إدارة المعارف العراقية في اوائل العشرينيات
أعلن رئيس الوزراء البريطاني، لويد جورج في خطاب له امام مجلس العموم في 15 كانون الثاني 1918، بأن العراق واحد من المناطق المنسلخة المؤهلة للاعتراف به ككيان مستقل،
وفي العشرين من شباط التالي أستدعت لجنة الشرق الأوسط (لجنة ما بين النهرين سابقاً) برسي كوكس الى لندن لتباحث معه حول الموضوع نفسه.وقد كرر كوكس امام اللجنة رفضه التام لموضوع الفصل الاداري بين البصرة وبغداد،
وأكد على ضرورة دمجها في أدارة واحدة كخطوة نحو الدمج الكامل للمناطق العراقية كافة، وأن لايستخدم في وظائف الادارة الجديدة وخصوصا الوظائف العليا أي عراقي، كما اقترح شكلين من أشكال الادارة المرغوب أقامتها في العراق يتالف الشكل الاول من حكومة بريطانية برئاسة مندوب سام، على أن يساعده مجلس استشاري مؤلف من رؤوساء الادارات الرئيسة ومن عراقيين يتم اختيارهم من الشخصيات المحلية البارزة اما الشكل الثاني فهو مرتبط بردود الفعل الدولية السلبية ازاء الشكل الاول عند ذلك تصبح مسألة تشكيل حكومة محلية أسمية أمراً ضرورياً،على أن يتولى رئاستها شخصية عراقية، كعبد الرحمن الكيلاني نقيب أشراف بغداد.
ويبدو أن اختياره لهذه الشخصية جاء لاسباب تتعلق بمكانته الأجتماعية الكبيرة بين السكان والتي من الممكن استغلالها لجلب تعاطفهم مع البريطانيين.فضلا عن قلة طموحاته السياسية، واستعداده اللامحدود للتعاون مع سلطات الاحتلال.
وافقت اللجنة على مقترحات كوكس، وخولته العمل بموجبها، ولكن قرار نقله المفاجى الى ايران في ايار 1918، قد وضع مسؤوليته تنفيذ الاتفاق على عاتق وكيله أرنولد ولسن الذي كان يتطلع الى مثل هذا المهام بشغف كبير، إذ يجد فيها وسيلة لتحقيق طموحة في أن يصبح شخصية سياسية وأدارية مرموقة.
باشر ولسن بتنظيم الادارة المدنية حسب تصوراته مستغلا تردد حكومة لندن في أتخاذ قرار حاسم يحدد شكل الحكم البريطاني في العراق، فضلا عن عدم تضمن مقترحات كوكس الى اللجنة الادارية لبلاد مابين النهرين أي مسارات عمل محددة، مماترك الابواب مفتوحة للاجتهادات كافة. وبحلول أيلول 1918 شكلت في بغداد ادارة موحدة لادارة ولايتي بغداد والبصرة العثمانيتين ثم الموصل في ايلول 1919، وكانت عبارة عن صيغة لحكومة منظمة، تألفت من دائرة الحاكم المدني العام وخمس سكرتاريات، وعدد من المديريات الملحقة.
المعارف: وقد انتدب لادارتها ناظر المعارف المصرية البريطاني الميجر همفري بومان Himfree Buman. فقام بتنظيمها على هيأة أدارة مركزية تألفت من مقر عام (نظارةالمعارف العمومية) وعدد من الدوائر التنفيذية، تألف المقر العام من مكتب ناظر المعارف، وقسم التفتيش (تألف من معاون المدير البريطاني المستر سمرفيل وثلاثة مفتشين عراقيين وهم يوسف عزالدين مفتش معارف منطقة بغداد وسليم حسون، ومفتش معارف المنطقة الشمالية، وعبد الرزاق ابراهيم مفتش المركز العام ببغداد) وقسم القلم العربي،ويضم عددا من الكتاب والمترجمين وتولى الأعمال الكتابية الروتينية لنظارة المعارف.
اما الدوائر التنفيذية فتألفت من ثلاث مديريات معارف وهي:
1.مديرية معارف المنطقة الشمالية ومقرها الموصل وتشرف على مناطق الموصل وكركوك واربيل والسليمانية.
2.مديرية معارف المنطقة الوسطى ومقرها بغداد وتشرف على مناطق بغداد والدليم وبعقوبة وكربلاء والنجف والديوانية والحلة.
3.مديرية معارف المنطقة الجنوبية ومقرها والبصرة وتشرف على مناطق البصرة والقرنة والعمارة والناصرية والكوت. وفي أواخر سنة 1920 استحداث مديريتين اخريتين وهما:
أ.مديرية معارف المنطقة الشرقية ومقرها كركوك وتشرف على مناطق كركوك والسليمانية وأربيل.
ب.مديرية معارف المنطقة الغربية ومقرها الديوانية وتشرف على مناطق الديوانية وكربلاء والنجف والحلة بعد فصلهم عن بغداد والسماوة.
واشتملت اجراءات بومان التنظيمية على جعل اللغة العربية لغة التعليم الرسمية بدلا من التركية، وقسم مراحل الدراسة على ثلاثة اقسام، الدراسة الاولية ومدتها سنتان، والدراسة الابتدائية ومدتها اربع سنوات، والدراسة الثانوية ومدتها أربع سنوات. وحدد عمر المتقدم للقبول في المدارس الابتدائية بان لايقل عن ست سنوات ولايزيد عن ثلاث عشر سنة، واشتراط على المقبولين دفع أجور دراسية مقدارها روبية واحدة شهريا باستثناء الفقراء الذين عليهم ان يقدموا شهادات تثبت فقرهم. كما وضع منهج التدريسات للمرحلتين الاولية والابتدائية، وجداول حصص الدروس الاسبوعية.
وعلى الرغم من أهمية التنظيمات التي وضعها بومان في مسار تطور التعليم في العراق، فانه كأي موظف أخر في الدائرة السياسية كان عليه أن يلتزم بخطط ومقرارات رؤساءه بخصوص تركيز الاهتمام بالتعليم الابتدائي دون الثانوي، لتجنب مشكلة بطالة الخريجين على حد زعمه، وإذا كان ولابد من ذلك، فيجب حصره في عدد محدود من الطلاب وخاصة الذين يستطيعون الافادة منه.
ادارة المعارف في بدء الدولة العراقية
أدمجت نظارة المعارف والصحة العمومية بوزارة واحدة من وزارات الحكومة العراقية المؤقتة (25 تشرين الاول1920 –10 ايلول 1921) وهي وزارة المعارف والصحة العمومية، وقد تألفت النظارة من مقر عام أشتمل فضلا عن الوزير على كل من البريطانيين مستشار الوزير لشؤون المعارف المستر نورتون E.L.Norton ووكيل نظارة المعارف Lionele, Smithوعندما ترك نورتون العمل في العراق في اوائل 1921 عين وكيل النظارة مستشارا بالوكالة وبسبب مرض الاخير وسفره الى لندن حل محله في الاستشارة والوكالة الكابتن جيروم فارل Jerume Farell حتى عودته الى العراق في بداية سنة 1923، كما تألفت من معاون وكيل المستر ج.أي.كان G.A.Cane ورئيس هيأة التفتيش المستر ج. سمرفيل G.Samerfiel كما أشتمل على سكرتيرعراقي وهو السيد مصطفى على السيد مسعد، وكان يشرف على الاقسام الادارية للنظارة التحرير والذاتية والمحاسبة والتعريب والمخازن. وللنظارة ثلاث ادارات تنفيذية من أصل خمس كانت موجودة في العراق قبل ثورةالثلاثين من حزيران 1920. وقد الغيت منها أثنان بسبب الاضطرابات التي حدثت في مناطقها من جراء الثورة المذكورة. والادارات الثلاثة هي :
1.منطقة معارف بغداد، وتولت ادارة معارف ضمت الوية بغداد والدليم وديالى والكوت، وكانت تشرف ايضاً على معارف الوية المنطقة الغربية الملغاة والتي تشمل كل من كربلاء والنجف والحلة والديوانية، وكان يديرها العراقي يوسف عز الدين، وضم ملاكها مديرا للالعاب الرياضية ورئيس كتاب ومحاسب وكاتب طابعة وكاتب السجلات وكاتب الذاتية.
2.منطقة معارف الموصل، وتولت ادارة معارف لواء الموصل وحدة وكانت تشرف على معارف الوية المنطقة الشرقية الملغاة كركوك واربيل والسليمانية وكان يديرها البريطاني و.و.ج. برايورO.O.G.Braioure، وضم ملاكها مفتش اللغة النكليزية البريطاني و.ج. كاليل O.G.Kaliyle،ومفتش معارف الموصل العراقفي سليم حسون، ومفتش مدارس كركوك والسليمانية واربيل محمد شبعه،وضم الملاك رئيس كتاب، ومحاسب وكاتب طابعة ومامور مخزن وكاتب الذاتية.
3.منطقة معارف البصرة وتولت أدارة معارف الوية البصرة والعمارة والمنتفك وكان يديرها البريطاني، اف،بي رايلي F.B.Raielyوضم ملاكها عددا من العراقيين كمفتش اللعاب الرياضية ومفتش اللغة الانكليزية ورئيس كتاب ومحاسب وكاتب طابعة وكاتب الذاتية ومامور مخزن.
وقد الحقت دائرة الاثار بعد تأسيسها في اواخر 1921 بالمعارف. ولكن اعيد فصلها ثانية في سنة 1922 ، كما الحق بها كلية الحقوق في 4 اذار 1924.
وعلى الرغم من عد سلطة الأنتداب الادارة التعليمية من الادارات الثانوية فان الاستشارة البريطانية حاولت أن تسير بالعملية التعليمية بعيداً عن طموحات العراقيين ومع ذلك فقد حظي التعليم باهتمام رسمي وشعبي ملحوظ، على اعتبار الثقافة الدعامة التي يستند عليها الاستقلال الحقيقي للبلاد، وانها من الوسائل الفعالة في نهوضه ورفع مستواه.وفي ضوء هذا الادراك لاهمية التعليم قام عبد الرحمن النقيب باستحداث وزارة مستقله للمعارف في حكومته الثانية (12 ايلول 1921 –19 اب 1922) للاشراف على رسم السياسة التعليمية وتنفيذها من اعلى المستويات، وبعد ان تسلمت الوزارة لمسؤولياتها الادارية أعادت العمل بمجلس المعارف المركزي.الذي كان معمولا به في العهد العثماني، لغرض الاستئنساس باستشارته والتحرك على الاهالي لحثهم على أرسال ابنائهم الى المدارس والتبرع بالمال لصالح حملة بناء المدارس. ولكن المجلس الغي بعد مرور اقل من سنة على تأسيسه بموجب قانون مجالس المعارف الصادر في 6 حزيران 1922 والذي تقرر فيه تاسيس مجلس معارف في كل لواء من الالوية العراقية ويكون برئاسة متصرف اللواء وعضوية كل من مديرالمعارف وعالمين من علماء المسلمين ومديرين من مدراء المدارس الاولية والابتدائية ومدير المدرسة الثانوية واربعة من الاهالي يتم انتخابهم بواسطة المجلس البلدي، وفي حالة عدم وجودمدير معارف او مفتش في اللواء يقوم مقامة مدير اكبر مدرسة في اللواء، وعلى مدير المعارف او من يقوم مقامة ان يقدم الى المجلس كل ثلاثة اشهر تقريرا مفصلا عن سير العملية التعليمية لدراستها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.على ان ترسل نسخة من تلك القررات الى ديوان الوزارة.
وقد وافق مجلس الوزراء في 26 شباط 1922 على أستحداث وظيفة معاون وزير حصرا في وزارة المعارف، نزولا عند رغبة الملك فيصل بتعيين مستشاره الخاص لشؤون المعارف ساطع الحصري. في تلك الوظيفة ليتولى تنظيم امور المعارف. ولكن الوظيفة والدرجة وبتحريض بريطاني الغيتا من الملاك في اوائل سنة 1923 بموجب مقررات الجنة الاقتصادية التي شكلها مجلس الوزراء في سنة 1922 برئاسة وزير المالية ساسون حسقيل لمعالجة الوضع الاقتصادي المتدهورالناجم عن أزمة الركود الاقتصادي العالمية، ان الغاء وظيفة المعاون لم يرق للملك فيصل في أن يرى صديقه ومستشاره خارج ادارة المعارف فطلب من مجلس الوزراء استحداث مديرية المعارف العامة لتتولى رسم وتنفيذ السياسية التعليمية وترشيح ساطع الحصري رئيسا لها، وقد وافق مجلس الوزراء على مقترح الملك، وبناءاً عليه صدرت ارادة ملكية برقم 245 في 18 كانون الثاني 1923 قضت بتعين الحصري مديراً للمعارف.
وقد أدرك القائمون على الادارة التعليمية وعلى رأسهم ساطع الحصري أهمية تحريرالادارة التعليمية من سيطرة الموظفين البريطانين وما سيتركه من اثر ايجابي على سير سيرالعملية التعليمية وعليه وضعت خطة محكمة لتحجيمهم ثم اقصائهم. فاصدرت في كانون أول 1922 تعليمات خولت بموجبها مدراء المعارف صلاحية تعيين ونقل المعلمين، وتقدير راتب المعلم المعين حديثا من دون الرجوع الى الوزارة. كما تم اقصاء مستشار الوزارة بالوكالة المستر فارل وسبعة موظفين اخرين من وظائفهم.
إذ لم يبق في الوزارة سوى أربعة بريطانيين وهم كل من مفتشي الوزارة ليونيل سمث وسمرفيل، مدرس اللغة الانكليزية في ثانوية بغداد وبرايور، ومدير مدرسة الصناعة سايتل، اذ منحا الاثنان الاولان عقدي عمل لمدة عشر سنوات، اما الاخران فقد منحا عقدي عمل لمدة خمس سنوات بموجب اتفاقية الموظفين البريطانيين لسنة 1924. ولكن وجود البريطانيين في وزارة المعارف لم يستمر الى اكثرمن 27كانون الاول 1932، حيث تم اقصاء اخر بريطاني من الوزارة وهو المستر سمرفيل لتصبح المسؤولية الادارية في وزارة المعارف مسؤولية عراقية مائة بالمائة.
وقد شهدت الادارة التعليمية بعد قيام المؤسسات الدستورية تحسنا ملحوظا بسبب الضغوط والانتقادات التي وجهها البرلمانيون للحكومة بغية حملها على تحسين مؤسساتها التربوية، ففي جلسة المجالس النيابي المنعقدة بتاريخ 17 اب 1925 وجه نائب الموصل ثابت عبد النور أنتقادا شديدا لوزارة المعارف على تباطها في تنفيذ خطتها المتعلقة بالتعليم الالزامي في المدارس الابتدائية.وفي جلسته المنعقدة في 14 تشرين الاول 1925قدمت لجنة معارف المجلس والتي كانت برئاسة نائب الحله عبد اللطيف الفلاحي تقريرا مسهبا الى المجلس عن الاوضاع غير الطبيعية التي يعيشهاالتعليم في ظل انعدام الابنية المدرسية الملائمة وقله التجهيزات ونقص الكادر التدريسي.
ونتيجة لهذه الضغوط وافقت حكومة جعفر العسكري الثانية(21 اب 1926-14 كانون الثاني 1928) في سنة 1927 على مقترح وزير ماليتها ياسين الهاشمي باستحداث مديرية في وزارة المعارف باسم”مفتشيه التدريسات”لتاخذ على عاتقها جزءاً من المهام الادارية لمديريةالمعارف العامة، وقد تألفت من شعب الميزانية والتجهيز والاحصاء ومراقبة التدريسات.
وعندما تولى توفيق السويدي مسؤولية وزارة المعارف لفترة من 14 كانون الثاني 1928 –23 اذار 1930، رفع شعارا باصلاح المعارف وتنفيذا لهذا الشعار قام بتشكيل عدد من اللجان الصلاحية كلجنة اصلاح المناهج الدراسية للمرحلتين الابتدائية والثانوية ولجنة اصلاح كلية الحقوق. كما تم ايضا استحدثت منطقة معارف الديوانية لتتولىادارة المعارف الوية منطقة الفرات الاوسط بدلا من مديرية معارف بغداد، فضلا عن منطقة معارف ديالى التي استحدثت سنة 1931 وهي أخر منطقة معارف تستحدث في عهد الانتداب.
وفي عهد حكومة عبد المحسن السعدون الثالثة (17 كانون الثاني 1928 –28 نيسان 1929) صدر في 17 نيسان 1928 قانون المعارف رقم 28، وعلى الرغم من ان القانون يعد واحدا في ابرز الانجازات التربوية على مدى عهد الانتداب، الا انه لم يكن ذا اهمية من الناحية الادارية، لانه لم يشرع بوصفه نظاما اداريا، ولم يتطرق الى التشكيلات والاجهزة الادارية وانما تناول مواضيع تتعلق بنظام التعليم والتدريسات في المدارس الرسمية والخصوصية.
نستنتج من ذلك بان الادارة التعليمية وعلى الرغم من عدم وجود نظام اداري تسير بموجبه فانها قطعت شوطاً مهماً في مضمار تطورها، إذ تم استحداث وزارة متخصصة للمعارف، ومديرتين اداريتين وهما مديرية المعارف ومديرية مفتشيه التدريسات، كما تم استحداث عدد من مديريات معارف المناطق.
عن رسالة (النظام الاداري في العراق 1920 ـــ 1939)
د. عدنان هرير الشجيري
المصدر:المدى
712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع