قلعة جعبـر أحد أبرز قلاع سوريا الأثرية: دمرها هولاكو ورمم مقبرتها السلطان عبد الحميد الثاني

        

قلعة جعبـر أحد أبرز قلاع سوريا الأثرية: دمرها هولاكو ورمم مقبرتها السلطان عبد الحميد الثاني

القدس العربي/حسام محمد:تكتنز محافظة الرقة شمالي سوريا، مواقع أثرية بارزة وشهيرة على مر العصور، فتاريخياً يعتبر حوض نهر الفرات من المناطق التي استوطنتها الكثير من الحضارات والتجمعات البشرية.

قلعة جعبر، هي إحدى تلك الآثار الهامة جداً في سوريا، فهي تُكمل جزءاً مهماً من خريطة الشمال الأثرية، وتمتاز القلعة بموقعٍ استراتيجي هام على هضبة كانت تشرف على نهر الفرات سابقاً، واليوم أصبحت شبه جزيرة ضمن بحير السد الصناعية.

كمعظم الآثار السورية، فقد نالت قلعة جعبر نصيبها من الحرب، حيث تعرضت لعمليات حفر عشوائية غير شرعية بحثاً عن الآثار منذ بداية العام 2013 من قبل مهربي ولصوص الآثار، وخلال العام 2013 سيطرت عليها «جبهة النصرة» ولاحقاً «تنظيم الدولة» الذي أتخذ منها مقراً عسكرياً.

  

الموقع والوصف المعماري

تسمية القلعة تنسب إلى «جعبر سابق القشيري» أخذها منه السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان 379هـ/ 986 م، ويقال أن القلعة كانت مسبوقة بقلعة أنشأها دوسر غلام النعمان بن المنذر ملك الحيرة قبل الإسلام.
القلعة تقع في الجزيرة السورية، على الضفة اليسرى من نهر الفرات، وتبعد مسافة 53 كيلو مترا عن مدينة الرقة.
كما أنها تقع على هضبة كلسية وبيضاوية الشكل ترتفع عما حولها زهاء 50 مترًا مشرفة على بحيرة الأسد 1974 وهي قلعة ذات سورين يضمان عددا من الأبراج تزيد عن خمسة وثلاثين برجا، بعضها مضلع والبعض نصف دائري.
أكثر ما يميز قلعة جعبر، هو شكلها البيضوي، وتموضعها على قاعدة صخرية مرتفعة عند مضيق صخري يمر منه نهر الفرات، وهو ما ساعد في مهمة الإشراف على هذا الممر المائي الحيوي جداً، وكذلك الإشراف على الضفة الشامية المقابلة.
حيث يتم الدخول إلى القلعة بواسطة نفق محفور في قلب الصخر، ويتكون عمرانها من مجموعات سكنية ومستلزماتها ومن مرافق عامة. وجامع تعلوه مئذنة مستديرة مزدانة بزخارف كتابية، بحسب موقع وزارة السياحة في سوريا، وهي واحدة من ثلاث مآذن اشتهرت في المنطقة والاثنتان الأخريان هما مئذنة أبي هريرة ومئذنة مسكنة، ويحيط بالقلعة سوران مدعمان بالأبراج ذات الأشكال المختلفة.

    

مخطط

القلعة مستطيلة الشكل، أبعادها 320م × 170م، وتتكون وفق عدة مصادر خاصة بالآثار من:
سوران: يحيط بالقلعة سوران مبنيان من الآجر، يفصل بينهما ممر صغير، ضمن هذين السورين يوجد 35 برجاً مختلفة الأشكال، مهمتها حماية القلعة.
البوابة: تقع غرب القلعة، تم تشييدها من الآجر، هذه البوابة تفضي إلى الباحة، وتنتهي إلى برج عليا الدفاعي، الذي يبعد 100م عن البوابة.
النفق: موجود على يسار الباحة، وقد حفِر بالصخر، ينتهي إلى سطح القلعة، طوله 50م.
المسجد: يقع وسط القلعة، له مئذنة قائمة إلى تاريخ اليوم، تطل على كل ما يحيط بها.
بيوت: تقع جنوب غرب القلعة، وهي بيوت أمراء القلعة، وهي اليوم مغطاة بالرمال.
المدافن: وهي محفورة بالصخر، تعود أغلبها إلى العهد البيزنطي.

   

مزار تركي

تشير المصادر البحثية إلى أن جيش زعيم المغول هولاكو، دمر قلعة جعبر في 1260 ميلادي، عندما كان يقصد حلب- شمالي سوريا. لتبقى القلعة بعد ذلك لحقبة زمنية كبيرة خرابا ودمارا، حتى حتى عصر السلطان المملوكي الناصر بن قلاوون، حيث وصلها الأمير سلف الدين أبو بكر الباشري مبعوثاً من الأمير تنكز حاكم الشام مصطحباً معه المعماريين والصناع وشرع بعمارتها.
وكان ذلك عام 735هـ/1334م. بعد ذلك أخذت مكانة القلعة تضعف تدريجياً حتى عفا عليها الزمن في العصر العثماني وأصبحت مرتعاً لأبناء القبائل وماشيتهم.
وحسب موقع «المعرفة» ومصادر أخرى، فإن سليمان شاه، جد عثمان مؤسس الإمبراطورية العثمانية، قيل أنه غرق في الفرات بالقرب من قلعة جعبر، ودفن بالقرب من القلعة.
ولكن ربما تكون تلك القصة قد نتجت عن اللبس بين سليمان شاه وسليمان بن قطلمش، مؤسس سلطنة سلاجقة الروم، كذلك ليس من المؤكد ما إذا كان القبر الفعلي، المعروف باسم مزار تركي، يتعلق بأي من هذين الحكام.
وفي عهد السلطان عبد الحميد خان، قام الخليفة بإعادة بناء المقبرة، وبموجب المادة 9 من معاهدة أنقرة لعام 1921م، تم قبول المنطقة كأرض تركية، وتم السماح للجنود الأتراك بحراسة القبر بعد قيام سوريا كقوة فرنسية واستقلالها في نهاية المطاف.
في عام 1973م، واستجابة لارتفاع منسوب المياه في بحيرة الأسد التي تم إنشاؤها حديثًا، تم نقل قبر سليمان شاه المشهور والمقبرة المرتبطة به إلى موقع جديد شمال قلعة جعبر وأصبحت القلعة نفسها أرضًا سورية.

من الإهمال إلى الخراب

أهمل النظام السوري الحالي قلعة جعبر بشكل كبير قبيل الثورة السورية، وتقاعس وفق مصادر محلية عن تقديم الخدمات اللازمة لترميم القلعة، فيما يرى الباحث بدر ملا رشيد، خلال حديثه لـ «القدس العربي» أن ذكر القلعة ارتبط عبر الأخبار المتعلقة بسوريا ببداية الثورة.
وما كانت تعانيه من تخريب، زاد مع اقتراب «تنظيم الدولة» من إحكام سيطرته على محيط جسر قره قوزاك وضريح سليمان شاه الواقع بالقرب منه.
ويضيف المصدر، عاد ذكر القلعة لواجهة الأخبار كونها كانت المكان الأول لدفن السلطان سليمان شاه جد عثمان بن أرطغرل مؤسس الإمبراطورية العثمانية، ومع اشتداد المعارك مع تنظيم «الدولة» دخلت مجموعة ضخمة من الجيش التركي عبر مدينة كوباني-عين العرب في شباط/فبراير من عام 2015.
ووصلت إلى جسر قره قوزاك جنوبا على بعد 35 كلم، وحملت رفات سليمان شاه إلى نقطة جديدة داخل الأراضي السورية بالقرب من قرية آشمة التابعة لعين العرب.
ورغم اتفاق سوريا وتركيا على نقل ضريح سليمان شاه إلى مكانٍ قريب من جسر قره قوزاك، إلا إن الاتفاق يتضمن أيضاً وضع إشارة عند قلعة جعبر تشير إلى البقعة الأولى لدفن سليمان شاه.
استمر الوضع على ما هو عليه بسيطرة كاملة لتنظيم «الدولة» على قلعة جعبر إلى كانون الأول/ديسمبر من عام 2016 حينما كان التنظيم يتراجع أمام تقدم قوات سوريا الديمقراطية من معظم مناطق شمال سوريا.
كما تزامن تقدم «قسد» للقلعة مع بدء الجيش التركي عملية «درع الفرات « ضد تنظيم «الدولة» في جرابلس ومحيط إعزاز والباب.
وكان تزامن هذه المعارك هاماً جداً فيما يخص قلعة جعبر وسد الفرات وسد البعث، في الضغط الحاصل على التنظيم من أقصى الشمال كان يدفعه للاحتفاظ قدر الإمكان بخطوط مواصلاته والنقاط الآمنة من القصف الشديد، والمتمثلة بسد الفرات، ومحيطه ومنها قلعة جعبر التي تُعتبر من أهم المرتفعات المحيطة بالسد في المنطقة ومسجلة على قوائم اليونيسكو.
وسقطت القلعة في شباط/فبراير من عام 2017 معلنةً حقبة تاريخية جديدة فيما يخص إنهاء سيطرة التنظيم على مناطق شمال سوريا.

«انقذوا قلعة جعبر»

مؤخراً عاد ذكر القلعة للواجهة مع إطلاق ناشطين سوريين على مواقع التواصل الاجتماعي حملة إعلامية حملت عنوان «أنقذوا قلعة جعبر».
وذلك بعد الأضرار التي أصابت القلعة، واحتمالية حدوث انهيار مفاجئ لأجزاء كبيرة في القلعة لا سيما الأعمدة الموجودة داخلها بسبب الأمطار وتوقف عمليات الترميم منذ عام 2010 تقريباً.
الباحث ملا رشيد قال لـ «القدس العربي»: «كانت هناك نداءات قد أطلقتها الإدارة الذاتية العام 2017 طلباً لتدخل منظمات دولية للحفاظ على القلعة.
لكن لم يتم التفاعل معها إيجابياً، ويبدو أن النداء الحالي أيضاً لم يدفع أي من المنظمات الدولية للتفاعل مع الموضوع، إلا إن مديرية الآثار التابعة للإدارة الذاتية بدأت بإجراءات صيانة وقائية لأحد الأبراج المتصدعة في محاولة لإبطاء عملية التشقق ومنع إنهيار البرج».
في حين نقلت وسائل إعلام عن علماء الآثار، قولهم: إن قلعة جعبر تعاني منذ فترة طويلة من مشكلات ترتبط بأعمال الترميم، التي كانت شبه سنوية قبل عام 2011 وهي اليوم متوقفة منذ عام 2010. وأن القلعة محاطة بالمياه وهي مبنية من الآجرّ ومن الطبيعي استمرار التصدعات فيها، وشددوا على ضرورة تدخل عاجل من اليونيسكو لإنقاذ القلعة، وأشاروا إلى أنه لا يمكن التعويل على من يدير ملف الآثار حالياً بالرقة وخصوصا بعد «مخالفتهم الجسيمة في قصر البنات والترميم بالرمل الأبيض والإسمنت بدلا من الجص».

    

مئذنة مذهلة

تحتوي قلعة جعبر على العديد من المزايا التاريخية التي تشير للأمم السابقة والمتواترة عليها عبر التاريخ، ولعل من أهم تلك الآثار المعمارية هي مئذنة المسجد، وهي ضخمة جدا وفريدة في العمران، وتتموضع في القلعة بشكل طولي اسطواني تحوفها الكتابة من الأعلى.
وتحمل المئذنة اسم نور الدين محمود بن زنكي، وتتشابه إلى حد ما مع مئذنة الجامع الكبير في الرقة، ولكن مئذنة قلعة جعبر أضخم وأكبر، حيث يبلغ ارتفاعها حوالي 27 متراً وقطرها 540 سنتيمترا.

35 برجا دفاعيا

يتوزع في قلعة جعبر 35 برجا، للدفاع عنها خلال الهجمات الخارجية، كما أن بعض هذه الأبراج مربعة الشكل وبعضها الآخر مسدس، كما وجدت أبراج على شكل نصف دائري ونصف مثمن.
فيما توجد البوابة الرئيسية للقلعة في الواجهة الغربية لها، وتؤدي إلى دهليز صغير يوصل إلى باحة تنتهي ببرج ضخم.
هذا وتحتوي القلعة وفق مراجع تاريخية على سور خارجي ضخم، وكذلك سور داخلي يبعد أمتارا قليلة عن سورها الخارجي، حيث تشكل المسافة بين السورين ممراً هاما لها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

903 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع