ثقافة الـ«كرسى فى الكلوب»

                                         


                            سناء صليحة

«انسف حمامك..!!» شعار تبنته إحدى الشركات فى ثمانينيات القرن الماضى للترويج لسلعة تُصنعها..ورغم أن هذا الشعار مر مرور الكرام على معظم من شاهدوه باعتباره إعلانا تجاريا، إلا أنه يبدو أن فكرة النسف والتخلص من كل قديم بغض النظر عن الموازنة بين قيمة الخسائر و المنفعة لامست وترا حساسا فى نفوسنا، لعله شهوة الهدم، فأصبحت بمرور الوقت جزءا من ثقافتنا وسلوكياتنا اليومية، أفرادا كنا أم مؤسسات..!!

فبنفس منطق «كرسى فى الكلوب» الذى كان يستخدمه البلطجية فى عصور غابرة لفض جمع أو إنهاء فرح بتنا نتعامل مع مؤسسات الدولة... فما أن يظهر عيب أو قصور فى الأداء حتى تتعالى أصوات مطالبة بالإلغاء دون أدنى محاولة لفهم أسباب القصور أو تشخيص الداء أو طرح بدائل واقعية لانتشال الجهاز المأسوف على شبابه من عثرته!!..

فبنظرة خاطفة للوراء نكتشف أن منطق «انسف حمامك»، قبل أن تتفحصه لتحتفظ بما ينفع منه وتتخلص مما انتهت صلاحيته، تسلط على عقولنا وبات الأقرب لاختياراتنا، فكانت المُحصلة إلغاء قناة التنوير الثقافية وقناة المنارة العلمية ووزارة الإعلام وأخيرا وليس آخرا ظهور تسريبات تشير لإلغاء هيئة الاستعلامات المصرية.. المؤسف أننا كثيرا ما نكتشف بعد عملية النسف وقبل رفع الأنقاض أننا ما نزال فى حاجة لأجزاء كاملة أو ربما للهيكل الكامل الذى ما يزال غبار هدمه عالقا فى الهواء.. فحتى اللحظة ما نزال نعانى تداعيات إلغاء وزارة الإعلام قبل أن ينهى المجلس الوطنى للإعلام عمله، ونفكر فى سبل لنشر الثقافة ومفاهيم البحث العلمى وأنشطة وزارة الثقافة عبر قنوات تلفزيونية جديدة بعد أن أغلقنا قناتى التنوير والمنارة المتخصصتين اللتين كان من الممكن أن تقوما بهذه المهمة الجليلة و الخطيرة، إذا ما توافرت الرؤية والنيات الصادقة!!..

المشكلة أننا نوشك أن نكرر الخطأ نفسه ..ففى توقيت أشد ما نكون فيه احتياجا لتحديد رؤية واستراتيجية واضحة قابلة للتحقق على الأرض لمواجهة الدعاية المسمومة ضد مصر فى الخارج، تتواتر أخبار عن إلغاء الهيئة العامة للاستعلامات بعد صدور قرارات بتقليص عدد مكاتبها فى الخارج.. الأخطر أن بعض التسريبات تؤكد محاولة إحدى القنوات غير المصرية شراء أصولها فى مصر والخارج، وبالتبعية يؤول لها كل ما أبدعته الهيئة من تراث على مدى ستين عاما!!

وبغض النظر عن قصور أداء هيئة الاستعلامات المصرية مؤخرا و فشل التنسيق بين المكاتب الإعلامية و سفاراتنا بالخارج للرد على المغالطات والدعايات المغرضة، ورغم التحفظات على اختيار ممثلى مصر فى هذه المكاتب،والضرورة الملحة لترشيد الانفاق، إلا أن الإلغاء ونسف جهاز أسند له برتوكول تأسيسه عام 1954مهاما وطنية فى الخارج والداخل، أظنها من أولوياتنا اليوم لتجاوز هذه المرحلة الحرجة، قرار يحتاج للمراجعة..

فالهيئة المصرية العامة للاستعلامات التى لعبت دورا حيويا فى بداياتها لنقل صورة حقيقية عما يجرى فى مصر إلى العالم، خاصة فى أوقات الأزمات، عبرتوفير المعلومات الدقيقة عن مصر فى مختلف المجالات (كالتاريخ و السياسة الخارجية والداخلية والمجتمع والفنون والاقتصاد والسياحة وغيرها) باللغات الأجنبية وتقديم التسهيلات للمراسلين الأجانب فى مصر لأداء عملهم،تعتبر مركزا للدراسات السياسية والإعلامية وأداة مهمة لتوثيق ذاكرة مصر عبر العصور. فمن خلال مطبوعاتها المجانية والأقراص المدمجة زهيدة الثمن تعرفت أجيال من رواد معارض الكتب على معاركنا الحربية وأعيادنا ورموزنا الوطنية والمواسم والعادات المصرية. على صعيد مواز، حدد بروتوكول تأسيس مراكز النيل التابعة للهيئة مهامها فى التثقيف السياسى وتوعية المواطنين بالقضايا الاجتماعية والمشكلات الوطنية والقضايا المحلية والبيئية فى المناطق الريفية والنائية فى أنحاء مصر.

الجدير بالذكر أن قضية الحفاظ على جبانة قويسنا التى تمثل ثلث آثار مصر تم اكتشافها من خلال أحد مراكز النيل بمحافظة المنوفية، بما يشى بأن تفاوت أداء الهيئة العامة للاستعلامات ومراكز النيل التابعة له مرهون باختيار القيادات وببيئة العمل..

ولأننا نحتاج اليوم لكل المهام الموكلة للهيئة العامة للاستعلامات داخليا وخارجيا، أظن أن علينا دراسة أسباب تراجع الأداء مؤخرا وسُبل ترشيد النفقات ومراجعة أسس اختيار القيادات فى مصر والخارج قبل أن نمارس هواية الإلغاء تطبيقا لشعار «انسف حمامك».. فمؤسساتنا أكبر من أن نتعامل معها بمنطق «كرسى فى الكلوب»..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1313 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع