ما ان يستبشر الناس خيرا في اسـتـتـباب الامن او قلة التفجيرات الارهابية كما تخبرنا الاحصاءات غير الرسمية ، حتى تـنـفـتح ابواب السجون ليهرب منها من يشاء من الارهابيين ، وسرعان ما ترتفع عقيرة بعض النواب والسياسيين في تصريحات تؤجج الوضع اشتعالا وتزيد النار حطبا في خطة محكمة لاقلاق المواطنين وارهاقهم بالخلافات السياسية بين الكتل والاحزاب .
طلعت علينا اخيرا قصة البنك المركزي العراقي والفساد الذي يعشعش فيه وصدور مذكرات القاء القبض بحق مديره ومجموعة من المدراء والموظفين الكبار بعد ان اشار العديد من السياسيين الى تهريب الدولارات في مزاد البنك وصرف الحوالات الوهمية وغير ذلك من ادعاءات لانـعـلم مدى صدقها وحقيقتها فلا نستطيع تكذيب السياسيين ولا تصديق البنك لاننا مثل الاطرش بالزفة ، فلا نحن على معرفة بمسيرة الدينار وكيف يخرج من الخزينة ووزارة المالية وكيف يصل الى البنك ولا بمسيرة الدولار وكيف يصل الى جيوب السياسيين والتجار والشركات ودكاكين التصريف التي يملكها بعض من لهم وشائج في الحكومة والمنتشرة في دول العالم المختلفة .
اغرب ما لاحظناه في التصريحات المتناقضة ان الامر لا يتعلق بالسيد مدير البنك المركزي سنان الشبيبي ، لانه مهني ولا يمكن الطعن بنزاهته ، وانما هناك فساد في البنك ، وربما يصل الامر الى مسؤولين خارج البنك ، وهكذا تبقى التصريحات تقود الاحداث مرة الى اليمين واخرى الى الشمال ، دون كشف اي حسابات او وثائق ، وانما تصريحات متلاطمة هنا وهناك حتى ضاع المواطن بين حانة ومانة .
ان القضايا المالية يجب ان تقترن بتدقيق مالي يكشف التزوير والاختلاس والرشوة والتلاعب ، لان اتهام اي شخص او جهة بتهمة التلاعب باموال الشعب العراقي تهمة خطيرة ترقى الى الخيانة العظمى ، ولكن الذي لاحظناه ان التزوير والسرقة والرشوة اصبحت عادة ملازمة لكبار المسؤولين والموظفين ، بدء من تزوير الشهادات الى اخذ الرشوة والعمولات ، حتى ان الوفود التي تجوب البلدان من اجل عقود شراء مع الشركات لا تتساءل عن مقاييس الجودة وانما عن مقدار العمولة التي تحصل عليها ، لذلك نجد عقودا بملايين الدولارات دون ان نجد تقدما في بلد يسبح على ابار النفط وميزانيته تعادل ميزانية عشر دول غير نفطية .
ان المواطن العراقي لا يستغرب وجود فساد في البنك المركزي لانه يرى الفساد امامه في كل شئ ، في الحصة التمونية ، في اخراج اية وثيقة من الدوائر البالية ، في السياسة في الانتخابات في الغذاء في الدواء في الماء وفي الهواء ... الخ
ومن علامات ودلائل الفساد عدم تقدم البلد الى امام وتقلبه في التخلف وسوء الخدمات وتسلق اصحاب الشهادات المزورة وغير ذلك مما يصعب تعداده وحصره في مقال او مثال .
ان الاجهزة الادارية المسؤولة بحاجة الى اعادة تقويم وتجديد وفق اسس حديثة ، وتقع على رئاسة الوزراء ومجلس النواب ورئاسة الدولة مسؤولية النهوض بالجهاز الاداري والمالي وانتشاله من الجهل والتخلف والفوضى وتشكيل ديوان رقابة مالية وادارية كفوء يستطيع النهوض بمسؤولياته على افضل وجه .
لا احد يجهل ان البنك المركزي العراقي هيئة مستقلة، ولكن هذا لايعني انه فوق الشبهات ولا يخضع لحساب او مساءلة ، الملاحظ ما ان يجري اي تدقيق او اتهام للمؤسسات الحساسة ترتفع الاصوات تنادي ان هذه المؤسسة مستقلة! ان استقلالية اية مؤسسة لا يمنع محاسبتها ولكن يجب ان تكون المحاسبة وفق القانون ومن قبل المؤسسات القضائية المسؤولة ، فالمسؤولية التي يضطلع بها البنك المركزي العراقي كبيرة وخطيرة تـؤثـر في سياسة البلد النقدية ، لذلك فان خضوع البنك المركزي الى سياسة الدولة يجب ان يتم من خلال مسؤوليته امام مجلس النواب ، ورسم سياسته بالتوافق مع وزارة المالية ورئاسة الوزراء ،اما ان تبقى الهيئات المستقلة دون رقابة او محاسبة او تدقيق فان ذلك يضعف سيطرة الدولة على مؤسساتها وتوجيهها بما يخدم الصالح العالم والسياسة العليا للبلد.
918 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع