رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة / الحلقة السادسة
ورقة أصلاح الجيش العراقي الجديد ومؤسساته
((الجيوش التي لا تحكمها مبادئ وسياقات مهنية هي بلا شك مليشيات كبيرة )) - المارشال مونتغمري - في سبيل القيادة
الخطوط العامة
1. بغض النظر عن كثير من الإيجابيات، وعن وجود كثير من العسكريين الجيدين، ألا أن طبيعة القوات العسكرية العراقية الحالية والجيش العراقي الجديد على وجه الخصوص يفتقر إلى الكثير من التوصيف الاحترافي والأخلاقي (تتفشى فيه كل أنواع الانحراف المهني كالافتقار إلى روح الجندية والشرف العسكري والمهارة الحرفية علاوة على ممارسة الفساد المالي والإداري وحتى الأخلاقي وممارسة أنواع من الجرائم من الاعتقالات غير القانونية قصد الابتزاز المالي أو للإرهاب السياسي أو الطائفي تصل أحيانا إلى ممارسة القتل، علاوة على تعاطي المخدرات بشكل ملحوظ في صفوف العديد من الجنود) ويفتقر الجيش العراقي الحالي إلى مقومات النجاح ولو للحد المهني المعقول، وأخطر ما تتصف به قواته (إنها قوات بعيدة عن التوصيف الوطني، فهي قوات في معظمها غير محترفة وغير موحدة بل تعتبر قوات مراكز قوى متصارعة من أجل مصالح محدودة وذاتية وحزبية، ويساهم عدد مهم منها في ممارسة الإرهاب ومنها ما يندرج ضمن توصيف إرهاب الدولة)، ومن ناحية وصف القدرة القتالية فتوصف (إنها قوات ضعيفة تفتقر إلى منظومات القيادة والسيطرة، والخبرة في التخطيط والتنفيذ، وإلى سياقات العمل الفنية والتدريبية والقتالية، وإلى الحنكة والثقة بالنفس أو ثقة الشعب بها، وتفتقر كذلك إلى الخبرات الإدارية والبنى التحتية على المستويات كافة، ناهيك عن افتقارها للصنوف الساندة كالمدفعية والهندسة وغيرها، والأخطر إنها لا تملك قوة جوية فاعلة ولا منظومات الدفاع الجوي (علما أن تعداد قوات الجيش الجديد يبلغ حتى هذا اليوم 300 ألف عنصر تقريبا).
جوهر مشكلة الجيش العراقي الجديد ومؤسساته
2. بعدما صدر قرار الحاكم الأميركي بول بريمر بحل الجيش العراقي في 23/5/2003 وبناء جيش جديد وفقا لقراره المرقم 91 في 7/6/2003 والذي أعتمد مليشيات وأجنحة مسلحة لتسعة أحزاب سياسية معارضة للنظام السياسي السابق، إذ تبدأ من هنا الأسباب الحقيقة لنشوء جيش غير محترف أو مهني وغير وطني وغير مستقل ولأسباب تتعلق بالإخلال المتعمد للمبادئ الأساسية لبناء الجيوش الوطنية المحترفة، ومن ثم الإخلال بالمرتكزات الأساسية والسياقات التي تعتمدها كل الجيوش الوطنية ،، وكما يأتي:-
أ. عدم مراعاة المبدأ الأساسي الأول (وحدة الهدف السياسي الوطني). بما أن بناء هذا الجيش تم على أسس المليشيات الحزبية المتعددة، على الرغم من كل المحاولات الجادة لتغليب منتمي حزب الدعوة مؤخرا على عموم الجيش العراقي، ألا أن الواقع لا زال مقلقا جدا، وبالطبع فلكل ميلشيا هدفها السياسي المستمد من أيديولوجية الحزب الذي تتبعه، فالنتيجة أن قوات هذا الجيش لم تتفق على هدف سياسي وطني موحد. وبما أن المرتكز الأول للقوات الوطنية هو المعنويات، وهذا المرتكز يستمد بالأساس من المبدأ أعلاه، فافتقار هذا المبدأ أدى إلى الحرمان من المرتكز المهم ألا وهو (المعنويات) ولا يكتب لجيش ما نصر قط دون معنويات عالية، (إذ يتقبل فيها المقاتل الموت في سبيل الغاية النبيلة وهي الدفاع عن الأمة والوطن ).
ب. عدم مراعاة المبدأ الثاني (وحدة القيادة). بالنظر للمحاصصة السياسية والطائفية المعتمدة في الجيش الجديد ،فهناك ولاءات للقوى السياسية الأساسية التي هي بالأساس قد عينت المناصب المخصصة لها علاوة على الفرق والقوات الخاصة بها تحت أطار الجيش (مثال ،الفرقتين 2و3 تعود للحزب الديمقراطي الكردستاني، الفرق 4 تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، الفرقة 5 تابعة للمجلس الأعلى،قيادة قوات بغداد، الفرق 6 و9 و11 علاوة على الفرق 17 تابعة لحزب الدعوة ...الخ، ناهيك عن مناصب القيادة العليا) أذن الجيش الجديد يفتقر إلى الهرم القيادي والذي يفترض أن يخضع سائر الجيش لرأس هذا الهرم بالطاعة والاحترام، وهذا لم يتحقق في الجيش الجديد للسبب أعلاه،، وبما أن المرتكز الثاني للجيوش المحترفة الوطنية هو (الضبط العسكري – أي الطاعة المطلقة) ينتج من المبدأ أعلاه، فعليه الجيش العراقي الجديد يفتقر إلى الانضباط العسكري، ما سيؤدي ذلك لانهيارات متوقعة في أية معضلة كبيرة سيواجهها هذا الجيش، وخاصة عندما يمتد الصراع السياسي إلى استخدام العمق العسكري لتلك الأحزاب السياسية.
ج. المبدأ الثالث (التدرج بالصلاحيات وفقا للمسؤوليات القيادية)، فلكل درجة من القيادة لها الصلاحية الكافية لتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية، ومن هذا المبدأ ينتج المرتكز الثالث ألا وهو (تحمل المسؤولية)، فإذا لم يرعى هذا المبدأ كما معمول به حاليا في الجيش الجديد، بالتأكيد ليس هناك أية تحمل للمسؤولية القيادة، بمعنى آخر ليس هناك شعور بالخوف من الفشل أو المحاسبة .
المقترحات العامة
3. تعتمد المقترحات أساسا على ضرورة أعادة تنظيم الجيش العراقي الجديد أبتداءا من مؤسساته ثم مكوناته، فوزارة الدفاع بنيت بنظام هجين لا يتفق وطبيعة ونوعية جيوش العالم الثالث (المحدودة الأهداف والنطاق والإمكانيات) فالنموذج الأميركي الذي أعتمد في عام 2003 مهما صغر فهو لا يخدم الطبيعة الخاصة بالعراق دولة وشعبا وجيشا، فالنماذج المقاربة لنا نظم (الجيش العراقي السابق، الجيش المصري، الجيش السوري، الجيش الباكستاني، الجيش الهندي، الجيش التركي،الجيش الأردني، الجيش السعودي) ، وأن أهم المقترحات يجب أن تعالج مسببات مخالفة المبادئ المهنية العامة وهي :-
أولا: تعديل الفقرات الدستورية التي خولت صلاحيات القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية بمؤسستيها الدفاعية والأمنية إلى منصب رئيس الوزراء والذي بدوره يمثل حزبا سياسيا متنافسا مع أحزاب سياسية متعددة،فيشكل خطورة كبيرة على النظام الديمقراطي الفتي في بيئة شرق أوسطية، أذا تمركزت السلطة السياسية والعسكرية بيد رجل واحد كما هو حاصل الآن، مما يتطلب سحبها من منصب رئيس الوزراء وتخويلها إلى قائد عام محترف أو مجلس دفاع أعلى أو ما شابهه، مع ضرورة إلغاء معظم التنظيمات المستحدثة والتي وسعت النفوذ الحزبي والسياسي في القوات المسلحة .
ثانيا: إجراء إصلاح شامل لوزارة الدفاع، وتخليصها من هيمنة أحزاب السلطة الرئيسية، والذي أمتد هذا الخلل الكبير إلى كل القوات العسكرية، وبدون أصلاحها يتعذر إجراء الإصلاحات الكفيلة في بناء قوات مسلحة محترفة وطنية مستقلة سياسيا، وعليه ينبغي اعتماد النموذج السابق أو أي نموذج مما ذكر أعلاه، أن وزارة الدفاع بشكل عام مسؤولة عن وضع السياسات أو النهوج العامة وأهمها السياسة الدفاعية المستمدة من السياسة العليا للدولة العراقية، إذ يعتبر وزير الدفاع وهو منصب سياسي ممثلا للقوات المسلحة في الحكومة وهو الرقيب على المسار الإستراتيجي للقوات المسلحة ،ذات الوقت هو يمثل القيادة السياسية أو الحكومة في القوات المسلحة ،كذلك يشمل الإصلاح رئاسة أركان الجيش، أو رئاسة هيئة الأركان العامة، أذا أعتمد نظام قيادات فروع القوات المسلحة (القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي) وفي الحقيقة هذا لا يتناسب وواقع القوات المسلحة العراقية والطبيعة الجغرافية للوطن العراقي، إذ يكون نظام رئاسة أركان الجيش أمثل للقوات العراقية من رئاسة هيئة الأركان العامة، علما أن رئاسة أركان الجيش هي الجهة المهنية العليا المسؤولة عن تنفيذ السياسات العامة لوزارة الدفاع في السلم والحرب كالسياسة الدفاعية أو الهجومية أو سياسة التسليح والتجهيز والتدريب ...الخ .
ثالثا: وضع سياقات عامة وخاصة وفقا لمعايير مهنية دقيقة لوضع توصيف مهني وظيفي عال لكل المناصب والمستويات المهنية وتنقيتها من التشوهات التي فرضها التنافس الحزبي والسياسي والنفوذ الديني والعرقي (المحاصصات) على كل مكونات المؤسسات الدفاعية والقوات بكل مكوناتها أبتداء من إلغاء استمارات التقديم الحالية لتجاوز فقرات العرق والطائفة، وأبتداءا من مراكز القبول للجنود والمطوعين والمعاهد والكليات إلى مناصب القيادة والركن العليا، مع ضرورة تحريم العمل السياسي في القوات المسلحة كافة لضمان استقلاليتها لتحقيق المبدأ الأول (وحدة الهدف السياسي الوطني).مما يعني عرض كل التنظيمات والتعيينات والرتب والمناصب على نظم معايير التوصيف الوظيفي المهني لضمان المهنية والاحتراف، يرافق ذلك ضرورة الاستفادة من الخيرات المكتسبة في مستويات مختلفة من منتسبي جيشنا الأصيل مما يتطلب إلغاء قانون المسائلة والعدالة، العائق السياسي، من الاستفادة من تلك الخبرات الكبيرة التي أمتلكها الجيش العراقي عبر حروب عديدة على كل المستويات وهي بالأساس خبرة إنسانية عامة لا ينبغي التفريط بها بعيدا عن الظروف السياسية السابقة.
رابعا: وضع سياقات العمل الموحدة في السلم والحرب (الأوامر الثابتة والسياقات القتالية ومنها قواعد الاشتباك القانونية الموحدة) لكل المستويات القتالية والإدارية والساندة.
خامسا: أعادة النظر في نظام التطوع الحالي الذي هيمنت عليه مراكز القوى السياسية الحاكمة،ومن الضروري اعتماد نظام سوق خدمة مشابه لما كان عليه سابقا لضمان شمول العراقيين كافة دون أي تمييز عرقي أو طائفي أو مناطقي .
سادسا: أعادة التوازن الإداري والقتالي في فروع وصنوف وتشكيلات القوات المسلحة وإعادة بناء المرتكزات التحتية الضرورية في عملية واسعة لتطوير القوات المسلحة الوطنية مما يؤهلها لتنفيذ المهمات المناط بها لتأمين متطلبات الأمن الوطني .
سابعا: وضع عقيدة عسكرية وأمنية موحدة، تنتج عنها عقيدة تدريب موحدة أيضا، واعتماد سياسة تسليح وتجهيز مناسبة، وضرورة توسيع مراكز الدراسات والبحوث العسكرية والأمنية وبالاستفادة من الخبرات الوطنية والأجنبية .
ثامنا: تعديل قانون الخدمة والتقاعد العسكري الموحد وفق الاستحقاقات القانونية والضوابط الإدارية، ويشمل الجميع دون أية استثناءات لضمان موارد الخبرة الوطنية.
تاسعا: إجراء تحليل دقيق لمصادر التهديدات الأمنية الداخلية والخارجية، ومن خلال نتائج تلك التهديدات وتحديد أسبقياتها، يبنى عليها حسابات الاحتياج النوعي والكمي من القوات الدفاعية والخطط الكفيلة للتصدي لتلك التهديدات. وكأسبقية عالية توفير قيادات محترفة مستقلة سياسيا ومخولة تخويلا صحيحا وكافيا من الصلاحيات، على رأس كل مستوى من مستويات تنظيم القوات المسلحة بمختلف مؤسساتها، إذ يشكل المرتكز المهم في أعادة تنظيم أو بناء تلك القوات وفقا لأسس التنظيم والمعايير المهنية للانتماء لهذه القوات والتسليح المناسب والتدريب المتقدم، ووضع قواعد قانونية صارمة في عمل القوات للواجبات الأمنية علاوة على قواعد الاشتباك لكل مستوى من المستويات بما يضمن حرية وكرامة وأمن المواطن العراقي، مع تحريم حمل الأسلحة بكافة أنواعها خارج القوات المسلحة.
عاشرا: إعداد القيادة المركزية والمتطورة علميا وتقنيا،القادرة على تحليل المواقف الأمنية المختلفة ومعالجتها ،وإنشاء نظام مركزي دقيق للمعلومات يغطي كل مصادر التهديدات الداخلية والخارجية .
4. سد الثغرات الأمنية في ضمن البلاد وفقا لخطورتها وأهميتها من خلال تنظيمات عسكرية نظامية أو شبه نظامية يحكمها قانون، وبنظام مراقبة وحماية مركزي متطور وفعال. وأحكام السيطرة على الحدود الدولية للعراق مع الدول المجاورة، وفقا لخطورة قواطعها من ناحيتي الجغرافية ومخاطر التهديدات، وتطوير وسائل المراقبة والحماية الفعالة البرية والجوية والنهرية وتوسيع منظومات الاستشعار الالكترونية المختلفة عن بعد لسد ثغرات المراقبة البشرية، والحيلولة دون وجود ثغرات تنشأ من خلال تنوع السلطات مع الإقليم الكردي في شمالي العراق.مع عقد اتفاقيات حماية مشتركة مع دول الجوار، تحدد من خلالها المسئوليات الأمنية المشتركة لكل طرف.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان 16/3/2010
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة..
http://www.algardenia.com/maqalat/14032-2014-12-13-16-45-52.html
2164 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع