إشكالية بناء المعرفة في أرض العرب

                                        


                        د. علي محمد فخرو

هناك الكثير من المؤلَّفات والمقالات التي تؤكد أن قوة ومكانة الأمم ستعتمد في المستقبل المنظور على مقدار ما تولده من معرفة تمكنها من امتلاك التكنولوجيا من جهة ومن الابتكار والتجديد في شتًّى حقول الانتاج والخدمات والنُّظم من جهة أخرى.

امتلاك التكنولوجيا، من خلال القدرة على الاختراع والتحسين والصيانة، يتمُ عادة بواسطة مؤسسات تخلقها الدولة وتصرف بسخاء لانجاحها من مثل مؤسسة الصناعات الحربية الوطنية، وذلك حتى لا تعتمد في أمنها القومي على قوى الخارج واملاءاتها وابتزازها، أو من مثل مؤسسة الفضاء لارسال أقمار صناعية فضائية غير خاضعة لقوى خارجية.

أما امتلاك معرفة الابتكار والتجديد فانه موضوع بالغ التعقيد يحتاج الى تعليم جامعي رفيع المستوى لتخريج المبدعين والباحثين المتميزين، ويحتاج الى مراكز أبحاث في داخل الجامعات وفي خارجها، ويحتاج الى ربط محكم بين نتائج الأبحاث وبين عجلة الاقتصاد، وذلك من أجل القدرة على المنافسة في الأسواق الوطنية والعالمية.

وفي الثلاثين سنة الماضية نجحت العديد من الدول، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، في معرفة امتلاك التكنولوجيا وبدأت تستقل عن الخارج في حقول التكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا الفضاء وبعض تكنولوجيا الطاقة. وهي في طريقها الى امتلاك معرفة الابتكار والتجديد لتصبح قوى اقتصادية يحسب لها في الأسواق الدولية. تلك أمثلة لدول تنتمى الى العالم الثالث الذي ننتمي نحن العرب اليه.

هنا نصل الى مانريد قوله عن واقع عربي مفجع بالنسبة لنوعي المعرفة. فكل دول الوطن العربي، منفردة أو مجتمعة، لا تملك معرفة ذاتية قادرة على اختراع وامتلاك وصيانة وتحسين تكنولوجيا العصر. وهذا مايجعلها معتمدة في أمنها الوطني والقومي اعتماداً كليا على معاهدات أمنية تكبل استقلالها الوطني وعلى شراء أسلحة تباع لها بألف شرط وشرط ويحدُّ من فاعلية تلك الأسلحة ومن حرية توقيت استعمالاتها.

والأمر نفسه ينطبق على حقل تكنولوجيا الطاقة. فبالرغم من أن الوطن العربي يسبح على بحار من البترول وعلى أكوان من الغاز، وهما أساس الطاقة في العصر الذي نعيش، الا أننا، وبعد مرور حوالي ثمانين سنة على اكتشاف البترول في جزء من الأرض العربية، لم ننجح في امتلاك تكنولوجيا الطاقة ومازلنا نعتمد اعتمادا شبه كلي على الشركات الأجنبية، علماً واختراعاً وتطويراً. هل من فضيحة أكبر من هذه؟

أما موضوع بناء وامتلاك معرفة الابتكار والتجديد فانه أكثر مأساوية وفشلاً. فمتطلبات بنائه من تعليم جامعي ابداعي يخرج قوى عاملة قادرة على الابداع وعلى اجراء البحوث الجادة لم توفرها الدَولة العربية الحديثة حتى في دول الغنى النفطي. ولعل موجة الهجمة الهائلة للجامعات الخاصة، الوطنية والخارجية، هي خير دليل على ذلك الفشل.

ومن جهة أخرى امتنعت الدولة العربية عن دعم البحوث في الجامعات والتي هي ضرورية لأي جامعة تحترم نفسها، لا دعم الأساتذة والطلبة الباحثين ولاتمويل مراكز البحوث الجادة سواء في داخل الجامعات أو خارجها واكتفت بمراكز بحوث أغلبها يجتر معرفة الآخرين أو يلمع صورة الأنظمة السياسية وبالتالي فان نتاجها لن تضيف الى القدرة الاقتصادية ذرة اضافية واحدة.

في وطن عربي سمحت حكوماته بوجود نسبة أمية تصل الى ثلاثين في المائة على مستوى الوطن الكبير كله، وتتحدث الكثير من التقارير الدولية والمقالات التربوية عن تراجعات مقلقة في مستوى ونوعية التعليم في جميع مراحله، وتقبع نسبة البحوث المنشورة من قبل جامعاته ومراكزه البحثية في الحدود الأدنى من النسب العالمية.... في وطن كهذا هل يمكن الحديث عن نوعي المعرفة اللتين تحدثنا عنهما سابقاً؟

لا يمكن على الاطلاق الأمل بحلٍّ اشكاليتي المعرفة، بنوعيهما، الا اذا جرت تغييرات كبرى في نوع وتنظيم سلطات الدولة العربية. وهذا مربط الفرس ونقطة الانطلاق.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1172 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع