اللهم لا تغفر لهم لأنهم يعرفون مايفعلون

                                 

                            هيفاء زنكنة

دعا مجلس الأمن إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة اثر مجزرة الشجاعية التي نفذها الكيان الصهيوني. ولأن الدعوة تساوي الضحية بالجلاد،

ولأن قرارات المجلس النهائية تعكس سياسة دول تملك حق الفيتو، سيكون لدعوة المجلس، غالبا، مصيريماثل عشرات القرارات حول القضية الفلسطينية والتي نحرتها أمريكا لصالح ربيبتها اسرائيل. التساؤل هنا، نتيجة هذه القناعة، هل نتوقف عن التعامل مع منظمات الامم المتحدة ومجلس الامن لعلمنا المسبق بلا جدوى العمل؟ هذه التساؤلات، نواجهها دوما ونحن نعيش تراكم الازمات والكوارث من صنع الانسان. وقد بانت بوجهها الواضح وانا اتلقى، اخيرا، دعوة لحضور واحدة من حلقات عمل عقدتها المفوضية السامية لحقوق الانسان، بجنيف، لمناقشة « تأثير التدابير القسرية المتخذة من جانب واحد على حقوق الانسان». الملاحظ ان حصار غزة بعامه السابع قد أهمل، وان تم بحث نتائج سياسة الامم المتحدة تجاه العراق، في فترة الحصار (1990 – 2003). أي بعد حوالي 24 عاما من فرض العقوبة الجماعية على شعب بكامله بحجة تغيير النظام، وبقرار احادي الجانب، فرض من قبل الولايات المتحدة الامريكية على مجلس الامن.
قد يكون لهذه الالتفاتة من قبل منظمة رسمية تابعة لهيئة الأمم المتحدة تأسست قبل سنوات قليلة، علاقة مباشرة بالسياسة الامريكية تجاه المنطقة ككل، لان العراق لم يكن البلد الوحيد الذي عاش الحصار، وان كانت فترة العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه هي الاقسى والاشمل في التاريخ المعاصر. كما ان من الاسباب المؤكدة الداعية الى التغيير هو ثبوت فشل سياسة فرض العقوبات في تغيير الانظمة أو اضعافها بل وان من نتائجها احيانا، حشد الرأي العام ضد الدولة الفارضة للعقوبات لصالح الحكومة المحلية، مهما كانت قمعية، كما بينت دراسة مؤسسة غالوب لاستطلاع الرأي الأمريكي والغربي عموما في استبيانها عن العقوبات على ايران. كما ان اعادة صياغة مفهوم الحرب التقليدي وخوض الحروب، باشكال جديدة، قلل او الغى الحاجة الى فرض الحصار على الشعوب والذي اثبتت تجربة العراق انه يثير غضب الرأي العام العالمي ولايحقق المراد منه.
في حلقة مناقشة تأثير الحصارعلى حقوق الانسان، خاصة، المرأة والطفل، قدمت ورقة، ركزت فيها على الجانب الاجتماعي والثقافي، فضلا عن انعكاسات تدهور الوضع الاقتصادي على الصحة والتعليم حيث تتداخل المسببات فيما بينها ومن الصعب الفصل بين تأثير وآخر كما انه من الصعب الفصل بين المرأة والرجل في بيان تأثير الحصار، الا في تأثير العنف الذي تتعرض له المرأة بسبب جنسها، فوحدة المجتمع واساسه، هي العائلة، وللعائلة الاولوية في المجتمع. وما يمس الفرد يمس الكل بدرجة او اخرى.
لقد أدى الحصار الى تدهور الوضع الاقتصادي للدولة وانعكس ذلك على رواتب الموظفين وعلى اطلاق وتنفيذ المشاريع، وادى منع استيراد المعدات والمواد بحجة الاستخدام المزدوج الى كارثة انسانية لامثيل لها. ولبيان التأثير الانساني والاجتماعي استعنت بمجموعة رسائل كنت قد قمت مع مجموعة من الناشطات العراقيات والاجنبيات تسمى «لنعمل سوية: نساء ضد الحصار»، بتجميعها وترجمة عدد منها، سوية مع المخرجة ميسون الباججي، عام 2002. كانت الرسائل شخصية موجهة من اهل العراقيين الموجودين في الداخل الى ذويهم في الخارج. تميزت الرسائل بالصراحة والعفوية وروح النكتة السوداء وبعدها عن الارقام والاحصائيات لتقدم صورة يومية عن صعوبة العيش والتأقلم في مجتمع بات بامس الحاجة الى الضروريات من طعام وملبس وعمل. واذا ما حاججنا الامم المتحدة حول حقوق الانسان، لوجدنا ان المنظمة من خلال مجلس الأمن، بشرعنتها وتطبيقها الحصار كانت قد أخلت، عمليا، بذات المبادىء التي يتضمنها بيان حقوق الانسان العالمي المتبنى من قبل المنظمة ذاتها، ومن بينها حق الحياة، المأكل والملبس، السكن، العمل، الصحة والتعليم، مما دفع مدير الوكالة الكاثوليكية للتنمية الى وصف الحصار بانه «كارثة انسانية لايمكن الدفاع عنها اخلاقيا وغير فاعلة سياسيا»، كما وصفه دينيس هاليداي الذي شارك في حلقة العمل، بانه «ابادة للشعب العراقي». المعروف ان هاليداي كان قد استقال من عمله كنائب الامين العام للامم المتحدة لبرنامج المساعدات الانسانية في العراق، وتفرغ للحديث بصراحة عن مأساة الشعب العراقي.
تصور معظم الكتابات، فضلا عن الرسائل، حالة الاحباط واليأس والاحساس بالعزلة عن العالم الخارجي الذي كان السمة الاساسية لمشاعر الناس حينئذ، وهو، كما اعتقد اساس كل ما نراه من مظاهر اجتماعية غير طبيعية نمت في الفترة التالية للاحتلال. واذا كان جندي الاحتلال الامريكي العائد من حربه على العراق بعد دورتين صار يعالج من الاضطرابات النفسية والكآبة وارتفاع حالات الطلاق والانتحار وارتكاب الجرائم، فكيف بالعراقيين ممن ولدوا في فترة الحرب العراقية الايرانية (1980- 1988) وعاشوا فترات غزو الكويت والقصف المستمر و الحصار والغزو، بلا علاج وبلا ما يشير الى فتح كوة للأمل في المستقبل.
حضر الحلقة ممثلو عشرات الدول، من جميع انحاء العالم وقد أكد المنظمون على ان خلاصة البحوث فيها سيقدم الى مجلس الامن في العام المقبل . ما تجدر الاشارة اليه هو الغياب البارز لامريكا واسرائيل والعراق. واذا ماكان غياب امريكا واسرائيل مفهوما، ماذا عن العراق؟ لماذا غاب ممثلو العراق، وهم بالعشرات في جنيف، لماذا لم يقتدوا بالحضور الايراني والسوداني والقطري ؟ ألم يكن بالامكان ارسال ولو متدرب شاب او شابة بالنيابة، خاصة، وان محور الجلسة كان آثار الحصار ضد العراق؟ الحصار الذي دفع منظمة اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية الى التقرير أن ما بين خمسة وستة آلاف طفل يموتون شهرياً بسبب العقوبات على الاقل؟ أم انهم يجدون التضحية بحياة هذا العدد الهائل من الاطفال مبررا لانهم يتفقون مع وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت التي قالت بان تغيير نظام صدام حسين يستحق ذلك؟
ألست محقة، في هذه الحالة، ان اكرر بيتا مقتبسا من قصيدة للشاعرة ذكرى محمد نادر، عن قيام «قوات التحالف» بقصف دير القديس متي، قرب الموصل، شمال العراق، وينطبق الامر ذاته على جرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، كله، جاء فيها : اللهم لا تغفر لهم، لانهم يعرفون ما يفعلون.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1434 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع