د.عبدالقادر القيسي
أنهى مجلس النواب في الأيام الماضية تقرير عن نتائج اعمال اللجنة التحقيقية ، والتقرير لم يأتي بجديد
ولم يكشف لنا اكثر مما كشفه القادة العسكريين في لقاءاتهم العسكرية في القنوات الفضائية التي كان من المفترض وفق السياقات العسكرية ان يحاسبوا وفق قانون العقوبات العسكرية المرقم 19 لسنة 2007 لطرحهم أمور عسكرية يجب عدم تداولها في الاعلام لأنها تؤدي الى اضعاف المؤسسة العسكرية وهو الذي حصل، أنّ عموم الجمهور كان يتابع بألم لقاءات القادة العسكريين والذين ظهروا بهيئة وشخصية لا تتناسب مع شخصية قائد عسكري بقود جيشا تحت راية العراق؛ لانهم ظهروا بشخصيات هزيلة وضعيفة ومشتتة، خصوصا كانوا امام من ادار الحواِر وهم يجيبون وكأنهم تلاميذ امام استاذهم، ان توصيات تقرير لجنة الموصل اكد على ان قضية سقوط الموصل كارثة تاريخية وحوادث ومفارقاتٍ وتناقضات ومداخلاتٍ ومعلوماتٍ جديدة مؤلمة وكارثية تفاجأَ بها الجمهور العراقي والرأي العام والقادة العسكريين القدامى، وسأناقش تقرير الموصل البرلماني من عدة محاور، وفق ما سندونه في ادناه:
المحور الأول / وزارة الدفاع المعنية بالتحقيق في سقوط الموصل وليس البرلمان:
المحور الثاني/ التقرير رافقته أخطاء برلمانية وقانونية:
المحور الثالث/ التقرير تغافل عدة مسببات موجودة قبل سقوط الموصل واتجهت الى زج متهمين ليس لهم علاقة بمسرح عمليات سقوط الموصل:
المحور الرابع/ التقرير تعتريه الصبغة السياسية اكثر من المهنية:
المحور الخامس/ التقرير فاقد لقيمته القانونية:
المحور الأول: وزارة الدفاع المعنية بالتحقيق في سقوط الموصل وليس البرلمان:
ان ثقل الحقيقة ووضوحها في قضية سقوط الموصل ومرور أكثر سنة على ضياع الموصل ووزارة الدفاع والمعنيين بالمؤسسة العسكرية والقضاء العسكري لم يطلعنا على المنجزات التي تحققت في قضية سقوط الموصل ومن هو البريء ومن هو المتهم؟ ومن هو المدان بالخيانة العظمى ومن هو المدان بالتخاذل؟
وخرج علينا تقرير اللجنة البرلمانية ولا نعرف ماذا حدث في تحقيقات وزارة الدفاع؟ ان قضية سقوط الموصل بيد العصابات الإرهابية، لا تحتاج الى هذا التأخير وكان وزير الدفاع، في حزيران عام 2014، كشف عن توجيه القضاء العسكري تهماً بالخيانة العظمى لضباط كبار لتسببهم بسقوط مدينة الموصل بيد عصابات داعش الإرهابية، وقال في مقابلة خاصة له نشرت في 24 من شهر حزيران عام 2014 ان “القيادات العسكرية التي كانت لها علاقة بسقوط الموصل ... وكثير منهم احيلوا للمحاكم، وقسم منهم سيحاكمون غيابيا واخرون وجهت لهم تهمة الخيانة العظمى وعقوبتها تصل الى الاعدام والحكم المؤبد وهذا يشمل كثيرا من القيادات، ...”، لافتا الى ان “جزءاً من هذه القيادات قيد الاعتقال واخرى كلا”، وفي 7 يناير عام 2014، أكد وزير الدفاع ان القادة الهاربين من معركة الموصل سيحاسبون وفق المادة 29 من قانون العقوبات بتهمة الخيانة العظمى.
ولا نعرف من هم المعتقلين، بعد ان شاهدنا كبار القادة الميدانيين الذين كانوا متواجدين يصرحون في القنوات الإعلامية، ومن هم الهاربين الذين صدرت بحقهم احكام غيابية؟ ( وكتبت مقال عن ذلك)
ان قضية سقوط الموصل والانبار والقضايا الأخرى قضايا وطنية وعسكرية بحتة من غير اللائق عسكريا ان تتنصل وزارة الدفاع عن مهامها الرئيسية في إقامة المجالس التحقيقية للتحقيق في قضايا خطيرة تمس سمعة الجيش العراقي وتقف بانتظار ما ستؤول اليه نتائج تحقيقات لجان برلمانية(توصيات غير ملزمة) استهلكت وقتا وجهد وتلاعبت بمشاعر الناس وسربت اسرار عسكرية وتم النيل من عدة مفاهيم عسكرية كان من المفترض ان تكون محصورة في اضيق الحلقات والدوائر العسكرية لا ان يتم تداولها في الصحف والقنوات، والمؤسف والمثير للسخرية ان وزير الدفاع يقرر في 18/8/2015 (إحالة من وردت أسمائهم في تقرير سقوط الموصل من القادة العسكريين إلى القضاء العسكري) .
اليس ذلك مخزي ومؤسف ان تنتظر وزارة الدفاع سنة كاملة بانتظار لجنة برلمانية تصدر توصيات لا قيمة لها قانونيا لأجل ان يتخذ اجراءاته اين مفاعيل تصريحك الذي ذكرناه انفا وبعد سقوط الموصل؟
كان المفروض ان تكون هناك الان احكام معلنة صادرة من القضاء العسكري بحق القادة العسكريين، خاصة ان الوزير أكد بإحالة ضباط الى المحكمة العسكرية بتهمة الخيانة العظمى، ولا زال المسؤولون عن سقوط الموصل يسرحون ويمرحون ويعقدون اللقاءات والمؤتمرات الصحفية.
ما هي نتائج التحقيقات التي أعلنتها يا وزير الدفاع، خصوصا اننا رأينا المجلس التحقيقي في قضية سقوط الانبار لم يستغرق أكثر من ثلاثة أشهر وتم إحالة الضباط الى القضاء العسكري ولم تكن هناك لجان برلمانية تحقق في قضية سقوط الانبار لان وزارة الدفاع تبنت التحقيق.
ونقل بيان للسلطة القضائية في 08/12/2014عن رئيس الادعاء العام القاضي محمد الجنابي القول إن “التحقيق في موضوع انسحاب الجيش من الموصل وبيع أسلحة وزارة الدفاع في الأنبار وظاهرة ما يسمى بـ[الجنود الفضائيين] هي جرائم عسكرية تخضع إلى قانون العقوبات العسكري رقم 19 لسنة 2007 وقانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم 23 لسنة 1971 وتختص بنظرها المحاكم العسكرية بعد تحريكها من الادعاء العام العسكري”.
ولم نسمع عن دور للادعاء العام العسكري في تقديم كل من كان في المسؤولية الى القضاء للمحاسبة.
ان تصريحات السيد وزير الدفاع تعد تصريحات صادرة من اعلى المستويات وهناك ضرورة ان تكون لها نتائج واثار فعالة في تصويب عمل المؤسسة العسكرية وتطمين للشعب العراقي بأن العقاب يجب أن يكون على أساس أن الجريمة هي بحجم الخيانة العظمى؛ وعندما تكون التصريحات ليس لها نتائج واثار ولا تجد لها تطبيق بعد أكثر من سنة؛ قد توصف بانها، نوع من الأكاذيب وجرعة مسكنة ضد الحقائق ولكنها لا تستمر، لأن عالم الصدق أوسع منطقاً من الكذب، وأسرع وصولاً الى بناء دولة المؤسسات.
ان قضية سقوط الموصل وبعدها الانبار تستوجب إجراءات فعالة ورادعة لوقف التداعيات في العرف العسكري حيث أصبح المهاجم هو الذي يدمر أكثر مما هو متعارف عسكرياً وأصبح أفراد القوات المسلحة يتسابقون في ترك ساحة المعركة بدون أسلحتهم، ان المحاسبة العسكرية القاسية توقف تحول القادة العسكريين إلى حزبيين على حساب مهامهم العسكرية، وتمنع الانسحابات التي لا تليق بسمعة الجيش والقوات الامنية، والقرارات المحدودة التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع لا تكفي، هناك ذنوب لا تغتفر في العمل العسكري، أبرزها الخطط التي تؤدي إلى هزيمة الجيش وانتكاسته.
وعند قراءة مجريات تقرير لجنة الموصل وأسماء المتهمين فيه وربطه مع ما أعلنته وزارة الدفاع العراقية، في (24 ايلول 2014) ان القائد العام للقوات المسلحة امر بإحالة الفريق الركن عبود كنبر والفريق الركن علي غيدان على التقاعد؛ ان ذلك يؤشر لفوضى عارمة في عمل الدولة، هل انتهى التحقيق المزعوم من وزارة الدفاع والقضاء العسكري وأصبحوا أبرياء حتى يتم احالتهم الى التقاعد؟ بالرغم من انهم متهمين وقادة كانوا متواجدين وحسب ما افاد قائد عمليات نينوى؛ ولا اعرف كيف استنتجت (مبكرا جدا) القيادة العامة للقوات المسلحة بأنهم أبرياء وهل انجزت التحقيق بحقهم واتخذت قرارها بإحالتهم الى التقاعد بقضية منفصلة عن قضية سقوط الموصل، التي لحد الان لا نعرف ما هي النتائج؟ والتحقيق لم يكتمل والقضاء العسكري لم يقل كلمته، رغم اكتمال تقرير اللجنة البرلمانية، والذي ادان القادة العسكريين الذين احالهم القائد العام للقوات المسلحة على التقاعد ان تلك مفارقة عظيمة الخطر.
على وزارة الدفاع أن تعي خطورة الموقف وأن تعتبر أن مصير وطن بأكمله مرتبطاً بالمؤسسة العسكرية التي يجب ان تدافع عن وحدتها ووجودها في صف واحد مع المواطنين الذين استهدفتهم جريمة سقوط الموصل؛ لاسيما ان قضية الموصل اثارت الكثير من الشكوك والاتهامات بين العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين.
ان محاسبة المتورطين في قضية تسليم الموصل والانبار وصلاح الدين كان يجب إنجاز التحقيقات فيها واحالتهم الى المحاكم العسكرية ومحاكماتهم وإصدار الاحكام بحقهم سريعا، لأن الذي حدث في هذه المحافظات وتحديدا الموصل خطير جداً، وتداعياته ما زالت قائمة حتى الآن(ثلاثة ملايين نازح)، ولا تستوجب هذا التأخير وتهمة الخيانة العظمى تهمة جنائية عسكرية جسيمة وعظيمة الخطر على البلاد وتستوجب اجراءات عاجلة من القضاء العسكري؛ ليطمئن الشعب ان هناك محاسبة ومحاكمة وعقوبة لمن يتهم بتهمة الخيانة العظمى، والخيانة العظمى في ابجديات قانون العقوبات العسكري معناه هناك متخاذلين من الضباط القادة ويستوجب اعدامهم في ساحات القتال رميا بالرصاص، ووفق اعترافات الغراوي الخطيرة.
ان سجال الحروب الكلامية، يرافقها عدم وجود رغبة حقيقية من قبل الدولة والسياسيين في محاسبة المقصرين بسقوط الموصل والانبار، بسبب التوافق السياسي؛ كان العنوان الأبرز في كل ذلك.
ان إجراءات المؤسسة العسكرية في انجاز قضية الموصل؛ لم تراعي تداعيات الجريمة وبقيت ناراً تحت الرماد، وزاد في اشتعالها تتابع الأحداث، وأية جريمة لا تقاس فقط بتفاصيلها بل تقاس بحجم تفاعلاتها؛ وكان من المفترض ان تعلن وزارة الدفاع رفضها لأي تحقيق تجريه أي جهة خارج المؤسسة العسكرية ؛ لان ذلك سيؤدي الى فضح أمور عسكرية يجب ان تكون سرية وتداولها داخل حدود المؤسسة العسكرية لا خارجها حفاظا على سمعة وهيبة المؤسسة العسكرية، هذه الأمور زادت في إضعاف عامل الثقة، الضعيفة أصلاً، بين المواطنين وبين المؤسسات العسكرية والأمنية، وهذا التأخير ليس له أدنى ما يزكيه او يصدقه من الوجهة العسكرية والسياسية والقانونية، وكان من الموجبات ان تكون المحاكم العسكرية قد أنجزت التحقيق واحالة المتورطين الى المحاكم العسكرية لينالوا عقابهم.
ولا أدرى هل الدعاوى العسكرية خارج السقوف الزمنية المحددة قانونا؟
وهناك ضرورة ان يسعى جاهدا القضاء العسكري والادعاء العام العسكري إلى أخذ الدور القضائي والقانوني وانجاز التحقيقات بكافة الجرائم العسكرية التي سببت انتكاسات للجيش العراق العريق، بعيداً عن اللجان الحكومية أو النيابية التي لم تؤتي أكلها لحد الآن.
المحور الثاني: التقرير رافقته أخطاء برلمانية وقانونية:
رافقت عملية الإفصاح عن تقرير لجنة سقوط الموصل البرلمانية عدة أخطاء من خلال عدة مظاهر أهمها:
أولا: في سابقة لم تشهدها البرلمانات والمجالس التشريعية في العالم قديما وحديثا، أحال مجلس النواب العراقي تقريرا أعدته احدى لجانه عن احداث الموصل الى القضاء دون قراءته ومنع النواب من الاطلاع على تفاصيل التقرير وقد ارتكب خطأ دستوريا وقانونيا، وكما يقضي النظام الداخلي لمجلس النواب، وعتم على ما جاء في التقرير الذي استغرق العمل فيه واعداده أكثر من عشرة شهور متصلة؛ خوفا من ردود الفعل عليه من جهات سياسية، خصوصا وانه يحمّل رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة السابق نوري المالكي ومساعديه العسكريين مسؤولية سقوط المحافظة الثانية في العراق بعد العاصمة بغداد بأيدي (داعش) في 10/6/2014.
ان رئيس مجلس النواب سليم الجبوري.
ثانيا: حول رئيس مجلس النواب تقرير لجنته البرلمانية الخاص بسقوط الموصل الى مجلس القضاء الأعلى، رغم ان مجلس القضاء الأعلى غير معني بالأمر وهناك تصريح للسيد محمد الجنابي رئيس الادعاء العام عندما اكد في بيان للسلطة القضائية في 08/12/2014 إن “التحقيق في موضوع انسحاب الجيش من الموصل وبيع أسلحة وزارة الدفاع في الأنبار وظاهرة ما يسمى بـ[الجنود الفضائيين] هي جرائم عسكرية تخضع إلى قانون العقوبات العسكري رقم 19 لسنة 2007 وقانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم 23 لسنة 1971 وتختص بنظرها المحاكم العسكرية بعد تحريكها من الادعاء العام العسكري”.
فكان من المفترض إحالة التقرير الى اللجنة التحقيقية بوزارة الدفاع لمعالجة اوجه النقص والتدقيق ولإكمال التحقيق والوصول الى الحقائق وتحديد المسؤوليات ومحاكمة المتورطين، وكما قام السيد العبادي في 16/8/2015 عندما صادق على المجلس التحقيقي الذي قامت به المؤسسة العسكرية وأحال مائة ضابط متهمين بسقوط الانبار الى القضاء العسكري لتركهم مواقعهم بدون أمر وخلافا للتعليمات بالرغم من صدور عدة أوامر بعدم الانسحاب.
وتنويها، ان عدم قراءة التقرير يشير الى تكهنات واتهامات بان رئاسة مجلس النواب قد تكون خضعت للتهديد واضطرت الى الرضوخ الى عدم قراءة التقرير خوفا من كشف لقاءات ومحاضر اجتماعات مشتركة جمعت بين رئيس مجلس النواب وبين رئيس الحكومة السابق تكللت بأسقاط أكثر من ست تهم ارهابية قد وجهت الى رئيس مجلس النواب في السنوات السابقة ونتمنى ان يكونوا مخطئين في تكهناتهم.
المحور الثالث: اللجنة تغافلت عدة مسببات موجودة قبل سقوط الموصل واتجهت الى زج متهمين ليس لهم علاقة بمسرح عمليات سقوط الموصل، من خلال ما يلي:
أولا: التقرير كان يفتقد للمهنية والحيادية ولم يتضمن اشارة الى الكثير من الشواهد كانت سبب في سقوط الموصل، والتقرير كسابقاته(سبايكر)؛ كان بمثابة بيان سياسي عام، التفاصيلُ وجزئيات التفاصيل التي وردت في تقرير لجنة سقوط الموصل كانت مساجلة إعلامية لتبرئة من يراد له التبرئة ومن يراد له تحمل عبء المسؤولية؛ لأنه وزع الاتهامات بطريقة تسلسلية غادرت حجم تقصير كل واحد، وخلطت اللجنة بين الأسماء ذات المناصب العسكرية الرئيسية المسؤولة عن سقوط الموصل وبين الأسماء ذات المناصب المدنية التي ليس لها أي عمل في مهام قيادة العمليات العسكرية، وأشار الى أسماء يشغلون مناصب مدنية وحملها المسؤولية الرئيسية في حين ليس لها أي سلطة او نفوذ بتحريك جندي واحد، ومن هذه الأسماء:
الف- أوردت اللجنة بان محافظ الموصل مسؤول عن سقوط الموصل، وهذا التصريح لا ينسجم والعرف العسكري، وهناك فرق بين عمل المحافظ وعمل الجيش، والاتهام له ابعاد سياسية؛ وانا لست مدافعا عن أحد؛ لكن هل يستطيع النجيفي اعطاء اوامر للجيش بالانسحاب او عدم القتال؟ ان وزير الدفاع في قواطع عديدة ليس له صلاحية تحريك سرية؛ فكيف بالمحافظ؟
باء-نائب رئيس مجلس المحافظة (نور الدين قبلان) (كونه قام بإدخال شحنات من الحنطة التالفة ودعم داعش) ورئيس الوقف السني في الموصل كونه كان يرعى التظاهرات ويحرض على الجيش والقوات الأمنية، وعضوة مجلس محافظة الموصل (هدى زكي) كونها تتعاون مع داعش من خلال بقاءها في الموصل شهرين بعد سقوطها بيد داعش.
ان تلك التهم مبنية على قرائن ضعيفة وعنوانها تصفية حسابات بين نواب من الموصل في اللجنة والمتهمين وهي بالنتيجة مدلولها سياسي بامتياز، وليس لها أدنى ما يزكيها من الناحية القانونية او يصدقها من الوجهة العسكرية، وتلك الاتهامات لا تعدو كونها تداعيات للسياسة الخاطئة التي كان تنتهجها الحكومة السابقة في ادارة الدولة وبالخصوص القوات الأمنية، وعليه فان هذا التقرير كان محابيا ومجاملا الى درجة كبيرة جدا أسماء عليها ادلة مادية مباشرة على حساب أسماء اتهاماتها مبنية على قرائن ضعيفة وادلة ظرفية.
ثانيا: التقرير زج بأسماء ذو مناصب مدنية واغفل قادة عسكريين مهمين كقائد قوات الشرطة الاتحادية (الفريق محسن الكعبي) ووجه التقرير تهمة الفرار لقائد الفرقة الثالثة في الشرطة الاتحادية والمحلية ولم يوجه للفريق محسن الكعبي لاعتبارات حزبية وفئوية؛ الذي كان موجود في الموصل اثناء هجوم داعش، وهروبه لا يختلف عن هروب الفريق مهدي الغراوي وحمايته وكان الاجدر بالقائد الاعلى البقاء مع قطعاتها وعدم تركهم والفرار الى اربيل مما ولد روح الهزيمة والانكسار بسبب هزيمة قائد قوات الشرطة الاتحادية.
ثالثا: تغافلت اللجنة عن قادة عسكريين ظهروا على القنوات الفضائية وهم يتحدثون عن أمور وقضايا عسكرية، كان من المفترض وفق السياقات العسكرية ان يحاسبوا وفق قانون العقوبات العسكرية لطرحهم أمور عسكرية يجب عدم تداولها في الاعلام لأنها تؤدي الى اضعاف المؤسسة العسكرية وهو الذي حصل.
رابعا: لم تشر اللجنة البرلمانية الى هشاشة واقع مؤسستنا العسكرية من خلال عرض قناة البغدادية للمكالمات الصوتية المتبادلة بين كبار القادة العسكريين أثناء المعركة، من المفترض ان تكون سرية، مع العلمِ أنَّ مثلَ هذه المكالمات بين القادة العسكريين يجب ان تخضع لإجراءاتٍ فنيّةٍ مُؤَمَّنه وصارمة لكي لا تستفيد منها داعش او غيرها ممن يعمل ضد الدولة فهنالك خرقٌ أمنِيٌّ واستخباراتيٌّ وعسكرّيْ يتعلّقُ بكيفيةِ إستراقِ او تسريبِ معلوماتٍ ومكالماتٍ في غاية السرية الى وسائل الإعلام، لان ذلك يعد من الجرائم الخطيرة.
خامسا: لم تشر اللجنة البرلمانية الى عدة جرائم ارتكبت وهي جزء من مخطط اسقاط الموصل منها تهريب المئات من العتاة المجرمين من ارهابي القاعدة من سجن ابو غريب ليتولوا قيادة داعش في سوريا وبعدها توجهوا لاحتلال الموصل، والفريق محسن الكعبي أحد المتهمين بهروب سجناء سجن ابي غريب.
سادسا: لم تشر اللجنة البرلمانية على تجميع الاسلحة العشوائي وغير المدروس وبمختلف الانواع في الموصل وبدون اي مبرر لتكون الغنيمة التي ينتظرها الارهابيون.
سابعا: لم تشر اللجنة البرلمانية الى نقطة مهمة تحدث بها الغراوي، بان هناك خلل كبير في تسليح الجيش وتجهيزه بالمعدات وشراء السلاح من السوق السوداء والسلاح الفاسد وعدم وجود سلاح كافٍ، وان الطائرات عاطلة والقائد العسكري لا يتوسل السلاح أو التسليح وانما على القيادة العسكرية ان توفر ما يلزم لدحر العدو.
ثامنا: تغافلت اللجنة البرلمانية ما أكده الغراوي بان (نصف موجود الفرقة (ال12الف جندي وضابط) فضائي وكيف نتصور ان يقاتل هذا الجيش، وأكثر من 65 الفا من جنوده كانوا “وهميين”، وجريمة الفضائيين يتحمله القائد الميداني أولا تطبيقا لنص المادة (34) من قانون العقوبات العسكري المرقم 19 لسنة 2007.
تاسعا: لم تشر اللجنة البرلمانية بان هناك قيادات عسكرية مشمولة باجتثاث البعث، أي لا يسمح لهم بالمباشرة العسكرية فضلا عن تولّي المناصب القيادية...! تطبيقا وتنفيذا لقانون المساءلة والعدالة النافذ المرقم 10 لسنة 2008 وتعديلاته، ولكن سمح لهم القائد العام بالعودة وتسنّم مراكز قيادية مهمّه في الجيش.
عاشرا: ان اللجنة البرلمانية لم تشر في الاتهامات الموجهة لبعض القادة العسكريين ظهورهم بالأعلام بمظهر لم يراعوا الأبعاد الإعلامية والنظرة الجماهيرية لهم، وكان خطأ كبيرا ظهورهم في قناة فضائية، لان فيه إهانة للعسكرية العراقية ولشرف الجندية، مما سينعكس على الضبط العسكري داخل الجيش.
المحور الرابع: التقرير تعتريه الصبغة السياسية اكثر من المهنية:
ان قضية سقوط الموصل والانبار وسبايكر والقضايا الأخرى قضايا وطنية وقانونية تستحق التحقيق والبحث عن المتسببين الرئيسيين فيها؛ بعيدا عن التضليل الإعلامي، بعيدا عن التلاعب بمشاعر أهالي الضحايا واستغلالها لتمرير أجنداتهم السياسية.
ان غالبية تقارير اللجان البرلمانية تعتريها الصبغة السياسية وبعيدة عن الموضوعية ولا تحمل أي إلزام قانوني، لأنها تتضمن توصيات، حالها حال أي لجنة تحقيقية إدارية، وغالبيتها ظاهرة إعلامية لامتصاص غضب الشارع والراي العام، ومن الخطأ ان يتم التحقيق في قضايا منظورة امام القضاء العراقي (عسكريا او مدنيا).
ان الاتهامات في التقرير كانت اكثرها سياسية خصوصا بحق النجيفي ونائب المحافظ ورئيس الوقف السني وعضوة في مجلس محافظة الموصل، وبعض القادة الذين لا يتحملون مسؤولية مباشرة في سقوط الموصل، والتهم التي وجهت للسيد المالكي والاسدي اقل ما يقال عنها انها بروتوكولية ويمكن التخلص منها بعدة طرق قانونية وغير القانونية، فاللجنة لم تقم بإدانة المالكي والاسدي بتهم ذات ادلة قوية وفق الذي جرى من وقائع وما ادلى به مهدي الغراوي وغيره من قادة عسكريين.
واللجان التحقيقية في البرلمان ليس لها فائدة على المشهد السياسي وفي قسم كبير منها ما هو الا تصفية حسابات غايته تحقيق مصالح الكتل السياسية وقبلها قضية سبايكر، حيث تم فتح تحقيق قضائي فيها واعلن مجلس القضاء الأعلى ذلك ببيان رسمي على موقعه، لكن اللجنة البرلمانية المشكلة للتحقيق بالقضية تحيل التحقيق لوزارة الدفاع وهي غير معنية بذلك لان الامر موكل الى القضاء العادي، وقد اصدر القضاء العراقي احكامه، ومسالة سقوط الموصل أيضا، كان من المفترض عدم التحقيق فيها وإبقاء الامر محصور بوزارة الدفاع، وبالتالي من المفيد للمشاهد التركيز على التحقيق الذي تجريه وزارة الدفاع لا ما يقوم به أعضاء برلمان لا يفقهوا شيئا بالعلوم العسكرية، وشاهدنا ان مسالة الاستجوابات التي كانت تعلنها لجنتي تحقيق الموصل وسبايكر عبارة عن مشاهد تمثيلية لتحقيق مصالح سياسية وغايات حزبية فقط .
ان الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي سادت مدن عراقية عديدة احتجاجا على سوء الخدمات، وعجز الدولة وفسادها، كان الدافع الاقوى والاسخن الذي دفع لجنة التحقيق البرلمانية لإعلان نتائجها وتحديد بوصلة اتهاماتها لمسؤولين عراقيين كبار على رأسهم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء السابق للمثول امامها للتحقيق بتهمة الاهمال الذي ادى الى سقوط الموصل في ايدي المئات من داعش الإرهابي، خصوصا اننا لاحظنا قبل التظاهرات كانت هناك اتجاهات وتسريبات كثيرة تؤكد عدم ادانة المالكي والاسدي، لكن التظاهرات وافرازاتها هي التي جعلت لحنة سقوط البرلمان تنحى منحى باتهام المالكي والاسدي لذلك جاءت اتهاماتهم على استحياء مقصود وله بصمته السياسية الواضحة وذات خلفية حزبية سياسية منظورة.
المحور الخامس: التقرير فاقد لقيمته القانونية:
ان البرلمان يعد الجهة الرقابية، واللجان التحقيقية البرلمانية المكلّفة بأجراء التحقيقات في قضية ما واخرها التحقيق الذي أجرته مع القادة الكبار وضباط الوحدات العسكرية المتواجدة في محافظة نينوى أثناء المعركة، ستكون عاجزةً بالمطلق عن الوصول الى اية نتيجةٍ موضوعية وحاسمة في تحديد مسؤولية التقصير والهزيمة في معركة الموصل او الأنبار، لعدة أسباب:
الأول: شكلي كونها لا تفقهُ شيئاً في الفقه العسكري، بالإضافة الى شجونٍ سياسيةٍ كبرى يتعلّقُ بعضها بالقيادات السياسية ودورها قبلَ وأثناءَ وبعدَ اندلاع المعركة.
الثاني: قانوني (ويشمل كافة اللجان التحقيقية البرلمانية):
ان التقرير لا يعدو كونه خبريا يخلو من أدلة قانونية على ادانة المتهمين، والمادة (61) من الدستور العراقي النافذ قد حددت المسؤولين والأشخاص الذين يحق لمجلس النواب مسائلتهم واستجوابهم، بالرغم من ان النظام الداخلي لمجلس النواب الذي استحدث نصا في المادة(32) منه لا ينسجم ونص المادة (61) من الدستور حيث منح لمجلس النواب حق مسائلة واستجواب رئيس الوزراء والوزراء، واي مسؤول آخر في السلطة التنفيذية، ويحق للمجلس التحقيق مع المسؤولين المذكورين في نص المادة 61 من الدستور النافذ بشرط ان تكون هناك واقعة لها علاقة بالمصلحة العامة او حقوق المواطنين، ويحق للمجلس في ضوء ذلك طلب حضور أي فرد امامه للأدلاء بشهادة او توضيح امر ما يريده المجلس، واعطت المادة 77 من النظام الداخلي لمجلس النواب حق من خلال لجانه الدائمة وبموافقة اغلبية اعضائها دعوة وكلاء الوزراء وأصحاب الدرجات الخاصة وبقية الموظفين من العسكريين والمدنيين حق طلب حضورهم (للاستيضاح) واخذ المعلومات منهم على ان يسبق ذلك، اعلام رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء.
لذا نجد ان اللجان البرلمانية ليس لها الحق فيما يتعلق بالأشخاص الذين لم يطالهم نص المادة 61 من الدستور ان تخضعهم للمسائلة فقط ترسل بطلبهم للاستيضاح او تستمع لشهاداتهم، مع العلم ان الذين تستمع لشهاداتهم اللجان البرلمانية تكون شهاداتهم غير ملزمة لمن ادلى بها امام اللجان؛ لأنها تمت وفق إجراءات لم ينص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته النافذ، وليس من صلاحيات اللجان الإحالة الى القضاء؛ بعد انتهاء الاستيضاح او سماع الشهادة، بل وحتى المذكورين في نص المادة 61 لا يحق للجان البرلمانية احالتهم للقضاء حتى لو تراءى لها هناك جريمة، لان البرلمان ولجانه البرلمانية ليسوا ممن يحق لهم تحريك الشكوى الجزائية تطبيقا لنص المادة الأولى من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ.
لذا فان احالة توصيات تقرير لجنة يشكلها مجلس النواب الى مجلس القضاء الاعلى محاولة عبثية لان المحاكم والهيئات القضائية ليست معنية بما تقرره او توصي به جهات غير قضائية، وان المعلومات التي قدمت في التقرير ليس بالضرورة الالتزام بمضامينها كأدلة من الجهات القضائية، كونها ستقوم بإجراء تحقيقاتها بشكل اوسع، والمعلومات المقدمة في التقرير يمكن الاستئناس بها فقط، لكونها لا تمتلك اسنادا قانونيا ولا تعدو ان تكون ادلة ظرفية، والقضاء مخير بالأخذ بها كإجراء اولي على سبيل الاستدلال، مع العلم ان القضاء الجزائي العادي غير معني بتوصيات اللجنة البرلمانية بقدر تعلق الامر بالقادة العسكريين والقضاء العسكري.
وبحدود ما سبق وصفه، نجد ان اللجان البرلمانية التي تشكل للتحقيق في امر ما، لا تمتلك أي صفة قضائية لأنها محددة بنصوص الدستور والقوانين ذات العلاقة، وبذلك فان كافة اجراءاتها ليس لها قيمة قانونية بقدر ما تكون ظاهرة إعلامية لامتصاص غضب الشارع والراي العام.
وأخيرا نؤكد؛ ان اللجنة البرلمانية تغافلت عن أمور لوجستية عسكرية مهمة كان من المفترض ان تذكرها لأهميتها؛ خصوصا ان الموصل سلمت بدون قتال ولو كان الغراوي ومعه قياداته قادة عسكريين حقيقيين مهنيين(من المفترض حراس للوطن) يعرفون بعلوم الحرب وحركة الاحداث ومجاميع العدو وتطورات الميدان واهمية المعلومة الاستخباراتية وكيف يعالجها ويبلغ مراجعه عبر التسلسل العسكري الهرمي الاصولي لكان قد تجاوز هذه النكسة بأقل الخسائر، وأن الجيش العراقي الحالي في كثير من مفاصله، جيش منهك متهالك غير نظامي غير منضبط بأقصى حالاته وغير نظامي بأدنى مستوياته يفتقر للتنسيق والتعاون فيما بين تنظيماته وفرقه وغير مستعد لمواجهة المخاطر المفاجئة بل ليس لديه استراتيجية لتدارك المخاطر والهجمات التي قد تحدق بالبلد كهذه، وكانت هناك ولا زالت عصابات ومافيات تتصارع فيما بينها على المنافع والمكاسب والمناصب دون ادنى وجود لشيء اسمه شرف العسكرية ودون وجود اي عقيدة يؤمن بها قسم كبير من هذا الجيش، وان الأموال الهائلة التي صرفت على المؤسسة العسكرية صاحبة التأريخ العظيم خلال السنوات الثمان الماضية (ثلث ميزانية العراق)، والتي كانت ولا زالت تأخذ من أفواه الفقراء والمساكين وتُصرف على فِرق وألوية وأفواج يقودها مجموعة من القيادات المنخورة والخاوية والبالية في أداء واجباتها العسكرية، ووزير الدفاع الحالي والسابق بالوكالة لا يعرفون شيء عن ضباطهم وجنودهم كونهم بلا صلاحيات ومعهم رئيس الاركان، والكُل يكذب على الكُل والبعض الآخر يعمل بأجندة خاصّة به ومع أطراف مختلفة بعضها خارجي مرتبط بالإرهابيين والمليشيات والبعض الآخر ملزم بأجندة حزبه أو كتلته التي ينتمي إليها.
ونختم مقالتنا بقول لسيد البلغاء الإمام علي عليه السلام:
(أﻻ وإن من ﻻ ينفعه الحق يضره الباطل، ومن ﻻ يستقيم على الهدى يجره الضلال الى الردى).
927 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع