طلال معروف نجم
الدكتور عبدالجبار الجومرد كان اول وزير خارجية في حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم . شارك في الايام الاولى للثورة في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، والقى خطاب الجمهورية العراقية الفتية باللغة الفرنسية، يوم كانت اللغة العربية غير معتمدة كلغة حية في اروقة الامم المتحدة ( جمال عبد الناصر هو من سعى لاحقا على ادخال اللغة العربية كلغة سادسة حية في محادثات الامم المتحدة).
وما ان انتهى من خطابه حتى بادر مسؤول فرنسي منواجد بالتعليق قائلا ( هو العراق استعان بمواطن فرنسي ليكون وزيرا لخارجيته). استقال الجومرد مبكرا مع مجموعة من الوزراء القوميين ، أحتجاجا على معاداة الزعيم لسياسة عبد الناصر. حل محل الجومرد لوزارة الخارجية الدكتور هاشم جواد ، فكان بحق فخرا للدبلوماسية العراقية، فهو ابن الخارجية تدرج فيها من موظف بدرجة ملحق سياسي حتى تسنم الخارجية، كدأب مصر عبر كل عصورها، على ان يشغل الخارجية رجل دبلوماسي عمل طويلا في سفاراتها بالخارج او بأروقة الامم المتحدة.
بعد انقلاب 8 شباط شغل شاب صغير هو الدكتور طالب شبيب الخارجية العراقية. بعد فترة الحكم العارفي ( مصطلح تعود ملكيته الى كاظم الصفار عضو القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي جناح عزيز الحاج) . اسلط فقط الضوء على وزيرين شغلا الخارجية العراقية في تلك الفترة ، الاول هو الدكتور كاظم خلف وله قصة غاية في الطرافة مع الباشا نوري سعيد، كان المرحوم خلف قد عاد لتوه الى الوطن في منتصف عقد الخمسينات من القرن المنصرم ، يحمل اول شهادة دكتوراه لعراقي في العلوم السياسية من أمريكا ، تناهى الى مسامع الباشا ان خلف يتطلع للعمل بالسلك الدبلوماسي. ارسل الباشا بطلبه وقال له بالحرف الواحد انقله عن لسان المرحوم خلف ( شوف دكتور انا افتخر كونك اول عراقي يحصل على شهادة دكتوراه بالعلوم السياسية من امريكا. وسمعت برغبتك بالعمل بالسلك الدبلوماسي، ارجو ان تبحث عن الاسماء التي في السلك الدبلوماسي ستجدها تعود لبيوتات عراقية عريقة، مثل الاستربادي والباجه جي والجمالي والخضيري وكبه. ليس بينهم من هو اسمه " مستر كادم كلف" . أتنبأ لك بعد موتي ان تكون سفيرا للعراق في اماكن عديدة) .
وتحققت نبوءة الباشا وعمل سفيرا في زمن الزعيم قاسم . لابل وزيرا للحارجية في سنوات الحكم العارفي.
الطامة الكبرى الاولى، ان شغل الخارجية بالوكالة ايام الرئيس الراحل عبدالرحمن عارف ، محامي فاشل مخارج حروفة تخرج ثقيلة مشبعة برذاذ فمه ، لايجيد اللغة الانجليزية لابل حتى لغته العربية وهو محامي، مكتبه ظل مفتوحا طيلة شغله الوزارة بالوكالة ،هو اسماعيل حير الله. كنت مندوبا لجريدة الجمهورية البغدادية وبعد نكسة حزيران عام 1967 ، زار بودغورني رئيس مجلس السوقيات الاعلى بغداد ضمن جولة لدول المنطقة، كلفت بتغطية الزيارة في مطار بغداد القديم "المثنى حاليا" . اكتشفت بعد سنوات كثيرة ان حكم المرحوم عارف كان قائما كما يقال بالبركة . فقد وقفت في طابور كبار المستقبلين فكنت الثاني بعد اسماعيل خير الله ، تبادلنا السلام والترحاب مع زعيم دولة عظمى هي الاتحاد السوفياتي العظيم . ولم ينبس لا رجل امن ولا رجل مراسم الى وجود شاب مثلي في مقتبل العشرينات من عمره في طابور كبار المسؤولين. وظهر الخبر مصورا في الجريدة السينمائية التي تبثها مصلحة السينما والمسرح في تلفزيون بغداد ودور السينما.
بعد انقلاب 1968 شغلت الخارجية على امتداد ماينيف الثلاثين عاما، بوزراء مختلفين ابتداءا من عبدالكريم الشيخلي الى اخرهم الدكتور ناجي الحديثي. الغريب ان اسم طارق عزيز ظل مترددا وزيرا للخارجية، حتى لو كتب التاريخ الدبلوماسي العراقي سيذكر بأن طارق عزيز " ابو الدبلوماسية العراقية" ، فهو يقود وزارة الخارجية من وراء الستار او من امامه مرات كثيرة. وهو من أسس معهد الخدمة الخارجية. ولايسمح باي موظف لايجيد الانجليزية على الاقل. وهذا يذكرني بالفترة الملكية عندما يكتب تاريخ العراق عنها، يتناهى لنا بان نوري سعيد هو رئيس الوزراء على امتداد اكثر من اربعين عاما. بالرغم من انه شغل فترات وزيرا للخارجية. كما شغلها الاستاذ والدبلوماسي والمحنك الدكتور فاضل الجمالي. والجمالي يوم حكم عليه رئيس محكمة الشعب بعد ثورة 14 تموز بالاعدام خر مغشيا عليه داخل القفص . ولم يعدمه الزعيم وحبسه فقط ، فأتصل وقتذاك الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة يطلب من الزعيم ان يعطيه الجمالي بدلا من حبسه. وفعلا استقبله بورقيبه وقربه مستشارا له وعمل استاذا للقانون الدولي في كليات تونس ومات هناك ودفن هناك.
بعد الغزو الانجلو امريكي الايراني للعراق ، ظهر هوشيار زيباري وزيرا للخارجية سنوات زادت على العشر، ولمن لايعرف تاريخه، فهو دبلوماسي عمل في سفارات العراق ايام حكم الرئيس صدام حسين. وكانت المخابرات العراقية تنقل عنه اخلاصه للنظام السابق ، كما تنقل تقارير الخارجية لطارق عزيز كفاءته كموظف ناجح. والطامة الكبرى ان حل محله الطبيب المتقاعد ابراهيم الاشيقر الجعفري وزيرا للدبلوماسية العراقية. الطريف ان هذا الرجل " يذكرني بالفنان يونس شلبي بأنه "مبيجمعش". حتى الانجليزية كلغة درسها في كلية طب الموصل، او طوال سنوات عيشه بلندن لايجيدها ويستعين بمترجم. أذن ماذا كان يعمل في لندن؟ . لماذا لم يقرأ ادب شكسبير او تشارلس ديكينز او سومرست موم؟ . أذن .. هو من طراز قراء القراءة الأحادية قراءة الملالي والمشايخ . فالأدب والسياسة والموسيقى حرام حرام حتى يلاقوا وجه ربهم الكريم.
824 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع