أعياد الميلاد ... كيف تحولت من طقس ملكي إلى تقليد شعبي؟

الأندبيندت/ سناء الشامي:هل فكرت يوماً وأنت تستعد للاحتفال بعيد مولدك أن تقفز إلى الوراء عبر الزمن وتقول كل عام وأنت بخير للملك السومري لوغالاندا أو لفراعنة مصر أو للرومان الذين جعلوا هذه الفكرة شعبية وصلت إلينا اليوم؟

قد تبدو الفكرة غريبة، لكن جذور احتفالات أعياد الميلاد الشخصية تمتد إلى أقدم الحضارات في بلاد ما بين النهرين، فقبل آلاف الأعوام وفي ظل غياب التقويمات الفردية والسجلات المدنية، كانت فكرة الاحتفاء بيوم مجيء شخص ما إلى العالم ضرباً من الخيال والغرابة، لذا سنأخذكم في رحلة لاكتشاف كيف تحولت هذه المناسبة من طقس ملكي وديني بحت في عصور السومريين والمصريين والرومان، إلى تقليد شعبي انتشر في العالم كله.

السومريون أولاً
على رغم أن الأفكار والنصوص المتداولة عبر الإنترنت تشير إلى أن المصريين القدماء هم أول من احتفلوا بأعياد الميلاد، فإن هناك نصوصاً مسمارية غامضة تعود لـ4 آلاف عام تثبت عكس ذلك، إذ جاء هذا الإثبات على لسان فلاديمير إميليانوف وهو مؤرخ في جامعة سانت بطرسبورغ في روسيا، فقال إن "الدليل الأول على الاحتفال بأعياد الميلاد هو من النصوص الاقتصادية من لاجاش، وهي مدينة مهمة في سومر القديمة والتي تقع جنوب بلاد ما بين النهرين وتعدّ موقع أقدم حضارة معروفة". وإميليانوف الذي درس الألواح المسمارية التي جمعت في الألفية الثالثة قبل الميلاد خلال عهد الملك لوغالاندا (2384-2378 قبل الميلاد) والتي تذكر أعياداً تحتفل بميلاد أبناء الحاكم، يوضح أنه وفقاً للنصوص، كان ميلاد النخبة يتميز بتضحية حيوانية يتشاركها الأحياء مع أسلافهم المتوفين. وعن هذا يقول "بعد إزاحة لوغالاندا من السلطة، توقف تسجيل أعياد الميلاد، وعلى حد علمي، لم يكن هناك شيء من هذا القبيل في مصر أو آسيا الصغرى القديمة، تركيا حالياً"، وتابع مفسراً إعطاء الفراعنة الأولوية في هذا الشأن، "ربما يأتي سوء فهم احتفالات أعياد الميلاد المصرية من سفر التكوين 40:20 الذي يقول ’وكان في اليوم الثالث، يوم ميلاد فرعون، أنه صنع وليمة لجميع عبيده‘"، لكن في الواقع لم تكن أعياد ميلاد الفراعنة معروفة تاريخياً إلا في العصر البطلمي 305 إلى 30 قبل الميلاد".

بين الآلهة والبشر
ووفق المؤرخين، يعود تاريخ أول أعياد ميلاد مسجلة لنحو 3000 قبل الميلاد في مصر القديمة، وخلال بحث أجرته المؤرخة جوان فليتشر، لم يحتفل الفراعنة المصريون بتاريخ ميلادهم الفعلي، بل بيوم اعتلائهم العرش، إذ كان يعدّ ذلك اليوم لحظة تحولهم إلى آلهة على الأرض.

وفي ما بعد تبنى الإغريق هذا التقليد لاحقاً، وبدأوا الاحتفال بأعياد ميلاد الآلهة ولإكرام أرتميس إلهة القمر، فقدموا لها كعكات على شكل قمر مع شموع مضاءة، معتقدين بأن هذا التوهج يرمز إلى جمالها ولمعان القمر الخافت، وعند إطفاء الشموع كانوا يعتقدون بأنهم يرسلون إليها دعاء، ويرى كثر أن هذه الممارسة لا تزال موجودة ضمن تقاليدنا الحديثة في شموع أعياد الميلاد.

ومن الملاحظات المبكرة الأخرى حول أعياد الميلاد، ما أتى به المؤرخ اليوناني هيرودوت، ففي القرن الخامس قبل الميلاد كتب عن عادات الفرس في كتاب "التاريخ"، قائلاً "من بين جميع الأيام، اعتادوا تكريم يوم ميلادهم أكثر من غيره، وفي هذا اليوم يرون من المناسب إقامة وليمة أكثر سخاء من غيرها"، فقد كان الأغنياء والفقراء على حد سواء يقيمون حفلات أعياد الميلاد هذه، وكانوا يطهون كميات وفيرة من اللحوم ويملأون موائدهم بوفرة من الحلويات. وتشير هذه الملاحظة على الفرس إلى أنه "بالنسبة لليونانيين في العصر الكلاسيكي العالي، كان الاحتفال بعيد الميلاد أمراً غير مألوف"، وفي هذا السياق لم يحدد فلاديمير إميليانوف بدقة متى بدأت الاحتفالات السنوية بأعياد الميلاد، فلفت إلى أن هذا التقليد ربما بدأ مع ملوك السومريين قبل 4000 عام، أو مع الفرس في القرن الخامس قبل الميلاد، بل ربما كانت هذه الاحتفالات تقام قبل أن يبدأ البشر بتدوينها.

كعكة خاصة
وعلى عكس المصريين واليونانيين، وسع الرومان تقليد عيد الميلاد ليشمل المواطنين العاديين، فعند بلوغ الرجال الرومان الـ50 من العمر كانوا يكرمونهم باحتفالات فخمة وولائم وتجمعات مع الأهل والأصدقاء، فيعدون لهم كعكة خاصة مخبوزة بدقيق القمح وزيت الزيتون والجبن المبشور والعسل، فقد مثل هذا الحدث نضجهم وإسهاماتهم في المجتمع، إلا أن النساء الرومانيات انتظرن حتى القرن الـ12 ليعترف رسمياً بأعياد ميلادهن، إذ لم يكنّ يدرجن سابقاً في الاحتفالات العامة.

وأشار إميليانوف من ضمن احتفالات الجمهورية الرومانية إلى احتفال إحدى الشخصيات المسرحية الكوميدية اللاتينية "سودولوس" Pseudolus عرضت للمرة الأولى عام 191 قبل الميلاد، وإلى رسالة من الخطيب الروماني شيشرون يذكر فيها احتفال ابنته بعيد ميلادها عام 50 قبل الميلاد، وفي القرن الأول الميلادي كتبت امرأة رومانية رسالة لدعوة صديقتها إلى حفل عيد ميلادها في حصن فيندولاندا بإنجلترا. وأما من يريد اليوم العودة في التاريخ الروماني لمعرفة ميلاد أحدهم، فعليه أن يكون على بيّنة بأنه كان للرومان تقويم قمري مدته 10 أشهر مع 304 أيام، وهنا يتعين على الباحث تعديل تواريخ الميلاد إلى التقويم الغريغوري للأسلاف الرومان.
عبر العصور
خلال العصور الوسطى، لم يكن الاحتفال بأعياد الميلاد شائعاً في الغرب نظراً إلى التأثير القوي للمسيحية، إذ إن الكنيسة الكاثوليكية رأت في البداية أعياد الميلاد رمزاً للضعف البشري والخطيئة، فوُلد الناس بالخطيئة الأصلية، وبدلاً من ذلك ركزت الكنيسة على ذكرى وفاة القديسين، معتقدة بأنها تمثل ميلادهم من جديد في الجنة، لكن الاحتفال بعيد ميلاد يسوع المسيح (Christmas) غيّر هذا التصور تدريجاً. وفي البداية اقتصرت الكنيسة على الاعتراف بتواريخ وفاة القديسين، إذ عُدت بمثابة ميلادهم الروحي الحقيقي، لكن مع مرور الوقت أرسى عيد الميلاد سابقة في قبول أعياد الميلاد الشخصية داخل المجتمعات المسيحية.

وبحلول القرن الـ12، تحول هذا المنظور بصورة كبيرة، فأدرك رجال الدين أن الاحتفال بأعياد الميلاد قد يكون فرصة لشكر الله على هبة الحياة، ومذاك ازدادت شعبية أعياد الميلاد الشخصية، ولا سيما بين الملوك والنبلاء الأوروبيين، وكانت الاحتفالات تتضمن مراسم صلاة في الكنائس لمباركة الفرد، مشيرة إلى مرحلة مهمة في حياته. وبفضل تغير المنظورات الدينية والمجتمعية، أصبحت أعياد الميلاد مقبولة على نطاق واسع.

وخلال القرن الـ18، ازداد شيوع الاحتفال بأعياد الميلاد ولا سيما في أوروبا، وبدأت الطبقة المتوسطة تحتفل بأعياد الميلاد كتجمع عائلي للتعبير عن الامتنان للحياة، وكان الألمان أول من أدخلوا احتفالات أعياد الميلاد للأطفال Kinderfeste، فتضمنت هذه التجمعات الطعام والألعاب والاحتفالات العائلية. ومن هنا أيضاً بدأ تقليد وضع الشموع على كعكات أعياد الميلاد، إذ تمثل كل شمعة سنة من العمر، وكان الأطفال يطفئون الشموع وهم يتمنون أمنية، معتقدين بأن دخانها يحمل دعواتهم إلى السماء.

ومع حلول القرن الـ19، وبفضل ازدهار صناعة الطباعة أصبحت بطاقات أعياد الميلاد متاحة على نطاق واسع، وصنعت إحدى أولى بطاقات أعياد الميلاد في إنجلترا عام 1870، وسرعان ما أصبح إهداء بطاقات أعياد الميلاد تقليداً مهماً يتيح للناس التعبير عن حبهم وأطيب تمنياتهم في هذا اليوم المميز. واليوم يحتفل بأعياد الميلاد في جميع أنحاء العالم، مع عادات مختلفة اعتماداً على الخلفيات الثقافية المتعددة والغريبة في الوقت نفسه.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1249 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع