الجواهري بين البلاط الملكي وعالم الصحافة سنة ١٩٣٠

  

 الجواهري بين البلاط الملكي وعالم الصحافة سنة ١٩٣٠

    
استقال الجواهري حلا للأزمة المستعصية في الثالث من مايس عام 1927(ازمته مع الحصري) عباس غلام النوري ما لاقاهُ من مشاكل من جراء تعيينهِ في التعليم والأزمة التي نشبت بين الوزير ومدير المعارف، فكانت محطتهِ القادمة في بلاط الملك فيصل الأول، فقد توسط  السيد محمد الصدر لدى الملك، اذ صحبهُ"الجواهري" الى البلاط ليعّرفهُ به  وبعد اسبوع أو أكثر بقليل استدعى الملك الجواهري ليعينهُ موظفاً في دائرة  التشريفات للبلاط الملكي..

وهكذا أنتهت فصول الازمة التي عكست صراعاً سياسياً بين الجواهري والحصري وهي ليست أزمة وظيفة كما يبدو، فالحصري يمثل تياراً قومياً متشدداً والجواهري يمتلك نزعة وطنية مشوبة بالتقدمية وهذا ماجعَل الخلاف حاداً ومزمناً بين كليهما.
فرحَ الجواهري فرحاً عظيماً بالوظيفة الجديدة بعد الذي جرى لهُ مع الحصري وحملهِ على الاستقالة من التعليم آخر الأمر، يقول الجواهري"ففي تلك الساعة أحسستُ أن الأرض تهتز تحتي فرحاً، لاحباً بمال اوجاه أو بمنصب بل شعوراً بالكرامة، ها هو الرجل الذي كانَ صاحب اليد الأولى في استرداد كرامتي التي أرادت الذئاب تجريحها".

مما لاشك فيه ان الجواهري في بداية عملهِ في البلاط الذي لم يألفهُ سابقاً ولم يخطر على بالهِ، فضلاً عن قلة خبرته في العمل المنوط به وهو معاون مدير التشريفات والتقائهِ بأكبر نخبة سياسية مرت على العراق وهي الدولة الفتية، عُرفَ من قبل الملك بـ"شاعر البلاط" وأغدق عليه من النعم بقدر ما كانت تسمح به الأمور المالية للدولة الفتية في تلك المدة وأحاطه بالتكريم والتبجيل وقال لهُ أكثر من مرة وهو يحثهُ على ممارسة عملهِ بشكل جيد"ولدي محمد وظيفتك جسر تعبر عليه الى ما هو أحسن وأفضل".
ألتقى الجواهري في بلاط الملك بالسياسة ورجالها أول مرة وجهاً لوجه ورأى"الدجل والتزلّف والنفاق من المرتادينَ للبلاط"ولكن هل يرضى طموح الشاعر بهذهِ الوظيفة مهما بلغ من مكانة لدى الملك، كان الجواهري في ذلك الوقت يطمح الى النيابة والوزارة، فهل يستطيع أن يواصل وظيفتهُ في التشريفات راضياً قانعاً، مع ان وظيفته في التشريفات تقيد لسانه في لهوهِ وجدهِ على حدٍ سواء فكيف التوفيق بين طموحهِ ووظيفتهِ هذهِ.
وعلى صعيد آخر وخلال مدة دخولهِ البلاط الذي ظل فيه ثلاث سنوات تغيرت حياة الجواهري، وبدأ بالتغيير في ملبسهِ فخلع لباسهِ الديني وأرتدى الزي الإفرنجي"لباس الأفندي آنذاك"وتزوج من أبنة عمهِ جعفر الجواهري عام 1928 كما سبق ذكره، ولم يذكر بأسمهِ الصريح عند نشر القصائد التي تخرج من محيط البلاط والحكومة وما يتصل بها انسجاماً مع طبيعة وظيفته، ولكن هذا لايمنع الجواهري عن الولوج في المعتركات الصعبة اذ توافرت لديهِ القناعات الكافية، فعند افتتاح اول مدرسة للبنات في النجف التي عارضها بعض علماء النجف بوصفها إنقلاباً اجتماعياً لهُ صدى اجتاح المدينة فقد كتب الجواهري قصيدته"الرجعيون"في إحدى الصحف اليومية صب فيه جام غضبهِ على المعارضين فتوالت البرقيات الى الملك فيصل من علماء الدين، فاستدعاهُ الملك في ضوء الرسائل والبرقيات التي جاءت الى الملك من شخصيات نجفية وعلماء الدين في شان هذهِ القصيدة  والذي يبدو أنه كان مصراً على موقفهِ ومؤمناً بما ذهب اليه في قصيدته هذه.
وعندما ألفت الوزارة السعيدية الأولى في الثالث والعشرين من آذار سنة 1930، وبعد يوم واحد من هذا التأليف أصدر نوري السعيد الإرادة الملكية من الملك بحل مجلس النواب لأنه"أي نوري السعيد"كان يخشى أن لايستطيع مواجهتهُ في موضوع المعاهدة الجديدة مع بريطانيا التي تَقرَرَ المباشرة بالتفاوض لعقدها منذ الأيام الأخيرة لعهد الوزارة السعدونية الرابعة التي أنتهى وجودها بانتحار عبد المحسن السعدون.
بدأت الوزارة السعيدية الأولى تعد العدة لعقد المعاهدة الجديدة أستمراراً للمعاهدة السابقة مع بريطانيا، ويبدو أن نوري السعيد كان محبذاً لأصدار جريدة يتولى الجواهري رئاسة إدارتها وتحريرها بأسم"الفرات"لتقف الى جانب الوزارة وتدعم موقفها في عقد المعاهدة الجديدة (أي معاهدة 1930 المعروفة)،

 

ويروي الجواهري أنه التقى رئيس الوزراء السعيد في المنتدى الأدبي للسيد"محمود الدفتري"وشجعهُ السعيد على إصدار الجريدة وماهية الإجراءات التي ستتخذ لهذا الغرض وأنهُ": رأى الجواهري"قد اقتنع بذلك رغم تحذير ياسين الهاشمي المعارض للسعيد له من هذهِ الخطوة وتحذيره من خداع رئيس الوزراء له، واعتقد أن موافقة الجواهري جاءت لأسباب ذاتية وهي الشهرة والبروز في عالم الصحافة من جهة، وأن وجودهِ على رأس جريدة تدعمها الوزارة سيحقق له مكاسب مادية من جهة ثانية.
أشار الجواهري في أكثر من مناسبة في المدة التي سبقت إصدارهِ جريدة الفرات الى رئيس الوزراء بشأن المساعدة المالية ليتمكن من أصدار جريدته مما دفع رئيس الوزراء الى إتخاذ موقف يعدُ من المواقف الغريبة يعهده من رئيس سابق وهو أن نوري السعيد أصدر كتاباً الى المتصرفين في الألوية العراقية: بمساعدة جريدة الفرات، فانهالت عليه من الأشتراكات والتحويلات التي ازدادت على الحد المطلوب حتى بعد إغلاق الجريدة إذ بقي يعيش منها الجواهري مع أهل بيته. وفضلاً عن هذا الدعم المتواصل ابتداء بمنحهِ أمتيازاً بإصدار الجريدة، كانت هناك مبالغ قد تلقاها الجواهري من وزارة السعيد ويفيد هنا أحد المقربين للجواهري في السلك الصحفي أن الوزارة قد منحت الجواهري مبلغاً قبل الإصدار يربو عن اربعمائة روبية وعدتها دفعة أولى.
تقدم الجواهري بطلب الى وزارة الداخلية لإصدار جريدة الفرات فلم تمانع الوزارة من إجابة هذا الطلب بيد أنها اشترطت عليه أن لايكون موظفاً وصاحب جريدة سياسية في آن واحد، فسارع الجواهري الى تقديم استقالتهُ من البلاط وكان آنذاك قد شغل منصب معاون لمدير التشريفات الملكية في البلاط الملكي كما سبق ذكرهُ، وعندما علم الملك بذلك أرسل عليه مشيراً إلى أنّ الصحافة ليست بعيدة عنه وأنه راغب بارسالهِ في بعثة الى باريس للدراسة ناصحاً إياهُ بالتريث اذ دار حوار بينهُ وبين الملك فيصل الأول بقول الأخيرمشيراً باللهجة العامية الدارجة الى نوري السعيد رئيس الوزراء الذي شجعهُ على الاستقالة، فكان جواب الجواهري بأنه يحب العمل الصحفي.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن الجواهري منذ تشكيل نوري السعيد الوزارة كان تواقاً للتعاون معهُ اذ يجد فيه الشخص المناسب لتحقيق طموحات مادية وسياسية فكتب قصيدة في مدح رئيس الوزراء نوري السعيد بمناسبة تشكيلهِ الوزارة، والقصيدة من أولها الى آخرها مدح لنوري السعيد وثناء على جهودهِ وشجاعتهٍ ونعي على معارضيهِ، ولم يشر الجواهري الى تلك القصيدة في دواوينهِ الكاملة التي أصدرتها وزارة الأعلام بناء على طلبهِ الشخصي التي تعَدّ واحدة من إحدى ثوراته وتقلباته غير المحسوبة في مدح رجالات الدولة، وكالعادة ومثلما كان قد مدح وزير المعارف في وقت من الأوقات وعين معلماً، واليوم يطمح الى منصب سياسي مرموق في الوزارة الجديدة وهو طموح مشروع، في حين يورد آخر ثلاثة أبيات للموضوع نفسه داعياً نوري السعيد الى العمل في سبيل رقي الشعب.
دخل الجواهري ميدان الصحافة بوصفه صاحب امتياز حينَ أصدر جريدته اليومية السياسية"الفرات"بعد استقالته من البلاط بقليل فكانت أول جريدة يصدرها الشاعر وغدت النتائج مرضية بشان الملك، الا أن الواقع أن الجريدة كانت مؤيدة للوزارة وسياستها، تتلقى منهُ الدعم المالي والتشجيع حتى عدّتها المعارضة جريدة الوزارة.
كان العدد الأول من جريدة الفرات يحمل عدة عناوين وعلى شكل أعمدة مطولة كانت الأولى تحمل عنوان"خطتنا"تطرق فيه الجواهري الى الجهود والتضحيات وجهود الأفراد والجماعات في سبيل قضية العراق العادلة وترصين سيادته الوطنية ومن شأنه تعزيز مكانتهِ فلاقوة للبلاد ولاكيان الا بالتضحية والأخلاص ولاتصان كرامة ولاتطيب حياة الا بالتظافر ورص الصفوف والمتنزه عن المطامع والأغراض الشخصية ورفع التمازج بين الهوى والمصلحة العامة كانت خير عامل في إعلاء أصوات الشعوب.
وأشار الجواهري في الافتتاحية نفسها الى خطة الجريدة بالقول"لن تقتصر خطتنا على معالجة المسائل السياسية الراهنة فحسب بل سنعتني عناية بليغة بالأدب العربي وبالنهضة الاجتماعية وسنولي حركة التجديد أوفر نصيبا من الدرس والبحث والتأييد، ما دام حب الوطن متغلغلاً في أدمغتنا الوطنية الصادقة هدفنا الأسمى".
وفي العدد نفسه كانت له مقالة رنانة توسطت الجريدة تحدث فيها عن المعاهدة العراقية – البريطانية الجديدة التي ستبرم وكيفية احتوائها حقوق البلد كافة تحت عنوان"المعاهدة العراقية، هل تكفل حقوق البلاد واجب العراق وأنكلترا"تحت أسم مستعار لكاتب سياسي حيث يقول"منذ أمدٍ أبتدأت المفاوضات بين بريطانيا والعراق لإحلال معاهدة جديدة محل المعاهدة الحالية التي أثقلت كاهل الشعب بالأعباء والالتزامات المرهقة، وتركت السيادة الوطنية اسماً بلامسمى"
وطالب المفاوضون العراقيون بعدم الوهن في المعمعة السياسية، فما قيمة التاريخ اذا لم تتعزز بمستقبل حافل بآيات الجهاد وان يرفعوا عن كاهل المواطن وأمتهم أعباء الحيف وأثقال المذلة، وأن يأتوا أليها بصك الحرية والاستقلال حقيقيين ضارباً خير مثال ما في الهند من سياسة نضالية إزاء البريطانيين، وفيها يقول"إننا اليوم في زمن استيقظت فيه الشعوب من رقدتها الطويلة وهبت لأستنشاق أريج الحرية وعبير الاستقلال فلاتثبت أمام نزعتها قوة ولايقف في طريقها سلطان مهما كانَ قاهراً جباراً.
أما في العدد الثاني للجريدة، فقد كانت الافتتتاحية حول الانتخابات النيابية القادمة وما يدور في المحافل السياسية العلمية في المفاوضات العراقية البريطانية التي يرى الجواهري أنها تقدمت تقدماً كبيراً وملحوظاً، وكذلك خطت خطوات واسعة حتى يتم كشف بنودها على الرأي العام العراقي ليكون على بينة مما تمَ بشأنها وما توصل اليه المفاوضون العراقيون من نتائج، لتكون أسس المعاهدة محوراً للمعركة الانتخابية المقبلة التي تدور بين الأحزاب على اساس قبول أورفض المعاهدة العراقية – البريطانية.
ويبدو من هذا أن الجواهري لم يندفع كلياً في دعم المعاهدة رغم مساندة السعيد المتواصلة له، بل جعل دعم المعاهدة مرهوناً بما تقدمه من خير للوطن وبما يلبي طموح الأمة، وان يرتبط ذلك بإجراء انتخابات نزيهة عادلة وفيها يقول"فعلى الوزارة الحاضرة أن تدرك هذهِ الحقيقة الناصعة واذا لم توفق لاسامح الله الى تطمين رغبات البلاد وتحقيق أمانيها الوطنية في المعاهدة فأن إطلاق حرية انتخابات واستفتاء الأمة استفتاء بعيداً عن المؤثرات المعلومة يكون محملاً شريفاً وخدمة جليلة في حد ذاته.

                        
أرادَ نوري السعيد النيل من الكتل السياسة المعارضة لحكومته،ومن أبرزهم مزاحم الباجه جي الذي سبق أن القى خطبة في حفلُ كبير أقيم لمناسبة قدوم السير"برسي كوكس"الى العراق بدلاً من السير ولسن وذلك في سنة 1920 إباّن الثورة العراقية وفيها طلب مزاحم الباجه جي من الحكومة البريطانية الحاق العراق بدول الكومنوليث"الدومنيون"أو جزءاً منها مُعرضاً برجال الثورة العراقية"ثورة العشرين"وأمر السعيد بترجمة الخطبة الى اللغة العربية التي أخذت من صحيفة الأوقات العراقية الصادرة في البصرة طالباً من الجواهري قراءتها بكل حرية مؤشراً بأن صاحب جريدة العراق مستعد لنشر الخبر، مبيناً لهُ ان السعيد يرغب أن يخص به جريدة الفرات.
قرر الجواهري بعد ذلك ماعزم عليه، وبواحدة من اندفاعاته غير المحسوبة معلناً موافقته على المقالة. وعلى الصفحة الأولى في جريدته الفرات نشر الجواهري ذلك الخطاب المثير للجدل في الأوساط السياسية لمزاحم الباجه جي لما فيه من إتهام خطير خص به مزاحم الباجه جي، وعلى هذا الأساس ردَ الأخير على مقالة الجواهري وجرت بعد ذلك سلسلة من المقالات المتبادلة التي كتبها بعضهما ضد بعض في جريدة"الفرات"نفسها حتى العدد العشرين والأخير من تلك الجريدة القصيرة العمر متهمين بعضهم بعضاً بالتطرف في مواقفهم من الثورة العراقية.
وفي مقال آخر عبر الجواهري، من خلال منبر الفرات عن مخاوفه من اختلاف المفكرين وزعماء الحركات السياسية في الفرات الذين يعدهم المثل الأعلى في التضحية وإيثار المصلحة الوطنية على المصالح الاخرى، وجعل قضية البلاد فوق كل الاعتبارات الحزبية والدينية والشخصية، ففي هذا المقال الذي يحملُ عنوان"اجعلوا قضية البلاد فوق كل شيء"قال:"لقد جرب العراق حياته السياسية القصيرة ما جرهُ سوء التفاهم بين الزعماء والمفكرين على البلاد من مصائب ومحن هدت قواها وتركتها مقيدة الأسر وحليفة الشقاء منذ عام 1927 يوم ابتدأت المفاوضات العراقية – البريطانية في لندن".
ومن الجدير بالذكر أن جريدة الفرات أصبحت كلمتها مسموعة اكثر من أي وقت بعد التطور الذي حصل فيها، إذ أدرك الجواهري عدم وجود صحافة مسائية، إذ إن جميع الصحف المحلية تصدر صباحاً ويظل الرأي العام منقطعاً عما يستجد من أحداث وأخبار واستنتاجات جديدة على الساحة العراقية والعربية ويبقى النقص بارزاً في الصحافة العراقية، لذلك قسم الجواهري اصدار صحيفته الى وجبات صباحية ومسائية، فقد أصدر صباحاً في الأيام، الأثنين، الأربعاء، الجمعة، في حين تصدر مساءً في الأيام السبت، الأحد، الثلاثاء، الخميس.

                                   

لم ينفك الصراع بين الجواهري والباجه جي أن يهدأ الا ويعود ثانية أشد مما كان عليه، وأصبح كلاهما يدين الآخر ويكيل له الاتهامات على شكل حلقات متتابعة تنشرها صحيفة الفرات أو الصحف الموالية للباجه جي، فعلى سبيل المثال اتهم الباجه جي في ضوء استقالة الجواهري من البلاط الملكي وانتدابه بأمر من رئيس الوزراء للعمل الصحفي وتأييد الوزارة القائمة وأن يكون لسانها الناطق متجاهلاً رأي الشعب في حين ردَ عليه الجواهري في مقالٍ ثانِ من جريدة"الفرات"نفسها اوضح سبب أستقالته وعملهِ الصحفي بقولهِ"إن أصدار الفرات لم يكن ذا علاقة بفخامة رئيس الوزراء أو تأثير أي شخصية أخرى"ويدعي الجواهري أنه كانَ عازماً بادىء الأمر على إصدار جريدة الفرات في مدينة الحلة وهي مركز الثورة العراقية  ليدفع بذلك تهمة  أن الجريدة صدرت في بغداد بحسب رغبة رئيس الوزراء، في حين يوضح الباجه جي في المقال التالي الذي رد على المقال السابق في29 مايس 1930 فيقول"يظهر تحاملكم قد نشأ من البيان الذي نُشرَ لي حول سفر الملك مع الوفد الوزاري".
لقد خرج كلاهما على المألوف من طعن وتحامل الواحد على الآخر والتطرق الى أمور كانت من شأنها أن تتطور الى أبعد من ذلك في حين بقيت هذهِ المشادة بين الطرفين الى العدد الأخير في حياة الجريدة، التي أغلقت بسبب مقالتين متتاليتين نُشرتْا هاجم فيها الجواهري وزارة المعارف،

  

فقد طلب الجواهري من السيد عبد المحسن المحامي وهو مدير للشؤون القانونية للجريدة أن يكتب مقالاً عن حال الموظفين وعن حقيقة الإشاعات التي تزكم الأنوف وتدور حول الموظفين في دوائر الدولة، ولاسيما وزارة المعارف، والجواهري لاينسى تلك الحملة الشعواء التي نالت منه في عام 1927 إباّن تعيينه معلماً في وزارة المعارف وعن موقف تلك الوزارة ورجالها من نشر تلك القصيدة"القافية"التي أقصتهُ من سلك التعليم وموقف هذهِ الوزارة إزاءها فكان مقالهُ الأخير"يحمل عنوان"إن كنتَ كذوباً فكن ذكوراً"قادحاً فيهم أبشع الحمم البركانية من التهجم البشع، مما ادى الى إقامة ذوي العلاقة من موظفي تلك الوزارة الدعوى ضد الجريدة وصاحب الجريدة الجواهري وفي إثرها غُرم الجواهري مبلغ200 روبية، الا أن المقال قد ترك أثرَهُ، فقد أدت الحقائق التي أشار إليها الجواهري الى قيام الوزارة بفصل طالب مشتاق، سكرتير الوزير، عدوهُ في الأمس فضلا عن مجموعة أخرى. وكذلك صاحب جريدة"حبز بوز"عملاً بتشريع"ذيل القانون"ومن ثمّ فصل هؤلاء من الوظيفة.
أما المقال الآخر وهو الأخير فكان أكثر جرأة وشدة من المقال الأول وكان موجهاً أيضاً ضد وزارة المعارف، حيث نشر قصيدته التي فُصل بسببها من سلك التعليم من لدن ساطع الحصري مدير المعارف السابق سنة 1927 وهذهِ القصيدة تحمل عنوان"بريد الغربة" التي نشرها في جريدة الفيحاء كما ذكرنا سابقاً إذ ابتدأت القصيدة بمقدمة شديدة اللهجة رداً بطريقة الجواهري على المدة السابقة حيث حمل المقال عنواناً هو"اسمعي ياوزارة المعارف"وفي المقدمة منه يقول"اليك ياوزارة المعارف يا من ترين القذى في أعين البعض وتتعاملين، اليكِ أيتها الوزارة المسترخية أمام المستعمرين، أيتها الوزارة التي تحاسبين البعض من أمثال هذهِ القصيدة وتثيرين مشكلة من المشاكل". وبعدها قام الجواهري بنشر القصيدة المذكورة القافية مما أضطرها الى غلق الجريدة لكثرة الشكاوى التي وصلت من موظفي وزارة المعارف على أثر تلك المقالات الى أجل غير مسمى.
أغتنم عدد من الصحفيين وأصحاب الصحف المؤيدين للوزارة السعيدية فرصة للنيل من الجواهري والتملق للوزارة ونشر تهم في صحفهم ومجلاتهم وكانَ أشدهم الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي صاحب جريدة"الكرخ"التي ملئت صفحات جريدته الاربع بالسب والشتم في مقالين متتاليين كتبا بالعامية بقلم نوري ثابت الأمر الذي دعى الجواهري الى إقامة الدعوى عليهم قضائياً بتهمة الطعن بشرفهِ.
ومن هذا تؤكد لنا المصادر، أن سبب إغلاق جريدة الفرات يعود الى المقالين الأخيرين للجريدة وهذا ما يرجحهُ الجواهري في مذكراته، في حين يقول آخرون ان سبب إغلاق الجريدة يعود الى كون مانشرهُ الجواهري من مقالات ومشادة قلمية مع مزاحم الباجه جي وانتقادهِ للوزارة السعيدية، ولقناعة السعيد بأن الجواهري لايصح ان يكون أداة بيدهِ يحركهُ حسب أهوائه.
بعد أن فقد الجواهري جريدته وأصبح من الأشخاص غير المرغوب فيهم، وبقي على هذه الحال مدة طويلة، دخل بما يشبه"القائمة السوداء"كما يوصف أو ما يقال بالحصار على يد الملك فيصل الأول ورئيس الوزراء، وبقي الجواهري في  حال مزرية من عوز وحاجة، وملازماً للمقاهي مثل"مقهى حسن العجمي، والعزاوي"شهوراً ليست قليلة حتى عادَ الى وظيفتهِ السابقة في التعليم في مدرسة المأمونية براتب قدرهُ 180 روبية، ثم نقل الى كاتب تحريرات في ديوان"وزارة المعارف".

المدى/عن رسالة (الجواهري ودوره السياسي)

 

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

771 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع