ماجد عزيز الحبيب*
يرى الكثير بأن بواكير الشعر الجديد بدأت بالظهور بعد الحرب العالميه الثانيه على ايدي بعض من الشعراء العرب الذين جاءوا بشعر يختلف من حيث المضمون والموضوع والشكل على كل ما كان مألوفاً في عالم الشعر وكان رواده من الرومانسيين ثم تحولوا الى الواقعيه,
ان من اسباب ظهور هذا النوع من الشعر هو ما احدثته الحرب العالميه الثانيه من تغيرات سياسية واجتماعيه والصراع بين المعسكريين الشرقي والغربي وظهور حركات التحرر في افريقيا واسيا وانتشار الثقافات الداعيه الى التحرر وكذلك هزيمة العرب في فلسطين كل هذه الاسباب ادت الى ظهور هذا النمظ المتجدد في الشعر العربي.يعتبر شعراء هذا النوع من الشعر ان شعرهم هو تعبير عن معاناة حقيقيه للواقع وارتباط وثيق به وان موضوع قصائدهم هي نفسها موضوعات الحياة كذلك يروا في شعرهم وظيفه انسانيه واجتماعيه من خلال محاربه الزيف والفساد والتخلف في المجتمع وموازرة حركات التحرر السياسي والاجتماعي والدعوة الى حياة افضل يسودها العدل والسلام.منذ عام 1950 اخذ هذا النوع من الشعر ينتشر وقد سمي بأسماء عديده منها المرسل والنظم المرسل المنطلق والشعر الجديد وشعر التفعيله اما بعد الخمسينات فقد اطلق عليه الشعر الحر.سمي الشعر الحر لانه خرج على الاوزان الشعريه المعروفه.يرتكز هذا الشعر على التفعيله ولهذا اطلق عليه الكثيرين شعر التفعيله اي انه ذو تفعيله واحده وللشاعر الحريه في تنويع التفعيلات والطول لكنه يلتزم في القواعد العروضيه التزاماً كاملاً.الشعر الحر شعر يتكلم عن معاناة الانسان وبما ان الكثير من الشعراء لهم انتماءات سياسيه مختلفه خلقت في افكارهم ومخيلتهم افكار جديده , ولا ننسى ان الكثير من هؤلاء الشعراء الذين اوجدوا هذا النوع من الشعر قد تاثروا بشعراء الغرب وقرروا ان يقودوا ثوره على انماط القصيده الكلاسيكيه ان سرعه انتشار هذا النوع من الشعر يعود بالدرجه الاولى الى معاني كلماته التي دائما تكون قريبه من معاناة الناس وان قصائد الشعر الحر تعبر تعبيرا صادقا على ما يدور في مخيلة الناس فنرى لغته قريبه جدا الى فهم الناس كذلك استخدامه للمفردات البسيطه يجعله محببا ايضا من الكثير.ان هذا اللون الشعري الجديد يهتم بالمضمون دون الشكل فاصبح شعراً هادفاً فهو يصور الحقائق لا يصور الخيالات والاطلال كما في الشعر القديم.ان هذا الشعر خرج من صلب المعاناة والظروف التي احاطت بالمجتمعات من فقر وقهر وجوع ومرض وتسلط وقيود باليه .يعبر شعراء هذا النمط الشعري الجديد في قصائدهم عن كل ما يجول في مخيلاتهم دون تكليف.ان الشعر الحر او شعر التفعيله هو محاوله جاده وجديده للاجبار على التجديد الموسيقي في الشعر العربي.ان الشعر الحر هو شعر يلتزم بالقواعد العروضيه للقصيده العربيه ولكنه يخرج عليها شكليلاً فقط والتحرر من القافيه الواحده ولكن يبقى الوزن العروضي موجدود وكذلك التفعيله ثابته.ان حركة الشعر الحر في عصرنا هذا كانت نقله فنيه وحضاريه وثقافيه جديرة بالدراسه حيث انها انقلت الشعر العربي من مجالاته الضيقه واغراضه التقليديه الى افاق اكثر رحبة ومرونه ,ان قصيده الشعر الحر قد فازت بحظ اوفر في حريه التصرف بالشكل كأستخدام تفعيلات قريبه صوتياعلى بعضها بدل التقيد الملزم في تفعيله واحده ثم ان هناك الطول والقصر في الابيات وفي المقاطع لقصيده الشعر الحر وادخال الكثير من الرموز والمصطلحات التي تعزز القصيده.ان اهم خصائص الشعر الحر هو اعتماده على وحده التفعيله بدلا من وحده البيت مع التزام القافيه احيانا اي عدم التزامه بالوزن التقليدي لقصيده الشعر القديمه.كما ان الشعر الحر اهمل فكرة البيت المكون من شطرين فاصبح من سطر يطول او يقصر حسب فكرة الشاعر.ان الشعر الحر يعد اسلوباً جديداً اعاد توزيع تفاعيل الخليل.لم يكن الشعر الحر مجرد مجموعة من العواطف والمشاعر والتراكيب اللغويه وانما هو طاقه ابداعيه وتعبيريه .ان الثورة التي قامت واصابت الشعر الكلاسيكي كانت نتيجه الرتابه والالتزام المقيت بالوزن والقافيه دون مرونه تذكر فوصلت هذه الثوره الى غايتها في التجديد وكان لا بد من هذا التجديد فظهر لنا شعر بنمطيه مرنه وجميله عرف بالشعر الحر.ان الشكل الجديد في بناء القصيده العربيه اي قصيده الشعر الحر قد بدات قبل الاربعينات من اجل التحرك الى مرحلة جديده لتواكب الافكار المرنه ومع ذلك فقد اختلف النقاد والمهتميين بهذا النوع من الشعر في زمن بدايه هذا النوع من الشعر,فنازك الملائكه زعمت في كتابها قضايا الشعر المعاصر ان بداية حركة الشعر الحر كانت عام 1947 في العراق ومن العراق بل من بغداد تحديداً ولكنها عدلت عن ما قالته واعترفت ان البدايات قد بدأت قبل عام 1947,ففي عام 1932 ظهرت قصائد من هذا النوع لعلي احمد باكثير ومحمد فريد ابي حديد ومحمود اسماعيل ولويس عوض وغيرهم واول من كتب الشعر الحر باعتقاد كثير من النقاد هو علي احمد باكثير في ترجمته لروايته روميو وجوليت لشكسبير والتي صاغها صياغه كشعر حر.ولكن نهضة هذا الشعر وقوته قد بدأت من العراق فعلاً.ان اهم مميزات هذا الشعر بالاضافه الى ما ذكر هو انه موزون فلو لم يكن موزوناً لما اعتبر شعراً كذلك يعتمد على التفعيله وحده للوزن الموسيقي ولكن لا يتقيد بعدد ثابت من التفعيلات كذلك انه يقبل التدوير وعدم التزامه القافيه وكذلك يدعو الى اللجوء الى الرمزيه التي يموه بها الشاعر عن مشاعره واحاسيسه,لا يستغني الشعر الحر عن الموسيقى في ابياته لان هناك ارتباطاً عضوياً بين معنى الشعر وموسيقاه يصعب الفصل بينهما.رائده الشعر الحر الشاعره نازك الملائكه ترى ان هناك اوزاناً تلائم الشعر الحر كما ان هناك اوزانا اخرى لا تلائمه فتقول يجوز نظم الشعر الحر من نوعين من البحورالسته عشر التي وردت في العروض العربي فيجوز نظمه من البحور الصافيه وهي الكامل والرمل والهزج والرجز والمتقارب والخبب ومن البحور المزدوجه وهي السريع والوافر اما البحور الاخرى التي لم تتعرض لها كالطويل والمديد والبسيط والمسرح فهي لا تصلح للشعر الحر اطلاقاً لانها ذات تفعيلات متنوعه لا تكرار فيها, اجمع جميع النقاد والمهتمين في الشعر الحر بأن هذا النوع من الشعر لا يستخدم الا البحور البسيطه والتي سمتها نازك الملائكه بالصافيه والتي تعتمد على تفعيله واحده ولذلك لا يستخدم الا سته بحور هي الكامل والرجز والهزج والمتقارب والرمل والمتدارك.ويبقى الشعر الحر عنصرا مكملاً وفعالافي حركه الثقافه والنهضه العربيه ,,ومن رواد الشعر الحر نازك الملائكه وبدر شاكر السياب وعبد الباسط الصوفي ومحمود حسن اسماعيل وامل دنقل وصلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطي ومحمد الفيتوري..ومن اشعار نازك الملائكه اخترنا هذه القصيده بعنوان انا..
أنــا
الليلُ يسألُ من أنا
أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولفقتُ قلبي بالظنونْ
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ
أنا من أكون?
والريحُ تسأل من أنا
أنا روحُها الحيران أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نمرُّ ولا بقاءْ
فإذا بلغنا المُنْحَنى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ
فإِذا فضاءْ!
والدهرُ يسألُ من أنا
أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ
أنا أخلقُ الماضي البعيدْ
من فتنةِ الأمل الرغيدْ
وأعودُ أدفنُهُ أنا
لأصوغَ لي أمسًا جديدْ
غَدُهُ جليد
والذاتُ تسألُ من أنا
أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في ظلام
لا شيءَ يمنحُني السلامْ
أبقى أسائلُ والجوابْ
سيظَل يحجُبُه سراب
وأظلّ أحسبُهُ دنا
فإذا وصلتُ إليه ذابْ
وخبا وغابْ.
ومن قصائد الشاعر صلاح عبد الصبور اخترنا قصيده ذلك المساء..
حدثتموني عن سنابك مجنحه
تفتق الشرار في أهلـّة المآذن
عن عصبة من السيوف لا تفـل
قد أُغمدت في الصخر لاتـُسل
إلا إذا قرأتم دونها أسماءكم
ياعصبة الأماجد
الأشاوس
الأحامد
الأحاسن
وقلتم:
يا أيها المُغني غننا
مُسـَمل العينين في حضرتنا
لحناً يثير زهونا
ويذكر انتصارنا
(إذا تحين ساعة موعودة
نغيم في أشراطها
لم تنخلع عن غيمها إلا لنا
الساعة التي تصير فيها خَوذةَ الشيطان
كأسا لخمر سيد الفرسان ..
ومن شعر امل دنقل قصيده الطيور
الطيورُ مُشردةٌ في السَّموات,
ليسَ لها أن تحطَّ على الأرضِ,
ليسَ لها غيرَ أن تتقاذفَها فلواتُ الرّياح!
ربما تتنزلُ..
كي تَستريحَ دقائقَ..
فوق النخيلِ - النجيلِ - التماثيلِ -
أعمِدةِ الكهرباء -
حوافِ الشبابيكِ والمشربيَّاتِ
والأَسْطحِ الخرَسانية.
(اهدأ, ليلتقطَ القلبُ تنهيدةً, والفمُ العذبُ تغريدةً
والقطِ الرزق..)
سُرعانَ ما تتفزّعُ..
من نقلةِ الرِّجْل,
من نبلةِ الطّفلِ,
من ميلةِ الظلُّ عبرَ الحوائط,
من حَصوات الصَّياح!)
***
الطيورُ معلّقةٌ في السموات
ما بين أنسجةِ العَنكبوتِ الفَضائيِّ: للريح
مرشوقةٌ في امتدادِ السِّهام المُضيئةِ
للشمس,
(رفرفْ..
فليسَ أمامَك -
والبشرُ المستبيحونَ والمستباحونَ: صاحون -
ليس أمامك غيرُ الفرارْ..
الفرارُ الذي يتجدّد. كُلَّ صباح!)
(2)
والطيورُ التي أقعدتْها مخالَطةُ الناس,
مرتْ طمأنينةُ العَيشِ فَوقَ مناسِرِها..
فانتخَتْ,
وبأعينِها.. فارتخَتْ,
وارتضتْ أن تُقأقَىَء حولَ الطَّعامِ المتاحْ
ما الذي يَتَبقى لهَا.. غيرُ سَكينةِ الذَّبح,
غيرُ انتظارِ النهايه.
إن اليدَ الآدميةَ.. واهبةَ القمح
تعرفُ كيفَ تَسنُّ السِّلاح!
(3)
الطيورُ.. الطيورْ
تحتوي الأرضُ جُثمانَها.. في السُّقوطِ الأخيرْ!
والطُّيُورُ التي لا تَطيرْ..
طوتِ الريشَ, واستَسلَمتْ
هل تُرى علِمتْ
أن عُمرَ الجنَاحِ قصيرٌ.. قصيرْ?!
الجناحُ حَياة
والجناحُ رَدى.
والجناحُ نجاة.
والجناحُ...سدى
*كاتب وشاعر واعلامي
1455 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع