانية في عالم اليوم ، التي تتطلب التدخل الفوري من المنظمات الدولية – المأساة الوطنية الرهيبة لكرد العراق.
 
فى الثاني في اكتوبر / تشرين الاول عام 1974، وجهت نداءً إلى الأمم المتحدة، و لكم شخصيا، و إلى الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي ،داعياً الى أيجاد سبل لوقف حرب الإبادة الجماعية الوحشية التى تشنها حكومة العراق ضد رعاياها من الكرد، وذلك باستخدام أحدث الأسلحة التى تجهزها الأتحاد السوفييتي . هذا النداء ظل من دون أستجابة أو مناقشة رغم أنه كان يمس حياة مئات الآلاف من الناس.
 
الآن،و بعد التوصل إلى اتفاق بين العراق وإيران (7) ، بات وضع الكرد العراقيين أكثر مأساوية. ففي الأول من نيسان سيغلق الحدود مع إيران، والحدود مع تركيا مغلقة أيضاً. حكومة العراق تطالب الكرد بالاستسلام والتخلي عن مطالبهم المشروعة و تعدهم بالعفو ، ولكن هل يمكن أعتبار أستخدام القوة الغاشمة لقمع الطموح الوطني أمرأ عادلاً ؟
الأخبار الواردة من العراق مثيرة للقلق و تتحدث عن انتشار المجاعة و الأوبئة فى المناطق الكردية و عن مجازر دموية جديدة ضد الكرد .
 
ومما يثير القلق بشكل خاص ، قيام الحكومة العراقية بمنع ممثلي الصليب الأحمر الدولي وغيرها من المنظمات الدولية من دخول المناطق الكردية . و نحن نعلم من تجربتنا التأريخية المريرة ، أنه حيثما يقام ستار حديدي فأن ذلك يدل على التحضير للجريمة .
مرة أخرى أناشدكم العمل على إيجاد حل عادل وإنساني لمشكلة الكرد العراقيين.
 
و أدعو بهذا الصدد الي ما يلي :
 
1. عقد مؤتمر دولي بمشاركة ممثلي الكرد العراقيين من اجل وضع برنامج لإيجاد حل عادل وسلمي للمشكلة الكردية.
2. أستخدام قوات تابعة للأمم المتحدة لضمان السلام في المنطقة.
3. مطالبة الحكومة العراقية، السماح فورا لممثلي المنظمات الدولية بالدخول الى المناطق الكردية و منحهم صلاحية الرقابة على مدى التزام حكومة العراق بالعفو العام و أمكانية تقديم المساعدات الأنسانية الفعالة للكرد ( الأدوية و الأغذية و الملابس ).
اادعوكم الى استخدام نفوذكم و الصلاحيات الممنوحة لكم بموجب ميثاق الأمم المتحدة من أجل إنقاذ الكرد العراقيين ، ومنع الإبادة الجماعية.
 
الأكاديمي أندريه ساخاروف
28 مارس 1975
*****
 
رسالة شكر من البارزاني الخالد الى ساخاروف
 
الحزب الديموقراطي الكردستاني
المكتب السياسي
 
عزيزي البروفيسور ساخاروف المحترم
 
يسرني أن أكتب إليكم و أن أحييكم بأسمي شخصياً و بأسم الحزب الديمقراطي الكردستاني والشعب الكردي بأسره .و أعبرلكم عن تقديرنا و أمتناننا العميق لنداءكم الأنساني الصادق ، الذي كان له صدى في العالم أجمع دعما لنضال شعبنا من أجل الحرية والديمقراطية العدالة ، وهي ذات القيم التي تدافعون عنها دوماً.
 
كما تعلمون، فأن الشعب الكردي يتصدى اليوم لعدو قاس ويواجه خطراً حقيقياً بالأبادة الجماعية . الجيش العراقي المدجج بالأسلحة الحديثة الأشد فتكاً ، يتبع سياسة الأرض المحروقة و يدمر وطننا الحبيب كردستان. لا يمكن وصف ما يمارس من قتل جماعي ضد شعبنا ،الذي يواجه اليوم حرب أبادة جماعية حقيقية.
و من المؤسف حقاً ان المنظمات الدولية وحتى منظمة الأمم المتحدة لا تقلقها معاناة شعبنا و لا تتحرك لوقف الأرهاب و القتل .
 
ومع ذلك، فإننا نعتقد اعتقادا راسخا أن أصوات أناس بمستوى مقامكم من ذوي المكانة الرفيعة و الشهرة العالمية لا بد ان تشكل في نهاية المطاف الرأي العام العالمي و ترغم المنظمات الدولية و حتى الحكومات على ادراك ان الحرب القائمة ظالمة و تقنعها بضرورة مد يد العون لشعبنا المتطلع نحو الحرية.
 
نشكركم على جهودكم و دعمكم لشعبنا ، ويسرنا للغاية ان نجد فيكم صديقا صدوقا ومخلصا لكل شعب كردستان الذى يبادلكم بكل تأكيد نفس المشاعر .
 
و تفضلوا بقبول فائق الاحترام
 
مصطفى بارزاني
رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني
زعيم الثورة الكردية
7 أكتوبر 1974
 
*****
 
المؤتمر الدولى حول القضية الكوردية – باريس عام 1989
 
يقول أحد أبرز الناشطين الكرد في باريس في الثمانينات من القرن الماضي ( و هو الأستاذ بختيار أمين ، وزير حقوق الأنسان الأسبق في الحكومة العراقية ) عن دور ساخاروف و عقيلته السيدة بونر في الدفاع عن الكرد و قضيتهم العادلة :
 
في الذكرى 40 لليوم العالمي لحقوق الإنسان في الجمعية الوطنية الفرنسية التقيت السيدة ميتران مرة أخرى مع زوجها فرانسوا ميتران مع الأمين العام للأمم المتحدة بيريز دي كويار وسمح لي أن أتحدث بإيجاز عن مأساة الكرد في العراق ، خاصة في حلبجة وحملات الانفال. وقابلت في الحفل نفسه الحائزين على جائزة نوبل للسلام السوفياتي أندريه ساخاروف العالم النووي والزعيم البولندي من سولدرنوش ليخ فاليسا. كانا يزوران فرنسا للمرة الأولى بعد الجائزة وكنت اعرف ساخاروف فهو في عام 1974 عندما تعرض الكرد للقصف بالنابالم من قبل الجيش العراقي بدعم من الاتحاد السوفياتي وطائرات الميغ والسيخوي، كان الصوت الوحيد القادم من الاتحاد السوفياتي الذي احتج على الدعم السوفييتي للعدوان العراقي على الكرد. وعندما قلت له هذا وشكرته على موقفه، شعر بالسرور لأنني أعرفه على الرغم من صغر سني. وسألته إذا كان يستطيع أن يقول شيئا لوسائل الاعلام حول مأساة الكرد في حلبجة، فأدلى بخطاب شديد اللهجة ادان فيه الإبادة الجماعية للكرد في حلبجة وكردستان من قبل نظام صدام حسين.
 
والتقينا مرة أخرى في ليون مع زوجته ايلينا بونر من الأصل الأرمني التي كانت في العراق وكردستان العراق خلال حكم الزعيم عبد الكريم قاسم في مشاركة بحملة تطعيم نيابة عن الاتحاد السوفياتي. قالت لي إنها قد قابلت الزعيم مصطفى البارزاني. ودعوتهما لحضور المؤتمر الكردي في باريس. وكان ساخاروف سعيدا بالمؤتمر، وأشار لي أن حالته الصحية كانت حرجة بعد خروجه من الحكم لفترة طويلة في السجون السوفياتية. واخبرني انه اذا لم يتمكن من الحضور فانه سيبعث برسالة مع زوجته. وقد توفي بعد وقت قصير من المؤتمر وبقيت على اتصال بايلينا والتقينا بعد سنوات في الولايات المتحدة مع أطفالها. وكان ابنها يقيم في ولاية فرجينيا.
 
رسالة ساخاروف الى مؤتمر باريس حول القضية الكوردية في عام 1989
 
إنني أشعر بقلق بالغ حول مصير الشعب الكردي ، و المعاناة و الضحايا التي كانت من نصيبه . ان النضال المأساوي للشعب الكردي يستند على مبدأ حق تقرير المصير القومي ، ولذلك فأنه نضال مشروع . انني أدعو حكومات ومؤسسات ومواطني جميع البلدان، وكذلك المنظمات الدولية، ان تنطلق في علاقاتها مع الدول التي يعيش فيها الكرد من واقع السياسة الفعلية التي تتبعها حكومات هذه البلدان ازاءالكرد.
ينبغي ان لا يتجاهل احد القسوة والظلم القومي والاجتماعي، و أن لا تمر المذابح والإبادة الجماعية من دون محاسبة ولا يمكن أن ننسى على وجه الخصوص قتل و تعذيب النساء و الأطفال و المسنين و أستخدام الغازات السامة ضدهم.
أعتقد أن المؤتمر ينبغي أن يقترح على الجمعية العامة للأمم المتحدة و اللجان التابعة لها مناقشة المسألة الكردية.
و أرى ان نتيجة هذه المناقشة ينبغي أن تكون صدور قرار من الجمعية العامة يدعو الدول التي يعيش فيها الكرد الى انشاء مناطق للحكم الذاتي في الأجزاء المأهولة بالسكان الكرد في تلك البلدان و منح الكرد الأستقلالية الكاملة في العلاقات السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية.(8)
يجب أدانة كل الجرائم المرتكبة ضد الكرد في الماضي و عدم السماح بتكرارها في المستقبل ..
 
مع الاحترام العميق والأمل
أندريه ساخاروف
*****
 
يلينا بونر : أرملة ساخارف و رفيقة نضاله و صديقة الشعب الكوردي
 
توفى ساخاروف في 14 كانون ثان 1989 اثر نوبة قلبية ، و رغم الخسارة الفادحة برحيل زعيم حركة حقوق الأنسان في روسيا و نصير الشعوب المضطهدة في العالم ، الا أن رايته لم تسقط بل حملتها أرملته المناضلة " يلينا بونر" التي واصلت الكفاح من اجل المباديء ذاتها التي دافع عنها ساخاروف طوال حياته .
 
كانت السيدة بونر الساعد الأيمن لزوجها خلال حياته و تزعمت الحركة من بعده ، و قد كانت علي مدى عشرات السنين صديقة مخلصة للشعب الكردي و المدافعة الصلبة عن حقوقه المشروعة و حقه في تقرير المصير كسائر شعوب الأرض . فعلى سبيل المثال لا الحصر وجهت السيدة بونر في الثامن عشر من شباط 1996 رسالة الى الرئيس الأميركي كلينتون تناشده العمل علي وضع حد لأضطهاد الكرد في كردستان تركيا و للحرب الدائرة بين حزب العمال الكردستاني و الجيش التركي . و في ختام الرسالة تنوه السيدة بونر بأن البرلمان الأوروبي قرر منح جائزة ساخروف لهذا العام الى المناضلة من اجل حقوق الشعب الكردي ليلى زانا ( التي كانت مسجونة في ذلك الوقت–ج.هـ )
 
يذكر ان يلينا بونر ( طبيبة أطفال ) وقد عملت عدة سنوات فى العراق و كردستان الجنوبية في اوائل الستينات ، عندما أستعانت حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم بطاقم طبي سوفييتي لمكافحة الأوبئة في العراق . و قد تعرفت عن كثب على حياة الكرد و نضالهم و أشادت بكرمهم و شجاعتهم ،.
و قبل أن نختم هذا المقال لا بد ان نورد ما كتبه ساخاروف في مذكراته حول العمل النبيل و الجريء في آن معاً ، الذي قامت به السيدة بونر عندما كانت لا تزال في بغداد ضمن الفريق الطبي السوفييتي ،عمل ينم عن ادراكها العميق لواجبها الأنساني كطبيبة و عن مدى قسوة النظام السوفييتي المنهار ، حقيقة ربما لم يكن يعرفها كل من كتب عن محاولة أغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في السابع من أيلول عام 1959.
يقول ساخاروف في مذكراته ، أن السيدة بونر كانت تعمل في مستشفى السلام ببغداد في خريف عام 1959 حينما نقل الزعيم المصاب بجروح بالغة الى ذلك المستشفى عقب محاولةالأغتيال المعروفة .
كانت السيدة بونر أول من أسعف الزعيم الجريح و عندما كانت تضع الضماد على جروحه أتصل أحد زملائها من الأطباء الروس بالقنصلية الروسية ببغداد ، يخبرها بأن الزعيم أصيب بعدة طلقات نارية و هو الآن في صالة العمليات في المستشفى و يريد ( أى الطبيب ) معرفة رأي القنصلية ، هل ينبغي أسعاف الزعيم أم لا ؟ و كان رد القنصلية : أسعفوه اذا لم تكن جراحه خطيرة !!
 *****
الهوامش :
 1 - لا أصدقاء سوى الجبال، ترجمة راجال محمد، لبنان 1999.
2 – معاهدة سيفْر هي معاهدة السلام التي تم التوقيع عليها في 10 أغسطس 1920 عقب الحرب العالمية الأولى بين الإمبراطورية العثمانية وقوات الحلفاء وكانت المعاهدة تنص على: حصول كردستان على الاستقلال والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان
3 - الغيت البنود الخاصة بأستقلال كردستان وحـــــلت محلها معاهـــدة لوزان في 20 / 11 / 1923 وجاء فيها " من الضروري الحاق ولاية الموصل جنوب خط بروكسل بالعراق العربي مع مراعاة الكرد من الناحية الأدارية وتعين الموظفين المحليين والأهتمام بالثقافة الكردية.
4 - أزمة الصواريخ الكوبية كانت مواجهة ما بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي حول كوبا خلال الحرب الباردة. وتسمى تلك الأزمة في روسيا أزمة بالكاريبي، ( بالروسية:Карибский кризис) أو Karibskiy krizis، بينما في كوبا تسمى أزمة أكتوبر. و كانت واحدة من أشد المواجهات خلال الحرب الباردة، وتعتبر بأنها كانت أقرب لحظة لنشوب الحرب النووية.
5 – تم التوقيع على معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية في 5آب/أغسطس 1963 في موسكو بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي، و المملكة المتحدة ، ثم أنضمت اليها دول أخرى . و يشمل الحظر أجراء التجارب النووية في الغلاف الجوي .
6 - نشرت مذكرات ساخاروف باللغة الروسية لأول مرة في نيويورك عام 1990 في كتاب -من مجلدين- صدر عن دار نشر تشيخوف ، ثم ترجم الى اللغات العالمية الأخرى ، أما في روسيا ، فقد نشرت مقتطفات من المذكرات في عدة مجلات منها مجلة " زناميا " عام 1990 و مجلة " العلم و الحياة " عام 1991 و قد أعتمدنا في مقالنا هذا على طبعة نيويورك باللغة الروسية .
7- المقصود هنا " أتفاقية الجزائر " المشؤومة الموقعة فى السادس من آذار 1975 بين العراق و أيران .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1131 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع