زينب حفني
تزايدت ظاهرة التحرّش الجنسي بالسنوات الأخيرة لتُصبح مصدر خوف وقلق للكثير من الأسر. وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على عالمنا العربي بل غدت تشمل كافة مجتمعات العالم، وصبيحة كل يوم تقريباً صرنا نسمع عن واقعة هنا وهناك لحادثة اغتصاب أو تحرّش جنسي.
في الأسابيع الماضية وقعت حادثة تحرّش بولاية تكساس الأميركيّة، حين أبلغت طفلة في السادسة من عمرها والديها بأن المدرّس انفرد بها أثناء فترة الاستراحة طالباً منها اللعب معه وأثناء تلك الفترة قام بالتحرّش بها في الفصل. وقامت السلطات بالقبض عليه بعد أن أبلغت والديها عن الواقعة.
في الهند يأخذ الأمر بعداً أكثر وحشيّة، حيث تُقتل الضحية في الأغلب بعد اغتصابها. وفي الآونة الأخيرة قام مجموعة من الشباب بالتناوب على اغتصاب مراهقتين وتمَّ بعدها تعليقهما شنقاً على أحد الأشجار، وهو ما أثار حفيظة الشارع الهندي، وأدّى لخروج الناس في مظاهرات للمطالبة بتطبيق قوانين صارمة في حق مرتكبي حوادث الاغتصاب والتحرّش الجنسي. في مصر بعد ثورة 25 يناير ارتفعت حالات التحرّش الجنسي، وكان آخرها حادثة فتاة التحرير التي حدثت أثناء الاحتفالات التي جرت بمناسبة تنصيب السيسي رئيساً، ما أدّى إلى قيام الاتحادات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان بالتنديد بما يجرى والمطالبة بسن عقوبات صارمة على أصحابها.
في السعودية رغم سياسة التكتّم التي تتبعها وسائل الإعلام في التعامل مع قضايا التحرّش الجنسي والاغتصاب، إلا أن الإعلامي داود الشريان نجح في تسليط الضوء مباشرة عليها من خلال لقاء مع أبوي طفل صغير بالمرحلة الابتدائيّة، قام مجموعة من التلاميذ أعلى منه مرحلة بالتناوب على اغتصابه. وهو ما دفع الأبوين إلى اللجوء للإعلام كي يأخذا حق ابنهما الذي سيظل يحمل عقدته في أعماقه حتّى نهاية عمره.
هل هناك خلل ما، أدّى إلى انفراط سبحة الأخلاق وضياع النخوة؟ لماذا ارتفعت نسبة التحرّش الجنسي وحالات الاغتصاب في العالم بأسره؟ لماذا لم يعد الوازع الديني يُوقظ الضمائر النائمة، حين يُفكر الجاني في هتك عرض ضحيته والمساس بكرامتها؟ لماذا لم تنجح المؤسسات التربويّة ووسائل الإعلام في معالجة هذه القضية الحساسة؟
الإعلامي المصري معتز الدمرداش كان قد عرض منذ فترة ببرنامجه، مقطع فيديو يُبيّن كيف قام مراهقان بالتحرّش بمراهقة في الطريق العام. الدمرداش استضاف على الهاتف والدة أحد المراهقين، والتي بررت فعل ابنها بأنه نوع من التقليد الأعمى لبرامج الكاميرا الخفيّة وغيرها من البرامج الفكاهيّة التي تعرضها القنوات الفضائيّة يومياً، متهمة إياها بأنها لا تُراعي وجود مراهقين يتأثرون بما يُتابعون!
حتماً أي أم ستدافع عن سلوكيات ابنها خوفاً على مستقبله، وإنْ كان فعله الشائن موثقاً بالصوت والصورة! لكن على الأمهات أيضاً أن يضعن بناتهنَّ أو قريباتهنَّ في مثل هذا الوضع، ولحظتها سيجدنَ أنفسهنَّ رافضات تبرير هذا الخطأ الفادح جملة وتفصيلاً.
هل مجتمعاتنا تعيش أزمة أخلاقيّة؟ بلا شك أن المؤسسات التربويّة تتحمّل المسؤولية الكبرى، فالبيت والمدرسة هما النبعان اللذان يستقي منهما الطفل مبادئه الأولى. يأتي بعدها دور الإعلام بقنواته المتباينة في وجوب حرصه على عرض برامج مسلية وهادفة تُساهم في ترسيخ ثقافة القيم والمثل العليا. يأتي بعدها دور الفن في عرض مسلسلات تُحاكي الواقع وتُوضّح الخطوط الرفيعة بين الفضيلة والرذيلة، خاصة وأن الفن صار متهماً بأن مضامينه تُثير غرائز الشباب، ولم تعد تُراعي الضوابط الأخلاقيّة! مجتمعاتنا تستحقُّ أن نعيد ترميم بنائها من حين وآخر، فنُزيل التالف منها ونُبقي على ما فيه الخير لها، كي لا تسقط إلى الأبد في وكر الرذيلة.
1116 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع