الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي
هو الامام والمتصوف الكبير محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي،وفي بعض المصادر ان اصوله من سكان البربر في شمال افريقية قبل استحواذ العرب على شمال افريقية . ينسب اليه طريقة او مذهب صوفي يسمى (الاكبرية) . ولد في مرسية احدى بلداة اسبانيا (الاندلس) في عام 1164 وتوفي في دمشق في عام 1240 .
تاثر بمدرسة دينية اسلامية كانت تعلم سرا : مذهب الامبيذوقية المحدثة . وهو مذهب نسكي مفعم بالرموز والعلامات والتأويلات الغنوصية (العرفانية ). وكان مؤسس تلك المدرسة، ابن العريف المتوفى عام 1141 . وصف بروكلمان ابن العربي : انه من اخصب المؤلفين المسلمين واوسعهم عقلا وخيالا ،لكن المسلمين حاروا في نتاجه الفكري المتضمن افكارا روحية وتخيلية نتيجة اتصال الفكر بالروح الالهي . عرف بنتاجه الفكري الغزير ومن اشهر الكتب التي تناولت حياته ومؤلفاته الجمة من تأليف عثمان يحيى كتبه بالفرنسية وترجم في مصر من قبل د. احمد الطيبي ، احد( علماء) الازهر ، بينما نعته بعض رجال الدين الذين نفروا من نقده لأبن تيمية، بالزندقة . كان قد تنقل بين كثير من البلدان حتى استقر في دمشق .
تعتبره موسوعة ستاتفورد الفلسفية ، احد الفلاسفة العرب المتميزين في زمانه ، بمستوى ابن سينا ، لكن اكثر منه صوفية اي تنسكا وصعودا في افكاره الروحية . فافكاره النسكية الجريئة وصلت الى اعماق الروح الانسانية . ويشبه الباحثون الاوربيون نتاج ابن عربي الفكري بنتاج شانكرا الهندي ، وربما كان (كتاب الكهان) الصيني قد تاثر بفكر ابن العربي وتقاليده الصوفية . ويعد من مفكري عصره من امثال الفيلسوف الكبير ابن رشد والعالم فخر الدين الرازي وشهاب الدين السهروردي العراقي، وجلال الدين الرومي واخيرا الفيلسوف اللاهوتي توما الاكويني . كما كان شاعرا مجودا .
اختلف رجال الدين المسلمين بشأنه . كان ابن عربي صوفيا اي ناسكا مشهورا وشاعرا يحلق في شعره ،نحو فضاءات فكرية بعيدة ،وقد لقب بالشيخ الاكبر وبالبحر الزاخر وبشيخ العارفين . كان الصوفيون قد اختاروا الفاظا اصطلحوا على استخدامها في اسلوبهم للتعبير عن مكنوناتهم ، وارادوا بها معاني خاصة غير المعاني العامة او المتداولة . زار ابن عربي مدينة الموصل عام 1204 حيث جذبته تعاليم الصوفي (علي بن عبدالله بن جامع )، الذي تلقى لبس الخرقة من الولي الصالح ( الخضر) مباشرة !؟ ، ثم زار بغداد بحثا عن شهاب الدين عمر السهروردي اشهر المتصوفة في العراق .
اشتهر ابن عربي باهتمامه بابراز القيم الروحية ،وقد تكشفت له بعض الخفايا الدينية وعلاقتها بالكون ، كما ذكر بعض الكتاب المسلمين عنه . عرف حكمة الفرس والاغريق .وقد اشتهر بين المسلمين بكتابه المعروف (الفتوحات المكية ) الذي جاء فيه قوله :” ورأى وهو في حالة بين اليقظة والمنام انه امام العرش الالهي المحمول على اعمدة من لهيب ، ورأى طائرا بديعا حول العرش...الخ “ . وفي عام 599 ه زار الطائف وكتب مؤلفه (حلية الابدال) وفي عام 1207 زار مدينة قونيا ، حيث تلقاه اميرها السلجوقي ، وهناك تزوج ورحل الى ارمينية . من اقواله المشهورة “ من قال بالحلول فذنبه معلول، ومن قال بالاتحاد الا اهل الالحاد “ وكان بعض من اهل الفكر من المسلمين حائرين في مذهبه وافكاره الجدلية التي قد لايفهمها الا الصوفيين . يعتبر ابن العربي من ابرز المفكرين المسلمين، كما لقب بالصوفي الكبير، على الرغم من انه كان فيلسوفا اسلاميا متميزا ، اذ كان صاحب نظرية ( وحدة الوجود) ، كما عرف بصاحب الخيال المتالق في معرفة عظمة الله وقوته الروحية .
مؤلفاته
1- الفتوحات المكية : وهو مكون من 37 مقالة و 560 بابا : وصف هذا المؤلف ، بانه ابدع النصوص الصوفية الموغلة في العمق ، ولذلك حار في تفسيره رجال الدين المسلمين ،فمنهم من اعتبره شيخ المتصوفة، وانه امتلك حس باطني روحي ، ومنهم من رأى ان اراءه وعباراته ،خارج الاسلام .
3- ديوان ترجمان الاشواق ، الذي خصصه لمدح “ بنت الشيخ ابي شجاع الاصفهاني التي التقى بها في مكة عام 598ه .
4- كتاب فصوص الحكم: وهو المؤلف الذي اثار جدلا كبيرا بين اوساط رجال الدين المسلمين . لكن الباحثين يعدونه من اهم مؤلفاته على الرغم من كثرة النقد الذي انصب عليه، اذ يتعلق بالادوار التي لعبها الانبياء في الالهام السماوي .
5- كتاب شجرة الكون : يتحدث فيه عن الكون ،مشبها اياه بشجرة باسقة وهائلة فيها انواع الطيبيين وغير الطيبين الخ .
6- كتاب الاعلام باشارات اهل الالهام : وهو ايضا كتب جدلي راى بعضهم انه تصنع تفسيرات الانبياء.
7- كتاب اليقين: وهو كتاب حير رجال الدين المسلمين ايضا، وراى بعضهم ان اراءه ضاعت بين الفلسفة والدين ، على الرغم انها تمثل ابرز نظرياته وافكاره وهي : البحث عن الانسان الكامل .
8- ختم الولاية .
9- الاعيان الثابتة .
10- المراتب السبعة .
11- التنزلات الستة .
12- رسائل ابن عربي .
13- رحلة الى رب القوة : وكان هذا المؤلف له تاثير على الفكر الا سلامي وكذلك على الفكر المسيحي .14- لوازم الحب الالهي . 15-روح القدس :يوضح تاثير اللاهوت المسيحي على الفكر الاسلامي الحر ، وقد ناقشه عبد الحميد صالح حمدان . 16-الوصايا . 17- الرسالة الوجودية .
جدلية افكاره
اشهر من كتب عنه د.يوسف زيدان من مصر ايضا،في كتاب سماه : ابن العربي : الشيخ الاكبر والفيلسوف والمتصوف ،شرح مشكلات الفتوحات المكية .
كان يقول لاصحابه وتلاميذه: ان من اجل فهم افكاري، ينبغي الغور في اعماق الانسان وداخله ، وان لايفسرها بظاهر الفاظها ، دون علم بمعانيها وغاياتها الروحية التي تعتمد على فهم الفلسفة الصوفية وغاياتها النبيلة . وقد دافع ابن عربي كثيرا عن وحدة الوجود ، كما دافع ايضا عن وحدة الاديان السماوية . لكن الامام ابن الجزري قال عن ابن عربي، في مؤلفه (كتاب الرد على القائلين في وحدة الوجود، ص34 ) :” هو انجس من اليهود والنصارى . “
قال عنه ابو زرعة العراقي :”لاشك ان ابن عربي في (اشتمال النصوص) المشهورة عنه ،على الكفر الصحيح، وكذلك في (فتوحاته المكية) فان صح صدور ذلك عنه فهو كافر مخلد في النار بلاشك”. لذلك شك طلبته بافكاره وابتعدوا عن دراسة فلسفته العميقة في تفسير القران الكريم . بينما يذكر ابن عربي ان رجال الدين لم يفهموه حقا:
لقد انكر الاقوام قولي وشنعوا علي بعلم لا الوم به نفسي
فلا هم مع الاحياء،في نور ما ارى ولا هم من الاموات في ظلمة الرمس
وقد جرى اهمال ابن عربي في اواخر عمره،للشكوك التي حامت حوله، ولم يحضر احد الى مجلسه . وذكر ان رجال الدين في دمشق ،ضاقوا ذرعا بارائه، فقطعوا عنه المال ،وقاطعوه . .واضطر ان يعمل بستانيا في الحديقة العامة في وسط دمشق ليعيش ، وهكذا قضى بقية حياته في توجس من رجال الدين ، ودفعه ذلك لآغلاق باب داره عن الناس ، وتوفي في داره وحيدا مذموما من قبل فقهاء عصره من امثال زين الدين العراقي، وبرهان الدين البقاعي ، وشمس الدين الذهبي .
انتقده ابن خلدون حيث قال: “ان هؤلاء المتاخرين من المتصوفة في الكشف فيما وراء الحس،قد غالوا في ذلك المذهب ، فذهب الكثير منهم الى الحلول ومنهم ابن العربي . كما صدر كتاب يتحدث عن مآخذ العلماء (اي رجال الدين) المسلمين على فكر ابن عربي بعنوان : رسائل وفتاوى في ذم ابن عربي الصوفي، تاليف مجموعة من العلماء تحقيق موسى بن سليمان الدويش ، 1410 ه .
” دافع عن اصالة ابن عربي الفكرية، المفكر المصري حامد ابو زيد والدكتورة سعاد الحكيم من مصر ايضا، كما اضم رآي لرأيهما في انه صاحب فكر نير وراي في الدين يمكن محاججته سلبا او ايجابا دون اهانة ابن عربي وتكفيره .
اشتهر بقوله :” الحكم نتيجة الحكمة ، والعلم نتيجة المعرفة، فمن لاحكمة له لاحكم له ، ومن لا معرفة له لا علم له “ . وهو قول يتضمن عمقا انسانيا لفهم طبيعة كلا من الحاكم والمحكوم وخاصة في المشرق .
اهم المصادر
1-جامع الشيخ محي الدين بن عربي.
2- موقع ابن عربي باللغة الانكليزية : WORLD DIGITAL LIBRARY; IBN ARABI
3 _Ibn Arabi. Stanford Ency. Of Philosophy2014
4- موسوعة ويكبيديا .
1039 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع