أطلقتُ تنهيدة طويلة عندما سمعتُ خبر حصول الاتحاد الأوروبي على جائزة نوبل للسلام هذا العام. هذه الجائزة التي تحلم الكثير من المنظمات والمؤسسات والنخب المثقفة، بالحصول على جائزتها في فرع من فروعها كونها الأشهر في العالم. هذه الجائزة العالمية التي تأسست على يد "ألفرد نوبل" المهندس الكيميائي السويدي الذي أراد أن يُكفّر عن خطيئته لاختراعه مادة "الديناميت" في قيامه بالتبرّع بثروته الطائلة من أجل خدمة الإنسانية.
انقسم الناس ما بين مرحب وممتعض لحصول الاتحاد الأوروبي على هذه الجائزة، حيث يرى المؤيدون أن الاتحاد الأوروبي قد ساهم مساهمة فعّالة في توحيد أوروبا، وفي إشاعة السلام، وفي بتر جذور الخلافات التي استمرت عقوداً طويلة بين بلدان أوروبا.
المعارضون يرون بأن الاتحاد الأوروبي لا يستحق هذه الجائزة، خاصة مع المظاهرات التي تجوب أنحاء اليونان نتيجة برنامج التقشّف الذي تسعى لتطبيقه حكومة اليونان بضغوط من الاتحاد الأوروبي كي تبقى في منظومة الاتحاد، وهو ما جعل الشعب اليوناني يخرج متذمّراً على ما آل إليه وطنهم في ظل أزمة اليورو والديون المتراكمة.
لم يقف الحال عند اليونان، بل ها هي إسبانيا تتبع اليونان التي يُطالبها الاتحاد الأوروبي هي الأخرى بالتقشف، وهو ما دفع الإسبان نحو الخروج إلى الشوارع اعتراضاً على سياسة التقشف التي قررت حكومتهم تنفيذها لحل أزماتها المالية.
بريطانيا من الدول التي أظهرت امتعاضها من حصول الاتحاد الأوروبي على جائزة نوبل، مقللة من الدور الذي يلعبه الاتحاد، وأنّ ما جرى يُعتبر شيئاً هزلياً ومدعاة للسخرية، كون الاتحاد الأوروبي فشل في ردم هوّة الخلافات، ولم ينجح في تحقيق السلام ولم الشمل.
سبحان الله! بلدان تحاول أن تخرج من ضائقتها المالية ببرامج تقشف حقيقية كي تحمي مستقبل أبنائها، وبلدان حباها الله بوفرة مالية مع هذا يُعاني شبابها من البطالة وينخر سوس الفساد في بنية وزاراتها ومؤسساتها الحكومية دون أن تجد من يقف في وجهها ويقول لها بنبرة حازمة... ارحمي الأجيال القادمة من الضياع والتي لن تجد سوى الفتات لتقتات منه هذا إن وجدته أصلاً!
مهما قيل عن سلبيات الاتحاد الأوروبي، إلا أنه نجح فيما أخفقنا فيه نحن كعرب! الغريب أننا قبل اتفاقية "سايكس بيكو" لم تعرف أوطاننا حدوداً ولا تأشيرات للتنقل! وكانت بلداننا حرّة مستقلة! بعد هذه الاتفاقية اللعينة انقلب الحال لتُصبح بلداننا تُحيط بها الأسوار الحديدية والمباني الأسمنتية ودفنا تاريخ وحدتنا دون أن يهتزّ لنا جفن!
أنا لا أطالب بترك الحبل على الغارب خاصة مع براكين التطرّف الفكري التي تغلي تحت الأنقاض! ولكن أليس من حقّي وحقك أن نحلم بأن يُصبح لدينا اتحاد عربي يُناقش قضايانا الرئيسية، ويسعى لحل مشاكلنا من أجل مستقبل أجيالنا القادمة؟! أليس من حقي وحقك أن نتطلّع إلى وجوب سن قوانين عربية تلم تشرذمنا الذي طال أمده، وتجعل شعوبنا تنام وهي مرتاحة البال على أسرّتها دون أن تُعامل كمتطفلة داخل أوطانها؟!
في رأيي جائزة نوبل لم تُخطئ حين قدّمت جائزتها للاتحاد الأوروبي. ومهما قيل عن سلبياته إلا أنه نجح في تجميع بلدانه تحت سقف واحد، حتى وإن كان هذا السقف يحتاج إلى ترميم بين حين وآخر! المستقبل لا يمكن أن يكون مضيئاً بإشعال السراج وتركه للصدف! هو يحتاج إلى وقود للبقاء ولكننا اعتدنا النفخ في الشعلة كي يبقى ضؤءها طوال الليل، ونتعامل معها بسذاجة العارفين وهذه من أكبر مصائبنا! وما زال الحديث مستمرّاً عن جائزة نوبل.
862 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع