بقلم: سالم ايليا
بمناسبة الذكرى الخامسة على مجزرة كنيسة "سيدة النجاة"، أطلّ علينا في اليوم الأول لشهر تشرين الثاني الجاري نيافة المطران أثناسيوس توما دَاوُد رئيس أساقفة أبرشيات السريان الأرثوذكس في المملكة المتحدة ضيفاً خفيفاً من خلال قناة البغدادية الفضائية وبرنامجها الجريء "ستوديو التاسعة" لمقدمه "الثائر" أنور الحمداني(1).
لقد كانت لإطلالة المطران الجليل وقعها الخاص على عوائل الضحايا الأبرياء وجميع أبناء الشعب العراقي بكل قومياته وأديانه ومذاهبه، حيثُ التقت الكلمة الحرّة الصادقة التي تتبناها القناة مع الجرأة والشجاعة السماوية التي وهبها الله لأنبياءه ولرُسله للمناداة بالإصلاح وعلى لسان أحد خدّامهم ألا وهو المطران مار أثناسيوس توما دَاوُد(2).
لقد أعطى "الثائر" أنور الحمداني الحريّة الكاملة وكعادته لِضيفه نيافة المطران ليعبّر عن آلام مواطنيه وبلسانه الذي لم يخلوا من المرارة والهموم التي المت برعيته ومواطنيه الذين أعطوا للعراق الكثير من جهودهم وإخلاصهم ومعرفتهم وعلمهم، مشاركين إخوانهم في الوطن في السرّاء والضرّاء وناكرين ذاتهم بإيثارٍ قلّ نظيره لأولويتهم كشعبٍ أصيلٍ.
وعلى الرغم من ذلك فقد طالتهم يد الغدر التي لا دين لها ولا هوية، مستغلين وداعة وسماحة هذا المكوّن الأصيل، وحيثُ نكّل الإرهابيون بهم في اللحظة التي كانوا يتضرعون فيها الى الباري ان يحفظ العراق ويوقف الإقتتال بين الأخوة في الدين والوطن ويلم شملهم من جديد، فلم يفرق هؤلاء القتلة بين رجل الدين أو الطفل الرضيع أو الشيخ أوالعجوز، فذبحوا من ذبحوا على مذبح الإيمان وأمام أعين الفادي المصلوب رسول السلام ـ ـ المسيح عيسى ابن مريم، وحيثُ تركت هذه الحادثة الف سؤال وسؤال عن المسبب لها!!.
وفي جرأةٍ غير معهودة للكثير من رجالِ الدين وأخص منهم المسيحيين، تكلم المطران مار أثناسيوس بكل صراحةٍ ووضوحٍ لا لبس فيه عن المسؤول الأول والمباشر لمأساة المسيحيين، واضعاً إيمانه الحقيقي في صدره ومتهماً رئيس الوزراء السابق نوري كامل المالكي وأعضاء حكومته والحكومة الحالية بتهجير المسيحيين عن عمد مع سبق الإصرار، وواعداً ومتوعداً بملاحقتهم قضائياً أمام المحاكم الدولية والمنظمات الإنسانية الدولية، إذ ذكر بالنص ما قوله: " نحن من خلال معايشتنا لهذه المأساة نحمل الحكومة العراقية في كل أوقاتها وبصورةٍ خاصةٍ نوري المالكي الذي كان هو رئيس الوزراء، لا بل المتهم الأول في تفجير كنيسة سيدة النجاة عندما رُفِعت الحواجز الكونكريتية وأيضاً سُحِبت عناصر الجيش والحماية ودخلوا هؤلاء الإرهابيين وقتلوا المسيحيين كأنه كان يبعث برسالةٍ لنا على ان نهاجر ونترك العراق"، ثم يكمل نيافة المطران قائلاً: "الموصل بيعت وفي ليلةٍ سوداءٍ بدون قمر خرجَ أهلنا ـ ـ ـ خرجوا مهانين لأنهم مسيحيين مضطهدين على أسمهم المسيحي ـ ـ ـ خرجوا مسلوبين ـ ـ ـ سُلِبوا ـ ـ ـ خرجوا مقهورين ـ ـ ـ خرجوا متألمين ـ ـ ـ والموصل بيعت بالآلاف من الدولارات ووضعت في جيب المالكي وأتباعه، ثمّ لنفرض الموصل هجّر فيها المسيحيين ـ ـ فماذا عن سهل نينوى والقرى المسيحية الأخرى؟، لماذا لم يحميها المالكي والحكومة العراقية؟ ـ ـ ـ لماذا في ليلةٍ غير مقمرة هرب أهلنا وهجّروا قسراً وسُلِبوا وأغتُصِبت وترملت النساء؟، وأيضاً الشيوخ منهم من مات في الطريق، والأطفال أيضاً ماتوا بسبب الصيف الحار الذي هاجر به أهلنا"، ثمّ أردف متوعداً: "لكن نحن لن نسكت ـ ـ ـ سكتنا كثيراً ـ ـ ـ اليوم نحن الكنيسة المسيحيّة وكُلنا في الغرب أقمنا ورفعنا الدعاوى القضائية ضد الحكومة العراقية وضد المالكي بصورة خاصة، نطالب بحقوقنا وأن يعيدوا كرامتنا وممتلكاتنا وأن يقدموا المالكي والحكومة للقضاء الدولي ـ ـ وأن يعيدوا كل فلسٍ سرقوه من الخزينة العراقية ومن الشعب المقهور، هذا الشعب بمختلف أطيافه ومكوناته"، إنتهى كلام نيافة المطران مار أثناسيوس توما دَاوُد.
ان ما جعلني أنحني إجلالاً لحديث المطران الجليل هو عرضه لمأساة كل أبناء الشعب العراقي بكل طوائفهم دون تمييز على الرغم من الألم الواضح لما وصلت اليه رعيته نتيجة المؤامرات السياسية التي تقودها الأحزاب الحاكمة في العراق وبكل مسمياتها واتجاهاتها، حيثُ أبدى تفاعله وتعاطفه مع المآسي التي يتجرعها أبناء العراق بمختلف اديانهم ومشاربهم.
ولا يفوتني أن أذكر شجاعة نيافة المطران نيقوديموس دَاوُد شرف رئيس أبرشيات الموصل وسهل نينوى وكردستان/العراق للسُريان الأرثوذكس وأثني على جرأته في كشف المسؤولين عن بيع الموصل وتوابعها أيضاً.
قال العالم سيكموند فرويد مؤسس علم التحليل النفسي (1856-1939م): "ليس بمؤمن من لا يعيش وفقاً لإيمانه"، وحيثُ من المفترض أن يكونوا رجال الدين قدوة الرعية الأولى في الإيمان بما جاء في الرسالات السماوية وعلى السنة رسلها وأنبيائها لقول كلمة الحق بشجاعة وبدون خوف ولو كره الفاسدون، وحيثُ نأمل من جميع رجال الدين وبمختلف اديانهم ومذاهبهم أن يعلو صوتهم من فوق منابرهم لتحديد الأخطاء والمسؤولين عنها.
إنتباهة:
(1)المطران: رتبة دينية تعني رئيس الأساقفة وتمتد صلاحياته على عدّة أبرشيات (الأبرشية كلمة يونانية يراد بها ولاية المطران). جورج البنّاء/سلسلة بطاركة الكلدان.
أما كلمة (نيافة): فتأتي بمعنى "رفعة" وهو لقب كنسي.
(2)مار: كلمة آرامية معناها السيد وتطلق على الأساقفة والبطاركة والقديسيين. جورج البنّاء/تاريخ الكلدان.
1148 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع