زيد الحلي
أحيانا تضيق النفس وتضجرّ، فيأخذ القلم مجراه على الأوراق ، ويصبح هو المصلى وهو الصلاة ، وتعتبر هذه الحالة ، ضرورة حياتية ونفسية , وهي ارقى اشكال التعبير عن عمق الذات البشرية , وفيها السمو والرفعة , وفيها ومنها يكمن الدخول الى مشاعر المرء ، في كل مناحيه ..
واظن انني اثقلت على ذاتي كثيرا في الأيام القليلات الماضيات ، وانا اتحسس ما يجري في وطني بسبب الأحداث السريعة الأخيرة ، وما ينخر في واقعنا الإجتماعي من قلق وتردد ، وخوف من المجهول ، وعدم اطمئنان لليوم والغد ، واصبح الشرود الذهني ، حقيقة معاشة ، وقد ذكر لي صديق صيدلاني ان الاقبال زاد على ادوية المهدئات بشكل لافت .. لماذا؟ سؤال صغير ، لكن اجابته عصية على الإفصاح .. فهل من المنطقي ان يضيع المواطن العراقي ، في تيه اللاجدوى من الحياة ؟... يُصبّح على خبر سيء ، ويُمسي على خبر اسوء. لقد باتت حياة المواطن لا تسير على وتيرة اطمئنان واحدة، ولا تمضي على نمط واحد من التفاؤل، بل هي اصبحت خليط من التجارب المرة والانفعالات والعواطف المختلفة ، فأخذ يشعرفي اليوم الواحد ، او الساعة الواحدة بالحب للحظات، وبالكره للحظات آخرى ، ويشعر بالخوف والقلق تارة وبالأمن والطمأنينة وسكينة النفس تارة أخرى، ويشعر بالفرح والسرور بعض الوقت وبالحزن والكآبة في بعض الأحيان، وهكذا تمضي حياته اليومية في تغيير مستمر وتقلب دائم ، إنه القلق بعينه ، والقلق كما هو معروف من الأحاسيس المؤلمة وأساس المتاعب النفسية التي يعاني منها الانسان المرتبك .. وكذلك الانسان الباحث عن لقمة عيشه اليومية في اجواء مضطربة بين اخوة الوطن الواحد ... حتى انني شاهدتُ الفقر يعربد في الطرقات ويهدم روح الانسان... وهي ابرز حالات القلق الانساني . الى جانب ، حالة القلق اليومي التي باتت سمة واقعنا المعاش ، نجد حالات دمار الذاكرة والتذكر ، وهي عقبة كأداء في سيرورة المجتمع .. وهاكم ما مررت به امس : كنتُ في حافلة صغيرة لنقل الركاب ، انطلقت من الكرخ الى الرصافة ، وحينما اجتزنا جسر الجادرية ، نبّه السائق بصوت مسموع ، الركاب الراغبين بالنزول امام جامعة بغداد ، ويبدو انه اعتاد ذلك ، لكثرة الطلبة المتجهين الى الجامعة ... فأستجاب لتنبيهه ثلة من الركاب ، فغادروا الى مقصدهم ..وبقيت وبضعة اشخاص وشابة ، يدل محياها على انها طالبة ... وبعد فترة ليست بالقليلة ، من انطلاق الحافلة ، سمعت هذه الشابة ، وهي تطلق صيحة كتومة ، مطالبة السائق بالتوقف وهي تولّول مع نفسها بصوت مسموع ، لكنها مع ذلك اعتذرت من السائق ذاكرة ان مقصدها كان جامعة بغداد .. لكن قلقها على والدها الغائب منذ يومين دون ان تعرف عائلتها مكانه ، جعلها في في حالة شرود مستمر .. عذرّناها ، وخففّنا عنها حالتها ، لكن دمعها انثال .. وما اصعب دموع العذارى !
انا على قناعة بأن حقيقة المواطن في ظرفنا الراهن ، ليست بما يُظهر، بل بما لا يستطيع ان يُظهر، لذلك اذا ارادت الحكومة او اية جهة مسؤولة، ان تعرف الحقيقة ، فلا تصغ الى ما يقوله المواطن .. بل الى مالا يقوله !!!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
2370 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع