الشيخ الأعظمي (الثاني من اليمين جلوسا) رفقة علماء من بغداد في العهد الملكي
طه العاني- الجزيرة نت:بعد 84 عاما على وفاته، لم ينس رواد كلية الإمام الأعظم ببغداد دور الشيخ نعمان الأعظمي بإحياء وإعادة تأسيس مدرسة أبي حنيفة -كلية الأعظمية حاليا- بعد أن أقنع العثمانيين -حينها- بإعمارها وبنائها عقب إهمال وخراب.
والأعظمي، شيخ وعلامة ديني ذاع صيته في مطلع القرن العشرين، ولد ونشأ في محلة الشيوخ بمدينة الأعظمية في بغداد سنة 1874. كان الأعظمي شغوفا بالعلم والأدب، وأجازه علميا الشيخان محمد سعيد النقشبندي وحسين الخانبوري.
جامع الإمام الأعظم في ستينيات القرن الماضي
إعادة إعمار المدرسة
ويقول أستاذ العلوم الإسلامية في الجامعة العراقية هيثم عبد السلام إن الأعظمي عُين مدرسا في مدرسة الإمام أبي حنيفة عام 1899، وفي الوقت نفسه كان يواصل دراسته على يد الشيخ عبد الرزاق الأعظمي حتى حصل على الإجازة العلمية منه عام 1908. ويضيف عبد السلام خلال حديثه للجزيرة نت أن الأعظمي بعد ذلك عُين مدرسا في رشدية الكرخ وذاع صيته بين الناس.
وفي عام 1910، أصدر الأعظمي بالتعاون مع الشيخ عبد الهادي الأعظمي والحاج حمدي الأعظمي مجلة باسم "تنوير الأفكار".
ويقول عبد السلام إن الأعظمي كتب في المجلة مقالة مضمونها مكتوب بتعبير على لسان الإمام أبي حنيفة النعمان وكأنه هو يتكلم فيها، كما وضع لها ختما باسم الإمام.
ويشير إلى أن الأعظمي خاطب من خلال المقالة السلطان العثماني -في حينها- محمد رشاد بن عبد المجيد الأول، وطلب منه أن يولي اهتماما بمدرسة الإمام أبي حنيفة بعد أن تولاها الشيخ الأعظمي وكانت خربة ومهملة.
ويضيف عبد السلام أن الدولة العثمانية استجابت لرسالة الأعظمي وأرسلت له المال وخصصت لطلابها 80 ألف قرش سنويا، ووافق السلطان محمد رشاد على إعمار وترميم المدرسة.
وبذلك أحيا الأعظمي مدرسة الإمام أبي حنيفة، وعادت إلى مكانتها العلمية وأصبحت تستقطب الطلبة، وحول ذلك يلفت عبد السلام إلى أن المدرسة ابتدأت بعد ترميمها بـ 100 طالب علم وخصص لكل طالب 60 قرشا شهريا مع تأمين طعامه وشرابه.
واعتبر المؤرخون أن الأعظمي لعب الدور الأكبر في السعي لإنشاء مدرسة أبي حنيفة وبنائها، وتعتبر كلية الإمام الأعظم -حاليا- من مآثر الشيخ الأعظمي وأبرز إنجازاته، وضمن أكبر الصروح العلمية والدينية في العراق.
نشاطاته السياسية
خلال الحرب العالمية الأولى، انتدبته الدولة العثمانية في عام 1915 لمقابلة الأمير عبد العزيز آل سعود وإقناعه للوقوف إلى جانب الدولة العثمانية، وبحسب عبد السلام فإن الأعظمي ذهب مع وفد يضم الشيخ محمود شكري الآلوسي والشيخ علي علاء الدين الآلوسي والضابط بكر أفندي.
ويلفت إلى أن الوفد تفاوض مع آل سعود للوقوف مع الدولة العثمانية خلال تلك الحرب، لكنهم لم يفلحوا في إقناعهم.
ويستطرد الأكاديمي الإسلامي، "بعد عودة الوفد إلى الشام ذهب الأعظمي برفقة الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وعبد الكريم قاسم الخليل إلى القدس لمقابلة الوالي جمال باشا وذلك بطلب منه"، لافتا إلى أن صيت الأعظمي كان قد انتشر في أرجاء البلدان العربية الإسلامية في تلك الأعوام.
ويضيف عبد السلام أن أحد القادة العسكريين العثمانيين يدعى نور الدين استدعى الأعظمي إلى جبهة الكوت القتالية عند اندلاع قتال بين الجيش العثماني والجيش البريطاني جنوبي العراق، ليعظ الجنود ويرشدهم ويرفع من حماسهم ويحثهم على الجهاد والقتال.
اعتقاله ونفيه
وفي عام 1917، اقتحم الإنجليز مدرسة أبي حنيفة في العاصمة بغداد واعتقلوا الأعظمي، ويقول عبد السلام إن الأعظمي سجن في بغداد لمدة شهرين، وفي البصرة جنوبي العراق شهرين آخرين.
ويضيف أن الإنجليز اقتادوا الأعظمي إلى جزيرة الهند حيث كان يحتجز فيها المعارضون في حينها، وقضى فيها أكثر من سنتين ونصف السنة.
وفي هذا الإطار، يشير الباحث التاريخي خالد جاسم العبيدي إلى أن الأعظمي كان في داخل معتقله في الهند يعظ الأسرى ويعلمهم اللغة العربية، ويدرس طلبة العلوم منهم، لافتا إلى أنه درّس 30 طالبا من التتار والأفغان والهنود.
ويشير العبيدي إلى أن الانجليز أطلقوا سراح الأعظمي من الأسر عام 1919، وأُعيد تعيينه مدرسا في كلية الإمام الأعظم، ليتم تعيينه عميدا للكلية الأعظمية عام 1924.
الأعظمي (وسط وقوفا) أثناء حضوره في مؤتمر القدس عام 1931
مكانته العلمية
وعين الأعظمي في عام 1916 -في عهد الدولة العثمانية- واعظا عاما للعراق وأخذ يطوف مدن البلاد وأريافه، ليقدم الوعظ والإرشاد، وحول ذلك يقول أستاذ العلوم الإسلامية عبد السلام إن الشيخ اشتهر وعُرف بين الناس وكسب حب الكثير منهم بسبب علمه وتفوهه وثقافته الواسعة.
ويضيف أن للشيخ مساهمات كثيرة في الجمعيات، فهو من المؤسسين لجمعية حماية الأطفال بالعراق، وجمعية الهداية الإسلامية في بغداد، وجمعية الشبان المسلمين في بغداد أيضا، وجمعية الهلال الأحمر العراقية.
يذكر أن جمعية شبان المسلمين في البصرة أقامت حفلا تكريميا للأعظمي عند زيارته المدينة في شهر رمضان المبارك عام 1932.
ويتابع عبد السلام أنه في أثناء الاحتفال ألقى الشاعر محمد صالح بحر العلوم قصيدة مؤلفة من 20 بيتا مرحبا في كلماتها ومعتزا بالأعظمي وزيارته إلى البصرة، ومن أبرز أبياتها:
من تصدر للوعظ وهو صبي … حيث تصبو له العقول النقيّة
و(لنعمان) فــي البــــلاد أيــاد … حفظتـــها الثقـافـة المنبريـة
الباحث العبيدي من جهته يضيف أن الأعظمي كان كثير التجوال في المدن العراقية، يعظ الناس ويدعوهم إلى الوحدة وإلى التمسك بآداب الإسلام والتآزر واجتماع الكلمة.
ويشير إلى أنه كان يأمر الطلاب في كلية الإمام الأعظم بالسفر إلى مدن العراق، وتقديم الوعظ والدروس الإسلامية لتعليم الناس وإرشادهم وتبصيرهم، وكان يتصل بالعلماء ويحثهم على تسهيل وتذليل العقبات أمام الطلبة وضيافتهم وتهيئة أمورهم لوعظ وتوعية سكان تلك المناطق.
وعن علاقاته واتصاله مع علماء الأمة الاسلامية، فقد اجتمع الأعظمي بعدد من العلماء في موسم حج عام 1341هـ/1923م، وكان أبرزهم الشيخ شعيب اليماني والشيخ محمد الشنقيطي والشيخ إبراهيم بن جاسر وغيرهم.
وحول ذلك يشير الباحث العبيدي إلى أن للأعظمي علاقات وصلات علمية وثيقة مع مشايخ وعلماء من مختلف البلدان الإسلامية، مثل الشيخ عبد الله بن خلف الكويتي والشيخ محمد بهجت البيطار والشيخ جمال الدين القاسمي، وكذلك عبد القادر المغربي ومفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني.
ويلفت إلى أن العلماء كانوا معجبين بعلمه وأدبه وذكائه وحسن إلقائه ونظراته السديدة في الفقه الإسلامي، واهتمامه بشؤون الأمة الاسلامية، بالإضافة إلى وعيه السياسي.
ويضيف العبيدي أن الأعظمي اشترك في عدد من المؤتمرات في الدول الإسلامية، ومن أشهرها المؤتمر الاسلامي المنعقد في القدس عام 1930، وكان له حضور بارز في المؤتمر مع بقية علماء الأمة.
وعن مؤلفات الأعظمي، يذكر عبد السلام أن أشهرها كتاب إرشاد الناشئين، وكتاب التاريخ العام، وكتاب المواعظ الدينية الصحيحة، وكتاب شقائق النعمان في مواعظ رمضان، وكتاب أغاريد الهزار في الأناشيد والأشعار.
كما كتب مؤلفات ومقالات عديدة في مواضيع التفسير والتاريخ والاجتماع، ونشرت في الصحف والمجلات العراقية آنذاك، وكان له أسلوب ممتع في الخطابة والكتابة، بحسب عبد السلام.
وفاته
توفي الشيخ نعمان الأعظمي في يوم الاثنين الموافق 15 جمادى الآخرة عام 1355هـ والموافق 2 سبتمبر/أيلول عام 1936.
وانتشر خبر وفاته في الأوساط الدينية فسمع أهالي بغداد، فهبوا في تشييعه، حيث أقيم له موكب تشييع كبير ومهيب وحضره رجالات الدولة وأعيان البلاد والعلماء والمشايخ والقضاة وجمهور غفير من الناس، ودفن في مقبرة الخيزران في مدينة الأعظمية، بحسب المؤرخين.
المصدر : الجزيرة
946 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع