د. منار الشوربجي
وصل الصدام بين الرئيس الأميريكي باراك أوباما وخصومه الجمهوريين إلى مستويات غير مسبوقة، فقد هدد رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر، برفع دعوى قضائية ضد أوباما يتهمه فيها بإساءة استغلال سلطاته كرئيس للجمهورية،
فاتهم أوباما الجمهوريين في الكونغرس بأنهم لا يفعلون شيئاً مما ينبغي أن يقوموا به من أجل الصالح العام، وتحدى بينر قائلاً »طالما هم لا يفعلون شيئاً فإنني لن أعتذر عن أنني أفعل«. والحقيقة أن الاستقطاب الأيديولوجي بين الديمقراطيين والجمهوريين، دائر في واشنطن حتى قبل وصول أوباما إلى البيت الأبيض.
وربما ترجع أصوله إلى أوائل التسعينات، حين تمكنت مجموعة نيوت غينغريتش من الحصول على الأغلبية في مجلس النواب. وكانت مجموعة مختلفة، ليس فقط أيديولوجيا وإنما من حيث أدائها، فهي كانت أكثر عدوانية وغيرت ثقافة المؤسسة التشريعية التي قامت لعقود طويلة على الودية في التعامل بين أعضاء الحزبين. وقد سمم ذلك الحياة السياسية، فكان من بين تعهدات أوباما الانتخابية العمل على تفكيك الاستقطاب، وتغيير الطريقة التي تدار بها الأمور في واشنطن.
لكن فوز أوباما كأول رئيس أسود، رفع حدة عداء بعض قطاعات الحزب الجمهوري، فزاد من تعقيد الاستقطاب السياسي، الذي فشل أوباما في تفكيكه، بل صار هو نفسه أحد أسبابه الرئيسية.
وقد نجحت حركة حفل الشاي عام 2010 في تحقيق فوز عزيز للجمهوريين في انتخابات الكونغرس، وإلحاق هزيمة منكرة بحزب الرئيس، الأمر الذي جعل الجمهوريين قادرين على عرقلة أجندة الرئيس ووقف الكثير من مشروعاته، خصوصاً في مجلس النواب الذي صارت الأغلبية فيه للجمهوريين.
وقد نتج عن ذلك أن لجأ الرئيس في بعض الأمور إلى ما يعرف »بالأمر التنفيذي«، وهو أداة لها قوة القانون تستخدم من جانب الرؤساء بشكل مستقل عن الكونغرس. وقد استخدم كل الرؤساء الأميركيين »الأوامر التنفيذية« حال اختلافهم مع الكونغرس، حيث استخدمها ترومان للمساواة بين البيض والسود في الجيش، بعد أن رفض الكونغرس الموافقة على تشريع يقضي بذلك، واستخدمها كلينتون لدعم بناء المدارس ومنع التدخين.
أما بوش الابن فكان أكثر الرؤساء الأميركيين توسعاً في استخدامها على نحو ربما خالف الدستور، إذ أنشأ مثلاً مكتب الأمن الوطني التابع للبيت الأبيض بأمر تنفيذي، وعين الكثيرين من رموز إدارته بأوامر تنفيذية حين رفضهم الكونغرس الديمقراطي. وقد سار أوباما على خطى سابقيه، فاستخدم الأوامر التنفيذية لتنفيذ أمور عرقلها الجمهوريون في مجلس النواب. لكن الجمهوريين هذه المرة قرروا أن في استخدام الأوامر التنفيذية افتئاتا من جانب الرئيس على صلاحيات الكونغرس الدستورية، فهدد بينر برفع الأمر للقضاء.
أكثر من ذلك، بدأت دوائر يمينية تعلن عن دعوتها لعزل أوباما بناء على الأسس نفسها، أي عزله لأنه تجاوز وأساء في استخدام سلطاته، وهو ما تجسد في استخدامه الواسع للأوامر التنفيذية واتخاذ القرارات منفرداً، خصوصاً ما يتعلق منها بقانون الرعاية الصحية والتفاوض مع طالبان للإفراج عن الجندي الأمريكي الأسير، فضلاً عن الطاقة والتعليم. إلا أن رد فعل أوباما كان ساخراً متحدياً، فهو اختار أن يتحدث في الموضوع من أمام كوبري تحت الإنشاء، من ضمن عشرات المشروعات التي رفض الجمهوريون التجديد للهيئة التي تتولاها.
ومن هناك قال أوباما إن مثل هذه المشروعات ستخلق آلاف الوظائف، وإن كل الدول المتقدمة تنفق أموالاً من ميزانيتها على تطوير بنيتها التحتية، قائلاً في تحد »هذا ليس عملاً مجنوناً ولا هو اشتراكية ولا هو رئاسة إمبراطورية... لكنهم ليسوا مشغولين بمثل هذه الأمور، لا، هم لا يفعلون شيئاً«.
اللافت للانتباه هو أن أوباما استغل الموضوع انتخابياً، فاستخدم خطاباً منقولاً عن الرئيس ترومان، حيث راح يصف الجمهوريين في الكونغرس بأنهم »لا يفعلون شيئاً«، وهي العبارة نفسها التي استخدمها ترومان، ولكن على الكونغرس بأكمله، في أربعينات القرن العشرين، وفاز بالرئاسة بناء على ذلك الشعار! ولأن أوباما لن يخوض انتخابات قادمة، فإنه يستخدم هذا الخطاب ليساعد حزبه في انتخابات نوفمبر التشريعية.
الأطرف من ذلك أن أوباما، كخصم، قال للجمهوريين ما يقوله الباحثون من أمثالنا طوال الوقت، وهو أن الحزب الجمهوري صار أكثر يمينية من أي وقت مضى، وأنه صار طارداً للأقليات وللمرأة والشباب. لكن صدور مثل ذلك الكلام من الخصم، يكون بالتأكيد موجعاً بدرجة أكبر بكثير بالمقارنة بصدوره عن غيره.
فأوباما قال صراحة »مع الوقت، سيعود الجمهوريون إلى الوسط مرة أخرى، لأنهم إن لم يفعلوا فلن يفوزوا بالرئاسة أبداً«.
غير أن الأكثر دلالة من هذا وذاك، هو ما غاب من موضوعات في ظل هذا الاستقطاب.
فلأن الأيديولجيا هي جوهر الصراع السياسي، فإن الموضوعات التي طرحها الجمهوريون مثار قلق بسبب توسيع المؤسسة التنفيذية، وليس فقط الرئاسة، لصلاحياتها فيها على حساب الكونغرس، ودون علمه في أحيان كثيرة، لم تتضمن مطلقاً قضايا الحريات. فهي لم تتطرق لقضايا التجسس على الأميركيين دون علمهم ولا علم الكونغرس، ولا هي تطرقت للتجسس حتى على لجنة الاستخبارات في الكونغرس المنوط بها دستورياً الرقابة عليها. القضية إذن صراع أيديولوجي سياسى، لا صراع مبدئي حول أزمة دستورية كما يزعم الجمهوريون.
1167 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع