صالح الطائي
أمنية كنا ولا زلنا نحلم بتحقيقها في زمن عز فيه تحقيق الأمنيات، ومن بواطنها جاء السؤال الكبير: متى تتوحد كلمتنا عسى أن تصفو قلوبنا ويتآزر جمعنا، فنشعر بقوتنا وهيبتنا وعظمتنا وحقيقتنا؟ متى نبحث بجد مستعينين بالتطور العلمي لنجد حلا لخلاف تاريخي قد يبدو بسيطا ولكنه يقود إلى خلافات أخرى أعظم وأشد وأكثر خطرا، ولقد عانينا منه طويلا ولا زال يؤرق صفو تعايشنا، وسيبقى إذا لم نتعاون لنجد له الحل الشافي الوافي، وأجده ليس عصيا على المخلصين من أبناء ديننا وأمتنا بشرط أن يتخلوا عن تبعات الموروث؟
إن الوقوف بوجه الهجمة الداعية إلى الفرقة والشتات يجب أن يمر عبر مسارب كثيرة ولا يتحدد بطريق موروث واحد، ومن المسارب والطرق المرشحة تأتي مهمة البحث عن نقاط لقاء تجمع الفرقاء تحت أفياء المناسبات الدينية التي نحبها ونحترمها، فمن غير المعقول ـ ونحن نعيش في عصر العلم والتحضر ـ أن نختلف كل عام في تحديد بداية شهر رمضان المبارك، ونختلف في تحديد أول أيام عيد الفطر المبارك، ونختلف في تحديد أول أيام شهر ذي الحجة، وفي أول أيام عيده، لمجرد أن هناك أقوال لبعض قدماء العلماء، تحدثوا فيها عن الطرق التي تُعتمد في تحديد هذه الأيام دون غيرها من الطرق الأخرى، بما فيها الطرق التي ستكون نتاج تقدم وتطور العلوم الحتمي، وهو أمر كان خافيا عليهم لا يمكن لعقولهم أن تستوعبه. وأنا لا أقول هذا تهاونا بقدراتهم أو غمطا لفضلهم فنحن نجل ونحترم علماءنا القدماء الذي وضعوا لنا قواعد تعبدنا بكل فرقهم ومذاهبهم، ولكننا يجب أن لا ننكر أنهم جميعهم بشر مثلنا، وأن الإنسان خطاء بنص الحديث النبوي الشريف: "كل ابن أنثى خطاء وخير الخطائين التوابون"، ويجب أن نثق أن هناك بيننا اليوم من هو أكثر علما ودراية وفهما واستيعابا واستنتاجا منهم، وأن ما نملكه اليوم من أدوات وعدة علمية، تمكنت من تحديد الكثير من الظواهر الخافية قبل حدوثها بأيام وأشهر وحتى سنين، دعم تفوقنا، ورصن موقفنا، ووسع مداركنا، وفتح أمانا أبواب المعرفة التي كانت مغلقة في زمانهم. وهذا يعني أن آراءنا تبدو مدعومة بمعطيات الثقافة والعلم أكثر من آرائهم، وقابلة للإثبات واليقين أكثر من آرائهم، ومنطقية ومقبولة أكثر من آرائهم!
ولكي أقطع الطريق على المتصيدين بالماء العكر، أكرر أني أحبهم كلهم، وأحترمهم بمجموعهم، وأجلهم وأتَّبِعهم، ولكني أرفض أن نجمد على ما جاءوا به ونتقولب على ما وضعوه دون أن نبحث عن مخارج لا يتمظهر فيها الجمود، ولا تخالف العقيدة، ولا تتحدى الحكم الشرعي، ولكنها أكثر نفعا للإنسان وللإسلام طالما أن الإسلام نفسه جاء لينفع الإنسان، فالله أرسل رسوله الأمين (ص) رحمة للعالمين، ومن أول أسس التراحم بين البشر هي الوحدة ونبذ الخلاف.
كتبت هذه المقدمة وأنا أشعر بفرح غامر؛ بعد أن أعلن مكتب المرجع الديني السيد علي السيستاني أن يوم السبت الثالث من شهر أيلول الجاري؛ هو الأول من شهر ذي الحجة الحرام لسنة ١٤٣٧هجرية.
وبعد أن أعلنت دار الإفتاء المصرية أن اليوم نفسه سيكون أول أيام شهر ذي الحجة للعام الهجري 1437، وأن يوم الأحد الحادي عشر من أيلول هو التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة، وأن أول أيام عيد الأضحى المبارك سيكون يوم الثاني عشر من أيلول.
إن الفرحة غمرتني حقا وأنا أجد المسلمين يتفقون ويجتمعون لأداء شعيرة عظمى سوية وباتفاق. لكن ماذا كان سيحدث لو أن أحد الفريقين، كان له رأيا آخر، فقدم أو أخر لأسباب يرتئي صحتها، أو لقناعة يثق بها؟
إن ساعات المحن والأسى التي عشناها تجعلنا أكثر جدية في البحث عن منابع ومنابت السعادة، ولا سعادة أكبر من أن تبدو الفرق الإسلامية أمة واحدة تجمعها عقيدتها المشتركة على طريق واحد نحو هدف واحد، فالزمن لم يعد زمن مهاترات وجدال عقيم، والوحدة مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت آخر، ومن يسعى إلى عرقلة مشاريع التوحد هو العدو الخفي الحقيقي، وهو من يجب أن نخاف منه، لأننا قادرون على الوقوف بوجه عدونا الحقيقي الظاهر؛ الذي عرفناه، وشخصنا قدراته.
1004 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع