الفتن والحروب الأهلية في العالم الإسلامي

                                 

                          د. نسرين مراد

منذ ما يربو على عقد من السنين، برزت ظاهرة انتشار الفتن والحروب الأهلية في عموم العالم الإسلامي، العربي منه بصورة خاصة. في كل بلد إسلامي هنالك مشاريع فتنة وحروب أهلية، باردة وفاترة وساخنة. منها ما هو كامن أو نائم، قابل لليقظة في حال اشتدت الحاجة لبروزه أو إيقاظه، أو إيقاد سعيره.

الحروب الأهلية «الإسلامية» سهلة الحدوث كما يفعل عود الثقاب بالهشيم، ثمة يصعب أو يستحيل إخمادها ولو بعد أجل بعيد. كلما توافرت فئتان أو أكثر متخاصمتان، ما على الطرف المستفيد إلا نفث مادة إعلامية سياسية طائفية في الفضاء، مع قليل من الجهد المالي لصالح القادة «الشعبويين».

على قبحها وهول حدوثها، إلا أن للفتن والحروب الأهلية ما يبررها، والاستمرار في تأجيجها! حتى تخمد بنفسها، بعد أن تأتي على ما تتمكن منه، من الأخضر واليابس، والبريء والمتورط في جريمة.

الأنظمة السياسية المدعومة بشكل أساسي وحيوي من الخارج، لم تعمل ولو بالحد الأدنى على كبح جماح الفتن ووأدها في مهدها. تحولت الطوائف والأقليات إلى قنابل موقوتة تنتظر فرصة التفجير، وإمكانية الدعم المالي والسياسي والعسكري والإعلامي. وتستمر الفتن حتى تقضي على الاقتصاد والمجتمع ومستقبل الأجيال.

تصبح البلاد سهلة الاختراق والاستعمار والاحتلال، المباشر أو غير المباشر، أو التبعية شبه المطلقة. أوقدت الفتنَ الحديثةَ مجموعةٌ من أصحاب المذاهب والطوائف والأعراق والأحزاب السياسية. لم يبال هؤلاء لمصائر شعوبهم وأجيالهم، حين ساقوهم كقطعان الماشية الرخيصة نحو المسالخ.

اقتلعوا شعوبهم من البيوت والمزارع والمصانع والمعابد والساحات والشوارع، وحتى من الملاذات البعيدة عن الديار، من أجل إشباع أنفس القادة المعبّأة بالأحقاد. لا يبالي هؤلاء القادة حين يرون بحيرات «حمراء» ترفدها جداول من الدماء العزيزة الغالية على أهلها.

السؤال الملحّ الذي يطرح نفسه على كل ذي حرص على مستقبل الشعوب والأوطان المكتوية بنيران الفتن، هو: هل من سبيل لوقف مسلسل الفتن الذي يعم كل بيت وشارع ودار حضانة ومدرسة ومعهد تعليمي وجامعة؟ الجواب يتراوح بين التفاؤل والتشاؤم، والمبالاة واللامبالاة، والحرص واللاحرص، وحب الخير والشر.

الطريقة المثلى والأسرع لوقف الحروب الأهلية، ولو نظرياً، تبدأ بإيقاف أبواق الدعاية والإعلام السياسي والطائفي المحموم، الموجه للعامة. حتى لو لزم استخدام القوة المسلحة من قبل الشعوب والحكومات، وحتى لو تطلّب ذلك تدخّلاً أممياً دولياً مكلفاً.

على جميع الأمم وقادتها من ذوي الضمائر الإنسانية المحبة للخير والأمن والسلام، التضامن والتكاتف لوقف هؤلاء «الشياطين»، الذين يختبئون خلف شعارات منمّقة. على المجتمع الدولي وقف هؤلاء عند حدهم، وإرسالهم إلى محاكم عدالة مناسبة.

لا تكاد توجد دولة إسلامية أو عربية واحدة مرشحة لأن تفلت من فتنة تأتي عليها. المجتمعات الإسلامية سهلة الاستقطاب والعمل بشكل أعمى لصالح مجموعة من القيادات الطائفية، بسبب ضعف الجهاز التعليمي والإداري والإعلامي المحلي، في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية المتراكمة.

الأوضاع دائماً تتفاقم وتؤول نحو الأسوأ. بصورة متسارعة، تسير الأوضاع نحو تدمير أسس الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحديث في العالم العربي.

مع انكماش عائدات البترول شيئاً فشيئاً، فإن مستوى الازدهار يتراجع بشكل قياسي نحو الأسوأ. تنتشر ظاهرة الفقر المدقع والعوز والحاجة، العلنية والمقنّعة، في شتى طبقات المجتمع العربي والإسلامي.

ذلك ما يضع المعنيين بالأمر، من قيادات عليا ومتوسطة ومتدنية وشعوب، أمام مسؤولية التضحية والجهد والبذل والعطاء، كي يعوّضوا ما خسروه بسبب الفتن والحروب الأهلية المستعرة، تقريباً في كل الأرجاء دون استثناء.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1303 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع