قرأنا وسمعنا ما كرره عسكريون أميركيون عن تعقيدات فرض حظر جوي، لمساعدة الثوار في حماية المدنيين من نيران قوات السلطة في دمشق، ولم يثبت ما يدفع إلى القناعة بكلمة واحدة من كل ما تحججوا به من الناحية العسكرية. وقد لا يختلف في الرأي المخالف للادعاءات معظم القادة والمحللين العسكريين. فعن أي دفاع جوي سوري قوي ومتطور يتحدثون؟ وماذا بقي لجيش السلطة مما يمكنه من تهديد إجراءات أممية أو قوات تحالف قوي تريد استعادة السلام الإقليمي؟
الدفاع الجوي في سوريا ليس أكثر قوة وتقدما من الدفاع الجوي العراقي، الذي لم يسقط سوى طائرة هليكوبتر واحدة عام 2003، وليس أكثر تقدما من الدفاع الجوي اليوغوسلافي، الذي لم يسقط طائرة واحدة في حرب وقف المجازر الحكومية. وأين كان الدفاع الجوي السوري عندما دمر الطيران الإسرائيلي مفاعل دير الزور عام 2007؟ وهل نسي العسكريون الأميركيون المعارك الجوية في سماء لبنان قبل ثلاثين عاما، التي خسر فيها الطيران السوري أكثر من ثمانين طائرة مقاتلة ونحو عشرين قاعدة صواريخ أرض - جو؟!
أما ما روج عن إسقاط طائرة الاستطلاع التركية، فالحقيقة التي لم تذكر هي أن هذه الطائرة من جيل الستينات والسبعينات، ولا تعد من الطائرات الحديثة حتى لو أدخلت عليها تحسينات، وموجود مثلها في القوة الجوية الإيرانية منذ بدايات السبعينات. فضلا عن أنها كانت في مهمة تدريب روتينية، ولا اختلاف حتى لو كانت في مهمة استطلاع، ونصب لها كمين في حافات الأراضي السورية. ولم تعد الكمائن الأرضية بصواريخ مضادة للجو ممكنة كما كانت قبل بضعة أشهر، بعد أن تم تحرير مساحات شاسعة من الأراضي السورية.
نعم القوات السورية صرف عليها الكثير من أجل حماية النظام، غير أن المعادلات تغيرت، بعد اشتعال ثورة الشعب، وانشقاق وتمرد عشرات آلاف الجنود، وربما وصل عدد الضباط المنشقين للآلاف. ولو كانت القوات البرية محافظة على قدراتها لما فقدت المبادرة على الأرض، ولما تحولت إلى قصف لا سابق له. ولم يعد أحد في حاجة لتحليل وتوضيح، فإن أحاديث بشار الأخيرة تدل على الهلع والغوص في التدمير، وليس على الثقة والقوة كما تروج أقلام أجيرة ومحللون جهلة. غير أن الموقف مشحون بالمخاطر، في ظل العدوان على الشعب، بإسناد قوى الشر الأحمر والأصفر. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي والصادقون من أصدقاء سوريا، لتعزيز قدرة الدفاع الشعبي، فإن السوريين سيتعرضون لكارثة أكبر، على الرغم من أنهم يحققون انتصارات مستمرة وسينتصرون في النهاية. فالدلائل كلها تشير إلى حصول قوات السلطة على أسلحة جديدة أكثر فتكا، وليست مصنعة محليا. والتحرك الأممي المطلوب لا يعادل إلا نسبة قليلة مما تطلبته عملية إسقاط القذافي. فأم النزهات ستكون في الأجواء السورية، وليس في غيرها، وسيكون في وسع المحللين الفاشلين الصعود إلى طائرة هليكوبتر لمشاهدة الوقائع على الأرض.
مرة أخرى، لا بد من الإشارة إلى عدم واقعية المبالغة في الخوف من سيطرة القوى المتشددة على الثورة، إلا أن التقاعس في مساندة شعب مصمم على نيل حريته قد يدفع أشخاصا إلى قبول العون من أطراف مرفوضة. كما أن رفع شعارات معينة وإطلاق مسميات دينية على بعض التشكيلات القتالية ليسا بعيدين عن ثقافة الشعوب. ففي المحن والأزمات يلجأ الناس والمستضعفون منهم خصوصا، إلى الجانب الديني. فحتى الملحدون ينسون أنفسهم ويصيحون في حالات الفزع والخوف والصدمة وأحيانا الفرحة «يا الله»، أو «يا الهي»، أو «يا ربي»، وهذا ليس تبسيطا سطحيا للوقائع. فقد تعرفت على ثقافة الشعب السوري وحضارته خلال سنتين عشتهما هناك. وإذا ما انزلق السوريون إلى التطرف لا سمح الله، فسيكون التخاذل والتقاعس والتآمر سببا كبيرا في ذلك.
إن ما يجري ليس حرب تحرير، بل حرب إبادة يشنها نظام دموي، وإذا كانت أميركا خائفة من التورط، فإن الوضع لا يتطلب جنديا أميركيا واحدا. فالمطلوب هو حظر جوي يمكن فرضه تدريجيا في المساحات المحررة، أو تزويد كتائب ثورية محددة بالأسماء - مؤلفة من العسكريين المنشقين حصرا - بقاذفات صواريخ واستعمالها في كمائن أرض - جو متقدمة، وسيرى المحللون بأمهات عيونهم ما سيحدث من إيجابيات سريعة.
769 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع