ولاية الموصل والحقوق الكردية بعد الحرب العالمية الأولى/ح2
* نقاشات كردية – بريطانية – عربية بعد مؤتمر القاهرة
كانت بغداد لا تزال راغبة في الاعتراف بالهوية الكردية، وإن تكن في داخل العراق، ولكن (برسي كوكس) قرر أنه من الضروري "أخذ" رأي الشعب الكردي رسميا وأصدر بيانا في 6 أيار/ ماي 1921 "للحصول على مؤشر بالرغبات الحقيقية للجاليات الكردية [كذا في الأصل]. إذا ما فضلت البقاء في ظل الحكومة العراقية ..." ( ). عرض (برسي كوكس) تشكيل إقليم فرعي للأجزاء الكردية من ولاية الموصل (زاخو، عقرة، دهوك، والعمادية) وترتيبات مشابهة بالنسبة لإقليم أربيل (أربيل، كويسنجق، ورواندوز).
وفي كلتا الحالتين كان ينبغي تبديل الموظفين البريطانيين بآخرين أكرادا أو من العرب الناطقين بالكردية فور توافر المرشحين لذلك. وينبغي عمل كل ذلك بعد التشاور وبما يتناسب مع رغبات الشعب الكردي. وهكذا عرضت على السليمانية الوضعية المقترحة للمتصرفية والتي يحكمها متصرف بالنيابة على أن يكون المتصرف الأول ضابطا بريطانيا.
إذا أراد الأكراد كيانا ذا حكما ذاتي، فالآن هي اللحظة الحاسمة للنضال من أجله. ولكن ورغم وصفه فيما بعد بالاستفتاء العام، فإن تشاور برسي كوكس لم يكن سوى استطلاع عام لآراء الأعيان وأعضاء المجالس المحليين المنتخبين إضافة إلى الآغاوات المعترف بهم. فلقد كان معظم الأعيان يعرفون الجهة التي تهب منها رياح السياسة البريطانية والقلة منهم شعروا بالإستعداد لتحديها. وحتى لو أرادت نخبة من الأعيان تشكيل جهة متحدة (وهو احتمال بعيد جدا في ظل تلك الظروف) ولم يكد يتوفر لديهم الوقت لحشد أنفسهم.
إنّ استجاباتهم اتسمت بطابع محلي بحت حيث بدت كل من (دهوك وعقرة) راضيان تماما بالترتيبات المحلية حتى أنهما لم تكونا تريدان شبه انفصال عن مدينة الموصل العربية، وبينما كانت (زاخوا والعمادية) تحملان طموحات في أن تصبحا مركزا للمتصرفية الكردية الجديدة. فإنهما كانا يعرفان الانفصال عن مدينة الموصل يشكل انتحارا اقتصاديا. وبعيدا عن مسألة الأسواق للمنتجات الكردية المنطلقة من الجبال تؤدي إلى سهول بلاد الرافدين. إذا لم يكن هناك طريق يستحق الذكر من العمادية إلى السليمانية. لقد أصرت أربيل على الانفصال الإداري عن كركوك. أما فيما يتعلق بالسليمانية فإنها رفضت بإصرار أي نوع من اللحاق بالحكومة العراقية ولكنها كانت الوحيدة في هذا الموقف.
في هذه الأثناء أغرى (برسي كوكس) أكثرية المناطق الكردية للتعاون مع السياسة البريطانية، وامتدت سلطة النظام الجديد في العراق إلى ألوية كركوك وأربيل والموصل فيما السليمانية "بقيت على رغبتها الصريحة تحت السيطرة البريطانية المباشرة". و"بذلت كافة الجهود من أجل تطوير الإدارة المحلية وفق أسس طبيعية"( ). كان (برسي كوكس) لا يزال يتعامل مع ما تبقى في لندن من إحساس بالالتزام تجاه الأكراد، وقد جادل مع (تشرشل) بأن الحكم العربي يجب أن يظل مقتصراً على المناطق العربية الخالصة، لكن (برسي كوكس) استطاع في حينه أن يشير أنه تمت مشاورة معظم الأكراد وقد اختاروا سياسة عدم الانفصال عن العراق. إنه من الصعوبة بمكان تجاهل أمانيهم؛ إضافة إلى ذلك كان القوميون العرب يتوقعون الآن عراقاً يشمل ولاية الموصل كلها. وبدا أن إحباطهم قد يؤدي إلى ثورة أخرى شبيهة بتلك التي اندلعت في 30 حزيران 1920. كان ذلك هو الرأي في بغداد. ومع أن (تشرتشل) ذكّر (كوكس) بأن ضم المقاطعات الكردية إلى المجلس الوطني الجديد (البرلمان) ينبغي أن يراعي مبدأ أن "الأكراد يجب ألا يوضعوا تحت الحكم العربي ما لم يرغبوا في ذلك"( ). فإن مقتضيات إقامة الدولة العراقية فاقت أهمية المطالب الخاصة بالأكراد.
لقد باتت مسألة إقامة شكل من الحكم الذاتي المقنع في العراق تلقي بظلالها على كافة القضايا الأخرى في فكر البريطانيين. وبدا أن مشكلة الحاكم تنحل في شخص الملك فيصل الأول. فقد كان شخصاً متسامحاً دينياً وبالتالي مقبولاً لدى الشيعة في جنوبي العراق وأيضاً فهو قومي مجرّب. ومع ذلك كان من الضروري إظهاره منتخباً من قبل الشعب العراقي وليس مفروضاً عليهم كدمية في يد البريطانيين.
وهكذا جرت الانتخابات في أواخر شهر تموز/1921 التي منحت ما يقارب 96% من الأصوات لصالح صعود فيصل العرش. وبالطبع كان الكل يدرك أن الأمير فيصل هو خيار بريطانيين.
أما في كردستان فقد كانت النتيجة غير محسومة. فقد طالبت كركوك بحكومة كردية على أن تكون منفصلة عن السليمانية، تماماًً كما أصرت أربيل على الانفصال الإداري عن كركوك قبل شهرين من ذلك، في الوقت الذي رفضت فيه السليمانية الاشتراك في الانتخابات بشكل مطلق. عند ذلك بات الأمير فيصل واثقاً من العرش العراقي أما بالنسبة إلى كردستان، التي تعيش في حالة شقاق، فيمكن التعامل معها بشكل حاسم فيما بعد.
إن مسألة كردستان، بالنسبة للملك فيصل الأول، فلم تكن مقتصرة على النفط والشؤون الإستراتيجية. ففي أيلول/ سبتمبر 1921، وبعد أربع أسابيع من تسلمه رسمياً العرش الجديد للعراق في 30 آب 1921، أعلن بشكل واضح تماماً بأنه لا يريد احتمال انفصال المقاطعات الكردية عن مملكته مما أجازت بذلك معاهدة سفر. ورغم كل تسامحه الديني لم يكن يريد رؤية بروز الشيعة في بلاد الرافدين كقوة مهيمنة في السياسة العراقية. واعتبر الوجود الكردي ضرورياً من أجل التوازن السني مع التفوق الشيعي، وهو عامل جديد وجدي بالنسبة لواضعي السياسية البريطانية .
كذلك تخوف فيصل أيضا ًمن أن يقيم الكيان الكردي المنفصل علاقاته مع الأكراد في تركيا وإيران وهو ما يشكل تهديداً دائماً في العراق؛ ومتأرجحاً بين التأكيدات بأن الأكراد سوف لن يُجبروا على الانضمام إلى دولة عربية وبين الأوامر السياسية بخصوص إقامة دولة قابلة للتطبيق، أكد كوكس لفيصل بأن الأكراد سوف يبقون في ظل الاتحاد الإقتصادي والسياسي للعرش العراقي، حتى وإن كانوا يتمتعون بوضع إداري مختلف. وأشار أيضا ً بأنة سوف يعمل من أجل إشراكهم في المجلس الوطني العراقي (البرلمان). وبذلك أصبح الأكراد وبشكل جوهري يشكلون الأرضية الضرورية للمملكة الجديدة. وبعد ذلك بسنة، وتحديداً في تشرين الأول/أكتوبر 1922 أصدر الملك فيصل مرسوماً يقضي بعقد مجلس تأسيسي (البرلمان) حيث تقرر ضم كافة المناطق الكردية بما فيها كركوك التي اعترضت على بيان ولائها في عملية التسجيل الانتخابي. وقد كتب ميجر نوئيل في حينه:
"أنا ضد الشك العام الذي يرقى في بعض الحالات إلى حد اليقين، من أننا مصممون على إلحاق الأكراد بالعراق بأية وسيلة كانت وبأية عملية الانتخاب [للمجلس التأسيسي] مجرد ذر رماد في العيون .... أود أن أشير إلى أنه في العقلية الكردية لا يمكن أن تنسجم التأكيدات بأنه سوف لن يتم إجبار أي كردي على [الإنضمام] إلى العراق مع مبدأ كون لواء كركوك هيئة انتخابية"( ).
ينبغي التذكير هنا أنه كان هناك في هذه المرحلة عصيان مسلح بتحريض تركي ينتشر بسرعة باتجاه جنوب كردستان انطلاقا ً من رواندوز، وأنه تم إستدعاء الشيخ محمود الحفيد من أجل إنقاذ عهد القوة . كذلك بدا أن بعض القوميين في السليمانية مصممون على زيادة فرصهم. في 2 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1921 قابل وفدٌ كردي المندوب السامي البريطاني في بغداد، طالباً منه الاعتراف بالاستقلال جنوبي كردستان، وتشكيل لجنة لرسم الحدود بين كردستان الجنوبية والعراق، والاعتراف بالشيخ محمود كحكمدار( ) لكردستان الجنوبية، وأخيراً بأن يشكل المنتخبين الثانويين (المنبثقين من العملية الانتخابية التي تجري من قبل في أماكن أخرى) نواة المجلس القومي الكردي.
اعترض المندوب السامي طالبا ًمنهم الاعتدال في طلباتهم، لكنه عرف أن مصير السليمانية بحالها وكل سلسلة الجبـال الكردية مرهون بالتوازن، وأنه إذا ما استردتها تركية فربما يكون من المتعذر الدفـاع عن بقية بلاد الرافدين. وفي هذه الحالة لابد من التخلص من الأكـراد. وهكذا وبعد تزايد الخطر على السليمانية تم الاتفاق على بيان نية (أنكلو – عراقي) مشترك في لندن يتعلق بالأكراد وصدر في 20 كانون الثاني من عام 1922. وقد نص البيان على:
"إن حكومة صاحبة جلالة البريطانية والحكومة العراقية تعترفان بحق الأكراد، القاطنين ضمن حدود العراق، في تأسيس حكومة كردية ضمن هذه الحدود. وأن الحكومتين تأملان أن تتوصل الأطراف الكردية المختلفة، وبأسرع ما يمكن، إلى اتفاق فيما بينهما حول شكل تلك الدولة وحدودها وإرسال وفود مسؤولة إلى بغداد لمناقشة علاقاتهم الإقتصادية والسياسية مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية والحكومة العراقية"( ).
إن هذا يناقض مع ما أعطاه برسي كوكس من قبل إلى فيصل لتفهمه، ولكن ليس ذلك بالأمر المهم. فقد أكد سرا لفيصل بأن بيانه لا يعني بأي شكل من الأشكال "انفصال كردستان السياسي والإقتصادي عن العراق"( ). لأن العراق سوف لن يتحمل أي إنفصال سياسي أو إقتصادي لأي جزء من كردستان، وأولئك الذين صاغوا البيان عرفوا بأن الأكراد منقسمون جدا باتجاه بعضهم، والبيان هو "للتوصل إلى إتفاق فيما بينهم"( ). في هذه الأثناء أظهر الشيخ محمود بأنه غير ملم بالمهمة الدبلوماسية التي أصبحت مطلوبة الآن. وإذا كان الأكراد قد وصفّوا من خلال الشيخ محمود بعدم الكفاءة السياسية، فإن السياسيين البريطانيين وصفوا من خلال برسي كوكس بالغدر السياسي.
ما إن عادت القوات البريطانية إلى السليمانية في نهاية شهر أيار/مايو عام 1922م حتى تم إرسال رئيس الوزراء العراقي لمناقشة فكرة شكل من الحكم الذاتي مع القادة الأكراد على مبدأ "الخضوع الحر" للعراق. وسوف يديرها أكراد حيث يخضع الكبار منهم فقط لتصديق الملك والمندوب السامي. وسوف لن يطالب مندوبها بأداء القسم للولاء بل سوف يقيمون في مجلس بغداد. حتى إن الملك فيصل، الخائف من قيام ثورة قومية أخرى في السليمانية ومن خطر أن تعطي عصبة الأمم المنطقة لتركيا، بدأ مستعدا لإعلان الحكم الذاتي للسليمانية في الحال بشرط أن تبقى في اتحاد دائم مع العراق. غير أنّ انهيار الزمرة المناوئة للشيخ محمود في تموز/جويليه عام 1922 إثر انسحاب القوات البريطانية أنقذت فيصل الأول من تحمل هذه المسؤوليات.
مع ذلك واجه فيصل الأول المقاومة من الأكراد في كركوك وأربيل للمشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي. لقد كان اشتراكهم ضروريا لجذبهم بشكل تام إلى الدولة العراقية وعزل التمرد داخل السليمانية. في الحادي عشر من تموز/جويليه عام 1923، وفي اليوم الذي دخل فيه الشيخ محمود مجددا إلى السليمانية، قرر مجلس الوزراء العراقي وبشكل رسمي ما يلي: (1) الحكومة سوف لن تقوم بتعيين أي موظفين عربا في المناطق الكردية ما عدا الموظفين الفنيين (2) وسوف لن تجبر سكان تلك المناطق على استعمال اللغة العربية في المراسلات الرسمية (3) ضمان الحقوق (غير المحدودة) للسكان وكذلك الحقوق المدنية والدينية للجاليات في هذه المناطق( ).
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1923 تم تجاوز الأزمة، ودفعت كل من بريطانيا والعراق القضية الكردية إلى الوراء ضمن حدود سياستهما. فقد اعتبر البريطانيون أن فكرة الاستقلال الكردي قد أصبحت لاغية في كل المناطق باستثناء تلك المناطق المحيطة بالسليمانية مباشرة، وبأن المناطق الكردية قد تلحق بالعراق على أساس الحد الأدنى من المرجعية. وبصرف النظر عن السليمانية اشترك الأكراد أيضا في المجلس التأسيسي. وفي الحقيقة فقد ذهب الكثير من سكان السليمانية للتصويت في المناطق المجاورة، وبالنتيجة تم انتخاب خمسة مندوبين عن السليمانية بما فيهم الشيخ قادر. في هذه الأثناء يبدوا أن قيادوا السليمانية لم يقوموا بأي حركة لكسب تعهد بغداد الواقعي في عرضها المقدم في شهر أيار/ مايو عام 1923م.
حتى الآن كان مجلس الوزراء قد احتفظ ببيان عن الحقوق الثقافية الكردية لاستخدامه في حال الصعوبات في كردستان أثناء الإنتخابات. وقد ذكرت لندن بغداد بأن تشرشل قد وعد مجلس العموم البريطاني في السنة الماضية بأن الأكراد سوف يمنحون فرصة حقيقية لتحديد موقفهم بأنفسهم( ). في هذه الأثناء بقيت السليمانية خاضعة للمندوب السامي وليس للحكومة العراقية. في 1925 عندما جاءت لجنة الحدود التابعة لعصبة الأمم إلى المنطقة بدا وكأن المسألة الكردية في حالة ركود مؤقت باستثناء الشيخ محمود. فالمدنيون الأكراد والأعيان القبليون يمثلون المنطقة في البرلمان مع أن عدة سحب سلبية كانت تلوح في الأفق. وقد بقيت السليمانية مركز الشعور القومي في حين كانت كركوك تضمر شعورا قوميا قويا. ولكن على المستوى التمثيلي فإن عدد الذين يروا بأن مصالحهم تسير بشكل أفضل من خلال الولاء للتاج البريطاني يفوق بكثير عدد أولئك القوميين. فبعد صدور حكم عصبة الأمم بشأن قضية ولاية الموصل بدت الوعود البريطانية بخصوص الموظفين الأكراد واستعمال اللغة الكردية في المناطق الكردية مقبولة بشكل عام.
عند ذلك، شعرت بريطانيا بأنها قد تخلصت من العواقب بكل سهولة لخوفها من المطالبة بنوع من الحكم الذاتي الرسمي.
لقد أثبت الأكراد حتى الآن مدى أهميتهم في السياسة البريطانية في العراق. وكما ذكر هنري دوبسHenry Dobbs، خليفة برسي كوكس المندوب السامي البريطاني في بغداد فإن الأكراد، بعيدا عن الاعتبارات الإستراتيجية والطائفية، قد أثبتوا أنهم:
"الملاذ الأخير للنفوذ البريطاني في العراق ... إذ من خلال الكتلة الكردية المؤيدة لبريطانيا في المجلس التأسيسي تمت الموافقة على معاهدة 1922 الأنجلو-عراقية. ومنذ ذلك بدأوا باستمرار يدعمون السياسة البريطانية من خلال أصواتهم ونفوذهم( ).
أصبح من الممكن الآن التخلي عن الكلمة المروّعة "الحكم الذاتي" حتى من بين الكلمات المهدئة التي استخدمتها بغداد لوقت طويل مع الأكراد. ولم تحتوي الاتفاقية الجديدة التي تم التوقيع عليها مع الملك فيصل الأول في كانون الثاني عام 1926، والتي أخذت في الاعتبار حكم عصبة الأمم، على أية ضمانات بخصوص الأكراد، بل كان هناك فقط ملحق أشار إلى مطالب العصبة.
كانت علاقات العراق مع تركيا المسمار الأخير في نعش الحكم الذاتي. ففي أوائل كانون الثاني عام 1922 لوحظ أن المفاوضات مع تركيا قد تشهد انفراجاً إذا ما نظر بالترتيبات المتعلقة بالأكراد داخل العراق بأنها تتجاهل الشرط المنصوص عنه في معاهدة سيفر باعتبار أن ذلك سوف يقلل من خطر الحكم الذاتي عبر الحدود. وبينما كانت المفاوضات جارية اتفقت العراق وبريطانيا على بروتوكول في 23 نيسان/أبريل 1922 والتي تضمنت "التخلي عن السياسة السابقة والتي تبقي إدارة لواء السليمانية تحت المسؤولية المباشرة للمندوب السامي وإعلان إدارة... يجب أن توحد لواء السليمانية بشكل قاطع مع الحكومة العراقية"( ). وهكذا في غضون أربعة أشهر من بيان كانون الأول/ديسمبر عام 1922 تم التخلي نهائيا عن وعد [إنشاء] الحكومة الكردية.
لم تتردد بريطانيا في إرضاء الأتراك وتحقيقا لمصالح الأخيرة فقد أشارت بريطانيا بلغة الغّمز بالتخلي عن مسألة الحكم الذاتي الكردي نهائيا وعلى نحو حاسم. ومن بين كافة تعهدات بريطانيا الأكثر إجراما كان الذي أعطي في كانون الأول/ديسمبر عام 1922. والذي من الممكن الآن استبعاده من الفكر والوجدان:
"... إن كل من حكومتي جلالة الملك وحكومة العراق بريئتان تماما من أي التزام قد يسمح بإنشاء دولة كردية إثر الإخفاق الكامل للعناصر الكردية، حتى لحظة إعداد هذا البيان، من مجرد محاولة التوصل إلى اتفاقية فيما بينهم أو تقديم أية مقترحات محددة..."( ).
وهكذا وبحلول عام 1926 تقلصت الوعود المعلنة منذ عام 1918 إلى الحقوق المتبقية التي وعدت بها عصبة الأمم. لذلك، فإن كان القادة الأكراد مقصّرين نتيجة لعدم كفاءتهم السياسية، فإن بريطانيا مذنبة بحكم خيانتها والنكث بوعودها للأكراد.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
2989 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع